في الوقت الذي تتصاعد فيه مخاطر تفشي الكوليرا و«كورونا المستجد» في اليمن بالتزامن مع تقلص المساعدات الإنسانية إلى النصف تواصل الجماعة الحوثية ضغوطها على الوكالات الأممية لاستنزاف أكبر قدر ممكن من الدعم لمصلحة مجهودها الحربي وعلاج جرحاها العائدين من جبهات القتال.
وفي هذا السياق أفادت مصادر مطلعة في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» بأن قادة الجماعة الحوثية يكثفون ضغوطهم على عدد من الوكالات الأممية العاملة في صنعاء لاستجلاب المزيد من الدعم الطبي للمستشفيات العسكرية المخصصة لاستقبال جرحى الجماعة.
وجاءت هذه الضغوط الحوثية عقب أيام فقط من عثور الجيش اليمني على كميات من الأغذية الأممية المتنوعة في مواقع حررها من سيطرة الجماعة في جبهة صرواح (غرب مدينة مأرب) وهو ما عدته الحكومة الشرعية دليلا واضحا على المسار الذي تذهب إليه المساعدات الإنسانية في مناطق سيطرة الانقلابيين.
واعترفت المصادر الرسمية للجماعة في هذا السياق أن القيادي المسؤول عن إدارة وتنسيق الشؤون الإنسانية عبد المحسن طاووس عقد اجتماعا في صنعاء مع رئيس بعثة الصليب الأحمر فرانز راوخنشتاين، بحضور مدير دائرة الخدمات الطبية في وزارة دفاع الجماعة ناشر القعود لجهة الضغط على اللجنة الدولية لتقديم المزيد من الدعم الطبي والصحي للمستشفيات العسكرية.
واتهم الطاووس المنظمات الأممية بـ«السلبية» زاعما أن المستشفيات العسكرية الخاضعة للجماعة «تعاني من شحة في الإمكانيات» وفق ما نقلته عنه النسخة الحوثية من وكالة «سبأ».
وبحسب المصادر الحوثية نفسها، أبلغ القيادي في وزارة دفاع الجماعة ناشر القعود رئيس بعثة اللجنة الدولية للصليب الأحمر في صنعاء ضرورة تقديم الدعم للمستشفيات العسكرية الحوثية، وأشار إلى «لقاءات متعددة ووعود كثيرة» لم تف بها اللجنة الدولية.
يشار إلى أن بعثة الصليب الأحمر في اليمن اعترفت في أحدث بياناتها قبل نحو أسبوع أنها عالجت العام الماضي فقط أكثر من 25 ألف جريح حرب وقدمت الخدمات الصحية إلى أكثر من 89 ألف شخص من ذوي الاحتياجات الخاصة إلى جانب توفيرها أيضا المواد الخاصة بالمستشفيات - وفي بعض الحالات الأدوية - لـ55 مستشفى و14 مركزا لغسيل الكلى و26 مركزا للرعاية الصحية الأولية في جميع أنحاء اليمن.
ويقول عاملون في القطاع الصحي في صنعاء إن الجماعة الحوثية حولت أغلب الدعم الدولي الطبي للمجهود الحربي وحصرت خدمات المستشفيات الحكومية المجانية الخاضعة لها على جرحاها والموالين لها، بعيدا عن معاناة ملايين اليمنيين في مناطق سيطرتها.
كما اتهم ناشطون يمنيون الجماعة بالاستحواذ على أكثر من 100 سيارة إسعاف ذات دفع رباعي قدمتها منظمة الصحة العالمية وسخرتها لنقل جرحاها من جبهات القتال ولتنقل كبار قادتها عوضا من توزيعها على المستشفيات في المحافظات الخاضعة لسيطرتها.
ويأتي الضغط الحوثي على المنظمات الأممية وسط تصاعد التحذيرات من تفشي وبائي لمرض الكوليرا بالتزامن مع موسم هطول الأمطار، وفي ظل المخاوف من وقوع اليمن فريسة سهلة لوباء «كورونا المستجد».
وفي حين تقول المنظمات الأممية إنها تقوم ببذل ما تستطيعه لتخفيف معاناة اليمنيين، حرصت الجماعة على خوض معارك كلامية مع هذه المنظمات في سياق مساعيها الابتزازية.
واتهم وزير الصحة الحوثي في حكومة الانقلاب طه المتوكل منسقة الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة ليز غراندي، بعدم «مواكبة الوضع الصحي باليمن وزيادة الدعم المقدم للمرافق الصحية» ردا على تصريحات للمسؤولة الأممية استعرضت فيها الجهود الإنسانية في الجانب الصحي.
