الجزائر: إرجاء محاكمة سياسي بارز لرفضه «التقاضي عن بعد»

منظمة حقوقية تدعو إلى وقف الملاحقات بحق نشطاء الحراك

جزائريون يتبضعون في سوق للخضار بمنطقة خرايسية بالعاصمة (أ.ف.ب)
جزائريون يتبضعون في سوق للخضار بمنطقة خرايسية بالعاصمة (أ.ف.ب)
TT

الجزائر: إرجاء محاكمة سياسي بارز لرفضه «التقاضي عن بعد»

جزائريون يتبضعون في سوق للخضار بمنطقة خرايسية بالعاصمة (أ.ف.ب)
جزائريون يتبضعون في سوق للخضار بمنطقة خرايسية بالعاصمة (أ.ف.ب)

أرجأت محكمة جزائرية محاكمة الناشط السياسي البارز كريم طابو، أمس، إلى الأول من يونيو (حزيران) المقبل، على خلفية رفضه «التقاضي عن بعد» الجاري العمل به حالياً في إطار التدابير الاحترازية من تفشي فيروس «كورونا» الوبائي. وجاء هذا تزامناً مع دعوة «منظمة العفو الدولية»، عبر فرعها الإقليمي، لوقف الملاحقات ضد نشطاء الحراك خلال تفشي الوباء.
واتهم طابو، رئيس حزب «الاتحاد الديمقراطي والاجتماعي»، قيد التأسيس، بـ«المشاركة في وقت السلم في مشروع لإضعاف معنويات الجيش»، وذلك بناء على مشاهد فيديو ينتقد فيها «تدخل الجيش في السياسة»، كما انتقد قائده السابق الفريق أحمد قايد صالح، المتوفى نهاية العام الماضي. وتم اعتقال طابو، في سبتمبر (أيلول) الماضي، وقد تم تأجيل الفصل في القضية على إثر طلب تقدم بها محاموه عندما باشر قاضي محكمة القليعة (غرب العاصمة) النظر في القضية.
ويتابع طابو (47 سنة)، في قضية أخرى بتهمة «المسَ بالوحدة الوطنية»، حكم عليه القضاء فيها يوم 11 مارس (آذار) الماضي، بعام حبس، منها 6 أشهر مع التنفيذ. وأثار الحكم جدلاً كبيراً في الأوساط السياسية والقانونية، لأن القاضي فصل في القضية بينما كان طابو قد غادر قاعة الجلسات، على إثر إصابته بوعكة صحية.
وقررت وزارة العدل منذ شهر، وقف إحضار المتهمين المعنيين بالمحاكمة، من السجون، تماشياً مع إجراءات الحجر الصحي والتباعد الاجتماعي. واقترحت عليهم «محاكمة عن بعد»، رفضها الكثير منهم، بينما وافق عليها آخرون. ويعطي القانون الجزائري الحق لدفاع المتهم طلب إرجاء قضيته، وبإمكان القاضي أن يرفض إذا قدّر أن حججه غير مقنعة.
في سياق ذي صلة، قال فرع منظمة «العفو الدولية» بالجزائر، على موقعه الإلكتروني أمس، إنه «يجب على السلطات الجزائرية أن توقف بشكل عاجل، الملاحقات القضائية التعسفية الهادفة إلى إسكات أصوات نشطاء وصحافيي الحراك، في خضم تفشي وباء فيروس (كوفيد - 19)». ودعت المنظمة الحقوقية إلى «الإفراج فوراً عن كل من تستهدفهم هذه المحاكمات الصورية».
وأكدت في تقرير عن متابعة الناشطين، أن 20 منهم استدعتهم الشرطة للاستجواب أو تم القبض عليهم وتوقيفهم احتياطياً أو حكم عليهم بتهم مرتبطة بحرية التعبير، حسب المنظمة، في الفترة ما بين 7 مارس الماضي و13 أبريل (نيسان) الحالي. وجرت هذه الأحداث في 6 مدن، حسبما نقلته «أمنيستي» عن محامين.
