تونس: «الدستوري الحر» يتهم «النهضة» بإرساء «ديكتاتورية التوافق»

بهدف «تمرير مشروعات قوانين تخدم مصالحها السياسية الضيقة»

TT

تونس: «الدستوري الحر» يتهم «النهضة» بإرساء «ديكتاتورية التوافق»

حذرت عبير موسى، رئيسة «الحزب الدستوري الحر» المعارض، من إرساء «ديكتاتورية التوافق» في تونس، من خلال تكتل ائتلاف برلماني، تتزعمه حركة «النهضة» (إسلامية) ويشارك فيه حزب «قلب تونس»: «قصد فرض توجهات وقرارات معينة، وتمرير مشروعات قوانين، وتنقيح النظام الداخلي للبرلمان، طبقاً لمصالحه السياسية الضيقة»، على حد تعبيرها، مقابل «تهميش ممنهج للمعارضة الحقيقية، وإخراس صوتها، وتدجين دورها الرقابي، وذلك في خرق واضح لمقتضيات الفصل 60 من الدستور التونسي». معتبرة أن المعارضة في تونس «لم تعد تؤدي دورها الرقابي على عمل الحكومة».
وأوضحت موسى أن نواب حزبها في مختلف اللجان البرلمانية باتوا يتعرضون للاستهداف، بسبب «انضباطهم وتمسكهم بالوفاء بوعودهم الانتخابية، ورفضهم التقارب والتحالف مع التنظيمات الظلامية». في إشارة إلى التيار الإسلامي المنضم إلى الائتلاف الحاكم. كما اتهمت موسى بعض نواب حزب «قلب تونس» الذين دخلوا في تحالف مع تنظيم «الإخوان»، ممثلاً في حركة «النهضة»، بـ«سبها وهتك عرضها ونعتها بأبشع النعوت» لضمان إفلاتهم من العقاب، على حد تعبيرها. في إشارة إلى الملاحقات القضائية التي تستهدف نبيل القروي، المرشح السابق لرئاسة الجمهورية.
ويخوض «الحزب الدستوري الحر» الذي تتزعمه عبير موسى، القيادية السابقة في حزب «التجمع الدستوري الديمقراطي» المنحل، حرباً ضروساً على وجود التيار الإسلامي، ممثلاً في حركة «النهضة»، ومؤيديها مثل «ائتلاف الكرامة»، ضمن الائتلاف الحاكم، وتنتقد بشدة كل القرارات التي يتخذها راشد الغنوشي، رئيس حركة «النهضة» والبرلمان، والاقتراحات التي تتقدم بها «النهضة»، مشددة على أن الحركة الإسلامية «تتخفى وراء ديكتاتورية التوافق، لتمرير عدة مشروعات قوانين تهدد مدنية الدولة».
في المقابل، عبرت قيادات حركة «النهضة» في أكثر من مناسبة على ضرورة اللجوء إلى التوافق في حال وجود نقاط خلافية داخل البرلمان، أو حول العمل الحكومي، واعتبرت أن المرحلة السياسية الحالية لا يمكن أن تقسم إلى ائتلاف حاكم ومعارضة برلمانية صريحة، وأن الأفضل أن تدار عبر الحوار والتوافق، على حد تعبير الغنوشي رئيس «النهضة».
وكان الغنوشي قد أرسى دعائم التوافق مع الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي، مباشرة بعد الإعلان عن نتائج انتخابات 2014. وهو توافق جمع الأضداد في تعايش سياسي لم يكن يرضي القواعد الانتخابية لكل من حركة «النهضة» وحركة «نداء تونس» التي دفعت الفاتورة غالية من خلال فقدان وزنها البرلماني، وتراجع عدد ممثليها من المرتبة الأولى بـ86 نائباً في انتخابات 2014 إلى ثلاثة نواب فقط في انتخابات 2019.
على صعيد آخر، صادقت لجنة النظام الداخلي والحصانة البرلمانية، أمس، على مقترح منع أي عضو من أعضاء البرلمان، عند بداية المدة النيابية، من الانتماء لكتلة نيابية غير الكتلة التي كوَّنها الحزب أو الائتلاف الانتخابي الذي ترشح تحت اسمه، وذلك في خطوة تهدف إلى القضاء على ظاهرة «تنقل النواب من حزب إلى آخر»، فيما اصطلح على تسميته في تونس بـ«السياحة الحزبية».
وتقدم بهذا المقترح حزب «قلب تونس» بزعامة نبيل القروي، بينما طرح حزب «تحيا تونس» الذي يتزعمه يوسف الشاهد نقيض هذا المقترح، أي منح الحرية للنائب في الاستقالة، والالتحاق بأي كتلة برلمانية، وفي أي وقت يريد.
كما تم التصويت على مقترح ثانٍ، يتمثل في منع الأعضاء المستقيلين من الكتل البرلمانية، من الانتماء إلى كتلة نيابية جديدة خلال كامل المدة النيابية. لكن في ظل تباين الآراء واختلاف الرؤى حول قراءة الفصل 82 من النظام الداخلي للبرلمان، في علاقة بنتيجة التصويت، فقد تم تأجيل الحسم في هذه النقطة إلى جلسة برلمانية لاحقة.



الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)

كثّفت الجماعة الحوثية استهدافها مدرسي الجامعات والأكاديميين المقيمين في مناطق سيطرتها بحملات جديدة، وألزمتهم بحضور دورات تعبوية وزيارات أضرحة القتلى من قادتها، والمشاركة في وقفات تنظمها ضد الغرب وإسرائيل، بالتزامن مع الكشف عن انتهاكات خطيرة طالتهم خلال فترة الانقلاب والحرب، ومساعٍ حثيثة لكثير منهم إلى الهجرة.

وذكرت مصادر أكاديمية في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن مدرسي الجامعات العامة والخاصة والموظفين في تلك الجامعات يخضعون خلال الأسابيع الماضية لممارسات متنوعة؛ يُجبرون خلالها على المشاركة في أنشطة خاصة بالجماعة على حساب مهامهم الأكاديمية والتدريس، وتحت مبرر مواجهة ما تسميه «العدوان الغربي والإسرائيلي»، ومناصرة فلسطينيي غزة.

وتُلوّح الجماعة بمعاقبة مَن يتهرّب أو يتخلّف من الأكاديميين في الجامعات العمومية، عن المشاركة في تلك الفعاليات بالفصل من وظائفهم، وإيقاف مستحقاتهم المالية، في حين يتم تهديد الجامعات الخاصة بإجراءات عقابية مختلفة، منها الغرامات والإغلاق، في حال عدم مشاركة مدرسيها وموظفيها في تلك الفعاليات.

أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

وتأتي هذه الإجراءات متزامنة مع إجراءات شبيهة يتعرّض لها الطلاب الذين يجبرون على حضور دورات تدريبية قتالية، والمشاركة في عروض عسكرية ضمن مساعي الجماعة لاستغلال الحرب الإسرائيلية على غزة لتجنيد مقاتلين تابعين لها.

انتهاكات مروّعة

وكان تقرير حقوقي قد كشف عن «انتهاكات خطيرة» طالت عشرات الأكاديميين والمعلمين اليمنيين خلال الأعوام العشرة الماضية.

وأوضح التقرير الذي أصدرته «بوابة التقاضي الاستراتيجي»، التابعة للمجلس العربي، بالتعاون مع الهيئة الوطنية للأسرى والمختطفين، قبل أسبوع تقريباً، وغطّي الفترة من مايو (أيار) 2015، وحتى أغسطس (آب) الماضي، أن 1304 وقائع انتهاك طالت الأكاديميين والمعلمين في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية التي اتهمها باختطافهم وتعقبهم، ضمن ما سمّاها بـ«سياسة تستهدف القضاء على الفئات المؤثرة في المجتمع اليمني وتعطيل العملية التعليمية».

أنشطة الجماعة الحوثية في الجامعات طغت على الأنشطة الأكاديمية والعلمية (إكس)

ووثّق التقرير حالتي وفاة تحت التعذيب في سجون الجماعة، وأكثر من 20 حالة إخفاء قسري، منوهاً بأن من بين المستهدفين وزراء ومستشارين حكوميين ونقابيين ورؤساء جامعات، ومرجعيات علمية وثقافية ذات تأثير كبير في المجتمع اليمني.

وتضمن التقرير تحليلاً قانونياً لمجموعة من الوثائق، بما في ذلك تفاصيل جلسات التحقيق ووقائع التعذيب.

ووفق تصنيف التقرير للانتهاكات، فإن الجماعة الحوثية نفّذت 1046 حالة اختطاف بحق مؤثرين، وعرضت 124 منهم للتعذيب، وأخضعت اثنين من الأكاديميين و26 من المعلمين لمحاكمات سياسية.

