لماذا يختبئ المبدعون عن العالم؟

لماذا يختبئ المبدعون عن العالم؟
TT

لماذا يختبئ المبدعون عن العالم؟

لماذا يختبئ المبدعون عن العالم؟

فن الاختباء، أو الفرار من الذات، والعالم في الوقت نفسه، هو جزء من التاريخ الأدبي منذ هوميروس. هو ليس زهداً، ولا عزلة. قد ينتمي إلى العائلة الكبيرة نفسها، لكنه ليس شقيقهما. الزهد والعزلة خياران واعيان إلى حد بعيد، يصدران عن عقل وفلسفة ورؤية، لذلك غالباً ما يأتيان متأخرين في عمر الحكمة والنضوج، كعزلة أبي العلاء مثلاً.
الاختباء شيء آخر. قد يهجم فجأة، وفي أي لحظة. نفور لا يمكن تفسيره، أو الوقوف على سبب واحد من أسبابه. اشمئزاز من شيء ما، من فعل اقترفته الذات، أو تتصور أنها فعلت، أو ارتكبه الآخرون، وقد يكونون بريئين من كل ذلك، رغبة في الاضمحلال حتى التلاشي، في غرفة صغيرة في البيت، أو في الجنون، على طريقة نيتشه وهولدرلن، أو الهرب إلى أي منفى لا ترى القرد فيه ولا القرد يراك. لا فرق. المهم الوصول إلى الحد الأقصى من عزلة الروح.
لا جدوى هنا من الاستعانة بعلم النفس لتفسير هذا النزوع الغامض. فهو لا يفعل شيئاً، ولن يستطيع أن يقرأ تلك اللحظة التي سرعان ما تتوارى في الأعماق، وتبقى ساكنة هناك إلى الأبد، منطوية على سرها الذي لا تعرفه، ولن يعرفه أحد.
أي قرف قاد إيميلي ديكنسون إلى ذلك الفرار الرهيب من العالم، فحبست نفسها في علية في بيت الأب تسعاً وثلاثين سنة ابتداء من 1847، وهي بعد في السابعة عشرة، حتى رحيلها عن ست وخمسين سنة في 1886؟ لم تطأ خلالها عتبة باب بيت أبيها سوى مرتين. كتبت 1800 قصيدة، لم تنشر منها سوى 10 قصائد. البقية خبأتها تحت مخدتها. كان النشر بالنسبة لها «مزاداً للعقل»، وهي تعني بذلك الإطلالة على العالم.
سيفعل الروائي الأميركي جي دي سالنغر، بعد أكثر من قرن من رحيل ديكنسون، الشيء نفسه، وإن بشكل مختلف. فبعد النجاح المدوي لروايته «حارس حقل الشوفان»، الصادرة عام 1951، التي باعت 65 مليون نسخة بالملايين، وترجمت إلى 30 لغة، شعر بالنفور فجأة، ليسترد «مجهوليته وغموضه اللذين أعارهما للآخرين»، كما سيقول لاحقاً. اختفى أربعين عاماً حتى رحيله 2010، وهو في الواحدة والتسعين، باستثناء عودات شبحية من خلال نشر قصص قصيرة، واصطياد نساء صغيرات!
في الوقت نفسه، في بداية الستينيات، عرفت هاربر لي نجاحاً هائلاً بعد نشرها «أن تقتل طائراً محاكياً»؛ ملايين النسخ وترجمات بالمئات. وستقول عن هذا النجاح فيما بعد: «كان موتاً سريعاً... رحيماً»... ثم اختفت ما يقرب من خمسين سنة، لتعود رغماً عنها عودة باهتة قبل رحيلها بسنة واحدة عام 2016.
كان باسكال يقول إن كل مشكلات العالم تبدأ حين يغادر المرء غرفته. ولكن كيف يمكن أن يحقق المرء الهروب الأعظم من ذاته؟
في العراق، خرج القاص عبد الرزاق الشيخ علي يوماً ما من عام 1957 من بيته، ولم يره أحد بعد ذلك. وقصة القاص الروائي المصري وجيه غالي، الذي يكتب عنه الروائي عزت القمحاوي في هذه الصفحة، ليست مختلفة عن قصة زميله العراقي؛ خرج فجأة من مصر، لا أحد يعرف لماذا، وظل يهرب من ذاته من منفى لمنفى، وكأن شيئاً يطارده حتى انتحاره بلندن عام 1968. لم يترك لنا سوى رواية واحدة.
سئل فيودور دوستويفسكي مرة عن مشروعه الآتي، فأجاب مباشرة: «الجنون». وهو في الحقيقة لم يفعل في حياته شيئاً سوى اقتراف مزيد من الجنون، وإلا ما قرأنا «الجريمة والعقاب» و«الإخوة كارامازوف» و«الأبله». وربما كان النافر الأول من العالم وذاته، على طريقته الخاصة، لحسن الحظ.



