طرفا النزاع في ليبيا يستهدفان إمدادات الذخيرة والوقود

حكومة الشرق تتهم «الوفاق» بـ«قرصنة» مساعدات إنسانية

TT

طرفا النزاع في ليبيا يستهدفان إمدادات الذخيرة والوقود

في إطار التصعيد العسكري المهيمن على الحرب الدائرة بمحيط العاصمة الليبية، التي دخلت عامها الثاني، لجأت القوتان المتحاربتان في طرابلس إلى ترصّد إمدادات الذخيرة والوقود لكل منهما وتدميرها قبل أن تصل إلى يد «الخصم» سعياً لقطع خطوط الإمداد عنه وشل حركته، في وقت اتهمت وزارة الخارجية التابعة للحكومة الموازية بـ(شرق ليبيا) حكومة «الوفاق» في طرابلس بـ«قرصنة مساعدات إنسانية مقدمة من الاتحاد الأفريقي إلى ليبيا لمكافحة كورونا». واتهمت قوات «الجيش الوطني» الميليشيات الداعمة لقوات «الوفاق» باستهداف ناقلات إمداد الوقود للبلديات الغربية الداعمة للقوات المسلحة، ظناً منها أنها كانت متجهة إلى محاور القتال لإمداد القطع العسكرية المشاركة في حرب طرابلس.
واعترفت عملية «بركان الغضب» التابعة لقوات «الوفاق»، بأن سلاحها الجوي قصف صهريج وقود و«سيارة محمّلة» في محيط بلدة بني وليد فجر الجمعة الماضي، كانا في طريقهما إلى مدينة ترهونة المخطوفة من «العدو» في إشارة إلى قوات «الجيش الوطني». وقال أحمد عبد الحكيم حمزة، رئيس اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان، لـ«الشرق الأوسط» إن هذه اتهامات متبادلة بين «الجيش الوطني» وقوات «الوفاق» على خلفية تصاعد الحرب بينهما، حيث يسعى كل طرف لاستهداف الإمدادات العسكرية للطرف الآخر قبل أن تصل إلى المحاور القتالية، وبالتالي يؤثر على قدراته في المعركة.
وفي الوقت الذي ندد اللواء أحمد المسماري المتحدث باسم «الجيش الوطني» بالقصف، قال المتحدث باسم «بركان الغضب» العقيد محمد قنونو، إن السيارة التي قُصفت كان على متنها عناصر تابعة لقوات (القيادة العامة)، رغم أنه سبق له القول في بيان سابق إن طيران حكومة «الوفاق» دمّر شاحنة ذخيرة شمال بني وليد تابعة لقوات القيادة العامة. وبينما نشرت عملية «بركان الغضب» صوراً تظهر تصاعد أعمدة الدخان، قالت وسائل محلية إن طائرة تركية مسيّرة قصفت شاحنة محمّلة بالبيض في منطقة اشميخ جنوب غربي مدينة بني وليد.
وأسفرت الضربة التركية التي تبناها المتحدث باسم «بركان الغضب» عن تدمير الشاحنتين، وفقاً لوسائل الإعلام، فيما نفت مجموعة عمليات المنطقة الغربية التابعة للقيادة العامة تبعية الشحنتين لها، وأكدت أن شحنة البيض مملوكة لأحد التجار في بني وليد، أما شحنة الوقود فقد أكدت الغرفة أنها كانت مرسلة من لجنة أزمة الوقود بالحكومة الموازية لمحطات بني وليد وكان من المقرر تفريغها لفك أزمة المواطنين.
وذهب متابعون إلى أن «الجيش الوطني» خلال الأشهر الماضية استهدف مخازن ومستودعات ذخيرة لقوات «الوفاق» في مصراتة ومطار معيتيقة، في عملية يرونها استهدفت تقويض جهود عملية «بركان الغضب» وتجفيف منابع قوتها. وفي ردهم على قصف مدينتهم من قوات «الوفاق»، قال مجلس قبائل ترهونة إن المدينة والأحياء المدنية تعرضت لقصف صاروخي أعمى تسبب في سقوط ضحايا في منازلهم من ميليشيا (الرئيس التركي رجب طيب) إردوغان، الذي أعلن رسمياً حربه في ليبيا دفاعاً عن إرثه التاريخي وحماية لعائلاته التركية.
وأضافوا في بيانهم مساء أول من أمس: «في الوقت الذي نعيش فيه أجواء إيمانية في شهر رمضان المبارك ونتطلع فيه إلى تجاوز ما نحن فيه من أزمة شاملة في كل مناحي الحياة سواء الاقتصادية أو السياسية أو النفسية والصحية، استهدفت الطائرات التركية منازل المدنيين».
ونوهوا إلى ما سموه «تخاذل المجتمع الدولي والصمت العربي الرسمي على كل هذا الاستهداف»، الذي وصفوه بـ«الجبان»، لافتين إلى «صمود قبائل ترهونة وثبات موقفهم في دعم (الجيش الوطني)».
في غضون ذلك، اتهمت وزارة الخارجية التابعة للحكومة الموازية بشرق ليبيا، حكومة «الوفاق» في طرابلس بـ«قرصنة مساعدات إنسانية مقدمة من الاتحاد الأفريقي إلى ليبيا لمكافحة (كورونا)». وقالت الوزارة في بيان أمس، إن «الاتحاد الأفريقي خصص دعماً طبياً لدول الاتحاد مقدماً من شركة (جاك ما) الصينية؛ لمواجهة فيروس (كورونا)»، مشيرةً إلى أنها تتواصل مع الاتحاد للتنبيه على عدم شرعية حكومة الوفاق، وأن هذه المساعدات لن تصل إلى مستحقيها، لكن الاتحاد الأفريقي سلم شحنة المساعدات إلى هذه الحكومة (غير الشرعية)، والتي بدورها حرمت منها أكثر من 85 بلدية من أصل 105 بلديات تتبع الحكومة الليبية المنبثقة عن مجلس النواب الليبي.
وأضافت الوزارة أن «ما أقدمت عليه حكومة (الوفاق المنتهية الصلاحية) من قرصنة على هذه المساعدات الإنسانية جاء بهدف توظيفها سياسياً من أجل كسب ولاء بعض البلديات التابع لـ(الميليشيات) المسيطرة عليها وعلى قراراتها»، واستكملت: «سبق وحذرت وزارة الخارجية والمنظمات الدولية والإقليمية بأن هذه المساعدات هي لأغراض إنسانية بحتة ولا يمكن بأي شكل من الأشكال توظيفها سياسياً وحرمان الشعب الليبي منها». وطالبت وزارة الخارجية في نهاية بيانها، المجتمع الدولي وجامعة الدول العربية والاتحاد الأفريقي ومنظمة التعاون الإسلامي وكل المنظمات الدولية والإقليمية، بسحب الاعتراف من هذه الحكومة غير الشرعية التي لا تمثل الليبيين، ولا تعبّر عن إرادتهم، ودعم الشعب الليبي في استعادة دولته من الميليشيات الإجرامية والإرهابية والمرتزقة الأجانب من أجل بناء ليبيا الجديدة، دولة القانون والمؤسسات. وسعت «الشرق الأوسط» للتواصل مع وزارة الخارجية بحكومة «الوفاق» للتعليق على اتهام نظيرتها في شرق ليبيا، لكن دون الحصول على رد منها.



