ما معنى أن تكونَ مُترجِماً؟

الترجمة مثل لعبة الحب مزروعة بالفخاخ والمراوغات... لكن بنهاية لذيذة

جاك دريدا
جاك دريدا
TT

ما معنى أن تكونَ مُترجِماً؟

جاك دريدا
جاك دريدا

يعود الناقد والمترجم المغربي محمد آيت لعميم، في ترجمة جديدة، ليقدم للقارئ العربي جانباً من تجربة الكاتب والمترجم البرتغالي الأصل والفرنسي المولد والنشأة، كارلوس باتيستا، وذلك من خلال كتاب «المترجم كاتب الظل» الصادر عن منشورات «مركز الحمراء للثقافة والفكر» بمراكش.
وانطلق آيت لعميم في تقديمه للكتاب الذي توزعته أربعة محاور تناولت «فن الحب» و«فن الخيانة» و«فن الإغواء» و«فن الفرار»، فضلاً عن مقدمة، ونص – سؤال «لماذا نترجم؟» وتذييل – خاتمة، من مقولة لبوشكين، يتحدث فيها عن المترجمين بوصفهم «خيول بريد التنوير». كما استحضر الجاحظ ورومان ياكوبسون بصدد «الاستحالة»، ومقولة لجاك ديريدا عن الترجمة المستحيلة والضرورية في الوقت نفسه؛ قبل أن يستدرك، بالقول: «أمام جدار الاستحالة الذي نصبه أهل التنظير في الترجمة أكد أهل التطبيق والممارسة إمكانية تحققها»، ملاحظاً أن «التنظير محبط والممارسة تكذّبه».
ويقول آيت لعميم إن الترجمة وُجدت لأن البشر يتكلمون لغات مختلفة، مشيراً إلى أن مشهد التعدد اللغوي قد عرض في «سياق الخطيئة» كما ورد في القصة التوراتية، قبل أن يتحدث عن ورود هذا المشهد في القرآن الكريم بـ«صيغة مخالفة»، بشكل يُظهر أن التعدد كان في الأصل، ولم يكن حادثة عارضة؛ ليصير التعدد والاختلاف اللغوي آية شبيهة بالتعدد في الآيات الكونية، للتدليل على طلاقة القدرة الإلهية، بحيث يصير التعدد «أشبه بالنعمة منه إلى النقمة»، وتصبح وظيفة الترجمة «تقريب البعيد وضيافة الغريب»، و«مد حبل النجاة للإخوة الذين تشعبت بهم السبل وتاهوا في غابة القول».
بعد استعراض وجهات نظر عدد من المنظرين الذين كتبوا مؤلفات مرجعية في حقل التأمل الترجمي، وجاءت عناوين كتبهم محيلة إلى البعد العلمي والجمالي والأخلاقي والفكري والفلسفي للترجمة، سيشير آيت لعميم إلى السياق التأملي والتفكري للممارسة الترجمية بملذاتها وعذاباتها، الذي جاء فيه كتاب «المترجم كاتب الظل» لباتيستا، فتحدث عن المؤلَّف، فقال إنه شبيه بالمختصرات، والتذكرات، «يظهر فيه المترجم كاتب الظل في واضحة النهار، من خلال شذرات مركّزة، تذكّرنا بكتب الحكم، ونوادر لا تعدم حس الدعابة، حيث أعطيت الكلمة للجميع كي يتحدثوا عن الترجمة، وفك ألغازها وأسرارها، والاستمتاع بلذائذها المشوبة بنوع من الألم الدفين. فالترجمة كما أبرزها هذا الكتاب همّ مشترك لكل فئات المجتمع وليست حكراً على المنظّرين، بل هي شأن إنساني، الكل مدعوّ لإعطاء تصوره حولها».
وجواباً عن سؤال «لماذا نترجم؟»، نكون مع جواب لباتيستا يرى فيه أن «الترجمة لها صلة باندفاع مغامرة العشق – من حيث المثابرة، والتطور الجريء، والمقاومات المنتصرة، والإمساك بالأسرار، واقتحام الصيغ الحاسمة»، بحيث «يكسر المترجم الصمت الذي يفصل بين اللغات والشعوب»، هو الذي تصير بداخله «نهاية الكلام بداية».
