1.3 مليار نسمة وألف وفاة بـ«كورونا»... كيف تجنبت الهند الأسوأ؟

عاملان يرتديان البدلات الواقية ويقومان بدفن شرطي هندي بعد وفاته بفيروس «كورونا» في نيودلهي (رويترز)
عاملان يرتديان البدلات الواقية ويقومان بدفن شرطي هندي بعد وفاته بفيروس «كورونا» في نيودلهي (رويترز)
TT

1.3 مليار نسمة وألف وفاة بـ«كورونا»... كيف تجنبت الهند الأسوأ؟

عاملان يرتديان البدلات الواقية ويقومان بدفن شرطي هندي بعد وفاته بفيروس «كورونا» في نيودلهي (رويترز)
عاملان يرتديان البدلات الواقية ويقومان بدفن شرطي هندي بعد وفاته بفيروس «كورونا» في نيودلهي (رويترز)

قبل أقل من شهر، بدا مستقبل الهند مجهولاً وكئيباً حيث توقع الخبراء أن البلاد يمكن أن تشهد الملايين من حالات الإصابة والوفاة بفيروس «كورونا المستجد». وحذر الأطباء من أن الهند بحاجة إلى الاستعداد لهجوم من الحالات التي يمكن أن تشل النظام الصحي في البلاد غير المجهزة، وفقاً لشبكة «سي إن إن».
وتوقع الكثيرون أن الفيروس يمكن أن ينتشر مثل حرائق الغابات في الأحياء الفقيرة بالهند، حيث يعيش السكان في شوارع ضيقة لا يتوفر فيها الصرف الصحي الأساسي في كثير من الأحيان.
لكن حتى الآن، يبدو أن ثاني أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان قد تجنبت الأسوأ.
وحتى أمس (الثلاثاء)، أبلغت الهند عن 31,360 حالة إصابة بفيروسات تاجية و1008 حالات وفاة، أو نحو 0.76 حالة وفاة لكل مليون. أما في الولايات المتحدة، فيزيد عدد الوفيات لكل مليون على 175.
ويقول بعض الخبراء إن الأرقام الإيجابية نسبياً في الهند تشير إلى أن خطة إغلاق البلاد التام لوقف انتشار «كوفيد - 19» أثبتت فعاليتها.
وقال رئيس وزراء الهند ناريندرا مودي، في 14 أبريل (نيسان): «لم تنتظر الهند حتى تتصاعد المشكلة»، حيث مدد إغلاق البلاد لمدة 21 يوماً حتى 3 مايو (أيار). وتابع: «وبدلاً من ذلك، بمجرد ظهور المشكلة، حاولنا إيقافها باتخاذ قرارات سريعة. لا أستطيع أن أتخيل الوضع لو لم يتم اتخاذ مثل هذه الخطوات».
لكنّ الواقع وراء أرقام الهند يعد أكثر تعقيداً، ويحذّر الخبراء من أنه من السابق لأوانه أن نهنئ الهند على ما فعلته.
وقال سريناث ريدي، رئيس مؤسسة الصحة العامة في الهند، وهي منظمة غير ربحية تعمل على التدريب والبحث وتطوير السياسات: «على الأقل في هذه الجولة، يبدو أن الفيروس لم يكن قادراً على إلحاق الضرر بقدر ما كنا نتوقع، لكن لا أعتقد أنه يمكننا أن نقول إننا أغلقنا هذا الكتاب بالكامل».

- سرعة قرارات مودي
في 24 مارس (آذار)، أعلن مودي إغلاق البلاد لمدة ثلاثة أسابيع.
ويبلغ عدد سكان الهند 1.3 مليار نسمة، ولقد كان قراراً عالي المخاطر. ويعني الإغلاق أن ملايين العمال بأجر يومي سيُحرمون من الدخل. لكن عدم فرض حظر يهدد بدوره نظام الرعاية الصحية في الهند. وقدّرت إحدى الدراسات أنه من دون تدابير التباعد الاجتماعي، سيصاب نحو 150 مليون شخص في الهند بحلول شهر يونيو (حزيران). ويوم الجمعة، قال أكبر مسؤول عن شؤون الوباء في الهند إن الدولة كانت ستواجه أكثر من 100 ألف حالة إصابة حتى الآن لولا الإغلاق.
وانتقلت الهند إلى خطة الإغلاق بسرعة نسبية، حيث تم الإعلان عن ذلك عندما أبلغت البلاد عن 519 حالة إصابة بـ«كورونا» فقط.
وبالمقارنة، انتظرت إيطاليا إلى أن وصلت إلى أكثر من 9,200 حالة إصابة بالفيروس قبل أن تدخل في حالة إغلاق على الصعيد الوطني، في حين كان لدى المملكة المتحدة نحو 6,700 حالة عندما أُجبرت السكان على الحجر المنزلي.