وقالت هبة مرايف، مديرة المكتب الإقليمي لـ«الشرق الأوسط» وشمال أفريقيا في «منظمة العفو الدولية»: «يجب على السلطات الإفراج فوراً، ودون قيد أو شرط، عن جميع النشطاء السلميين المحتجزين لمجرد التعبير عن آرائهم عبر الإنترنت، وفي خارج الإنترنت و- أو لأنهم ينادون بتغيير ديمقراطي. ومن خلال قيام السلطات بالقبض على النشطاء وسجنهم فإنها لا تعاقبهم على حرية التعبير فحسب، بل تعرض صحتهم للخطر أيضاً نظراً لمخاطر تفشي وباء (كوفيد - 19) في السجن».
وأشار التقرير إلى توقف مظاهرات الحراك مطلع الشهر الماضي، مع تزايد الإصابات بفيروس كورونا، «ومع ذلك، واصلت السلطات استهداف نشطاء الحراك. ووفقاً لمحاميّ حقوق الإنسان، فإن ما لا يقل عن 32 شخصاً تم احتجازهم تعسفياً أثناء احتجاجات الحراك ما زالوا خلف القضبان، ويواجه جميعهم ملاحقات قضائية بموجب قانون العقوبات بسبب مجموعة من الجرائم، منها: «المساس بسلامة وحدة الوطن» أو «التحريض على التجمهر غير المسلح» أو «منشورات من شأنها الإضرار بالمصلحة الوطنية». ويجادل كثيرون أن هذه التهم ليست مشروعة بموجب القانون الدولي لأنها تجرم حرية التعبير.
وأضافت المنظمة، أن «الصحافيين يواجهون مضايقات من قبل السلطات، بسبب ما أجروه من مقابلات، أو ما كتبوا من مقالات، أو ما قاموا به من تغطية إعلامية حول الاحتجاجات». وتضمنت ملاحظاتها سجن الصحافي خالد درارني مراقب «مراسلون بلا حدود»، وحجب الصحيفة الإلكترونية «ماغريب إيمرجنت» «وراديو ماغريب» التابع لها.
في غضون ذلك، أمر قاضي التحقيق بمحكمة في شرق الجزائر، أمس، بإيداع عشريني ناشط بالحراك، رهن الحبس الاحتياطي بعد أن وجه له عدة تهم، مرتبطة بمنشورات وكتابات بشبكة التواصل الاجتماعي. وصرّح مؤمن شادي، محامي بمنطقة سطيف (300 كلم شرق العاصمة) لصحافيين، بأن الشاب المعروف محلياً، وليد كشيدة عرض على النيابة بالمحكمة المحلية بعد 24 ساعة من اعتقاله على يدي رجال أمن. وأوضح أن الشاب يقع تحت طائلة 3 تهم، هي: «إهانة رئيس الجمهورية» و«إهانة القوة العمومية أثناء أداء مهامها»، و«الإساءة إلى المعلوم من الدين».
ولم يشرح المحامي الوقائع التي اتخذها القضاء كأساس للتهم، وأشار إلى أنها مرتبطة بمنشورات ساخرة لوليد كشيدة بـ«فيسبوك». وبتصفح حساب الشاب بشبكة التواصل الاجتماعي، يلاحظ تعليقات على أحداث سياسية وتفاعل مع الأزمة الصحية، بأسلوب ساخر. كما ينتقد الرئيس عبد المجيد تبون والحكومة وقوات الأمن، وظواهر في المجتمع.
ويتابع «قسم محاربة الجرائم الإلكترونية» في جهازي الشرطة والدرك، بشكل مركز ما ينشره نشطاء الحراك بالإنترنت، ولا يمر يوم واحد إلا ويتم فيه استجواب الكثير منهم. ومنذ تعليق الحراك مظاهراته الأسبوعية، الشهر الماضي، تم سجن العشرات من «الحراكيين»، ووضع آخرين في الرقابة القضائية.
وتم عشية رمضان منع بث سلسلة فكاهية، ذات شعبية كبيرة، بقناة فضائية لأسباب لم تعلن عنها أي جهة. وقال نبيل عسلي الممثل الرئيسي في سلسلة «دقيوس ومقيوس»، إن القناة أبلغته بأن المنتوج محظور «من دون ذكر السبب»، وطالب بأن «تسمي الجهة المسؤولة عن حظر السلسلة، نفسها وتعلن لماذا هذا التصرف».



