حكاية المعماري صلاحي مع الشاه

حكاية المعماري صلاحي مع الشاه
TT

حكاية المعماري صلاحي مع الشاه

حكاية المعماري صلاحي مع الشاه

أحبّ الأشياء إلى قلب الشاه سيفي صيد الطرائد. في ذلك اليوم اصطاد ثلاثين أيلاً أسمر، ووجّه دعوة إلى سفراء التتر والروس والهند.
كان النهار دافئاً، وبهاء الشمس فوق العادة، والبلاط يزدهى بأثاثه الثمين ومباهجه المتنوعة، وكل شيء يدلّ على النظام الصارم في القصر، وزهور الناردين بألوانها الثلاثة تتنفس الصمت عند النوافذ. الكلب هنري، الذي ربّاه الشاه وأطلق عليه هذا الاسم نكاية بملك الإفرنج، استقبل الضيوف مع الشاه، وكان يتشمم ثيابهم، ولما اطمأن إلى مكانة جميع المدعوين المهيبة، تعكّك تحت النافذة، ونام.
توقع السفير الروسي تناول الطعام بالأيدي، لكنه فوجئ بوجود السكاكين وشوَك الطعام. السفير التتري كان قاتماً، ولكن كانت هناك أصالة في قتامته. وكان السفير الهندي، بكتفيه العريضين المنقبضين، كأنه لم يكن يريد شيئاً سوى ألا يكون هنا. وكان الشاه يحدث ضيوفه بكلام مملّ، وأنفه مزكوم بالانزعاج. منذ أيام تلحّ عليه فكرة أن الملك، حسب قوانين الإمبراطورية، هو من يستطيع أن يقسم شَعْرة الحكم بين أربعة أقسام: واحد له، وواحد للجيش، وآخر للعدوّ، وقسم أخير للرعية:
«حصتي هي الربع. أليست قليلة؟».
سأل الشاه، وكان هناك شجن في صوته، وأيّده أحد الضيوف، واقترح أن يقاسم الرعية والعدوّ الربع من حصتيهما، أو النصف. السفير الروسي يشبه لقلقاً ينام واقفاً على ساق، ممسكاً بحصاة في رجله الأخرى. كانت السيوف وسياط الركوب وحبالات الطير وأبواق الصيد الرائعة والحبال المربوطة بشرائط من الذهب تتدلى من حيطان قاعة الطعام. جأر السفير التتري برأيه الغريب، وكان صوته يعظم شيئاً فشيئاً: «العدل هو أن على جميع شعوب بلاد فارس جمع المال، ويكون هذا حصة جلالة الشاه، والذي يزيد عن حاجته يذهب إلى خدمة الجيش».
كانت معروضة عند أركان غرفة الطعام تماثيل لطيور حجل ذات قوائم حمراء، تعدّ نادرة، وأحد الحيطان مغطى برفوف متراصة عالية ملأى بحيوانات محنّطة محشوة بالتبن، ورُتّبت على المائدة أوانٍ من الأحجام والأشكال كافة، فيها لحم الأيّل الأسمر الذي اصطاده الشاه، مع الخبز الفارسي الذي برقة المنديل، مع مرجلين من الرز الأبيض، والرز المتعدد الألوان، وتحتوي الأواني المستديرة على الحلوى.
مرت عين الشاه بلا مبالاة على ما قيل، وما لم يُقل:
«هذا رأيكم إذن، أنا مسرور لأننا جميعاً متفقون!».
لم يعترض أحد، وكان حاجب القصر يطلب من حكمة الشاه أن تأذن له بالدخول. «مولاي الشاه المعظّم، أحد عبيدك يعمل معمارياً ونحاتاً، وقام بعمل نصب على شكل هرم من رؤوس الأيائل التي اصطادها مولاي الشاه اليوم. عبدك المعماري المدعو صلاحي يستأذن للمثول بين يديك».
«فليدخل!».
صاح الشاه بالحاجب، وكان يجرب مع ضيوفه حلوى الدوشاب المحشوة بالسفرجل المطبوخ مع عجينة لبّ التين. تقدم المعماري فرحاً، وانحنى ثلاث مرات، وقبّل الأرض: «مولاي الشاه، أكملت بناء هرم من رؤوس الأيائل التي كان لها الحظّ العظيم أن تكون طعامكم، وجعلت الهرم في مركز المدينة. لكن بقي رأس واحد فقط».
«لقد فعلت حسناً!».
هتف الشاه، بعينيه الزرقاوين الصارمتين، ولم يكن متظاهراً أمام السفراء بطريقة معاملة رعاياه عندما التفت جذلاً للمعماري. فزّ الكلب من نومه، ورفع رأسه، محدّقاً بالشاه عندما كان يصيح:
«لا أعرف أين أجد رأساً أفضل من رأسك!».
المعماري صلاحي، ذو الجسد الضئيل، الذي كان يحلم دائماً أحلاماً مبللة بالعرق الغزير والتنهدات القصيرة، والذي كان أبوه يزعم أمام الجميع أنه يمتلك أطناناً من طيبة النفس، قطعوا رأسه في تلك الليلة، وفصلوه عن جسده، وجعلوا من جمجمته القمة العالية البديعة للهرم الذي صنعه بيديه. واختلفت الآراء فيما بعد حول ما إذا كان ذلك علامة خير أم شرّ على البلاد.



