«كوفيد ـ 19» يربك العلماء: عدوى أم تسرب مختبر؟

«كوفيد ـ 19» يربك العلماء: عدوى أم تسرب مختبر؟
TT

«كوفيد ـ 19» يربك العلماء: عدوى أم تسرب مختبر؟

«كوفيد ـ 19» يربك العلماء: عدوى أم تسرب مختبر؟

هناك عدة أدلة قوية تستند إلى التحليل الجيني، توصل إليها العلماء في كثير من الدول، تشير إلى أن جائحة فيروس «كورونا المستجد» نتجت عن حدث طبيعي؛ حيث من المرجح أن الفيروس انتقل من الخفاش إلى البشر مباشرة، أو ربما من الخفاش إلى البشر عن طريق الأنواع الحيوانية الوسيطة. لكن في المقابل، فإنه «لا توجد أدلة كافية حول مكان وقوع هذا الحدث»، ففي حين يعتقد علماء أن «الفيروس التاجي أصاب البشر لأول مرة في الطبيعة أو من خلال تجارة الحياة البرية»، يعتقد آخرون أن «هناك إمكانية لحدوث ذلك أثناء البحث العلمي على الفيروسات التاجية أو الحيوانات التي تؤويهم».
ومنذ بداية الجائحة قبل 5 أشهر، كانت هناك اتهامات أميركية - صينية متبادلة، حول الضلوع في تخليق الفيروس معملياً. وأعلنت المخابرات الأميركية الخميس الماضي في بيان، أنها «تعتقد أن الفيروس لم يكن نتاج عمل بشرى أو تعديل جيني»... ولم تمر ساعات على هذا البيان، الذي يبدو أنه «استند إلى نتائج أكثر من دراسة دولية أكدت هذه الحقيقة»، حتى أثار الرئيس الأميركي دونالد ترمب جدلاً حول منشأ الفيروس.
وقال ترمب، في مؤتمر صحافي، يوم الجمعة الماضي، إنه «اطلع على أدلة تربط مختبراً في ووهان الصينية بانتشار الفيروس؛ لكنه لم يحدد ماهية تلك الأدلة». وكرّر وزير خارجيته، مايك بومبيو، الأحد الماضي، هذه الاتهامات في تصريحات لبرنامج «هذا الأسبوع»، المُذاع عبر قناة ABC.
هذا الجدل المتصاعد حول منشأ الفيروس، بعد 5 أشهر من بداية الجائحة، ظهر منذ بداية الأزمة، أثناء رحلة البحث عن الحالة صفر التي أصيبت به، لتحديد مصدره. وأثارت تقارير صينية متباينة شكوكاً حول هذا الأمر، قبل أن يتوارى هذا الجدل لانشغال العالم بإنتاج أدوية ولقاحات للفيروس، ثم أثاره الرئيس الأميركي ووزير خارجيته مجدداً.
وفي غضون أسبوعين من إعلان منظمة الصحة العالمية عن مجموعة من حالات الالتهاب الرئوي لسبب غير معروف في ووهان بالصين في 31 ديسمبر (كانون الأول) عام 2019، أكدت الحكومة الصينية أن «الحالات مرتبطة بالتعرض لأحد الفيروسات في سوق ووهان للمأكولات البحرية؛ حيث تم بيع حيوانات الحياة البرية الحية». ولم تمر أيام، حتى أعلن الباحثون في الصين أنهم «حددوا بالفعل الفيروس التاجي الجديد، الذي سمي لاحقاً بالمتلازمة التنفسية الحادة النوع الثاني (SARS - CoV - 2)، وشاركوا تسلسله الجيني مع بلدان أخرى لاستخدامه في تطوير اختبارات التشخيص».
وبعد نحو أسبوعين، تم تحديد وصف للحالات السريرية الأولى التي أصيبت بالفيروس الرواية الصينية؛ حيث أشار هذا الوصف الذي نشر في 24 يناير (كانون الثاني) بالمجلة الطبية «ذا لانسيت» إلى أن 13 من أصل 41 من المرضى الأوائل الذين أصيبوا بالفيروس، وتم إدخالهم إلى المستشفى في مدينة ووهان، لم يكن لديهم أي اتصال على الإطلاق بسوق الحيوانات، وشمل ذلك أول شخص أصيب بالمرض.
لم تحدد هذه الدراسة من أين يأتي الفيروس؛ لكنها كشفت عن أن «سوق الحيوانات ليس المصدر الوحيد له». وسرعان ما بدأت نظريات الأصل الأخرى في الانتشار؛ حيث ذهبت تلك النظريات إلى «احتمالية إصابة الباحثين في ووهان بالفيروس عن طريق الخطأ، ولأنه لا تظهر أعراض المرض على جميع المصابين بالعدوى، فمن المحتمل إصابة باحث بالعدوى دون أن تظهر عليه أي أعراض، لينقلها دون قصد إلى الأسرة والأصدقاء وأي شخص آخر كان على اتصال به، أو ربما كان هناك تسرب غير ملاحظ للفيروس من مواد النفايات غير المحترقة أو جثث الحيوانات التي وجدت طريقها إلى صناديق القمامة التي كان يمكن للفئران أو القطط الوصول إليها». ونظرية أخرى قالت إن «العدوى حدثت أثناء العمل الميداني، عندما كان الباحثون يجمعون الفيروسات من الخفافيش في أعماق الكهوف الجبلية».
والمفارقة أن هذه النظريات استندت إلى دراسة أميركية نشرتها دورية «نيتشر ميدسين» في 2015. ونجح الباحثون خلالها في «استخدام الهندسة الوراثية لتخليق سلالة جديدة من فيروسات (كورونا) التي توجد في الخفافيش الصينية، وتعديلها جينياً، حتى يمكن أن تصيب فئران التجارب... وذهبوا إلى أنه من الوارد أثناء إجراء أبحاث شبيهة في الصين حدوث انتقال للفيروس من حيوانات التجارب إلى الباحثين».
ولا يستبعد الدكتور تامر سالم، أستاذ علوم الطب الحيوي، بمدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا «حدوث ما تشير إليه هذه النظريات، بدليل الانتشار السريع للفيروس، وهو أمر لا يحدث في حالات الانتقال الطبيعي؛ لكن الجزم بذلك لا يمكن أن يحدث من دون تعاون الصين».
وقال سالم لـ«الشرق الأوسط»: «الشيء الذي يمكن التأكد منه من دون تعاونهم، هو متابعة التسلسل الجيني للفيروس للتأكد من أنه مخلق معملياً أم لا، أما فكرة أنه مسرب من المعمل بالخطأ أثناء إجراء الأبحاث، فهذا يستحيل التأكد منه من دون تعاون الصين».
قبل 4 أيام، طالبت منظمة الصحة الصين بدعوتها إلى المشاركة في التحقيق في أصل الفيروس، وهو «أمر من المستبعد أن توافق عليه الصين»، كما يتوقع الدكتور سالم.
ويؤكد الدكتور محمد مدحت، أستاذ مساعد علوم الطب الحيوي بمدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا، على ما ذهب إليه الدكتور سالم، مشيراً إلى أن «الدراسة الأميركية التي تستند إليها نظريات تسرب الفيروس من المختبر، تكشف عن خطورة مثل هذا النوع من الأبحاث التي يتم خلالها تخليق فيروسات».
ويتعجب مدحت من «ترويج البعض لهذه الدراسة لاتهام أميركا بأنها قد تكون مصدر الفيروس»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط»: «هناك فرق بين الفيروس المخلق بالدراسة والفيروس المنتشر حالياً في أكثر من 5 آلاف حمض نووي».


