الإهمال والأمطار يهدّان مدينة سام

الإهمال والأمطار يهدّان مدينة سام
TT

الإهمال والأمطار يهدّان مدينة سام

الإهمال والأمطار يهدّان مدينة سام

تواجه مدينة صنعاء القديمة خطر الانهيار، بعد أن أدت الأمطار الغزيرة والسيول الناتجة عنها إلى تهدم عدد من المنازل، ولغياب أعمال الترميم والصيانة لهذه المدينة الموغلة في القدم، والمسجلة لدى اليونسكو، واحدة من مدن التراث العالمي، وتعرف أيضاً بأنها «مدينة سام».
مع انهيار سلطة الدولة نتيجة للانقلاب الذي نفذه الحوثيون، بدعم إيراني، ومن ثم اندلاع الحرب التي ترتبت على الانقلاب، فإن الإهمال أصاب المدينة التي ظلت تقاوم للحفاظ على طابعها التاريخي، في مواجهة تشويهه، إما بفعل تواطئ من الجهات المعنية بهذا الأمر، أو بسبب الإهمال، وفاقم من هذه المخاطر تسخير الحوثيين كل موارد الدولة في مناطق سيطرتهم لخدمة مقاتليهم، أو ما يعرف محلياً باسم «المجهود الحربي»، وتركيز هذه الجماعة على جمع الأموال وتسليط مشرفيها على التجار والمحلات لفرض الجبايات متعددة المسميات.
في هذه الوضعية، تشهد البلاد موسم أمطار غير مسبوق، منذ عشرات السنين، وفق ما يؤكده سكان في مناطق المرتفعات التي تهطل عليها الأمطار الصيفية، حيث تدفقت السيول من المرتفعات المحيطة بالمدينة التي توسعت بشكل غير مدروس، وما رافق ذلك من إهمال وغياب الاهتمام بخدمات الصرف الصحي وقنوات تصريف المياه، ما شكل تهديداً حقيقياً على المدينة التاريخية.
وإذ تتوقع الأرصاد الجوية استمرار هطول الأمطار الغزيرة على المرتفعات الشمالية والوسطى والجنوبية، فإن كمية الأمطار الغزيرة التي تتساقط على صنعاء منذ ثلاثة أيام إلى جانب الأمطار التي هطلت عليها قبل أسبوعين، دقت جرس إنذار لإنقاذ المدينة القديمة التي بدأت بعض منازلها بالانهيار، ويمتد التهديد إلى أحياء متعددة فيها، طالها الإهمال والعبث بشعارات الحوثيين.
وأطلق ناشطون يمنيون حملة في مواقع التواصل الاجتماعي تناشد المؤسسات الدولية التدخل، وإنقاذ هذا الإرث الإنساني من الزوال، إذ إن الأسر التي تسكن في هذه المنازل غير قادرة على تحمل نفقات ترميمها، أو صيانتها، في حين أن المتربصين من الوجوه الطارئة على التجارة، وغالبيتهم من المشرفين الحوثيين، يريدون شراء هذه المساكن بأثمان بخسة، ويخططون للاستفادة من أسعار الأراضي المرتفعة هناك، لتحويلها إلى استثمار خاص ينزع عن المدينة طابعها المعماري، وتفاصيلها الخاصة التي احتفظت بها عبر مئات السنين.
وبسبب عدم التزام السلطات بحماية المدينة التاريخية من العبث، والاحتفاظ بطرازها المعماري، وانتشار الكتل الإسمنتية، أدرجت المدينة ضمن التراث الإنساني المعرض للخطر عقب الانقلاب وبداية الحرب في عام 2015، حيث تعرضت المدينة إلى أضرار جسيمة جراء الاشتباكات المسلحة التي تشهدها البلاد. ومن أبرزها حي القاسمي المجاور لقناة تصريف السيول المعروفة باسم «السائلة» إلى خراب كبير، كما لحقت الأضرار بجامع المهدي الذي يعود بناؤه إلى القرن الثاني عشر، وبعدد من المنازل المجاورة له.
وتقول الأمم المتحدة إن مدينة صنعاء مأهولة بالسكان منذ أكثر من 2500 سنة، وأصبحت مركزاً رئيسياً لنشر الإسلام في القرنين السابع والثامن. ويتجلى تراثها الديني والسياسي في عمارة 103 مساجد و14 حماماً وأكثر من 6 آلاف منزل، بنيت جميعها قبل القرن الحادي عشر. وقد تم إدراج العديد من منازل صنعاء على قائمة التراث العالمي في عام 1986.
ووفق مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، فإن السيول التي سببتها الأمطار، خلال الأسبوعين الماضيين، أدت إلى تضرر أكثر من 148 ألف شخص، في 13 محافظة، وقال إن الأمطار الغزيرة والفيضانات التي بدأت منتصف أبريل (نيسان) استمرت في جميع أنحاء اليمن، وأدت إلى تضرر طرق وجسور وشبكة الكهرباء وإمدادات المياه، وأن «السيول أدت إلى قطع إمكانية الوصول إلى الخدمات الأساسية لآلاف الأشخاص».
وقدر المكتب تضرر نحو 21 ألفاً و240 أسرة، تشكل ما مجموعه 148 ألفاً و680 شخصاً، مبيناً أن تأثيرات السيول كانت صعبة للغاية بالنسبة إلى آلاف العائلات النازحة، ممن فقدت المأوى والغذاء والمستلزمات المنزلية الأساسية، وكان نصيب صنعاء والمحافظات الشمالية منها تأثرت 9146 عائلة على الأقل مع تضرر المدينة ومعظم أجزاء محافظة صنعاء بشدة من الفيضانات.