تحت عنوان «فن الحب»، نكون مع مترجمة عاشقة طرقت باب كاتبها: «سألها: مَن الطارق؟ قالت: أنا. قال: البيت لا يسعني أنا وأنت. انصرفت المترجمة وراحت تتأمل في المكتبات، وفي حانات الليل. بعد مضيّ بضعة أشهر، عادت من جديد لتدق باب كاتبها المفضل، سأل: مَن الطارق؟ قالت: أنت، إذّاك فقط فتح الباب». ثم يضعنا الكتاب في صورة مترجمين عديدين، بينهم مترجم صائغ ومترجم فارس ومترجم شيزوفريني ومترجم ساعاتي ومترجم أعمى ومترجمة حُبلى ومترجم بستاني ومترجم دنجواني ومترجم كهربائي. مع هذا الأخير، مثلاً، «يكون القارئ أمام النص الأصلي الذي يجهل لغته، كما لو أنه في بيت مجهول، غارقاً في الظلام، يتعثر عند كل كلمة، ويترنح عند كل جملة».
وبالنسبة إلى باتيستا، فـ«كل انغماس في لغة أجنبية يجعلنا نستشعر غرابة لغتنا الخاصة»، مع أن «الترجمة لقاء: يأتي الأصل لزيارة قارئ من بلد آخر، وهنا، إما أن يحدثه كما لو كان جاره الجنب، أو كما لو أنه صديق بعيد، يتحدث لغة القارئ بطريقة جيدة جداً، لكن بسحر نبرته الخفيفة». لكن «هل المترجم كاتب أدنى، أو كاتب أعلى، أو نصف كاتب، أو مساعد كاتب أو كاتب موازٍ، أو ما بعد كاتب؟»، بالنسبة إلى الكاتب: «لا يهم، إنه وقبل كل شيء فنان، بارع مدقق في اللغة، على الأقل نظرياً». لننتهي، من هذا المحور، إلى أن الترجمة مثل لعبة الحب: «مزروعة بالفخاخ، وبالمراوغات والطعم والخدع، لكنها لعبة بنهاية لذيذة».
في «فن الخيانة»، نكون مع باتيستا وسؤال: «ما الذي يمكن أن يفعله مؤلف ضد مترجم يخونه؟ سيسامحه، أو يحاول قتله». قبل أن يحدّثنا على لسان مترجم للشعر: «في أحسن الظروف، الترجمة تزييف ناجح واحتيال أنيق، وفي أسوأ الظروف هي عمل حفار قبور وشهادة وفاة».
يحدّثنا باتيستا عن ثلاثة أصناف من المترجمين: «الإسفنجي والمصفاة والغربال. الإسفنجي يمتص الكل معتقداً أنه أعاد كل شيء، والمصفاة تصب السائل كي تحافظ على الحثالة، والغربال يلفظ التبن ليبقي على الحبوب». في نهاية التصنيف، ينصح باتيستا قارئه بأن يكون غربالاً.
وبالنسبة إلى باتيستا، أن تكون مترجماً ذلك يعني «أن يكون لديك ذوق معلن من أجل التستر، وأنت راغب أن تكون معروفاً»؛ فيما يقول لنا القانون اللساني الخاص بالعرض والطلب إن قيمة الكلمة ترتفع في لغتها حينما يكون هناك نقص لهذه الكلمة في لغة أخرى، إذ في الترجمة، كما في الحب، يضيف باتيستا، «سبيل الإفراط يمكنه أن يقود إلى قصر الحكمة كما يمكنه أن يقود إلى كوخ اللا معنى. لأن الذي يعرف كيف يجننه الأدب، تجعله الترجمة حكيماً أو أكثر جنوناً».
سيحدّثنا باتيستا عن «الترجمة بالطعنة»، مشيراً إلى أن أوغيست فون شليغل، مترجم سرفانتس إلى الألمانية، كان يقول: «الترجمة مبارزة حد القتل حيث يموت لا محالة المترجم أو المترجم له». لكن كيف يكون المترجم كئيباً ومحبطاً؟ يتساءل باتيستا، لنكون مع جواب ينقل لما يحصل حينما يعجز مترجم عن التركيز في عمله، ليقضي يوماً شبيهاً بيوم الحلاق: «يفتح حانوته، ينتظر، يتصفح المجلات، يدخن، يشرب القهوة، يشعل سيجارة تلو أخرى، وحين يأتي المساء يلعن ذلك اليوم لأنه لم يحلق لأي زبون، فهو يوم فارغ مثل صندوق نقوده».