وتشمل الانتهاكات التي رصدها التقرير، الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب الجسدي والنفسي والمحاكمات الصورية وأحكام الإعدام.

عشرات الأكاديميين لجأوا إلى طلب الهجرة بسبب سياسات الإقصاء الحوثية وقطع الرواتب (إكس)

وسبق أن كشف تقرير تحليلي لأوضاع الأكاديميين اليمنيين عن زيادة في طلبات العلماء والباحثين الجامعيين للهجرة خارج البلاد، بعد تدهور الظروف المعيشية، واستمرار توقف رواتبهم، والانتهاكات التي تطال الحرية الأكاديمية.

وطبقاً للتقرير الصادر عن معهد التعليم الدولي، ارتفعت أعداد الطلبات المقدمة من باحثين وأكاديميين يمنيين لصندوق إنقاذ العلماء، في حين تجري محاولات لاستكشاف الطرق التي يمكن لقطاع التعليم الدولي من خلالها مساعدة وتغيير حياة من تبقى منهم في البلاد إلى الأفضل.

إقبال على الهجرة

يؤكد المعهد الدولي أن اليمن كان مصدر غالبية الطلبات التي تلقّاها صندوق إنقاذ العلماء في السنوات الخمس الماضية، وتم دعم أكثر من ثلثي العلماء اليمنيين داخل المنطقة العربية وفي الدول المجاورة، بمنحة قدرها 25 ألف دولار لتسهيل وظائف مؤقتة.

قادة حوثيون يتجولون في جامعة صنعاء (إعلام حوثي)

لكن تحديات التنقل المتعلقة بالتأشيرات وتكلفة المعيشة والاختلافات اللغوية الأكاديمية والثقافية تحد من منح الفرص للأكاديميين اليمنيين في أميركا الشمالية وأوروبا، مقابل توفر هذه الفرص في مصر والأردن وشمال العراق، وهو ما يفضله كثير منهم؛ لأن ذلك يسمح لهم بالبقاء قريباً من عائلاتهم وأقاربهم.

وخلص التقرير إلى أن العمل الأكاديمي والبحثي داخل البلاد «يواجه عراقيل سياسية وتقييداً للحريات ونقصاً في الوصول إلى الإنترنت، ما يجعلهم يعيشون فيما يُشبه العزلة».

وأبدى أكاديمي في جامعة صنعاء رغبته في البحث عن منافذ أخرى قائمة ومستمرة، خصوصاً مع انقطاع الرواتب وضآلة ما يتلقاه الأستاذ الجامعي من مبالغ، منها أجور ساعات تدريس محاضرات لا تفي بالاحتياجات الأساسية، فضلاً عن ارتفاع الإيجارات.

إجبار الأكاديميين اليمنيين على المشاركة في الأنشطة الحوثية تسبب في تراجع العملية التعليمية (إكس)

وقال الأكاديمي الذي طلب من «الشرق الأوسط» التحفظ على بياناته خوفاً على سلامته، إن الهجرة ليست غاية بقدر ما هي بحث عن وظيفة أكاديمية بديلة للوضع المأساوي المعاش.

ويقدر الأكاديمي أن تأثير هذه الأوضاع أدّى إلى تدهور العملية التعليمية في الجامعات اليمنية بنسبة تتجاوز نصف الأداء في بعض الأقسام العلمية، وثلثه في أقسام أخرى، ما أتاح المجال لإحلال كوادر غير مؤهلة تأهيلاً عالياً، وتتبع الجماعة الحوثية التي لم تتوقف مساعيها الحثيثة للهيمنة على الجامعات ومصادرة قرارها، وصياغة محتوى مناهجها وفقاً لرؤية أحادية، خصوصاً في العلوم الاجتماعية والإنسانية.

وفي حين فقدت جامعة صنعاء -على سبيل المثال- دورها التنويري في المجتمع، ومكانتها بصفتها مؤسسة تعليمية، تُشجع على النقد والتفكير العقلاني، تحسّر الأكاديمي اليمني لغياب مساعي المنظمات الدولية في تبني حلول لأعضاء هيئة التدريس، سواء في استيعابهم في مجالات أو مشروعات علمية، متمنياً ألا يكون تخصيص المساعدات لمواجهة المتطلبات الحياتية للأكاديميين غير مشروط أو مجاني، وبما لا يمس كرامتهم.