الكاظمي وحسابات إعادة هيكلة النظام العراقي

راقب حظوظه تقفز على رقعة «السلم والثعبان»

TT

الكاظمي وحسابات إعادة هيكلة النظام العراقي

أمضى رئيس الوزراء العراقي المكلف مصطفى الكاظمي الأسبوع المنصرم يراقب حظوظه تقفز على رقعة «السلم والثعبان»، ما أن يصعد به تفاهمٌ مع كتلة سياسية إلى مربعٍ متقدم، يعيده إلى الخلف اشتباكٌ مع كتلة أخرى.
ويحاول الكاظمي، الذي يرى نفسه في وضع أفضل ممن سبقه في التكليف، إجراءَ تسويات سريعة لا تؤدي به رئيساً للوزراء مسلوب الإرادة لا سيما في الملف الأمني، وهذا الأخير احتمال يستبعده فريقه الذي يزعم أنه «يفضل الانسحاب عليه»، ما جعل كتلاً مثل «الفتح»، لهادي العامري، و«دولة القانون» لنوري المالكي، تشعر بالقلق مما يريده المكلف الثالث.
وانخرط الكاظمي في اجتماعات ماراثونية مع زعامات سياسية بشأن تمرير تشكيلته الوزارية، ووصل أخيراً ذروة التقاطعات قبل صياغة معادلة الحصص رياضياً، وما إذا كان هو أم قادة الكتل يمتلك حق الترشيح والاختيار. لكن الحسم لا يتعلق بالصيغة الحسابية لتوزيع المناصب، بل أكثر من ذلك حيث المهمات التي تعبر عنها حكومة رئيس جهاز المخابرات.
حلبة التفاوض
في الغالب، تستعمل الكتل الضغط حتى آخر نفس، بما في ذلك التهديد بعدم التصويت، لانتزاع أكبر قدر ممكن من التنازلات، وعلى هذا فإن المفاوضات تشبه إلى حد كبير حلبة ملاكمة كل طرف فيها يحاول الخروج بسجل نقاط أكبر.
وبحسب مفاوضين من فرق أساسية، فإن الرغبة في تمرير الكاظمي جعلت بعض الكتل تمنحه مرونة عالية في تشكيل وزارته، وبطريقة ما فإنها رغبة تعني التكيف مع خيار الكاظمي، حتى سُربت قوائم أسماء لمرشحيها حيث تعرف قادة شيعة على ما يواجهونه مع المكلف؛ حكومة لا تعتمد على «الولائيين» بل تجاملهم.
وفتح هذا التوجه فوهة النار على المكلف، وصار واضحاً أن الأزمة لا تقتصر فقط على حجم الحصص، بل طبيعة المرحلة التي يمثلها المكلف، وأكثر من ذلك البيئة المحيطة بتكليفه، حيث تنمو توجهات عراقية تتزامن مع الكاظمي، لتسوية ملف الفصائل المسلحة، وإنجاز توازن عراقي في المنطقة من جهة الصراع الإيراني - الأميركي، وتسوية مطالب المحتجين. وهذه المسارات لن تتحقق ما لم تعبر عنها التشكيلة الوزارية ومنهاجها.
هذه الصيغة مقلقة لإيران، كما يعبر مفاوضون من فصائل شيعية، لكن هذا القلق عاجز، حتى اللحظة، عن التحول إلى إجراءات سياسية تواجه المكلف.
إيران التي أدركت تعثرها في العملية السياسية العراقية، وأن مواليها العراقيين وجدوا أنفسهم أمام خيارات صعبة أفقدتها أرجحية التأثير الأقوى، عادت لتدرك أنها لا تستطيع أن تقدم تنازلات أكبر.
تنازل شبه مستحيل
يقول سياسيون من تيار متشدد داخل كتلة «الفتح»، خلال جلسات تحضيرية للتفاوض مع الكاظمي، إن القبول بالكاظمي «تنازل إيراني كبير»، لكن القبول بمشروعه الذي عبرت عنه قوائمه المسربة ومناهجه الوزارية «تنازل شبه مستحيل»، وعلى هذا الأساس سمع الكاظمي مراراً خلال الأيام الماضية من يجلس أمامه في طاولة المفاوضات يقول: قد لا تمر.
ويربط هذا التيار أحداثاً متزامنة بلحظة الكاظمي، منها انفكاك فصائل مرتبطة بالمرجع الديني علي السيستاني، عن جسم الحشد الشعبي. ألوية «أنصار المرجعية»، «فرقة العباس القتالية»، «فرقة الإمام علي القتالية»، ولواء علي الأكبر، جميعها التحقت بالمؤسسة العسكرية العراقية، تحت إمرة القائد العام للقوات المسلحة.
وقد يكون هذا الانسحاب هو الإجراء الإداري الأكثر وضوحاً لبدء عملية فرز الفصائل الشيعية، ومحاولة انتزاع القوة منها لصالح الدولة، والذي يعبر إلى حد كبير عن توجهات الكاظمي. وبحسب عدد من مفاوضيه فإنه «لن يقبل بأن لا يكون له دور في التحكم بالمناصب الأمنية»، من الداخلية والدفاع، والإصرار عليها قد يدفع بعض الكتل رفع اليد عن الكاظمي، كما فعل ائتلاف المالكي وانسحب من الحكومة الجديدة.
وهذا ما تراه فصائل شيعية انقلاباً عليها، بل وتمهيداً لمرحلة صعبة عليها في حال حصل الكاظمي على ثقة البرلمان، لكنها لا تملك خيارات كثيرة لمشاغلة الكاظمي، بينما يدور هذا الهاجس مكاتب الزعامات: ماذا لو حصل الكاظمي على الثقة وانقلب علينا.
بطريقة ما، تبدو الظروف المعقدة في العراق والتوجهات النامية لحلها فرصة يمكن للكاظمي استثمارها، لكن مروره من البرلمان هذا الأسبوع قد يكلفه معارضة برلمانية شرسة، فيما اللوبي الشيعي المتشدد يفكر في المقابل بخيارات ضيقة ليس أقلها إبعاد المكلف الثالث من الساحة وإبقاء حالة النظام على ما هي عليه، سوى أنه سيضطر إلى تحمل الفاتورة بمفرده، في مواجهة مركبة، لا يملك الموارد لدفعها.



