إجراءات أوروبية لإنقاذ القطاع المصرفي من آثار الوباء

طول أمد فترة الأزمة رفع معدلات القروض غير المنتظمة السداد

المصارف تعوّل على الإجراءات الحكومية الأوروبية لتخفيف الحمل عنها (رويترز)
المصارف تعوّل على الإجراءات الحكومية الأوروبية لتخفيف الحمل عنها (رويترز)
TT

إجراءات أوروبية لإنقاذ القطاع المصرفي من آثار الوباء

المصارف تعوّل على الإجراءات الحكومية الأوروبية لتخفيف الحمل عنها (رويترز)
المصارف تعوّل على الإجراءات الحكومية الأوروبية لتخفيف الحمل عنها (رويترز)

تواجه المصارف الأوروبية أزمة تفشي فيروس كورونا المستجد كوفيد ١٩ بكثير من التوجس والخوف تعاظم الخسائر، إذا طال أمد التداعيات. وفي نفس الوقت تنظر، بفارغ الصبر، إلى جملة آليات أطلقها الاتحاد الأوروبي للحؤول دون وقوع أزمة إفلاسات بين البنوك.
فالركود الاقتصادي العالمي في ٢٠٠٨ كان بسبب الأزمة المالية التي اندلعت من رحم الرهون العقارية الأميركية ووصلت تداعياتها إلى عمق الاقتصاد الحقيقي والمنتج في أنحاء العالم بأسره. أما الأزمة الصحية الحالية فقد أوقفت الأنشطة الاقتصادية أولاً، ثم بدأت تتمدد إلى القطاع المالي عموما والمصرفي خصوصاً.
قال الاقتصادي الفرنسي جيزابل كوبيه-سوبيران في ورقة بحثية، إن العدوى التي تنتقل إلى ميزانيات البنوك الأوروبية تسلك عدة قنوات، أولها تعثر الشركات والأفراد في سداد ديونهم، وبالتالي عودة ارتفاع القروض المتعثرة في ميزانيات البنوك إلى تسجيل معدلات مقلقة. إلى ذلك، بدأت تظهر أخطاء في العمليات المصرفية عبر الحواسيب والأنظمة الآلية بفعل الضغط الحاصل على الشبكات بعد تضاعف العمل عن بعد بفعل الحجر المنزلي والتباعد الاجتماعي، بالإضافة إلى أخطاء بشرية وارتفاع منسوب القرصنة الإلكترونية.
وبدأت مصارف تسجل خسائر أو تراجعات في الأرباح. ويتجدد السؤال عن تأثر الملاءة التي هي معيار الصمود ومدته. وهل القواعد التي وضعت بعد أزمة ٢٠٠٨ كافية لمواجهة صدمات الأزمة الحالية؟ فمعايير «بازل ٣» لكفاية رأس المال ارتفعت من 8.8 في المائة في ٢٠٠٨، إلى 14.7 في المائة في ٢٠١٦ لدى بنوك منطقة اليورو، و9.8 و12.9 في المائة في الولايات المتحدة واليابان على التوالي وفقاً لبيانات بنك التسويات الدولية.
فهل البنوك الأوروبية أكثر صلابة من غيرها؟ الجواب ليس إيجابيا ً بالضرورة، بحسب الاقتصادي الفرنسي، لأن تلك النسب إذا حسبت على أساس المخاطر الحقيقية والمستقبلية تظهر أنها 5.8 في المائة في مصارف دول الاتحاد الأوروبي و9.3 في المائة في الولايات المتحدة. يعني أن أي خسائر في متن الأصول يفوق تلك النسب سيستهلك الرساميل الخاصة للمصارف المعنية بالانكشافات الزائدة عن حدها.