مجلة «الفيصل»: صناعة النخب في الوطن العربي

مجلة «الفيصل»: صناعة النخب في الوطن العربي
TT

مجلة «الفيصل»: صناعة النخب في الوطن العربي

مجلة «الفيصل»: صناعة النخب في الوطن العربي

صدر العدد الجديد من مجلة «الفيصل»، وتضمن مواضيع متنوعة، وخصص الملف لصناعة النخب في الوطن العربي، شارك فيه عدد من الباحثين العرب وهم: محمد شوقي الزين: صُورَةُ النُّخَب وجَدَل الأدْوَار. محمد الرميحي: المجتمع الخليجي وصناعة النخب: الوسائل والصعوبات! موليم العروسي: صناعة النخب وآلياتها. علي الشدوي: مواد أولية عن النخبة السعودية المؤسّسة. ثائر ديب: روسيا مطلع القرن العشرين وسوريا مطلع الواحد والعشرين: إنتلجنسيا ومثقفون.

أما حوار العدد فكان مع المؤرخ اللبناني مسعود ضاهر (أجراه أحمد فرحات) الذي يرى أن مشروع الشرق الأوسط الجديد يحل محل نظيره سايكس بيكو القديم، مطالباً بالانتقال من التاريخ العبء إلى التاريخ الحافز. المفكر فهمي جدعان كتب عن محنة التقدم بين شرط الإلحاد ولاهوت التحرير. وفي مقال بعنوان: «أين المشكلة؟» يرى المفكر علي حرب أن ما تشهده المجتمعات الغربية اليوم تحت مسمى «الصحوة» هو الوجه الآخر لمنظمة «القاعدة» أو لحركة «طالبان» في الإسلام. ويحكي الناقد الفلسطيني فيصل دراج حكايته مع رواية «موبي ديك». ويستعيد الناقد العراقي حاتم الصكر الألفة الأولى في فضاء البيوت وأعماقها، متجولاً بنا في بيته الأول ثم البيوت الأخرى التي سكنها.

ويطالع القارئ عدداً من المواد المهمة في مختلف أبواب العدد. قضايا: «تلوين الترجمة... الخلفية العرقية للمترجم وسياسات الترجمة الأدبية». (عبد الفتاح عادل). جاك دريدا قارئاً أنطونان أرتو (جمال شحيّد). عمارة: العمارة العربية من التقليدية إلى ما بعد الحداثة (عبد العزيز الزهراني). رسائل: أحلام من آبائنا: فيث أدييلي (ترجمة: عز الدين طجيو). ثقافات: خوليو كورتاثر كما عرفته: عمر بريغو (ترجمة: محمد الفحايم). عن قتل تشارلز ديكنز: زيدي سميث (ترجمة أماني لا زار). سيرة: أم كلثوم ونجيب محفوظ نسيج متداخل وروابط متعددة (سيد محمود). اليوتوبيا ونهاية العالم: القرن العشرون صحبة برتراند راسل: خاومي نافارو (ترجمة: نجيب مبارك). رحلة أدب الأطفال الروسي من جامع الفلكلور حتى حكايات اليوم (عبادة تقلا). الأدب والفلسفة: جان لويس فييار بارون (ترجمة حورية الظل). بواكير الحداثة العربية: الريادة والحداثة: عن السيَّاب والبيَّاتي (محمَّد مظلوم). بروتريه: بعد سنوات من رحيله زيارة جديدة لإبراهيم أصلان (محمود الورداني). تراث: كتاب الموسيقى للفارابي: من خلال مخطوط بالمكتبة الوطنية بمدريد (أحمد السعيدي). فيلسوفيا: فيليب ماينلاندر: فيلسوف الخلاص (ياسين عاشور). فضاءات: «غرافيتي» على جدران الفناء (هاني نديم).

قراءات: قراءة في تجربة العماني عوض اللويهي (أسامة الحداد). «القبيلة التي تضحك ليلاً»: تشظي الذات بين المواجهات النسقية (شهلا العجيلي). مختارات من الشعر الإيراني المعاصر (سعد القرش). نور الدين أفاية ومقدمات نقد عوائق الفكر الفلسفي العربي الراهن (الصديق الدهبي). تشكيل: تجربة التشكيلي حلمي التوني (شريف الشافعي). تشكيل: غادة الحسن: تجربتي بمجملها نسيج واحد والعمل الفني كائن حي وله دوره في الحياة (حوار هدى الدغفق). سينما: سعيد ولد خليفة: ما يثير اهتمامي دائماً هو المصاير الفردية للأبطال اليوميين (سمير قسيمي). الفلسفة فناً للموت: كوستيكا براداتان (ترجمة أزدشير سليمان). ماذا يعني ألا تُصنف كاتب حواشٍ لأفلاطون؟ (كمال سلمان العنزي). «الومضة» عند الشاعر الأردني «هزّاع البراري» (عبد الحكيم أبو جاموس).

ونقرأ مراجعات لعدد من الكتب: «جوامع الكمد» لعيد الحجيلي (أحمد الصغير). «حقائق الحياة الصغيرة» للؤي حمزة عباس (حسين عماد صادق). «أنا رسول بصيرتي» لسيد الجزايرلي (صبحي موسى). «طبول الوادي» لمحمود الرحبي (محمد الراشدي). «عقلان» لمحمد الشجاع (محمد عبد الوكيل جازم)

وكذلك نطالع نصوصاً لشعراء وكتاب قصة: برايتون (عبد الكريم بن محمد النملة). في طريق السفر تخاطبك النجوم: أورهان ولي (ترجمة: نوزاد جعدان). بين صحوي وسُكْرها (سعود بن سليمان اليوسف). خرائطُ النُّقصان (عصام عيسى). الغفران (حسن عبد الموجود). أنتِ أمي التي وأبي (عزت الطيرى).