عبده خال كاتب رواية بوليسية... هل توقف نموه؟

 نوبوكوف
نوبوكوف
TT

عبده خال كاتب رواية بوليسية... هل توقف نموه؟

 نوبوكوف
نوبوكوف

كنت أتهيأ للكتابة حين باغتتني رغبة في تصفح محتوى صفحة «الثقافة» في جريدة أجنبية. فوقع بصري، لحظة انبساط محتواها أمامي، على عنوان مُرَكبٍ من جزأين؛ الجزء الأول «مُلائِمَةٌ للقراءةِ في ليالي الشتاء»، وعرفت من الجزء الثاني أن الملائِمَةَ للقراءة هي عدد من روايات الجريمة يقترح مُعِدُّوها الاستمتاع بقراءتها في عطلة «الكريسماس». تلك قائمة لا أتوقع أن تقترحها الصحافة الثقافية العربية. «يا للمصادفة الغريبة» قلت في داخلي، فالمقالة التي كنت أنوي كتابتها تتمحور حول رواية الجريمة، أو الرواية البوليسية؛ لا أُفرقُ هنا بين النوعين. وكان للمصادفة امتداد آخر، إذ فرغت، وقبل قراءة تلك القائمة، من قراءة روايتين، هما روايتا جريمة «فسوق» لعبده خال، و«اللص والكلاب» للروائي العربي الكبير نجيب محفوظ.

عبده خال

ثنائية الركض والزحف

ركضت عبر «فسوق» عبده خال لأنها كانت القراءة الثانية، أو الثالثة؛ ووجدت في تعليقاتي وشخبطاتي في هوامش صفحاتها ما يغني عن قراءتها زاحفاً. أما أثناء قراءة رواية محفوظ، وكانت القراءة الثانية، كنت القارئ المتأني والبطيء لأنني لم أستطع مقاومة الرغبة في تفحص التقنية السردية فيها، ورصد لعبة الضمائر التي لا بد أن محفوظ استمتع بها أثناء الكتابة، واستمتع باستباق تلاعبه بالقارئ المحتمل بانتقاله من ضمير إلى آخر على نحو قد يجعل القراءة بطيئةً، أومُشوِشَّةً لبعض القراء.

يبدأ الفصل الأول بصوت السارد العليم - المحدود - بضمير الغائب: «مرة أخرى يتنفس نسمة الحرية، ولكن الجو غبار خانق وحر لا يُطاق. وفي انتظاره وجد بدلته الزرقاء وحذاءه المطاط، وسواهما لم يجد في انتظاره أحداً» (5). وابتداءً من الكلمتين الأخيرتين من السطر الثامن، يتحول ضمير الغائب إلى ضمير المخاطب المثنى، إلى صوت سعيد مهران مُخاطباً زوجتة سابقاً وزوجها الغائبين: «نبوية عليش، كيف انقلب الاسمان اسماً واحداً؟ أنتما تعملان لهذا اليوم ألف حساب، وقديماً ظننتما أن باب السجن لن ينفتح، ولعلكما تترقبان في حذر» (5)، ثم إلى ضمير المتكلم «ولن أقع في الفخ، ولكني سأنقض في الوقت المناسب كالقدر» (5). وقبل نهاية الصفحة بسطرين، يتحول الخطاب إلى مونولوغ داخلي بضمير المُخاطب المفرد: «استعِن بكل ما أوتيت من دهاء، ولتكن ضربتك قوية كصبرك الطويل وراء الجدران» (5). وفي مكان آخر فيما بعد، يلتقي ضميرا المتكلم والمخاطب الجمع معاً في كلام سعيد مهران، وهو يتحدث إلى مستشارين متخيلين في محاكمة متخيلة: «لست كغيري ممن وقفوا قبلي في هذا القفص، إذ يجب أن يكون للثقافة عندكم اعتبار خاص، والواقع أنه لا فرق بيني وبينكم إلا أني داخل القفص وأنتم خارجه...» (100). من المستبعد ألا يتذكر البعض همبرت همبرت في رواية فلاديمير نابوكوف «لوليتا» وهو يخاطب المحلفين أثناء محاكمته. اللافت في الأمر أن سعيد وهمبرت «بطلان» مضادان «antiheroes»، ومُبَئِران، وساردان إشكاليان غير موثوقين في روايتي جريمة؛ سعيد مهران لص وقاتل، وهمبرت همبرت «بيدوفايل/pedophile/ المنجذب جنسياً للأطفال» وقاتل. مأزق أخلاقي يجد القارئ نفسه مُسْتَدْرَجاً إلى التورط فيه في حال تماهيه مع الشخصية جراء تقلص أو تلاشي المسافة الجمالية بينه وبينها.