انطلاق الدورة الـ19 لـ«البابطين الثقافية» بمضاعفة جوائز الفائزين

وزير الثقافة والإعلام عبد الرحمن المطيري ووزير الخارجية عبد الله اليحيا ورئيس مجلس الأمة السابق مرزوق الغانم وأمين عام «مؤسسة البابطين الثقافية» سعود البابطين وضيوف الدورة الـ19 (الشرق الأوسط)
وزير الثقافة والإعلام عبد الرحمن المطيري ووزير الخارجية عبد الله اليحيا ورئيس مجلس الأمة السابق مرزوق الغانم وأمين عام «مؤسسة البابطين الثقافية» سعود البابطين وضيوف الدورة الـ19 (الشرق الأوسط)
TT

انطلاق الدورة الـ19 لـ«البابطين الثقافية» بمضاعفة جوائز الفائزين

وزير الثقافة والإعلام عبد الرحمن المطيري ووزير الخارجية عبد الله اليحيا ورئيس مجلس الأمة السابق مرزوق الغانم وأمين عام «مؤسسة البابطين الثقافية» سعود البابطين وضيوف الدورة الـ19 (الشرق الأوسط)
وزير الثقافة والإعلام عبد الرحمن المطيري ووزير الخارجية عبد الله اليحيا ورئيس مجلس الأمة السابق مرزوق الغانم وأمين عام «مؤسسة البابطين الثقافية» سعود البابطين وضيوف الدورة الـ19 (الشرق الأوسط)

كرمّت «مؤسسة عبد العزيز سعود البابطين الثقافية»، صباح اليوم (الأحد)، الفائزين بجوائز الدورة الـ19 للجائزة، مع انطلاق هذه الدورة التي حملت اسم مؤسس وراعي الجائزة الراحل عبد العزيز سعود البابطين، تخليداً لإرثه الشعري والثقافي.

وأُقيم الاحتفال الذي رعاه أمير الكويت، الشيخ مشعل الأحمد الصباح، في مركز الشيخ جابر الأحمد الثقافي، بحضور (ممثل أمير البلاد) وزير الإعلام والثقافة وزير الدولة لشؤون الشباب عبد الرحمن المطيري، ومشاركة واسعة من الأدباء والمثقفين والسياسيين والدبلوماسيين وأصحاب الفكر من مختلف أنحاء العالم العربي، كما حضر الحفل أعضاء المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب.

جانب من حضور دورة الشاعر عبد العزيز سعود البابطين (الشرق الأوسط)

وقال وزير الثقافة والإعلام الكويتي، عبد الرحمن المطيري، في كلمته، إن هذا الملتقى «الذي يحمل في طياته عبق الشعر وأريج الكلمة، ليس مجرد احتفالية عابرة، بل هو تأكيد على أن الثقافة هي الروح التي تحيي الأمم، والجسر الذي يعبر بنا نحو مستقبل زاخر بالتسامح والتعايش والمحبة».

وأضاف: «إن لقاءنا اليوم ليس فقط تكريماً لمن أبدعوا الكلمة وشيَّدوا صروح الأدب، بل هو أيضاً دعوة لاستلهام الإرث الثقافي الكبير الذي تركه لنا الشاعر الراحل عبد العزيز سعود البابطين (رحمه الله)، والذي كان، وسيبقى، قامة ثقافية جمعت بين جمال الكلمة وسمو الرسالة... رسالة تُعبِّر عن القيم التي تجمع بين الحضارات. ومن هنا جاءت مبادراته الرائدة، التي عرَّف من خلالها الشرقَ بالشعر العربي، وقدَّم للغرب بُعدَه الإنساني، جاعلاً من الشعر جسراً يربط القلوب، ومفتاحاً للحوار بين الثقافات».