«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
TT

«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)

بعد مرور نحو أسبوع على سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، يفضل اللاجئون والمهاجرون السوريون في مصر التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة إلى بلادهم التي تمر بمرحلة انتقالية يشوبها الكثير من الغموض.

ويتيح تغيير نظام الأسد وتولي فصائل المعارضة السورية السلطة الانتقالية، الفرصة لعودة المهاجرين دون ملاحقات أمنية، وفق أعضاء بالجالية السورية بمصر، غير أن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين في القاهرة ترى أنه «من المبكر التفكير في عودة اللاجئين المسجلين لديها، إلى البلاد حالياً».

وازدادت أعداد السوريين في مصر، على مدى أكثر من عقد، مدفوعة بالتطورات السياسية والأمنية في الداخل السوري؛ إذ ارتفع عدد السوريين المسجلين لدى مفوضية اللاجئين إلى نحو 148 ألف لاجئ، غير أن تلك البيانات لا تعكس العدد الحقيقي للجالية السورية بمصر؛ إذ تشير المنظمة الدولية للهجرة إلى أن تعدادهم يصل إلى 1.5 مليون.

ولم تغير تطورات الأوضاع السياسية والأمنية في الداخل السوري من وضعية اللاجئين السوريين بمصر حتى الآن، حسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في القاهرة، كريستين بشاي، التي قالت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «السوريين المسجلين كلاجئين لدى المفوضية يتلقون خدماتهم بشكل طبيعي»، مشيرة إلى أنه «لا يوجد أي إجراءات حالية لمراجعة ملف اللاجئين المقيمين بمصر، تمهيداً لعودتهم».

وتعتقد بشاي أنه «من المبكر الحديث عن ملف العودة الطوعية للاجئين السوريين لبلادهم»، وأشارت إلى إفادة صادرة عن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين مؤخراً، تدعو السوريين في الخارج لـ«التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة لبلادهم».

وكانت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد نصحت المهاجرين السوريين في الخارج «بضرورة التحلي بالصبر واليقظة، مع قضية العودة لديارهم». وقالت، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إن «ملايين اللاجئين يواصلون تقييم الأوضاع قبل اتخاذ قرار العودة»، وأشارت إلى أن «الصبر ضروري، على أمل اتخاذ التطورات على الأرض منحى إيجابياً، ما يتيح العودة الطوعية والآمنة والمستدامة».