«الجبهة الوطنية»... حزب مصري جديد يثير تساؤلات وانتقادات

مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
TT

«الجبهة الوطنية»... حزب مصري جديد يثير تساؤلات وانتقادات

مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)

ما زال حزب «الجبهة الوطنية» المصري الجديد يثير انتقادات وتساؤلات بشأن برنامجه وأهدافه وطبيعة دوره السياسي في المرحلة المقبلة، خاصة مع تأكيد مؤسسيه أنهم «لن يكونوا في معسكر الموالاة أو في جانب المعارضة».

وكان حزب «الجبهة الوطنية» مثار جدل وتساؤلات في مصر، منذ الكشف عن اجتماعات تحضيرية بشأنه منتصف الشهر الماضي، انتهت بإعلان تدشينه في 30 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وتمحورت التساؤلات حول أسباب ظهوره في هذه المرحلة، وهل سيكون بديلاً لحزب الأغلبية في البرلمان المصري (مستقبل وطن)، لا سيما أن مصر مقبلة على انتخابات برلمانية نهاية العام الجاري.

هذه التساؤلات حاول اثنان من مؤسسي الحزب الإجابة عنها في أول ظهور إعلامي مساء السبت، ضمن برنامج «الحكاية» المذاع على قناة «إم بي سي»، وقال وكيل مؤسسي حزب «الجبهة الوطنية» ووزير الإسكان المصري السابق عاصم الجزار، إن «الحزب هو بيت خبرة هدفه إثراء الفكر وإعادة بناء الوعي المصري المعاصر»، مؤكداً أن الحزب «لا يسعى للأغلبية أو المغالبة، بل يستهدف التأثير النوعي وليس الكمي».

وأضاف: «هدفنا تشكيل تحالف من الأحزاب الوطنية القائمة، إذ لن نعمل وحدنا»، معلناً استعداد الحزب الجديد، الذي لا يزال يستكمل إجراءات تأسيسه رسمياً، للتحالف مع «أحزاب الأغلبية مستقبل وطن وحماة وطن والمعارضة والمستقلين أيضاً بهدف خدمة المصلحة الوطنية»، مستطرداً: «لن نكون أداة لتمرير قرارات، بل أداة للإقناع بها».

وشدد الجزار على أن «الحزب لا ينتمي لمعسكر الموالاة أو للمعارضة»، وإنما «نعمل لمصلحة الوطن».

وهو ما أكده رئيس «الهيئة العامة للاستعلامات» بمصر وعضو الهيئة التأسيسية لحزب «الجبهة الوطنية»، ضياء رشوان، الذي قال: «سنشكر الحكومة عندما تصيب ونعارضها عندما تخطئ»، مشيراً إلى أن «مصر ليس لها حزب حاكم حتى يكون هناك حديث عن موالاة ومعارضة».

الانتقادات الموجهة للحزب ارتبطت بتساؤلات حول دوره في ظل وجود نحو 87 حزباً سياسياً، وفق «الهيئة العامة للاستعلامات»، منها 14 حزباً ممثلاً في البرلمان الحالي، يتصدرها حزب «مستقبل وطن» بأغلبية 320 مقعداً، يليه حزب «الشعب الجمهور» بـ50 مقعداً، ثم حزب «الوفد» بـ39 مقعداً، وحزب «حماة الوطن» بـ27 مقعداً، وحزب «النور» الإسلامي بـ11 مقعداً، وحزب «المؤتمر» بـ8 مقاعد.

ورداً على سؤال للإعلامي عمرو أديب، خلال برنامج «الحكاية»، بشأن ما إذا كان الحزب «طامحاً للحكم ويأتي بوصفه بديلاً لحزب الأغلبية»، قال رشوان: «أي حزب سياسي يسعى للحكم، لكن من السذاجة أن نقول إن حزباً يعمل على إجراءات تأسيسه اليوم سيحصد الأغلبية بعد 8 أو 10 أشهر»، مشيراً إلى أن «الحزب لن يعيد تجارب (الهابطين من السماء)». واستطرد: «لن نسعى للأغلبية غداً، لكن قد يكون بعد غد».

وأضاف رشوان أن «الحزب يستهدف في الأساس إعادة بناء الحياة السياسية في مصر بعد فشل تجربة نظام الحزب الواحد في مصر منذ عام 1952»، مشيراً إلى أن «الحزب يستهدف إحياء تحالف 30 يونيو (حزيران)»، لافتاً إلى أن «التفكير فيه هو ثمرة للحوار الوطني الذي أثار زخماً سياسياً».

