حكومة الكاظمي... بين احتفالية التكليف وملابسات التمرير

TT

حكومة الكاظمي... بين احتفالية التكليف وملابسات التمرير

بالكمامات والقفازات يستعد البرلمان العراقي للتصويت على حكومة رئيس الوزراء المكلف مصطفى الكاظمي. الجلسة التي تعقد في تمام الساعة التاسعة من مساء اليوم بتوقيت بغداد يتوقع أن يحضرها أكثر من 200 نائب كان العالقون خارج بغداد منهم وصلوا أول من أمس بطائرات خاصة.
تختلف الاستعدادات لعقد هذه الجلسة عن كل الجلسات البرلمانية السابقة؛ سواء لجهة جلسات الفصول التشريعية التي تشهد تشريع قوانين أو استجواب وزراء أو مناقشة القضايا الرئيسية في البلاد، وجلسات منح الثقة للحكومات السابقة. جائحة «كورونا» عطلت منذ أكثر من شهرين جلسات البرلمان؛ كانت أخراها جلسة منح الثقة لحكومة المكلف الأسبق محمد توفيق علاوي التي اختل نصابها. وتهيمن الإجراءات الخاصة بجائحة «كورونا» على جلسة الليلة، وتمت تهيئة كبريات قاعات البرلمان في قصر المؤتمرات لها، ورتبت الكراسي والطاولات بحيث تترك مسافة كافية بين كل نائب وآخر، فضلاً عن إلزام النواب بالخضوع لإجراءات الفحص الصارمة وارتداء الكمامات والقفازات.
وتعكس الاستعدادات الخاصة بمنح الحكومة الثقة من عدمها التناقض بين ما بدا مشهداً احتفالياً قل نظيره عند تكليف الكاظمي مهمة تشكيل الحكومة في «قصر السلام» بحضور الرئيس العراقي برهم صالح وقادة الخط الأول في العملية السياسية، وبين ملابسات التمرير بين داعم للحكومة ومتردد ومتنصل، مما يشير إلى أن الحكومة سوف تمضي بالتصويت لكن ليس على كل الكابينة المؤلفة من 22 حقيبة. فطبقاً للمصادر والتوقعات، فإن الوزارات التي يتوقع أن يتم التصويت عليها تتراوح بين 16 و18 وزارة، فيما تبقى 4 وزارات قيد التداول؛ بينها وزارة المالية التي تحولت إلى حقيبة متنازع عليها بين التحالف الشيعي والتحالف الكردي. فالكرد يتمنون بقاء وزيرهم الحالي فؤاد حسين على رأسها، وهو ما يرفضه الشيعة، علماً بأن فؤاد حسين شيعي كونه كردي فيلي، لكنّ نواباً شيعة من كتل مختلفة يتهمونه بمحاباة كردستان على حساب باقي المناطق، وهو ما يرفضه الكرد جملة وتفصيلاً وتشاطرهم في ذلك كتل برلمانية أخرى من بينها الكتل السُنّية.
الكاظمي الذي كان متوقعاً له تشكيل حكومة مريحة وفي وقت قياسي انطلاقاً من جو التكليف الاحتفالي، واجه صعوبات غير متوقعة عند بدء مفاوضاته مع الكتل السياسية استمرت طوال شهر التكليف، حيث تنتهي المهلة الدستورية الجمعة. وفي سياق المفارقة بين التكليف والتمرير وما جرى خلال الفترة الفاصلة بينهما، يقول برهان المعموري، النائب عن تحالف «سائرون» المدعوم من مقتدى الصدر، لـ«الشرق الأوسط»، إن «موقف كتلة (سائرون) كان واضحاً منذ البداية، وهو تخويل رئيس الوزراء المكلف اختيار كابينته الوزارية وفق المعايير الموضوعية التي تنطبق على الجميع دون استثناء»، مبيناً أن «الهدف من وراء ذلك كان أن يشكل حكومة بعيدة عن المحاصصة، بحيث لا يثير اختياره للمرشحين جدلاً، وأن يكون المرشح (كفوءاً) ونزيهاً ومستقلاً ليحظى بالمقبولية». وأضاف المعموري أن «الأمر الآخر المهم الذي ركزنا عليه، هو الانتخابات والتهيؤ لها بطريقة صحيحة».
ورداً على سؤال بشأن مواقف الكتل السياسية، يقول المعموري إن «مواقف بعض الكتل متغيرة، وهذا التغيير يأتي بحجة عدم القناعة بالمرشحين من جانب؛ ومن جانب آخر حفظ التوازن المكوناتي والقومي»، موضحاً أن «هناك أمراً آخر؛ وهو أن هناك كتلاً لا تؤمن بالمستقلين، وبالتالي، فإنها تبحث عن الاستحقاق الانتخابي». وبشأن حظوظ الكاظمي، يقول المعموري إن «حظوظه هو الآخر متغيرة ومرتبطة عموماً بمدى التزامه باختيار الشخصيات وطبقاً للمواصفات التي أشرنا إليها، وكذلك مدى تواصله مع الكتل السياسية لجهة التوافق على شخصيات مقبولة ولا توجد عليها مؤشرات».
إلى ذلك؛ كشف زعيم «ائتلاف دولة القانون» رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي عن تلقيه رسالة من جهة تدعي أنها محسوبة على السفير الأميركي. وقال المالكي في تغريدة له على موقع «تويتر» إنه «إذا كانت مزورة فاعتبرها مهملة؛ وإن كانت صحيحة فالعراق له رجال يقدرون مصلحته ومصلحة شعبه، ولا نقبل التدخل في شؤوننا الداخلية، وليس هذا من مهام السفير الدبلوماسية».
مضمون الرسالة التي تلقاها المالكي وربما قيادات سياسية أخرى تؤكد على أهمية تمرير حكومة الكاظمي، وأن العراق في حال لم يشكّل حكومة قوية فإن عواقب وخيمة تترتب على ذلك. أوساط السفارة الأميركية لم تنفِ أو تؤكد هذه الرسالة سواء كانت صادرة عنها أم مفبركة.
من جهته، قال رئيس «ائتلاف الوطنية»، إياد علاوي، أمس، إنه في حال لم تُكذب الرسالة الأميركية فستعد تدخلاً مرفوضاً في الشأن العراقي. وغرد علاوي عبر «تويتر» قائلاً: «نؤكد ضرورة أن تكون علاقاتنا جيدة مع الولايات المتحدة وبقية دول العالم، لذا ما لم تُكذب الرسالة المنسوبة للسفارة الأميركية فستعدّ تدخلاً سافراً ومرفوضاً في الشأن العراقي». وأضاف: «شعبنا لن ينسى توافق الإدارتين الأميركية والإيرانية على وأد حقوقه عام 2010 والتي لا يزال يدفع ثمنها ويعاني تداعياتها».
وجاء في الرسالة أن «السفير الأميركي حذر العراق من مواجهة عواقب مدمرة إذا لم تتم الموافقة على حكومة مصطفى الكاظمي». وأضافت الرسالة الغامضة أنه «إذا تم تشكيل الحكومة فسوف نبذل قصارى جهدنا لمساعدة العراق على مواجهة المشاكل المقبلة».



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.