الدولار يصعد واليورو يقاوم... وعملات الأسواق الناشئة تهبط بقوة

الين الياباني والفرنك السويسري ملاذان آمنان

تواجه أسواق العملات الأزمة الصحية العالمية ببعض التقلب على وقع تعثر قنوات العولمة (رويترز)
تواجه أسواق العملات الأزمة الصحية العالمية ببعض التقلب على وقع تعثر قنوات العولمة (رويترز)
TT

الدولار يصعد واليورو يقاوم... وعملات الأسواق الناشئة تهبط بقوة

تواجه أسواق العملات الأزمة الصحية العالمية ببعض التقلب على وقع تعثر قنوات العولمة (رويترز)
تواجه أسواق العملات الأزمة الصحية العالمية ببعض التقلب على وقع تعثر قنوات العولمة (رويترز)

تواجه أسواق العملات الأزمة الصحية العالمية ببعض التقلب، على وقع تعثر قنوات العولمة، لا سيما التبادل التجاري والاستثماري الدولي الذي هبط بمعدلات قياسية، بفعل إجراءات احتواء تفشي فيروس كورونا (كوفيد-19).
في مارس (آذار) الماضي، تضاعف معدل تقلب أسعار الصرف 3 مرات في 3 أسابيع، لكنه بقي أقل من التقلبات التي سجلت في أزمتي 1998 و2008. وتساوت الشهر الماضي تذبذبات صرف العملات الدولية الرئيسية مع صرف عملات الاقتصادات الناشئة، وفقاً لتقارير صادرة عن بنك «سوسيتيه جنرال». أما بنك «إتش إس بي سي» فقال إن أفق الأزمة غامض والمخارج لم توضح بعد، لذا فإن العملات تتصرف على الأساس التقليدي الذي يسود في الأزمات، أي أن هناك عملات ملاذ آمن وأخرى مصنفة بمخاطر.
والعملات شبه الآمنة هي الدولار الأميركي والين الياباني والفرنك السويسري. وبفعل الخوف، «هجم» مستثمرون بقوة لاقتناء العملة السويسرية، ما دفع بالبنك المركزي السويسري للتدخل عارضاً الفرنك حتى لا يرتفع سعره كثيراً بفعل ارتفاع الطلب عليه، وباع منذ منتصف الشهر الماضي 42 مليار فرنك مقابل اليورو، لأن ارتفاع الفرنك يجعل الصادرات السويسرية أقل تنافسية من غيرها. وأكد تقرير صادر عن بنك «آي إن جي» أن البنك المركزي السويسري يتحرك، بحيث لا يهبط اليورو تحت معدل 1.05 فرنك.
في المقابل، أعلن البنك المركزي النرويجي أنه مستعد للتدخل حتى لا تهبط عملة البلاد (الكرونة) التي تأثرت بهبوط أسعار النفط، علماً بأن هذا الدفاع عن «الكرونة» النرويجية هو الأول من نوعه منذ 1999.
وهناك شريحة من العملات التي هي لدول منفتحة كثيراً على العولمة والتبادل الحر تواجه الأزمة الحالية مع إمكان الخسارة في أسعار صرفها. وهذا يشمل الكرونة السويدية والدولار الأسترالي والدولار النيوزيلندي وبعض عملات دول في أوروبا الشرقية مثل تشيكيا وهنغاريا.
وإلى جانب العملات الدولية الرئيسية، سجل الجنيه الإسترليني هبوطاً بنسبة 6 في المائة مقابل الدولار منذ بداية العام، علماً بأن اقتصاديين يتوقعون هبوطاً بنسبة من 15 إلى 20 في المائة من الناتج البريطاني في الفصل الأول من العام الحالي.
ويبدو أن اليورو في ميدان وسطي بين أترابه من العملات الرئيسية، ويكتسب لدى بعض المتداولين أحياناً صفة «عملة الملاذ»، لكنه يرث أيضاً مضاعفات أزمة منطقة اليورو في ظل ما تتعرض له من تداعيات خاصة بأزمة كورونا. إذ أظهرت الأزمة قلة تنسيق أوروبي لمواجهتها، ما أثار قلق الأسواق كما حصل في أزمة الديون السيادية في 2011 و2012 عندما ساد خوف من تفكك الاتحاد الأوروبي.