البداية المُزاحة بالاستطراد

هنا البداية الأولى، الأصلية، للمقالة، وقد أزاحها إلى هذا المكان الاستطراد السابق، ولا أخفي أنني مِلْتُ إلى الاسترسال فيه. البداية الأصلية: الروائي والأكاديمي موكوما وانغوغي ودعوته في «نهضة الرواية الأفريقية» إلى فتح التقليد الأدبي الأفريقي للقص الشعبي ومنه الرواية البوليسية؛ «جائزة القلم الذهبي» بكونها، في الأساس، مشروعاً يرفع القص الشعبي العربي من الهامش ويُنزله في المركز وبؤرة الاهتمام في المشهد الأدبي؛ ملف صحيفة «ليبراسيون» الفرنسية عن الرواية البوليسية في العالم وخُلُوِّه من أي ذكر لرواية بوليسية عربية واحدة، ثلاثة عوامل شكلت دافعاً على الكتابة عن الرواية البوليسية، وعن عبده خال، الذي أراه مشروع كاتب رواية بوليسية يعيش في كمون، أو لأقل، في حالة «توقف نمو» (ARRESTED DEVELOPMENT)، بغض النظر عمّا إذا كان يرى نفسه كذلك أم لا. الأمر مجرد رأي شخصي.

وانغوغي... الانحياز إلى الرواية البوليسية

بالإضافة إلى مناداته باعتبار الكتابات المبكرة - ما قبل جيل ماكيريري - جزءاً لا يتجزأ من «الخيال الأدبي والنقدي الأفريقي» (نهضة الرواية الأفريقية، 34)؛ دعا وانغوغي إلى فتح التقليد الأدبي الأفريقي للأدب المكتوب باللغات المحلية وللأدب الشعبي، مؤكداً على الرواية البوليسية بالذات، واصفاً مجيء أدباء ماكيريري بأنه مثل «تسونامي أدبي» طمر الكتابات المبكرة «تحت سيل من الروايات الواقعية» التي كتبوها بالإنجليزية. وكانت قوة وزخم حركتهم السبب في إخفاق النقد الأدبي في استرداد الحقبة الأدبية المبكرة. لقد أرسى أولئك الأدباء تسلسلاً هرمياً «يعلي شأن كل ما هو أدبي على الفنون الشعبية» (253)، بينما الفجوة بين الأدبي والشعبي، في رأيه، مجرد تباينات سطحية، لا تعني له ولجيله شيئاً ذا بال، فهم يقرأون «الأدب جنباً إلى جنب الأدب الشعبي» أو يقرأون «ما هو أدبي مع ما هو شعبي في آن معاً» (255). ويرى أن النقد الأدبي الأفريقي الملتزم بالخط الفكري الممتد من تشينوا أتشيبي إلى تشيماماندا أديتشي كاذب ومزيف، وأنه ومجايليه يتطلعون إلى نقدٍ أدبي يتيح لهم قراءة الأعمال الأدبية لشكسبير وأتشيبي ونغوغي وا ثيونغو، على سبيل المثال، إلى جانب الروايات الشعبية والبوليسية.

