الكرملين يؤكد «وفرة» احتياطياته النقدية... ويدعو إلى الحذر في استخدامها

روسيا تعوّل على انتعاش أسعار النفط مع زيادة معاناة الاقتصاد

الكرملين يؤكد «وفرة» احتياطياته النقدية... ويدعو إلى الحذر في استخدامها
TT

الكرملين يؤكد «وفرة» احتياطياته النقدية... ويدعو إلى الحذر في استخدامها

الكرملين يؤكد «وفرة» احتياطياته النقدية... ويدعو إلى الحذر في استخدامها

في الوقت الذي يشتد فيه الخناق على احتياطيات روسيا، عاد الكرملين وأكد مجددا امتلاك «وسادة أمان» لدعم الاقتصاد خلال مرحلة أسعار النفط المتدنية، دون تحديد إلى متى ستستمر تلك «المرحلة». بينما خفضت وزارة المالية الروسية توقعاتها للفترة الزمنية التي ستكون الاحتياطيات كافية خلالها للتعويض عن عجز الإيرادات النفطية، وبعد أن أكدت بثقة في أعقاب انهيار اتفاق «أوبك+» مطلع مارس (آذار) أنها ستكفي لمدة عشر سنوات، اضطرت مؤخرا لتخفيض المدة حتى أقل من أربع سنوات، بعد انهيار سعر النفط الروسي «أورالز» حتى أدنى مستوى، بالتزامن مع انضمام «كورونا» لـ«استنزاف» الاحتياطيات.
وتأمل وزارة الطاقة الروسية أن ينتهي هذا الوضع وأن تستعيد أسواق النفط عافيتها تدريجيا بدءاً من النصف الثاني من العام الحالي.
ديمتري بيسكوف، المتحدث الرسمي باسم الرئاسة الروسية، أكد قدرة الاقتصاد الروسي على الاستمرار «في ظروف أسعار نفط متدنية للغاية»، وفي إجابته على سؤال بهذا الصدد، ضمن برنامج «موسكو. الكرملين. بوتين» على التلفزيون الروسي، قال بيسكوف: «أجل يمكننا الاستمرار مع أسعار متدنية للغاية»، لافتاً إلى نسبة «احتياطي جيدة من القوة»، وأوضح أنه يعني بذلك «ما يُسمى وسادة الأمان»، في إشارة إلى الاحتياطيات في «صندوق الثروة الوطني». وكان بيسكوف أكد على هذا الأمر أكثر من مرة في تصريحات سابقة، إلا أن حديثه الأخير عن «وسادة الأمان» عكس نوعاً من القلق إزاء «محدودية» إمكانية الاعتماد على تلك الاحتياطيات لمدة طويلة، مع تزايد معاناة الاقتصاد الروسي، وذلك حين شدد «من الضروري أن يكون المرء حذرا بالطبع في استخدام الاحتياطيات».
وكان وزير المالية الروسي أنطون سيلوانوف أكد في تصريحات سابقة، مطلع مارس الماضي، أن الاحتياطيات في «صندوق الثروة الوطني»، وهو صندوق الاحتياطي الوحيد للدولة الروسية، تكفي في حال تراجع النفط حتى 25 - 30 دولارا للبرميل، لتغطية عجز الإيرادات النفطية للميزانية لمدة 6 إلى 10 سنوات.
وهذا ما قاله في 9 مارس، اليوم الذي وصفه مراقبون «ثلاثاء الحساب» في إشارة إلى أنه اليوم الذي بدأت السوق الروسية تدفع فيه ثمن رفض المفاوض الروسي، مقترح السعودية، خلال اجتماع 6 مارس، تخفيضا إضافيا لإنتاج النفط ضمن «أوبك+»، وأعلنت موسكو تخليها عن العمل بالاتفاقية نهاية شهر مارس، وهو ما أدى إلى انهيار الاتفاقية حينها، ومعها انهارت أسعار النفط في الأسواق العالمية، مع انهيار حاد على الروبل ومؤشرات السوق الروسية.
ومع إصرار المسؤولين الروس، في الأيام الأولى لانهيار اتفاقية «أوبك+» الأولى، على توفر قدرات تضمن استقرار الاقتصاد الروسي على المدى البعيد، تغيرت اللهجة بعد عدة أيام، وبدأت تصدر تحذيرات، بينها ما قاله رئيس غرفة الحساب الروسية أليكسي كودرين، من أن خسائر الميزانية الروسية قد تصل حتى 3 تريليونات روبل (41.8 مليار دولار)، إذا تراجع متوسط سعر خام «أورالز» حتى 35 دولارا للبرميل. إلا أن السعر تراجع لاحقا حتى نحو 10 دولارات للبرميل، وتزامن ذلك مع دخول النشاط الاقتصادي الروسي مرحلة جمود نتيجة تدابير مواجهة كورونا، الأمر الذي زاد من العبء على الاحتياطيات. هذه العوامل دفعت وزير المالية الروسي إلى تعديل توقعاته «الزمنية» بشأن الاحتياطيات، وقال في تصريحات الأسبوع الماضي: «بالنظر إلى سعر النفط كما هو اليوم، فإن الاحتياطيات ستكون كافية حتى 2024»، أي لأقل من أربع سنوات فقط، بينما يحذر مراقبون من أنها قد لا تكفي لأكثر من عام إلى عامين.
وتعلق روسيا، الآن وبعد توقيع اتفاق جديد لتخفيض الإنتاج النفطي، الآمال على انتعاش الأسعار. وقال وزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك في تصريحات صحافية، إن «العالم لم يكن يتوقع أبداً أن يواجه الوضع بانخفاض الطلب على النفط حتى 20 - 30 في المائة»، وعبر بحذر عن أمله بانتعاش السوق في النصف الثاني من العام الحالي، وقال إن «غالبية الخبراء يجمعون على أن هبوط السعر بلغ الذروة، وبكل الأحوال ستستعيد السوق عافيتها»، داعيا إلى «تجاوز الذروة» الأمر الذي قال إنه يتطلب «عدم ملء الخزانات بالنفط، لأن هذا سيؤدي إلى انهيار وفوضى في السوق، وهو ما نتمنى تفاديه»، وأضاف في الختام: «الجميع يتوقعون استعادة النشاط الاقتصادي في النصف الثاني من العام، والطلب سيرتفع مجددا» على النفط.