«الجبهة الوطنية»... حزب مصري جديد يثير تساؤلات وانتقادات

مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
TT

«الجبهة الوطنية»... حزب مصري جديد يثير تساؤلات وانتقادات

مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)

ما زال حزب «الجبهة الوطنية» المصري الجديد يثير انتقادات وتساؤلات بشأن برنامجه وأهدافه وطبيعة دوره السياسي في المرحلة المقبلة، خاصة مع تأكيد مؤسسيه أنهم «لن يكونوا في معسكر الموالاة أو في جانب المعارضة».

وكان حزب «الجبهة الوطنية» مثار جدل وتساؤلات في مصر، منذ الكشف عن اجتماعات تحضيرية بشأنه منتصف الشهر الماضي، انتهت بإعلان تدشينه في 30 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وتمحورت التساؤلات حول أسباب ظهوره في هذه المرحلة، وهل سيكون بديلاً لحزب الأغلبية في البرلمان المصري (مستقبل وطن)، لا سيما أن مصر مقبلة على انتخابات برلمانية نهاية العام الجاري.

هذه التساؤلات حاول اثنان من مؤسسي الحزب الإجابة عنها في أول ظهور إعلامي مساء السبت، ضمن برنامج «الحكاية» المذاع على قناة «إم بي سي»، وقال وكيل مؤسسي حزب «الجبهة الوطنية» ووزير الإسكان المصري السابق عاصم الجزار، إن «الحزب هو بيت خبرة هدفه إثراء الفكر وإعادة بناء الوعي المصري المعاصر»، مؤكداً أن الحزب «لا يسعى للأغلبية أو المغالبة، بل يستهدف التأثير النوعي وليس الكمي».

وأضاف: «هدفنا تشكيل تحالف من الأحزاب الوطنية القائمة، إذ لن نعمل وحدنا»، معلناً استعداد الحزب الجديد، الذي لا يزال يستكمل إجراءات تأسيسه رسمياً، للتحالف مع «أحزاب الأغلبية مستقبل وطن وحماة وطن والمعارضة والمستقلين أيضاً بهدف خدمة المصلحة الوطنية»، مستطرداً: «لن نكون أداة لتمرير قرارات، بل أداة للإقناع بها».

وشدد الجزار على أن «الحزب لا ينتمي لمعسكر الموالاة أو للمعارضة»، وإنما «نعمل لمصلحة الوطن».

وهو ما أكده رئيس «الهيئة العامة للاستعلامات» بمصر وعضو الهيئة التأسيسية لحزب «الجبهة الوطنية»، ضياء رشوان، الذي قال: «سنشكر الحكومة عندما تصيب ونعارضها عندما تخطئ»، مشيراً إلى أن «مصر ليس لها حزب حاكم حتى يكون هناك حديث عن موالاة ومعارضة».

الانتقادات الموجهة للحزب ارتبطت بتساؤلات حول دوره في ظل وجود نحو 87 حزباً سياسياً، وفق «الهيئة العامة للاستعلامات»، منها 14 حزباً ممثلاً في البرلمان الحالي، يتصدرها حزب «مستقبل وطن» بأغلبية 320 مقعداً، يليه حزب «الشعب الجمهور» بـ50 مقعداً، ثم حزب «الوفد» بـ39 مقعداً، وحزب «حماة الوطن» بـ27 مقعداً، وحزب «النور» الإسلامي بـ11 مقعداً، وحزب «المؤتمر» بـ8 مقاعد.