لكن في 9 أبريل (نيسان)، عندما بلغ سعر صرف اليورو 1.09 دولار، قالت رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاغارد، إن السعر «جيد»، فرغم الأزمات تبقى العملة الموحدة شعبية، ومع ذلك هبطت 3.2 في المائة منذ بداية العام مقابل الدولار الاميركي الذي صعد مؤشره عموماً نحو 5.5 في المائة، على الرغم من الإغراق النقدي الذي مارسه الاحتياطي الفيدرالي الذي يرفع الكتلة النقدية كما يريد، لأنه يعلم أن الدولار هو عملة استدانة كثير من الدول والشركات حول العالم.
وفي الأسابيع القليلة الماضية، تخلت عدة بنوك مركزية عالمية عن حيازة سندات أميركية لتستطيع الحصول على دولارات نقدية بقيمة 155 مليار دولار. ويذكر أن نسبة الدولار من تداولات الصرف اليومية حول العالم بلغت في 2019 نحو 44 في المائة، مقابل 16 في المائة لليورو وفقاً لبنك التسويات الدولية. وهيمنة الدولار ترتفع رغم أن حجم الاقتصاد الأميركي في الناتج العالمي تراجع من 20 إلى 15 في المائة خلال العشرين سنة الماضية.
ويقول محلل في معهد «بيترسون» الاقتصادي الدولي، إن المتداولين والمستثمرين ينظرون دائماً إلى الاقتصاد الأميركي على أنه قوي وآمن. وتعزز ذلك عندما سارع البيت الأبيض إلى إعلان حزمة مالية تاريخية لمواجهة تداعيات كورونا. وخلال الشهر الحالي، صعد الدولار مقابل معظم العملات رغم تواتر إعلانات أرقام سيئة عن تأثر الاقتصاد الأميركي بالإغلاق وإجراءات احتواء الوباء، لكن لدى المستثمرين قناعة بأن الولايات المتحدة ستتجاوز الأزمة قريباً، بعكس انطباعهم عن دول أخرى!
أما على صعيد الأسواق الناشئة، فإن الأزمة تترك آثاراً سلبية في أسعار صرف عملات تلك الدول التي تشهد خروج المستثمرين الأجانب منها. وأثر الأزمة مضاعف على دول اقتصاداتها انفتحت كثيراً على العولمة وحريات التبادل التجاري وانتقال الرساميل. كما كان لهبوط سعر النفط بعض الأثر الظاهر بقوة في صرف عملات دول منتجة للنفط، باستثناء الدول الخليجية التي ترتبط أسعار عملاتها بالدولار.
ففي الفصل الأول من 2020، هبطت عملات جنوب أفريقيا والبرازيل وروسيا والمكسيك نحو 20 في المائة مقابل الدولار، والروبية الإندونيسية هبطت 15 في المائة، والليرة التركية 10 في المائة، والبيزو الأرجنتيني فقد 7 في المائة بعدما كان نزف 37 في المائة في 2019.
والعملات الهشة في الأسواق الناشئة هي عملات دول يرى المستثمرون أن ديونها الخارجية أعلى من احتياطياتها من العملات الأجنبية وتحديداً الدولار. ونتيجة تلك الضغوط، لاحظ المستثمرون أن البنوك المركزية في إندونيسيا والبرازيل والمكسيك وكولومبيا ومصر، على سبيل المثال، تدخلت في أسواق الصرف المحلية لحماية عملاتها من الضغط عليها بسبب تداعيات الأزمة أو لكبح المضاربات ضدها.
أما اليوان الصيني فمتماسك ويقاوم الأزمة جيداً، علماً بأن «بنك الشعب» (المركزي الصيني) ليس بعيداً عن التدخل عند الضرورة لحمايته. ويبدو تصرف اليوان مشابهاً للعملات العالمية الرئيسية، لا بل تفوق أداؤه على بعضها في هذه الأزمة التي ستترك ندوباً عميقة في جسم الاقتصاد العالمي.