الدردري: اقتصاد سوريا خسر 24 عاماً من التنمية البشرية

TT

الدردري: اقتصاد سوريا خسر 24 عاماً من التنمية البشرية

الأمين العام المساعد للأمم المتحدة مدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي للدول العربية د. عبد الله الدردري (تركي العقيلي)
الأمين العام المساعد للأمم المتحدة مدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي للدول العربية د. عبد الله الدردري (تركي العقيلي)

كشف الأمين العام المساعد للأمم المتحدة مدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي للدول العربية الدكتور عبد الله الدردري، أن الأمم المتحدة أعطت البرنامج الضوء الأخضر لبدء التواصل مع الحكومة المؤقتة السورية الجديدة تعزيزاً للعمل الإنساني وبدء مسار التعافي لإعادة تفعيل الاقتصاد السوري «الذي خسر 24 عاماً من التنمية البشرية حتى الآن».

وقال الدردري في حديث إلى «الشرق الأوسط» بمناسبة وجوده في الرياض للمشاركة في فعاليات مؤتمر «كوب 16»، إنه وجّه مكتب البرنامج في دمشق اعتباراً من (الخميس) للتواصل مع الجهات الحكومية وبدء عملية التقييم التي تحتاج إليها البلاد.

كان نظام بشار الأسد قد ترك خلفه تحديات اقتصادية كبيرة مع انهيار شبه كامل للبنية التحتية الاقتصادية وتدمير آلاف المنازل وتشريد الملايين.

رجل سوري يتحدث عبر هاتفه المحمول وهو يقف على درج مبنى مدمَّر في مدينة حرستا شرق دمشق (أ.ب)

واستعرض الدردري الوضع الراهن في سوريا، فقال «إن تقديراتنا الأولية أن الاقتصاد السوري خسر حتى الآن 24 عاماً من التنمية البشرية، فيما سجل الناتج المحلي الإجمالي تراجعاً كبيراً من 62 مليار دولار في عام 2010 إلى 8 مليارات فقط اليوم. أما معدل الفقر، فارتفع من نحو 12 في المائة عام 2010 إلى أكثر من 90 في المائة. وبات معدل الفقر الغذائي يتجاوز 65 في المائة من السكان».

وإذ أوضح أن أمام سوريا مرحلة صعبة، قال إن تقديرات البرنامج تشير إلى أنه من أصل 5 ملايين و500 ألف وحدة سكنية، فإن نحو مليوني وحدة سكنية دمِّرت بالكامل أو جزئياً.