فإجمالي أصول البنوك الأوروبية ٣٤ تريليون يورو، ثلثها قروض للعملاء وفقا للبنك المركزي الأوروبي، ما يعني أنه يكفي أن يتعثر قرض واحد من أصل خمسة حتى تستهلك الرساميل الخاصة وتسقط إلى مستوى الصفر، ما يستدعي رسملة جديدة، علما بأن نسبة القروض المتعثرة أو غير المنتظمة السداد قبل الأزمة الحالية كانت بمتوسط ٥ في المائة فقط.
لكن الأزمات المالية لا تندلع فقط بمجرد ارتفاع تعثر القروض، بل بانتقال العدوى بين وحدات النظام على طريقة «أحجار الدومينو».
أمام السيناريو الأسوأ تنطلق «آليات الحل» التي وضعها الاتحاد الأوروبي بعد أزمة ٢٠٠٨ لمعالجة الإفلاسات، وبين شروطها أن البنوك الكبيرة المقرضة للصغيرة تتحمل ٨ في المائة من الخسائر، قبل أن يتدخل الصندوق الأوروبي المخصص للإنقاذ المصرفي الذي بحوزته ٤٠ مليار يورو فقط، لا تكفي إذا تطلب الأمر رسملة عدة مصارف في آن واحد. ووفقا للجنة الأوروبية الخاصة بمواجهة المخاطر النظامية فإن بنكين كبيرين على الأقل عرضة للسيناريو الأسوأ هذا الشهر.
إلى ذلك هناك «الآلية الأوروبية للاستقرار» التي تأتي لاحقا للإنقاذ أيضا، وهي تفرض إجراءات رسملة مباشرة وغير مباشرة للبنوك، بيد أن سقفها ٦٠ مليار يورو، ما دفع باقتصاديين ألمان إلى طلب رفع السقف فورا إلى ٢٠٠ مليار يورو تحسباً لأزمة مصرفية مقبلة إذا طال أمد عدوى فيروس كورونا.
ولمواجهة احتمالات التعثر، منحت البنوك المركزية الأوروبية بالإضافة إلى البنك المركزي الأوروبي خطوط ائتمان لا محدودة وبكلفة صفرية تستفيد منها المصارف لتجاوز أي نقص في السيولة. وبدأت الجهات الرقابية بالتساهل قليلا مع بعض معايير السيولة والملاءة والمخصصات والمعايير الرقابية لتشجيع المصارف على شهية مخاطر إقراض القطاعات المأزومة، لكن مراقبين يحذرون من أن التمادي في ذلك التساهل في المعايير قد يهبط بنسبة الملاءة دون المعدل الذي حددته لجنة بازل.
وفي ١٦ أبريل (نيسان) الحالي، أعلن البنك المركزي الأوروبي تخفيض شروط الرساميل الخاصة لمواجهة تقهقر أسعار الأصول المالية التي هبطت مع مؤشرات البورصات وأسواق المال. وهذه المرونة أتت أيضا لمواجهة عامل الوقت في أزمة كورونا ورفع قدرة المصارف على مواجهة التداعيات الاقتصادية للأزمة.
لكن أظهر ذلك ثغرات وفقا لمفوضين في بروكسل، مثل عدم التأكد من الربط المباشر بين ما تستفيد منه البنوك من تسهيلات في السيولة والشروط الرقابية وبين حجم الدعم المقدم من تلك البنوك إلى الشركات. من جهة أخرى يخشى المصرفيون من طول أزمة كورونا لأن خسائر القروض ستتعاظم وستتآكل الرساميل الخاصة ما يعني أن القطاع المصرفي الأوروبي في مواجهة أزمة عميقة مع نهاية ٢٠٢٠ وبداية ٢٠٢١.
تبقى الإشارة إلى أن المصارف تعول ولو بشكل غير مباشر على ما أقدمت عليه الحكومات الأوروبية لجهة إطلاق برامج توسعية في الأنفاق العام تفيد الاقتصاد حتى يتعافى وبالتالي يخف العبء عن المصارف.