 «موديز» ترفع التصنيف الائتماني للسعودية بفضل جهود تنويع الاقتصاد

مشهد من العاصمة السعودية وتظهر فيه ناطحات السحاب في مركز الملك عبد الله المالي (كافد) (رويترز)
مشهد من العاصمة السعودية وتظهر فيه ناطحات السحاب في مركز الملك عبد الله المالي (كافد) (رويترز)
TT

 «موديز» ترفع التصنيف الائتماني للسعودية بفضل جهود تنويع الاقتصاد

مشهد من العاصمة السعودية وتظهر فيه ناطحات السحاب في مركز الملك عبد الله المالي (كافد) (رويترز)
مشهد من العاصمة السعودية وتظهر فيه ناطحات السحاب في مركز الملك عبد الله المالي (كافد) (رويترز)

رفعت وكالة التصنيفات الائتمانية «موديز» تصنيفها للسعودية بالعملتين المحلية والأجنبية عند «إيه إيه 3» (Aa3) من «إيه 1» مع نظرة مستقبلية «مستقرة»، وذلك نظراً لتقدم المملكة المستمر في التنويع الاقتصادي والنمو المتصاعد لقطاعها غير النفطي.

هذا التصنيف الذي يعني أن الدولة ذات جودة عالية ومخاطر ائتمانية منخفضة للغاية، هو رابع أعلى تصنيف لـ«موديز»، ويتجاوز تصنيفات وكالتي «فيتش» و«ستاندرد آند بورز».

وقالت «موديز» في تقريرها إن رفعها لتصنيف المملكة الائتماني، مع نظرة مستقبلية «مستقرة»، يأتي نتيجة لتقدمها المستمر في التنوع الاقتصادي، والنمو المتصاعد للقطاع غير النفطي في المملكة، والذي، مع مرور الوقت، سيقلل ارتباط تطورات سوق النفط باقتصادها وماليتها العامة.

ترتيب أولويات الإنفاق ورفع كفاءته

وأشادت «موديز» بالتخطيط المالي الذي اتخذته الحكومة السعودية في إطار الحيّز المالي، والتزامها بترتيب أولويات الإنفاق ورفع كفاءته، بالإضافة إلى الجهود المستمرة التي تبذلها ومواصلتها استثمار المـوارد الماليـة المتاحـة لتنويـع القاعـدة الاقتصاديـة عـن طريـق الإنفـاق التحولي؛ مما يدعم التنمية المستدامة للاقتصاد غير النفطي في المملكة، والحفاظ على مركز مالي قوي.

وقالت «موديز» إن عملية «إعادة معايرة وإعادة ترتيب أولويات مشاريع التنويع -التي ستتم مراجعتها بشكل دوري- ستوفر بيئة أكثر ملاءمة للتنمية المستدامة للاقتصاد غير الهيدروكربوني في المملكة، وتساعد في الحفاظ على القوة النسبية لموازنة الدولة»، مشيرة إلى أن الاستثمارات والاستهلاك الخاص يدعمان النمو في القطاع الخاص غير النفطي، ومتوقعةً أن تبقى النفقات الاستثمارية والاستثمارات المحلية لـ«صندوق الاستثمارات العامة» مرتفعة نسبياً خلال السنوات المقبلة.

شعار «موديز» خارج المقر الرئيسي للشركة في مانهاتن الولايات المتحدة (رويترز)

وقد وضّحت الوكالة في تقريرها استنادها على هذا التخطيط والالتزام في توقعها لعجز مالي مستقر نسبياً والذي من الممكن أن يصل إلى ما يقرب من 2 - 3 في المائة من الناتج الإجمالي المحلي.

وسجل الناتج المحلي الإجمالي للمملكة نمواً بمعدل 2.8 في المائة على أساس سنوي في الربع الثالث من العام الحالي، مدعوماً بنمو القطاع غير النفطي الذي نما بواقع 4.2 في المائة، وفقاً لبيانات الهيئة العامة للإحصاء السعودية الصادرة الشهر الماضي.

زخم نمو الاقتصاد غير النفطي

وتوقعت «موديز» أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي للقطاع الخاص بالسعودية بنسبة تتراوح بين 4 - 5 في المائة في السنوات المقبلة، والتي تعتبر من بين أعلى المعدلات في منطقة دول مجلس التعاون الخليجي، معتبرةً أنه دلالة على استمرار التقدم في التنوع الاقتصادي الذي سيقلل ارتباط اقتصاد المملكة بتطورات أسواق النفط.