ورداً على سؤال للإعلامي عمرو أديب، خلال برنامج «الحكاية»، بشأن ما إذا كان الحزب «طامحاً للحكم ويأتي بوصفه بديلاً لحزب الأغلبية»، قال رشوان: «أي حزب سياسي يسعى للحكم، لكن من السذاجة أن نقول إن حزباً يعمل على إجراءات تأسيسه اليوم سيحصد الأغلبية بعد 8 أو 10 أشهر»، مشيراً إلى أن «الحزب لن يعيد تجارب (الهابطين من السماء)». واستطرد: «لن نسعى للأغلبية غداً، لكن قد يكون بعد غد».

وأضاف رشوان أن «الحزب يستهدف في الأساس إعادة بناء الحياة السياسية في مصر بعد فشل تجربة نظام الحزب الواحد في مصر منذ عام 1952»، مشيراً إلى أن «الحزب يستهدف إحياء تحالف 30 يونيو (حزيران)»، لافتاً إلى أن «التفكير فيه هو ثمرة للحوار الوطني الذي أثار زخماً سياسياً».

طوال ما يزيد على ساعة ونصف الساعة حاول الجزار ورشوان الإجابة عن التساؤلات المختلفة التي أثارها إعلان تدشين الحزب، والتأكيد على أنه «ليس سُلمة للوصول إلى البرلمان أو الوزارة»، وليس «بوابة للصعود»، كما شددا على أن «حزب الجبهة يضم أطيافاً متعددة وليس مقصوراً على لون سياسي واحد، وأنه يضم بين جنباته المعارضة».

وعقد حزب «الجبهة الوطنية» نحو 8 اجتماعات تحضيرية على مدار الأسابيع الماضي، وتعمل هيئته التأسيسية، التي تضم وزراء ونواباً ومسؤولين سابقين، حالياً على جمع التوكيلات الشعبية اللازمة لإطلاقه رسمياً.

ويستهدف الحزب، بحسب إفادة رسمية «تدشين أكبر تحالف سياسي لخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة، عبر صياغة تفاهمات سياسية واسعة مع الأحزاب الموجودة»، إضافة إلى «لمّ الشمل السياسي في فترة لا تحتمل التشتت».

ومنذ إطلاق الحزب تم ربطه بـ«اتحاد القبائل والعائلات المصرية» ورئيسه رجل الأعمال إبراهيم العرجاني، حتى إن البعض قال إن «الحزب هو الأداة السياسية لاتحاد القبائل». وعزز هذه الأحاديث إعلان الهيئة التأسيسية التي ضمت رجل الأعمال عصام إبراهيم العرجاني.

وأرجع الجزار الربط بين الحزب والعرجاني إلى أن «الاجتماعات التحضيرية الأولى للحزب كانت تجري في مكتبه بمقر اتحاد القبائل؛ كونه أميناً عاماً للاتحاد»، مؤكداً أن «الحزب لا علاقة له باتحاد القبائل». وقال: «العرجاني واحد من عشرة رجال أعمال ساهموا في تمويل اللقاءات التحضيرية للحزب». وأضاف: «الحزب لا ينتمي لشخص أو لجهة بل لفكرة».

وحول انضمام عصام العرجاني للهيئة التأسيسية، قال رشوان إنه «موجود بصفته ممثلاً لسيناء، ووجوده جاء بترشيح من أهل سيناء أنفسهم».

وأكد رشوان أن «البعض قد يرى في الحزب اختراعاً لكتالوج جديد في الحياة السياسية، وهو كذلك»، مشيراً إلى أن «الحزب يستهدف إعادة بناء الحياة السياسية في مصر التي يقول الجميع إنها ليست على المستوى المأمول».

بينما قال الجزار: «نحن بيت خبرة يسعى لتقديم أفكار وحلول وكوادر للدولة، ونحتاج لكل من لديه القدرة على طرح حلول ولو جزئية لمشاكل المجتمع».

وأثارت تصريحات الجزار ورشوان ردود فعل متباينة، وسط تساؤلات مستمرة عن رؤية الحزب السياسية، التي أشار البعض إلى أنها «غير واضحة»، وهي تساؤلات يرى مراقبون أن حسمها مرتبط بالانتخابات البرلمانية المقبلة.

كما رأى آخرون أن الحزب لم يكن مستعداً بعد للظهور الإعلامي.

بينما أشار البعض إلى أن «الحزب ولد بمشاكل تتعلق بشعبية داعميه»، وأنه «لم يفلح في إقناع الناس بأنه ليس حزب موالاة».

وقال مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية الدكتور عمرو الشوبكي لـ«الشرق الأوسط» إن «الحزب قدم حتى الآن كلاماً عاماً دون تصور أو رؤية واضحة للإصلاح التدريجي»، موضحاً أنه «من حيث المبدأ من حق أي جماعة تأسيس حزب جديد».

وبينما أكد الشوبكي أن ما عرضه المسؤولون عن الحزب الجديد بشأن «عدم طموحه للحكم لا يختلف عن واقع الحياة السياسية في مصر الذي يترك للدولة تشكيل الحكومة»، مطالباً «بتفعيل دور الأحزاب في الحياة السياسية»، فالمشكلة على حد تعبيره «ليست في إنشاء حزب جديد، بل في المساحة المتاحة للأحزاب».