 «موديز» ترفع التصنيف الائتماني للسعودية بفضل جهود تنويع الاقتصاد

مشهد من العاصمة السعودية وتظهر فيه ناطحات السحاب في مركز الملك عبد الله المالي (كافد) (رويترز)
مشهد من العاصمة السعودية وتظهر فيه ناطحات السحاب في مركز الملك عبد الله المالي (كافد) (رويترز)
TT

 «موديز» ترفع التصنيف الائتماني للسعودية بفضل جهود تنويع الاقتصاد

مشهد من العاصمة السعودية وتظهر فيه ناطحات السحاب في مركز الملك عبد الله المالي (كافد) (رويترز)
مشهد من العاصمة السعودية وتظهر فيه ناطحات السحاب في مركز الملك عبد الله المالي (كافد) (رويترز)

رفعت وكالة التصنيفات الائتمانية «موديز» تصنيفها للسعودية بالعملتين المحلية والأجنبية عند «إيه إيه 3» (Aa3) من «إيه 1» مع نظرة مستقبلية «مستقرة»، وذلك نظراً لتقدم المملكة المستمر في التنويع الاقتصادي والنمو المتصاعد لقطاعها غير النفطي.

هذا التصنيف الذي يعني أن الدولة ذات جودة عالية ومخاطر ائتمانية منخفضة للغاية، هو رابع أعلى تصنيف لـ«موديز»، ويتجاوز تصنيفات وكالتي «فيتش» و«ستاندرد آند بورز».

وقالت «موديز» في تقريرها إن رفعها لتصنيف المملكة الائتماني، مع نظرة مستقبلية «مستقرة»، يأتي نتيجة لتقدمها المستمر في التنوع الاقتصادي، والنمو المتصاعد للقطاع غير النفطي في المملكة، والذي، مع مرور الوقت، سيقلل ارتباط تطورات سوق النفط باقتصادها وماليتها العامة.

ترتيب أولويات الإنفاق ورفع كفاءته

وأشادت «موديز» بالتخطيط المالي الذي اتخذته الحكومة السعودية في إطار الحيّز المالي، والتزامها بترتيب أولويات الإنفاق ورفع كفاءته، بالإضافة إلى الجهود المستمرة التي تبذلها ومواصلتها استثمار المـوارد الماليـة المتاحـة لتنويـع القاعـدة الاقتصاديـة عـن طريـق الإنفـاق التحولي؛ مما يدعم التنمية المستدامة للاقتصاد غير النفطي في المملكة، والحفاظ على مركز مالي قوي.

وقالت «موديز» إن عملية «إعادة معايرة وإعادة ترتيب أولويات مشاريع التنويع -التي ستتم مراجعتها بشكل دوري- ستوفر بيئة أكثر ملاءمة للتنمية المستدامة للاقتصاد غير الهيدروكربوني في المملكة، وتساعد في الحفاظ على القوة النسبية لموازنة الدولة»، مشيرة إلى أن الاستثمارات والاستهلاك الخاص يدعمان النمو في القطاع الخاص غير النفطي، ومتوقعةً أن تبقى النفقات الاستثمارية والاستثمارات المحلية لـ«صندوق الاستثمارات العامة» مرتفعة نسبياً خلال السنوات المقبلة.

شعار «موديز» خارج المقر الرئيسي للشركة في مانهاتن الولايات المتحدة (رويترز)

وقد وضّحت الوكالة في تقريرها استنادها على هذا التخطيط والالتزام في توقعها لعجز مالي مستقر نسبياً والذي من الممكن أن يصل إلى ما يقرب من 2 - 3 في المائة من الناتج الإجمالي المحلي.

وسجل الناتج المحلي الإجمالي للمملكة نمواً بمعدل 2.8 في المائة على أساس سنوي في الربع الثالث من العام الحالي، مدعوماً بنمو القطاع غير النفطي الذي نما بواقع 4.2 في المائة، وفقاً لبيانات الهيئة العامة للإحصاء السعودية الصادرة الشهر الماضي.

زخم نمو الاقتصاد غير النفطي

وتوقعت «موديز» أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي للقطاع الخاص بالسعودية بنسبة تتراوح بين 4 - 5 في المائة في السنوات المقبلة، والتي تعتبر من بين أعلى المعدلات في منطقة دول مجلس التعاون الخليجي، معتبرةً أنه دلالة على استمرار التقدم في التنوع الاقتصادي الذي سيقلل ارتباط اقتصاد المملكة بتطورات أسواق النفط.

وكان وزير المالية، محمد الجدعان، قال في منتدى «مبادرة مستقبل الاستثمار» الشهر الماضي إن القطاع غير النفطي بات يشكل 52 في المائة من الاقتصاد بفضل «رؤية 2030».