- إجراءات فعالة
قال رامانان لاكسمينارايان، مدير مركز ديناميات الأمراض والاقتصاد والسياسة، وهي منظمة بحثية غير ربحية لها مكاتب في واشنطن العاصمة ونيودلهي، إن قرار فرض الإغلاق على الفور، حتى عندما كانت أعداد الحالات منخفضة، تسبب في خفض معدلات الاتصال بين السكان بشكل كبير.
وبعد الإغلاق، حاول آلاف العمال المهاجرين مغادرة المدن الرئيسية في الهند بعد أن تركتهم القيود من دون وظائف. وأثار ذلك مخاوف من أن المهاجرين يمكن أن ينشروا الفيروس.
وبعد نحو أسبوع من بدء الإغلاق، مات شخصان بفيروس «كورونا» في الأحياء الفقيرة المكتظة في مومباي. وبعد الوفاة الثانية، تم اختبار العديد من أفراد عائلة الرجل المتوفى وإخضاعهم للحجر المنزلي، وتم إغلاق مجمع من 300 منزل و90 متجراً في الحي الذي يقطن به.
وفي الوقت الذي تم فيه فرض الإغلاق، كانت الهند قد اتخذت بالفعل تدابير أخرى.
ففي 11 مارس، أوقفت الهند جميع التأشيرات السياحية، وأعلنت أن جميع المسافرين الذين كانوا في المناطق الأكثر تأثراً في العالم في الأسابيع القليلة الماضية سيتم عزلهم لمدة 14 يوماً على الأقل.
واعتباراً من 22 مارس، تم حظر جميع الرحلات التجارية الدولية من الهبوط في الهند وتم تعليق جميع خدمات قطارات الركاب في البلاد.

- ماذا لو كانت الأرقام غير صحيحة؟
كما هو الحال مع كل بلد، يستند فهمنا وتحليلنا لتفشي المرض إلى الأرقام المتاحة لدينا فقط. وهذا بدوره يعتمد على الاختبارات التي تجريها الحكومات.
ووفقاً لوزارة الصحة الهندية، أجرت البلاد أكثر من 625 ألف اختبار حتى يوم الأحد، أي أكثر من كوريا الجنوبية.
وعندما يقوم خبراء الصحة العامة بتقييم مدى قوة البلد في إجراء الاختبارات، فإنهم لا ينظرون إلى العدد الإجمالي وحده. بدلاً من ذلك، غالباً ما ينظرون إلى معدل الاختبارات التي تُظهر نتائج إيجابية.
وإذا كانت نسبة كبيرة من الاختبارات تُظهر إصابة أصحابها بالفيروس، فهذا يشير إلى أنه يتم فقط اختبار الحالات الأكثر خطورة مثل تلك الموجودة في المستشفيات.

- هل عدد الوفيات حقيقي؟
حتى عندما لا تواجه الهند وباءً، فإن 22% فقط من جميع الوفيات المسجلة معتمدة طبياً. وهذا يعني أنه في معظم حالات الوفاة، لا يتم توثيق السبب الرسمي للوفاة من طبيب متخصص.
وهناك أدلة بالفعل على أن عدد الوفيات الحقيقي هو أكثر من المعلن عنه. وقال طبيب مقيم في أحد المستشفيات الحكومية الرئيسية في مومباي الأسبوع الماضي، إنه عندما يتم نقل جثث الموتى إلى المستشفى، لا يقومون باختبارها بحثاً عن الفيروس التاجي، حتى لو اشتبهوا في أن المرض هو سبب الوفاة الرئيسي.
وقال الطبيب، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه: «إذا عُرف أن الشخص كان على اتصال مع مريض ثبتت إصابته بالفيروس، فإننا نتخلص من الجسد بالطريقة نفسها التي نتعامل بها مع مرضى (كورونا)».
ولكن، يقول الخبراء إنه في هذه المرحلة، لا يبدو أن هناك فيضاناً هائلاً من وفيات الفيروس التاجي في البلاد.