وعن تكلفة عملية إعادة الإعمار، أوضح الدردري أن احتساب تكلفة إعادة بناء الوحدات السكنية يحتاج إلى تحديث، كون أسعار البناء تختلف اليوم. لكنه شدد على أن أخطر ما جرى في سوريا هو الضعف المؤسساتي مقارنةً بما كان عليه الوضع قبل عام 2011، «حيث كانت هناك مؤسسات دولة قوية، فيما تراجعت بشكل كبير اليوم». من هنا، فإن تركيز برنامج الأمم المتحدة اليوم هو على الدعم المؤسساتي، «لأنه من دون مؤسسات قادرة على التخطيط والتنفيذ والمتابعة، لا توجد تنمية ولا إعادة إعمار»، كما يركز على القطاع الخاص الذي استطاع أن يصمد رغم كل الهزات، والجاهز اليوم لتلقف أي حالة من الأمن والانفتاح للعمل.

وقال: «خلال الساعات الـ48 الأخيرة، ولمجرد أن الحكومة المؤقتة أعلنت أن الاقتصاد السوري هو اقتصاد سوق حر مع بعض الإجراءات السريعة لتسيير عمل التجارة وغيرها، تحسن سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار من 30 ألف ليرة إلى 14 ألف ليرة، مما يعني تحسناً بأكثر من 50 في المائة».

رجل يعد النقود بمحطة بنزين في مدينة حلب شمال سوريا (أ.ف.ب)

ولكن كيف يرى نائب الوزراء السوري السابق للشؤون الاقتصادية بين سنوات 2006 و2011، خريطة طريق إعادة النهوض بالاقتصاد السوري؟ أجاب: «في الحقيقة، لا أرى فرقاً بين دوري في الأمم المتحدة وبين عملي سابقاً. فسوريا تحتاج إلى إصلاح حوكمي سريع وفعال، بمعنى أنها تحتاج إلى إصلاح القضاء، وتطوير المؤسسات وترسيخ مبدأ الفصل بين السلطات، وترسيخ القانون. كما أنها بحاجة إلى رؤية للمستقبل، وإلى حوار وطني. تحتاج إلى تحديد الوضع الراهن في المجال الاقتصادي وأين هو موقع البلاد في هذا الإطار. هي تحتاج إلى رسم سيناريوهات التعافي والنمو... وهو ما تراه الأمم المتحدة أيضاً لإعادة إحياء البلاد».

وأضاف: «سندعم كل ما من شأنه أن يجعل سوريا جاذبة للاستثمار، وإرساء منظومة لحماية اجتماعية فاعلة... فنمو اقتصادي يقوده القطاع الخاص وعدالة اجتماعية من خلال منظومات حماية اجتماعية متكاملة هما ما تحتاج إليه سوريا، وهما ما سنعمل عليه».

غزة

وفي ما يتعلق بالوضع في غزة، قال الدردري إن التقديرات الأولية جداً تشير إلى أنها تحتاج إلى 50 مليار دولار، موضحاً أن إعادة تعويم الاقتصاد الفلسطيني إلى ما كان عليه في عام 2022، إنما يحتاج إلى معونات إنسانية تقدَّر بـ600 مليون دولار سنوياً على مدى السنوات العشر المقبلة.

فلسطينيون يتفقدون الدمار في منطقة استهدفتها غارة جوية إسرائيلية قرب مخيم النصيرات للاجئين (أ.ف.ب)

وعن الجهات المستعدة لتأمين هذه المبالغ، قال: «هناك وعود بأن المجتمع الدولي مستعد للمساعدة، ولكن إلى الآن لا شيء ملموساً».

وأضاف: «هناك حاجة ماسة إلى رفع القيود عن عمل الفلسطينيين، وعن أموال المقاصة التي يجب أن تذهب إلى السلطة الفلسطينية، وأن يُسمح للاقتصاد الفلسطيني بالاندماج».

لبنان

وشرح الدردري أن لبنان خسر 10 في المائة من ناتجه المحلي الإجمالي خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة بسبب الحرب مع إسرائيل، تضاف إلى ما نسبته 35 في المائة خسارة في الناتج المحلي منذ 2019. في حين دُمر نحو 62 ألف منزل وأكثر من 5 آلاف منشأة اقتصادية.

شخصان يتعانقان على أنقاض المباني المتضررة في قرية جون بقضاء الشوف بلبنان (رويترز)

ووُضع برنامج للتعافي الاقتصادي في لبنان يعتمد بشكل أساسي على تعزيز المجتمعات المحلية والشركات الصغيرة وإعادة إحياء التمويل في لبنان، وعلى دعم البلديات التي تأثرت بشكل كبير، وعلى الجمعيات الأهلية. وتوقع أن يستعيد لبنان تعافيه مع استمرار حالة الهدوء، وذلك بفعل أهمية الدور الذي يلعبه قطاعه الخاص.