مقالات ذات صلة

متحور جديد لـ«كورونا» في مصر؟... نفي رسمي و«تخوف سوشيالي»

شمال افريقيا «الصحة» المصرية تنفي رصد أمراض فيروسية أو متحورات مستحدثة (أرشيفية - مديرية الصحة والسكان بالقليوبية)

متحور جديد لـ«كورونا» في مصر؟... نفي رسمي و«تخوف سوشيالي»

نفت وزارة الصحة المصرية رصد أي أمراض بكتيرية أو فيروسية أو متحورات مستحدثة مجهولة من فيروس «كورونا».

محمد عجم (القاهرة)
الولايات المتحدة​ أظهر المسح الجديد تراجعاً في عدد الأطفال الصغار المسجلين في الدور التعليمية ما قبل سن الالتحاق بالمدارس في أميركا من جراء إغلاق الكثير من المدارس في ذروة جائحة كورونا (متداولة)

مسح جديد يرصد تأثير جائحة «كورونا» على أسلوب حياة الأميركيين

أظهر مسح أميركي تراجع عدد الأجداد الذين يعيشون مع أحفادهم ويعتنون بهم، وانخفاض عدد الأطفال الصغار الذين يذهبون إلى الدور التعليمية في أميركا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شمال افريقيا الزحام من أسباب انتشار العدوى (تصوير: عبد الفتاح فرج)

مصر: تطمينات رسمية بشأن انتشار متحور جديد لـ«كورونا»

نفى الدكتور محمد عوض تاج الدين مستشار الرئيس المصري لشؤون الصحة والوقاية وجود أي دليل على انتشار متحور جديد من فيروس «كورونا» في مصر الآن.

أحمد حسن بلح (القاهرة)
العالم رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)

الاتجار بالبشر يرتفع بشكل حاد عالمياً...وأكثر من ثُلث الضحايا أطفال

ذكر تقرير للأمم المتحدة -نُشر اليوم (الأربعاء)- أن الاتجار بالبشر ارتفع بشكل حاد، بسبب الصراعات والكوارث الناجمة عن المناخ والأزمات العالمية.