وكان وزير المالية، محمد الجدعان، قال في منتدى «مبادرة مستقبل الاستثمار» الشهر الماضي إن القطاع غير النفطي بات يشكل 52 في المائة من الاقتصاد بفضل «رؤية 2030».

وقال وزير الاقتصاد فيصل الإبراهيم إنه «منذ إطلاق رؤية المملكة 2030 نما اقتصادنا غير النفطي بنسبة 20 في المائة، وشهدنا زيادة بنسبة 70 في المائة في الاستثمار الخاص في القطاعات غير النفطية، ومهد ذلك للانفتاح والمشاركات الكثيرة مع الأعمال والشركات والمستثمرين».

وأشارت «موديز» إلى أن التقدم في التنويع الاقتصادي إلى جانب الإصلاحات المالية السابقة كل ذلك أدى إلى وصول «الاقتصاد والمالية الحكومية في السعودية إلى وضع أقوى يسمح لهما بتحمل صدمة كبيرة في أسعار النفط مقارنة بعام 2015».

وتوقعت «موديز» أن يكون نمو الاستهلاك الخاص «قوياً»، حيث يتضمن تصميم العديد من المشاريع الجارية، بما في ذلك تلك الضخمة «مراحل تسويق من شأنها تعزيز القدرة على جانب العرض في قطاع الخدمات، وخاصة في مجالات الضيافة والترفيه والتسلية وتجارة التجزئة والمطاعم».

وبحسب تقرير «موديز»، تشير النظرة المستقبلية «المستقرة» إلى توازن المخاطر المتعلقة بالتصنيف على المستوى العالي، مشيرة إلى أن «المزيد من التقدم في مشاريع التنويع الكبيرة قد يستقطب القطاع الخاص ويُحفّز تطوير القطاعات غير الهيدروكربونية بوتيرة أسرع مما نفترضه حالياً».

النفط

تفترض «موديز» بلوغ متوسط ​​سعر النفط 75 دولاراً للبرميل في 2025، و70 دولاراً في الفترة 2026 - 2027، بانخفاض عن متوسط ​​يبلغ نحو 82 - 83 دولاراً للبرميل في 2023 - 2024.

وترجح وكالة التصنيف تمكّن السعودية من العودة لزيادة إنتاج النفط تدريجياً بدءاً من 2025، بما يتماشى مع الإعلان الأخير لمنظمة البلدان المصدرة للنفط وحلفائها «أوبك بلس».

وترى «موديز» أن «التوترات الجيوسياسية المتصاعدة في المنطقة، والتي لها تأثير محدود على السعودية حتى الآن، لن تتصاعد إلى صراع عسكري واسع النطاق بين إسرائيل وإيران مع آثار جانبية قد تؤثر على قدرة المملكة على تصدير النفط أو إعاقة استثمارات القطاع الخاص التي تدعم زخم التنويع». وأشارت في الوقت نفسه إلى أن الصراع الجيوسياسي المستمر في المنطقة يمثل «خطراً على التطورات الاقتصادية على المدى القريب».

تصنيفات سابقة

تجدر الإشارة إلى أن المملكة حصلت خلال العامين الحالي والماضي على عدد من الترقيات في تصنيفها الائتماني من الوكالات العالمية، والتي تأتي انعكاساً لاستمرار جهـود المملكـة نحـو التحـول الاقتصـادي فـي ظـل الإصلاحـات الهيكليـة المتبعـة، وتبنـّي سياسـات ماليـة تسـاهم فـي المحافظـة علـى الاستدامة الماليـة وتعزز كفـاءة التخطيـط المالي وقوة ومتانة المركز المالي للمملكة. ​

ففي سبتمبر (أيلول)، عدلت «ستاندرد آند بورز» توقعاتها للمملكة العربية السعودية من «مستقرة» إلى «إيجابية» على خلفية توقعات النمو القوي غير النفطي والمرونة الاقتصادية. وقالت إن هذه الخطوة تعكس التوقعات بأن تؤدي الإصلاحات والاستثمارات واسعة النطاق التي تنفذها الحكومة السعودية إلى تعزيز تنمية الاقتصاد غير النفطي مع الحفاظ على استدامة المالية العامة.

وفي فبراير (شباط) الماضي، أكدت وكالة «فيتش» تصنيفها الائتماني للمملكة عند «إيه +» مع نظرة مستقبلية «مستقرة».