رئيس مجلس أمناء «مؤسسة البابطين الثقافية» سعود البابطين يلقي كلمته في افتتاح الدورة الـ19 (الشرق الأوسط)

في حين قال رئيس مجلس أمناء «مؤسسة البابطين الثقافية»، سعود البابطين، إن هذه الدورة تأتي احتفاءً «بالشعر، فن العرب الأول على مر العصور، وتكريماً للمبدعين والفائزين مِنَ الشعراءِ والنقاد، ووفاءً ومحبة لشاعر هذه الدورة (عبد العزيز البابطين) الذي أخلص في رعاية الشعر العربي وخدمة الثقافة العربية بصدق ودأب وتفانٍ طيلة عمره كله، بلا ملل ولا كلل».

وفي خطوة لافتة، قدَّم رئيس مجلس الأمناء، أمين عام المؤسسة السابق، الكاتب عبد العزيز السريع، الذي رافق مؤسس الجائزة منذ نشأتها، ليتحدث عن ذكرياته مع راعي الجائزة الراحل، والخطوات التي قطعها في تذليل العقبات أمام إنشاء المؤسسة التي ترعى التراث الشعري العربي، وتعمل فيما بعد على بناء جسور التواصل بين الثقافات والحضارات.

وأعلن البابطين، في ختام كلمته عن مضاعفة القيمة المالية للجوائز ابتداءً من هذه الدورة، وفي الدورات المقبلة لـ«جائزة عبد العزيز البابطين».

ونيابة عن الفائزين، تحدَّث الأديب والشاعر الكويتي الدكتور خليفة الوقيان، مشيداً بـ«جهود (مؤسسة البابطين الثقافية) في دعمها اللامحدود للفعل والنشاط الثقافي داخل وخارج الكويت».

وأضاف: «في هذا المحفل الثقافي البهيج، يمرُّ في الذاكرة شريط لقاءات تمَّت منذ 3 عقود، كان فيها الفقيد العزيز الصديق عبد العزيز البابطين يحمل دائماً هَمّ تراجع الاهتمام بالشعر، ويضع اللَّبِنات الأولى لإقامة مؤسسة تُعنى بكل ما من شأنه خدمة ذلك الفن العظيم، ثم ينتقل عمل المؤسسة إلى الأفق الدولي، من خلال ما يُعنى بقضية حوار الثقافات والحضارات».

وألقى الشاعر رجا القحطاني قصيدة عنوانها «إشعاع الكويت»، من أشعار الراحل عبد العزيز البابطين.

يُذكر أن فعاليات الدورة الـ19 مستمرة على مدى 3 أيام، بدءاً من مساء الأحد 15 ديسمبر (كانون الأول) إلى مساء الثلاثاء 17 ديسمبر الحالي. وتقدِّم الدورة على مسرح مكتبة البابطين المركزية للشعر العربي 5 جلسات أدبية، تبدأ بجلسة بعنوان «عبد العزيز البابطين... رؤى وشهادات»، تليها 4 جلسات أدبية يعرض المختصون من خلالها 8 أبحاث عن الشاعر عبد العزيز سعود البابطين المحتَفَى به، و3 أمسيات شعرية ينشد فيها 27 شاعراً.

وزير الثقافة والإعلام عبد الرحمن المطيري ووزير الخارجية عبد الله اليحيا ورئيس مجلس الأمة السابق مرزوق الغانم وأمين عام «مؤسسة البابطين الثقافية» سعود البابطين وضيوف الدورة الـ19 (الشرق الأوسط)

الفائزون:

* الفائز بالجائزة التكريمية للإبداع الشعري الشاعر الدكتور خليفة الوقيان، وقيمة الجائزة 100 ألف دولار.

* الفائزان بجائزة الإبداع في مجال نقد الشعر «مناصفة»، وقيمتها 80 ألف دولار: الدكتور أحمد بوبكر الجوة من تونس، والدكتور وهب أحمد رومية من سوريا.

* الفائزة بجائزة أفضل ديوان شعر، وقيمتها 40 ألف دولار: الشاعرة لطيفة حساني من الجزائر.

* الفائز بجائزة أفضل قصيدة، وقيمتها 20 ألف دولار: الشاعر عبد المنعم العقبي من مصر.

* الفائز بجائزة أفضل ديوان شعر للشعراء الشباب، وقيمتها 20 ألف دولار: الشاعر جعفر حجاوي من فلسطين.