«الشرق الأوسط» (فيينا)

هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
TT

هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)

تخضع «هيئة تحرير الشام»، التي قادت قوات المعارضة للإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، لعقوبات من الأمم المتحدة منذ فترة طويلة، وهو ما وصفه المبعوث الخاص للمنظمة الدولية إلى سوريا غير بيدرسون، بأنه «عامل تعقيد لنا جميعاً».

كانت «هيئة تحرير الشام» تُعرف في السابق باسم «جبهة النصرة»، الجناح الرسمي لتنظيم «القاعدة» في سوريا، حتى قطعت العلاقات بالتنظيم في عام 2016. ومنذ مايو (أيار) 2014، أُدرجت الجماعة على قائمة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لعقوبات تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، كما فُرض عليها تجميد عالمي للأصول وحظر أسلحة.

ويخضع عدد من أعضاء «هيئة تحرير الشام» أيضاً لعقوبات الأمم المتحدة مثل حظر السفر، وتجميد الأصول، وحظر الأسلحة، ومنهم زعيمها وقائد إدارة العمليات العسكرية أحمد الشرع، المكنى «أبو محمد الجولاني»، المدرج على القائمة منذ يوليو (تموز) 2013.

وقال دبلوماسيون إنه لا يوجد حالياً أي مناقشات عن رفع العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة على الجماعة. ولا تمنع العقوبات التواصل مع «هيئة تحرير الشام».

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟ (رويترز)

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

فرضت الأمم المتحدة عقوبات على «جبهة النصرة»، لأن الجماعة مرتبطة بتنظيم «القاعدة»، ولأنها كانت «تشارك في تمويل أو تخطيط أو تسهيل أو إعداد أو ارتكاب أعمال أو أنشطة» مع «القاعدة» أو دعماً لها وتستقطب أفراداً وتدعم أنشطة «القاعدة».

وجاء في قائمة العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة: «في يناير (كانون الثاني) 2017، أنشأت جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام)، وسيلة لتعزيز موقعها في التمرد السوري وتعزيز أهدافها باعتبارها فرعاً لتنظيم (القاعدة) في سوريا»... ورغم وصف ظهور «هيئة تحرير الشام» بطرق مختلفة (على سبيل المثال كاندماج أو تغيير في الاسم)، فإن جبهة «النصرة» استمرت في الهيمنة والعمل من خلال «هيئة تحرير الشام» في السعي لتحقيق أهدافها.

وفُرضت عقوبات على الجولاني بسبب ارتباطه بتنظيم «القاعدة» وعمله معه.

كيف يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة؟

تستطيع أي دولة عضو في الأمم المتحدة في أي وقت تقديم طلب لرفع العقوبات عن كيان أو شخص إلى لجنة عقوبات تنظيمي «داعش» و«القاعدة» التابعة لمجلس الأمن الدولي المؤلف من 15 دولة.

وإذا جاء الطلب من دولة لم تقترح في البداية فرض عقوبات الأمم المتحدة، فإن اللجنة تتخذ القرار بالإجماع.

وإذا تقدمت الدولة التي اقترحت في البداية فرض العقوبات بطلب الشطب من القائمة، فسيمحى الاسم من القائمة بعد 60 يوماً، ما لم توافق اللجنة بالإجماع على بقاء التدابير.

لكن إذا لم يتم التوصل إلى إجماع، يستطيع أحد الأعضاء أن يطلب إحالة الطلب إلى مجلس الأمن للتصويت عليه في غضون 60 يوماً.

ولم تتضح بعد الدول التي اقترحت فرض عقوبات على جبهة «النصرة» والجولاني.

ويستطيع أيضاً الشخص أو الكيان الخاضع للعقوبات أن يطلب إزالة التدابير عن طريق الاتصال بأمين عام المظالم، وهو منصب أنشأه المجلس في عام 2009، ليقوم بمراجعة الطلب.

وإذا أوصى أمين عام المظالم بإبقاء اسم ما على القائمة، فسيظل مدرجاً على القائمة. وإذا أوصى أمين عام المظالم بإزالة اسم ما، فسترفع العقوبات بعد عملية قد تستغرق ما يصل إلى 9 أشهر، ما لم توافق اللجنة في وقت أسبق بالإجماع على اتخاذ إجراء أو الإحالة إلى المجلس لتصويت محتمل.

هل هناك استثناءات من العقوبات؟

يستطيع الأشخاص الخاضعون لعقوبات الأمم المتحدة التقدم بطلب للحصول على إعفاءات فيما يتعلق بالسفر، وهو ما تقرره اللجنة بالإجماع.

ويقول المجلس إن عقوباته «لا تستهدف إحداث عواقب إنسانية تضر بالسكان المدنيين».

وهناك استثناء إنساني للأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة يسمح «بتوفير أو معالجة أو دفع الأموال أو الأصول المالية الأخرى أو الموارد الاقتصادية، أو توفير السلع والخدمات اللازمة لضمان تقديم المساعدات الإنسانية في الوقت المناسب، أو لمساندة الأنشطة الأخرى التي تدعم الاحتياجات الإنسانية الأساسية».