انفجار القدس يضيع آمال إحياء محادثات الشرق الأوسط

حادث المعبد أدى إلى تعميق المخاوف من خروج التوتر عن نطاق السيطرة

انفجار القدس يضيع آمال إحياء  محادثات الشرق الأوسط
TT

انفجار القدس يضيع آمال إحياء محادثات الشرق الأوسط

انفجار القدس يضيع آمال إحياء  محادثات الشرق الأوسط

تلاشت الآمال الباهتة حيال المحادثات التي كانت ترعاها الولايات المتحدة بين الإسرائيليين والفلسطينيين، والتي كان من المتوقع استئنافها في أي وقت قريب، إثر الهجوم المروع أول من أمس على كنيس في القدس، حصد أرواح 5 من المواطنين، بينهم 3 من الأميركيين، تعرضوا للقتل على يد اثنين من الفلسطينيين كانا يحملان سكينا وفأسا.
ويقول السيد روبرت دانين، وهو دبلوماسي أميركي سابق وعضو بارز لدى مجلس العلاقات الخارجية «تتسارع وتيرة وحدة العنف، ولكن ليس من الواضح تماما إذا ما كانت هناك وسائل دبلوماسية لتجنب المزيد من العنف، وذلك هو أصعب شيء بالنسبة للمسؤولين الأميركيين الذين يحاولون تلمس السبل: فما الذي يمكنك فعله مع مدى اشتعال الأمور هناك لدى كلا الجانبين؟».
وقد شهدت مدينة القدس موجة من أعمال العنف في الأسابيع الأخيرة، ومن بينها سلسلة من الطعنات والهجمات، التي استخدمت فيها المركبات، والتي أسفرت عن مقتل 6 مواطنين إسرائيليين. ولكن هجمات أول من أمس، التي لقي فيها أحد الحاخامات ورجل شرطة مصرعهما، أدت إلى تعميق المخاوف إزاء خروج التوتر عن نطاق السيطرة.
يقول عمر قادر، رئيس مجلس سياسات الشرق الأوسط: «إن الأمر في الوقت الحالي يبدو مثل اللعب بأعواد الثقاب داخل محطة للوقود». ويصف آلان إيلسنير، وهو مسؤول لدى حركة (جيه ستريت)، التي تصف نفسها كحركة موالية لإسرائيل وللسلام في آن واحد، الموقف بأنه «خطير، ومحفوف بالمخاطر». ويضيف قائلا: «أعتقد أنه ينبغي على الولايات المتحدة أن تدعو إلى التهدئة، وتحاول إيقاف دورة الانتقام والثأر، لأنه لا أحد يريد أن يرى الموقف يتطور وينهار كما يبدو».
وفي لندن، تحدث جون كيري، وزير الخارجية الأميركي بحالة من الغضب الواضح حينما أدان ما سماه «عملا إرهابيا صرفا اتسم بوحشية لا معنى لها»، وقال: إنه ينبغي على الزعماء الفلسطينيين «اتخاذ الخطوات الجادة لوقف أي نوع من أنواع التحريض على الثأر».
من جهته، قال روبرت ستالوف، المدير التنفيذي لمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، إن الحادثة قد تقضي على جهود إدارة الرئيس أوباما لعودة الطرفين مرة أخرى إلى مائدة المفاوضات في المستقبل القريب. وأضاف بهذا الخصوص «لا أعتقد أن الوقت الراهن يتسم بميزة فريدة من أي نوع، نظرا لضعف الضحايا في الدفاع عن أنفسهم، والصور التي تظهر اليهود خلال طقوس صلاتهم في القدس».
ومنذ انهيار المفاوضات في وقت سابق من هذا العام توقفت عملية السلام تماما «حتى يمكن تخريبها بواسطة العنف»، على حد وصف حاييم مالقا، نائب مدير برنامج الشرق الأوسط لدى مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية. وأضاف يقول: «إن ما يخلفه ذلك العمل هو تخريب آفاق المستقبل بين الطرفين، حيث يؤدي إلى دعوات الثأر، ويعمق دورة العنف، والتي سوف تفجر عند نقطة ما موجة هائلة من العنف التي تستعصي على التوقف».
واستطرد مالقا قائلا: «هناك حدود لما تستطيع أي إدارة القيام به. يمكنهم إدانة العنف، ويمكنهم حث القادة على التصرف بهدوء، وكبح جماح دعوات الانتقام. ولكن الواقع هو أنهم يمتلكون قدرة محدودة على تغيير ديناميات العنف على الأرض».
ويقول دانين إنه من شأن هذه الحادثة «دفع الإسرائيليين والفلسطينيين بعيدا عن التفكير في استئناف المحادثات، وإن أفضل ما يمكن للولايات المتحدة فعله الآن هو أن تحل محل المنطقة العازلة فيما بين المعسكرين». وأضاف موضحا «في الدبلوماسية هناك أوقات يفضل فيها عدم اجتماع الأطراف سويا، بدلا من الجمع بينهم فيشهد الوضع مزيدا من التوتر. وفي الوقت الراهن لا توجد حالة من القبول باستعادة المفاوضات من أي جانب، ومن أي زعيم، حيث يشعر كلا الفريقين بالظلم، وإن ذلك لأسوأ الأحاسيس التي يشعر بها الإنسان».
* خدمة «واشنطن بوست»
خاص بـ«الشرق الأوسط»



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.