وقال وزير الاقتصاد فيصل الإبراهيم إنه «منذ إطلاق رؤية المملكة 2030 نما اقتصادنا غير النفطي بنسبة 20 في المائة، وشهدنا زيادة بنسبة 70 في المائة في الاستثمار الخاص في القطاعات غير النفطية، ومهد ذلك للانفتاح والمشاركات الكثيرة مع الأعمال والشركات والمستثمرين».

وأشارت «موديز» إلى أن التقدم في التنويع الاقتصادي إلى جانب الإصلاحات المالية السابقة كل ذلك أدى إلى وصول «الاقتصاد والمالية الحكومية في السعودية إلى وضع أقوى يسمح لهما بتحمل صدمة كبيرة في أسعار النفط مقارنة بعام 2015».

وتوقعت «موديز» أن يكون نمو الاستهلاك الخاص «قوياً»، حيث يتضمن تصميم العديد من المشاريع الجارية، بما في ذلك تلك الضخمة «مراحل تسويق من شأنها تعزيز القدرة على جانب العرض في قطاع الخدمات، وخاصة في مجالات الضيافة والترفيه والتسلية وتجارة التجزئة والمطاعم».

وبحسب تقرير «موديز»، تشير النظرة المستقبلية «المستقرة» إلى توازن المخاطر المتعلقة بالتصنيف على المستوى العالي، مشيرة إلى أن «المزيد من التقدم في مشاريع التنويع الكبيرة قد يستقطب القطاع الخاص ويُحفّز تطوير القطاعات غير الهيدروكربونية بوتيرة أسرع مما نفترضه حالياً».

النفط

تفترض «موديز» بلوغ متوسط ​​سعر النفط 75 دولاراً للبرميل في 2025، و70 دولاراً في الفترة 2026 - 2027، بانخفاض عن متوسط ​​يبلغ نحو 82 - 83 دولاراً للبرميل في 2023 - 2024.

وترجح وكالة التصنيف تمكّن السعودية من العودة لزيادة إنتاج النفط تدريجياً بدءاً من 2025، بما يتماشى مع الإعلان الأخير لمنظمة البلدان المصدرة للنفط وحلفائها «أوبك بلس».

وترى «موديز» أن «التوترات الجيوسياسية المتصاعدة في المنطقة، والتي لها تأثير محدود على السعودية حتى الآن، لن تتصاعد إلى صراع عسكري واسع النطاق بين إسرائيل وإيران مع آثار جانبية قد تؤثر على قدرة المملكة على تصدير النفط أو إعاقة استثمارات القطاع الخاص التي تدعم زخم التنويع». وأشارت في الوقت نفسه إلى أن الصراع الجيوسياسي المستمر في المنطقة يمثل «خطراً على التطورات الاقتصادية على المدى القريب».

تصنيفات سابقة

تجدر الإشارة إلى أن المملكة حصلت خلال العامين الحالي والماضي على عدد من الترقيات في تصنيفها الائتماني من الوكالات العالمية، والتي تأتي انعكاساً لاستمرار جهـود المملكـة نحـو التحـول الاقتصـادي فـي ظـل الإصلاحـات الهيكليـة المتبعـة، وتبنـّي سياسـات ماليـة تسـاهم فـي المحافظـة علـى الاستدامة الماليـة وتعزز كفـاءة التخطيـط المالي وقوة ومتانة المركز المالي للمملكة. ​

ففي سبتمبر (أيلول)، عدلت «ستاندرد آند بورز» توقعاتها للمملكة العربية السعودية من «مستقرة» إلى «إيجابية» على خلفية توقعات النمو القوي غير النفطي والمرونة الاقتصادية. وقالت إن هذه الخطوة تعكس التوقعات بأن تؤدي الإصلاحات والاستثمارات واسعة النطاق التي تنفذها الحكومة السعودية إلى تعزيز تنمية الاقتصاد غير النفطي مع الحفاظ على استدامة المالية العامة.

وفي فبراير (شباط) الماضي، أكدت وكالة «فيتش» تصنيفها الائتماني للمملكة عند «إيه +» مع نظرة مستقبلية «مستقرة».