الرواية الشعبية من الهامش إلى المركز

لا اسم في الذاكرة الأدبية العربية لناقد أو روائي أو أكاديمي عربي دعا، مثل وانغوغي، إلى الالتفات نقداً أو بحثاً إلى الرواية الشعبية العربية، فالمشهد العربي عموماً يشيح باهتمامه واعترافه بها عنها، وإن ينظر إليها فبنظرة دونية، باعتبارها أدباً من الدرجة الثانية، أو ليست من الأدب على الإطلاق. وكان الوضع سيستمر لو لم يطرح المستشار تركي آل الشيخ مشروع «جائزة القلم الذهبي»، لينقلها من الهامش إلى المركز، مثيراً بذلك موجات من التصفيق والترحيب، مقابل «حلطماتِ» وهمهماتِ رفضٍ لم يجرؤ على رفع صوته في وجه المشروع. الوضع سيكون مختلفاً تماماً لو لم يكن «الرسمي» مصدرَ القرار والتنفيذ لمشروع «القلم الذهبي».

في مقالته الموسومة بـ«جائزة القلم الذهبي وصناعة مشهد مختلف» المنشورة في مجلة «القافلة» (نوفمبر/ديسمبر 2024)، يكتب الأستاذ الدكتور حسن النعمي أن «جائزة القلم الذهبي»، «فريدة من نوعها في بناء جسور التلاقي بين الرواية والسينما» (31). ما أراه هو أن فرادة وتميز الجائزة ينبعان أساساً من التفاتها إلى المهمش، أو حتى غير المعترف به؛ القص الشعبي بطيف أنواعه. القص الشعبي هو الأساس والقواعد التي تبني عليها الجائزة «جسور التلاقي بين الرواية والسينما»، وما الرواية الأدبية «الواقعية» سوى مضاف إلى الجائزة على نحو استدراكي وعرضي.

وأتفق مع الدكتور النعمي في أن الجائزة ستصنع مشهداً مختلفاً، بيد أنه اختلاف من المحتمل أن يدفع، وعلى نحو لافت، بالقص الشعبي عموماً، والرواية البوليسية خاصة، إلى الواجهة، ما قد يؤدي إلى دخولها في مجال رادارت الصحافة والنقد. فتخرج الرواية البوليسية العربية من جب غيابها الملحوظ الذي ناقشته الصحافة العربية، وكُتِبَ عن أسبابه مراراً وتكراراً، قبل أن يتأكد - غيابها - عالمياً، أيضاً، من خلال ملف صحيفة «ليبراسيون» الفرنسية (جولة حول العالم عبر 80 رواية بوليسية). وكان عبده وازن (إندبندنت عربية) وباقر صاحب (جريدة «الصباح»)، ممن كتبوا عن هذا الغياب الذي وصفه وازن بالفادح.

غياب الرواية البوليسية في «المجلة العربية»

لم تسعفني ذاكرتي إلا برواية محلية واحدة (فسوق) عبده خال وأنا أفكر فيما أشارك به في ملف «المجلة العربية» عن غياب الرواية البوليسية العربية (نُشر الملف في 1/4/2011). «فسوق» رواية بوليسية بامتياز حتى وإن لم يصرح مؤلفها بأنها كذلك، لاحتوائها على عناصر الرواية البوليسية الثلاثة: الجريمة، نبش قبر جليلة محسن الوهيب وسرقة جثتها ومضاجعتها؛ «المجرم/السارق، داود الناعم/شفيق الميت»؛ التحقيق والقبض على المجرم. أو وفقاً لتنظير تزفيتان تودوروف في «تصنيف القص البوليسي»، يتألف المتن الحكائي في «فسوق»، كما في أي رواية بوليسية، من القصة الأولى، وهي سرقة جثة جليلة، والقصة الثانية، قصة التحقيق المنتهية بالتعرف على من سرق الجثة ليمارس معها «النكروفيليا». القصة الأولى، كما يُنَظِّر تودوروف، تحكي ما يحدث بالفعل، بينما تشرح الثانية، قصة التحقيق، «كيف عرف القارئ أو السارد» عنها. بالتحديد تنتمي «فسوق» إلى النوع المعروف باسم «police procedural»، القص البوليسي الذي تأخذ فيه إجراءات وأساليب عمل الشرطة موقعاً مركزياً في البنية والثيمات والحدث كما يوضح جون سكاغز في كتابه «قص الجريمة».

لم يخطر ببال عبده خال أنه سيصبح ذات يوم عضواً في لجنة تحكيمٍ روايات جريمة/بوليسية جزءٌ من مهمتها. ربما يحفزه هذا على السماح لكاتب «فسوق» في داخله بالنمو والتطور، ليكتب روايات بوليسية أخرى.

* ناقد وكاتب سعودي