مقالات ذات صلة

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

العالم العربي مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

لجأت الجماعة الحوثية إلى مواجهة مخاوفها من مصير نظام الأسد في سوريا بأعمال اختطاف وتصعيد لعمليات استقطاب وتطييف واسعة وحشد مقاتلين

وضاح الجليل (عدن)
المشرق العربي عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني طارق صالح خلال الاجتماع (سبأ)

طارق صالح يدعو إلى تجاوز الخلافات والاستعداد ليوم الخلاص الوطني

دعا عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني طارق صالح إلى ما أسماه «وحدة المعركة»، والجاهزية الكاملة والاستعداد لتحرير العاصمة اليمنية صنعاء من قبضة الميليشيات الحوثية.

عبد الهادي حبتور (الرياض)
المشرق العربي جانب من اجتماع سابق في عمّان بين ممثلي الحكومة اليمنية والحوثيين خاص بملف الأسرى والمحتجزين (مكتب المبعوث الأممي)

واشنطن تفرض عقوبات على عبد القادر المرتضى واللجنة الحوثية لشؤون السجناء

تعهَّدت واشنطن بمواصلة تعزيز جهود مساءلة مرتكبي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في اليمن، بمَن فيهم «مسؤولو الحوثيين».

عبد الهادي حبتور (الرياض)
العالم العربي من عرض عسكري ألزم الحوثيون طلبة جامعيين على المشاركة فيه (إعلام حوثي)

حملة حوثية لتطييف التعليم في الجامعات الخاصة

بدأت الجماعة الحوثية فرض نفوذها العقائدي على التعليم الجامعي الخاص بإلزامه بمقررات طائفية، وإجبار أكاديمييه على المشاركة في فعاليات مذهبية، وتجنيد طلابه للتجسس.

وضاح الجليل (عدن)
المشرق العربي وزير الإعلام والثقافة والسياحة اليمني معمر الإرياني (سبأ)

​وزير الإعلام اليمني: الأيام المقبلة مليئة بالمفاجآت

عقب التطورات السورية يرى وزير الإعلام والثقافة والسياحة اليمني معمر الإرياني أن المنطقة مقبلة على مرحلة جديدة تحمل الأمل والحرية

عبد الهادي حبتور (الرياض)

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.