ووعدت المفوضية، في بيانها، بـ«مراقبة التطورات بسوريا، مع الانخراط مع مجتمعات اللاجئين، لدعم الدول في مجال العودة الطوعية والمنظمة، وإنهاء أزمة النزوح القسري الأكبر في العالم»، وأشارت في الوقت نفسه إلى أن «الاحتياجات الإغاثية داخل سوريا لا تزال هائلة، في ظل البنية التحتية المتهالكة، واعتماد أكثر من 90 في المائة من السكان على المساعدات الإنسانية».

وحسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية اللاجئين في القاهرة، يمثل اللاجئون السوريون المسجلون لدى المفوضية نحو 17 في المائة من تعداد اللاجئين في مصر، بواقع 148 ألف لاجئ سوري، من نحو 863 ألف لاجئ من أكثر من 60 جنسية. ويأتي ترتيبهم الثاني بعد السودانيين.

وباعتقاد مدير عام مؤسسة «سوريا الغد»، ملهم الخن، (مؤسسة إغاثية معنية بدعم اللاجئين السوريين في مصر)، أن «قضية عودة المهاجرين ما زال يحيطها الغموض»، مشيراً إلى «وجود تخوفات من شرائح عديدة من الأسر السورية من التطورات الأمنية والسياسية الداخلية»، ورجّح «استمرار فترة عدم اليقين خلال الفترة الانتقالية الحالية، لنحو 3 أشهر، لحين وضوح الرؤية واستقرار الأوضاع».

ويفرق الخن، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، بين 3 مواقف للمهاجرين السوريين في مصر، تجاه مسألة العودة لبلادهم، وقال إن «هناك فئة المستثمرين، وأصحاب الأعمال، وهؤلاء تحظى أوضاعهم باستقرار ولديهم إقامة قانونية، وفرص عودتهم ضئيلة».

والفئة الثانية، حسب الخن، «الشباب الهاربون من التجنيد الإجباري والمطلوبون أمنياً، وهؤلاء لديهم رغبة عاجلة للعودة، خصوصاً الذين تركوا أسرهم في سوريا»، أما الثالثة فتضم «العائلات السورية، وهؤلاء فرص تفكيرهم في العودة ضعيفة، نظراً لارتباط أغلبهم بتعليم أبنائهم في المدارس والجامعات المصرية، وفقدان عدد كبير منهم منازلهم بسوريا».

وارتبط الوجود السوري في مصر باستثمارات عديدة، أبرزها في مجال المطاعم التي انتشرت في مدن مصرية مختلفة.

ورأى كثير من مستخدمي مواقع «السوشيال ميديا» في مصر، أن التغيير في سوريا يمثّل فرصة لعودة السوريين لبلادهم، وتعددت التفاعلات التي تطالب بعودتهم مرة أخرى، وعدم استضافة أعداد جديدة بالبلاد.

وتتيح مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مساعدات لراغبي العودة الطوعية من اللاجئين، تشمل «التأكد من أن العودة تتم في ظروف آمنة، والتأكد من أن الأوضاع في البلد الأصلي آمنة»، إلى جانب «تقديم دعم نقدي لتغطية النفقات الأساسية والسفر»، حسب مكتب مفوضية اللاجئين في مصر.

ويرى مسؤول الائتلاف الوطني السوري، عادل الحلواني، (مقيم بمصر)، أن ملف عودة المهاجرين «ليس أولوية في الوقت الراهن»، مشيراً إلى أن «جميع السوريين يترقبون التطورات الداخلية في بلادهم، والهدف الأساسي هو عبور سوريا الفترة الانتقالية بشكل آمن»، معتبراً أنه «عندما يستشعر المهاجرون استقرار الأوضاع الداخلية، سيعودون طواعية».

وأوضح الحلواني، لـ«الشرق الأوسط»، أن «حالة الضبابية بالمشهد الداخلي، تدفع الكثيرين للتريث قبل العودة»، وقال إن «الشباب لديهم رغبة أكثر في العودة حالياً»، منوهاً بـ«وجود شريحة من المهاجرين صدرت بحقهم غرامات لمخالفة شروط الإقامة بمصر، وفي حاجة للدعم لإنهاء تلك المخالفات».

وتدعم السلطات المصرية «العودة الآمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم»، وأشارت الخارجية المصرية، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إلى أن «القاهرة ستواصل العمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين لتقديم يد العون والعمل على إنهاء معاناة الشعب السوري الممتدة، وإعادة الإعمار، ودعم عودة اللاجئين، والتوصل للاستقرار الذي يستحقه الشعب السوري».