مقالات ذات صلة

متحور جديد لـ«كورونا» في مصر؟... نفي رسمي و«تخوف سوشيالي»

شمال افريقيا «الصحة» المصرية تنفي رصد أمراض فيروسية أو متحورات مستحدثة (أرشيفية - مديرية الصحة والسكان بالقليوبية)

متحور جديد لـ«كورونا» في مصر؟... نفي رسمي و«تخوف سوشيالي»

نفت وزارة الصحة المصرية رصد أي أمراض بكتيرية أو فيروسية أو متحورات مستحدثة مجهولة من فيروس «كورونا».

محمد عجم (القاهرة)
الولايات المتحدة​ أظهر المسح الجديد تراجعاً في عدد الأطفال الصغار المسجلين في الدور التعليمية ما قبل سن الالتحاق بالمدارس في أميركا من جراء إغلاق الكثير من المدارس في ذروة جائحة كورونا (متداولة)

مسح جديد يرصد تأثير جائحة «كورونا» على أسلوب حياة الأميركيين

أظهر مسح أميركي تراجع عدد الأجداد الذين يعيشون مع أحفادهم ويعتنون بهم، وانخفاض عدد الأطفال الصغار الذين يذهبون إلى الدور التعليمية في أميركا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شمال افريقيا الزحام من أسباب انتشار العدوى (تصوير: عبد الفتاح فرج)

مصر: تطمينات رسمية بشأن انتشار متحور جديد لـ«كورونا»

نفى الدكتور محمد عوض تاج الدين مستشار الرئيس المصري لشؤون الصحة والوقاية وجود أي دليل على انتشار متحور جديد من فيروس «كورونا» في مصر الآن.

أحمد حسن بلح (القاهرة)
العالم رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)

الاتجار بالبشر يرتفع بشكل حاد عالمياً...وأكثر من ثُلث الضحايا أطفال

ذكر تقرير للأمم المتحدة -نُشر اليوم (الأربعاء)- أن الاتجار بالبشر ارتفع بشكل حاد، بسبب الصراعات والكوارث الناجمة عن المناخ والأزمات العالمية.

«الشرق الأوسط» (فيينا)

عُدي رشيد لـ«الشرق الأوسط»: لم أقرأ نصاً لغيري يستفزني مخرجاً

المخرج عدي رشيد مع بطل فيلمه عزام أحمد علي (الشرق الأوسط)
المخرج عدي رشيد مع بطل فيلمه عزام أحمد علي (الشرق الأوسط)
TT

عُدي رشيد لـ«الشرق الأوسط»: لم أقرأ نصاً لغيري يستفزني مخرجاً

المخرج عدي رشيد مع بطل فيلمه عزام أحمد علي (الشرق الأوسط)
المخرج عدي رشيد مع بطل فيلمه عزام أحمد علي (الشرق الأوسط)

قال المخرج العراقي عُدي رشيد المتوج فيلمه «أناشيد آدم» بجائزة «اليسر» لأفضل سيناريو من مهرجان «البحر الأحمر» إن الأفلام تعكس كثيراً من ذواتنا، فتلامس بصدقها الآخرين، مؤكداً في حواره مع «الشرق الأوسط» أن الفيلم يروي جانباً من طفولته، وأن فكرة توقف الزمن التي طرحها عبر أحداثه هي فكرة سومرية بامتياز، قائلاً إنه «يشعر بالامتنان لمهرجان البحر الأحمر الذي دعم الفيلم في البداية، ومن ثَمّ اختاره ليشارك بالمسابقة، وهو تقدير أسعده كثيراً، وجاء فوز الفيلم بجائزة السيناريو ليتوج كل ذلك، لافتاً إلى أنه يكتب أفلامه لأنه لم يقرأ سيناريو كتبه غيره يستفزه مخرجاً».

بوستر الفيلم يتصدره الصبي آدم (الشركة المنتجة)

ويُعدّ الفيلم إنتاجاً مشتركاً بين كل من العراق وهولندا والسعودية، وهو من بطولة عدد كبير من الممثلين العراقيين من بينهم، عزام أحمد علي، وعبد الجبار حسن، وآلاء نجم، وعلي الكرخي، وأسامة عزام.

تنطلق أحداث فيلم «أناشيد آدم» عام 1946 حين يموت الجد، وفي ظل أوامر الأب الصارمة، يُجبر الصبي «آدم» شقيقه الأصغر «علي» لحضور غُسل جثمان جدهما، حيث تؤثر رؤية الجثة بشكل عميق على «آدم» الذي يقول إنه لا يريد أن يكبر، ومنذ تلك اللحظة يتوقف «آدم» عن التّقدم في السن ويقف عند 12 عاماً، بينما يكبر كل من حوله، ويُشيع أهل القرية أن لعنة قد حلت على الصبي، لكن «إيمان» ابنة عمه، وصديق «آدم» المقرب «انكي» يريان وحدهما أن «آدم» يحظى بنعمة كبيرة؛ إذ حافظ على نقاء الطفل وبراءته داخله، ويتحوّل هذا الصبي إلى شاهدٍ على المتغيرات التي وقعت في العراق؛ إذ إن الفيلم يرصد 8 عقود من الزمان صاخبة بالأحداث والوقائع.

وقال المخرج عُدي رشيد إن فوز الفيلم بجائزة السيناريو مثّل له فرحة كبيرة، كما أن اختياره لمسابقة «البحر الأحمر» في حد ذاته تقدير يعتز به، يضاف إلى تقديره لدعم «صندوق البحر الأحمر» للفيلم، ولولا ذلك ما استكمل العمل، معبراً عن سعادته باستضافة مدينة جدة التاريخية القديمة للمهرجان.

يطرح الفيلم فكرة خيالية عن «توقف الزمن»، وعن جذور هذه الفكرة يقول رشيد إنها رافدية سومرية بامتياز، ولا تخلو من تأثير فرعوني، مضيفاً أن الفيلم بمنزلة «بحث شخصي منه ما بين طفولته وهو ينظر إلى أبيه، ثم وهو كبير ينظر إلى ابنته، متسائلاً: أين تكمن الحقيقة؟».

المخرج عدي رشيد مع بطل فيلمه عزام أحمد علي (الشرق الأوسط)

ويعترف المخرج العراقي بأن سنوات طفولة البطل تلامس سنوات طفولته الشخصية، وأنه عرف صدمة الموت مثله، حسبما يروي: «كان عمري 9 سنوات حين توفي جدي الذي كنت مقرباً منه ومتعلقاً به ونعيش في منزل واحد، وحين رحل بقي ليلة كاملة في فراشه، وبقيت بجواره، وكأنه في حالة نوم عميق، وكانت هذه أول علاقة مباشرة لي مع الموت»، مشيراً إلى أن «الأفلام تعكس قدراً من ذواتنا، فيصل صدقها إلى الآخرين ليشعروا بها ويتفاعلوا معها».

اعتاد رشيد على أن يكتب أفلامه، ويبرّر تمسكه بذلك قائلاً: «لأنني لم أقرأ نصاً كتبه غيري يستفز المخرج داخلي، ربما أكون لست محظوظاً رغم انفتاحي على ذلك».

يبحث عُدي رشيد عند اختيار أبطاله عن الموهبة أولاً مثلما يقول: «أستكشف بعدها مدى استعداد الممثل لفهم ما يجب أن يفعله، وقدر صدقه مع نفسه، أيضاً وجود كيمياء بيني وبينه وقدر من التواصل والتفاهم»، ويضرب المثل بعزام الذي يؤدي شخصية «آدم» بإتقان لافت: «حين التقيته بدأنا نتدرب وندرس ونحكي عبر حوارات عدة، حتى قبل التصوير بدقائق كنت أُغير من حوار الفيلم؛ لأن هناك أفكاراً تطرأ فجأة قد يوحي بها المكان».

صُوّر الفيلم في 36 يوماً بغرب العراق بعد تحضيرٍ استمر نحو عام، واختار المخرج تصويره في محافظة الأنبار وضواحي مدينة هيت التي يخترقها نهر الفرات، بعدما تأكد من تفَهم أهلها لفكرة التصوير.

لقطة من الفيلم (الشركة المنتجة)

وأخرج رشيد فيلمه الروائي الطويل الأول «غير صالح»، وكان أول فيلم يجري تصويره خلال الاحتلال الأميركي للعراق، ومن ثَمّ فيلم «كرنتينة» عام 2010، وقد هاجر بعدها للولايات المتحدة الأميركية.

يُتابع عُدي رشيد السينما العراقية ويرى أنها تقطع خطوات جيدة ومواهب لافتة وتستعيد مكانتها، وأن أفلاماً مهمة تنطلق منها، لكن المشكلة كما يقول في عزوف الجمهور عن ارتياد السينما مكتفياً بالتلفزيون، وهي مشكلة كبيرة، مؤكداً أنه «يبحث عن الجهة التي يمكن أن تتبناه توزيعياً ليعرض فيلمه في بلاده».