طوال ما يزيد على ساعة ونصف الساعة حاول الجزار ورشوان الإجابة عن التساؤلات المختلفة التي أثارها إعلان تدشين الحزب، والتأكيد على أنه «ليس سُلمة للوصول إلى البرلمان أو الوزارة»، وليس «بوابة للصعود»، كما شددا على أن «حزب الجبهة يضم أطيافاً متعددة وليس مقصوراً على لون سياسي واحد، وأنه يضم بين جنباته المعارضة».

وعقد حزب «الجبهة الوطنية» نحو 8 اجتماعات تحضيرية على مدار الأسابيع الماضي، وتعمل هيئته التأسيسية، التي تضم وزراء ونواباً ومسؤولين سابقين، حالياً على جمع التوكيلات الشعبية اللازمة لإطلاقه رسمياً.

ويستهدف الحزب، بحسب إفادة رسمية «تدشين أكبر تحالف سياسي لخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة، عبر صياغة تفاهمات سياسية واسعة مع الأحزاب الموجودة»، إضافة إلى «لمّ الشمل السياسي في فترة لا تحتمل التشتت».

ومنذ إطلاق الحزب تم ربطه بـ«اتحاد القبائل والعائلات المصرية» ورئيسه رجل الأعمال إبراهيم العرجاني، حتى إن البعض قال إن «الحزب هو الأداة السياسية لاتحاد القبائل». وعزز هذه الأحاديث إعلان الهيئة التأسيسية التي ضمت رجل الأعمال عصام إبراهيم العرجاني.

وأرجع الجزار الربط بين الحزب والعرجاني إلى أن «الاجتماعات التحضيرية الأولى للحزب كانت تجري في مكتبه بمقر اتحاد القبائل؛ كونه أميناً عاماً للاتحاد»، مؤكداً أن «الحزب لا علاقة له باتحاد القبائل». وقال: «العرجاني واحد من عشرة رجال أعمال ساهموا في تمويل اللقاءات التحضيرية للحزب». وأضاف: «الحزب لا ينتمي لشخص أو لجهة بل لفكرة».

وحول انضمام عصام العرجاني للهيئة التأسيسية، قال رشوان إنه «موجود بصفته ممثلاً لسيناء، ووجوده جاء بترشيح من أهل سيناء أنفسهم».

وأكد رشوان أن «البعض قد يرى في الحزب اختراعاً لكتالوج جديد في الحياة السياسية، وهو كذلك»، مشيراً إلى أن «الحزب يستهدف إعادة بناء الحياة السياسية في مصر التي يقول الجميع إنها ليست على المستوى المأمول».

بينما قال الجزار: «نحن بيت خبرة يسعى لتقديم أفكار وحلول وكوادر للدولة، ونحتاج لكل من لديه القدرة على طرح حلول ولو جزئية لمشاكل المجتمع».

وأثارت تصريحات الجزار ورشوان ردود فعل متباينة، وسط تساؤلات مستمرة عن رؤية الحزب السياسية، التي أشار البعض إلى أنها «غير واضحة»، وهي تساؤلات يرى مراقبون أن حسمها مرتبط بالانتخابات البرلمانية المقبلة.

كما رأى آخرون أن الحزب لم يكن مستعداً بعد للظهور الإعلامي.

بينما أشار البعض إلى أن «الحزب ولد بمشاكل تتعلق بشعبية داعميه»، وأنه «لم يفلح في إقناع الناس بأنه ليس حزب موالاة».

وقال مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية الدكتور عمرو الشوبكي لـ«الشرق الأوسط» إن «الحزب قدم حتى الآن كلاماً عاماً دون تصور أو رؤية واضحة للإصلاح التدريجي»، موضحاً أنه «من حيث المبدأ من حق أي جماعة تأسيس حزب جديد».

وبينما أكد الشوبكي أن ما عرضه المسؤولون عن الحزب الجديد بشأن «عدم طموحه للحكم لا يختلف عن واقع الحياة السياسية في مصر الذي يترك للدولة تشكيل الحكومة»، مطالباً «بتفعيل دور الأحزاب في الحياة السياسية»، فالمشكلة على حد تعبيره «ليست في إنشاء حزب جديد، بل في المساحة المتاحة للأحزاب».