وكانت غراندي أشارت إلى توفير الوكالات الأممية 520 سرير عناية مركّزة غير أن القيادي الحوثي المتوكل زعم أنه لم يتم توريد أي أسرّة عناية مركزة إطلاقا بل 96 سريرا عاديا لا تصلح حتى لأقسام الرقود، بحسب قوله.
كما زعم أن الأمم المتحدة وزعت 94 جهازا للتنفس الصناعي تخص الطوارئ التوليدية وأمراض الدفتيريا والكوليرا وليس 208 أجهزة تنفس كما أكدته غراندي.
ونفى المسؤول الحوثي ما ذكرته المنسقة الأممية من شراء منظمة الصحة العالمية ألف سرير عناية و400 جهاز تنفس، زاعما أن جماعته بحاجة لـ500 ألف جهاز لفحص «كورونا» بصورة طارئة و10 ملايين جهاز فحص في المرحلة الثانية، وهي أرقام - بحسب مختصين صحيين - غير منطقية بالنظر إلى عدد سكان اليمن المقدرين بحوالي 28 مليون نسمة.
وعلى الرغم من الإدارة الحوثية غير الكفؤة للموارد الصحية في ظل المخاطر التي تهدد ملايين اليمنيين إلى جانب المساعي الابتزازية المستمرة للمنظمات الدولية فإن أغلب الوكالات الأممية لا تزال تكافح للوصول الإنساني في أغلب المحافظات اليمنية.
وتقول «يونسيف» في أحدث بيان لها عن اليمن إن الخطر محدق بأكثر من خمسة ملايين طفل دون الخامسة ويتزايد جراء وباء الكوليرا والإسهال المائي الحاد.
وأشارت إلى تسجيل أكثر من 110 آلاف حالة اشتباه بالكوليرا منذ يناير (كانون الثاني) الماضي في 290 مديرية من إجمالي 331 مديرية يمنية.
وقالت الممثلة المقيمة للمنظمة في اليمن سارة بيسلو نيانتي إنه «لا يزال أطفال اليمن عرضة لعدد لا يحصى من المخاطر التي تهدد بقاءهم على قيد الحياة».
وأوضحت المنظمة أنها استجابت بشكل عاجل للأسر المتضررة من الفيضانات من خلال توفير عدة مواد النظافة الأساسية، بما في ذلك المطهرات والكلور والدلاء والمناشف، كما ركزت في استجابتها على إصلاح البنية التحتية المعطلة للمياه لإتاحة الوصول الفوري إلى مياه الشرب الآمنة من جانب الأطفال وأسرهم.
في السياق نفسه قالت اللجنة الدولية للصليب الأحمر في اليمن في بيان وزعته بالبريد الإلكتروني في 23 أبريل (نيسان) الماضي إنها سجلت خلال 24 ساعة فقط خلال الأسبوع نفسه 500 حالة كوليرا في أحد المستشفيات التي تدعمها اللجنة في صنعاء.
وفي البيان نفسه قالت منسقة الصحة لدى البعثة أفريل باتيرسون إن «المستشفيات تتعرض بالفعل لضغوط كبيرة، حتى من دون فيروس (كورونا) فهي تعالج جرحى الحرب بانتظام»، مشيرة إلى الزيادة الموسمية للأمراض المعدية، بما في ذلك الكوليرا والدفتيريا وحمى الضنك.
وأكد بيان الصليب الأحمر أن اللجنة تدعم السلطات «لمساعدتها في اتخاذ تدابير وقائية في أماكن الاحتجاز وخدمات المياه والصرف الصحي لتعزيز معايير النظافة وتوفير المياه النظيفة، وتساعد المرافق الطبية المدعومة مثل المستشفيات ومراكز الرعاية الصحية الأولية ومراكز غسل الكلى بالتبرع بمواد مطهرة ومستلزمات طبية وعقد الدورات التدريبية».
وأوضحت اللجنة أنها قدمت المساعدة الغذائية لأكثر من 650 ألف شخص في اليمن العام الماضي ووفرت المياه النظيفة لأكثر من 5 ملايين شخص من خلال برامج المياه والصرف الصحي.
ضغوط حوثية تستنزف الدعم الأممي لمصلحة المجهود الحربي
وسط تصاعد مخاطر «الكوليرا» و«كورونا» وتقلص حجم المساعدات
ضغوط حوثية تستنزف الدعم الأممي لمصلحة المجهود الحربي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة