سهى بعيون ترصد وضع المرأة في الأندلس خلال عصر ملوك الطوائف

أديبات وعالمات وفقيهات وجاريات مثقفات أسهمن في حضارتها

غلاف «إسهام المرأة الأندلسية»
غلاف «إسهام المرأة الأندلسية»
TT
20

سهى بعيون ترصد وضع المرأة في الأندلس خلال عصر ملوك الطوائف

غلاف «إسهام المرأة الأندلسية»
غلاف «إسهام المرأة الأندلسية»

الدكتورة سهى بعيون، كاتبة وباحثة في التاريخ والحضارة الإسلامية، ولها مساهمات كثيرة في إثراء المكتبة العربية بكتب عدة؛ منها: «إسهام العلماء المسلمين في الأندلس»، و«نظام القضاء في العهد الأموي»، بالإضافة إلى كتب أخرى أحدثها «إسهام المرأة الأندلسية في النشاط العلمي في الأندلس في عصر ملوك الطوائف 422 - 479هـ/ 1031 - 1086م»، وصدر عن «الدار العربية للعلوم ناشرون». وتركز الباحثة في هذا الكتاب على عوامل نشاط المرأة في هذا العصر، ودور ملوك الطوائف في إفساح المجال للمرأة لإبراز نشاطها، وكذلك أثر التقارب العربي - الأوروبي على نهضة المرأة الأندلسية.
وتشير د. سهى بعيون في مقدمة كتابها، إلى أنه على الرغم من شهرة عصر ملوك الطوائف بالانقسامات والاختلافات والصراعات السياسية، فإنه تميز بالاهتمام الشديد بالعلوم ومشاركة المرأة الأندلسية بشكل بارز؛ حيث كان الملوك يرعون العلم والأدب، وكانوا يتنافسون من أجل استجلاب العلماء لبلاطهم، ويغدقون عليهم الأموال. كما تشير المؤلفة إلى زيادة مساحة الحرية في ذلك العصر، وهو ما أثر في ازدهار العلوم السياسية والدينية والرياضية والفلكية. ولم تكن المرأة الأندلسية غائبة عن الساحة العلمية آنذاك؛ فقد كانت لها مشاركات بارزة في هذا الإطار.
يبدأ الكتاب بتمهيد عن العهود التاريخية التي مرت بها الأندلس، ويتبع ذلك 5 فصول جاءت تحت العناوين الآتية: «تعدد المراكز الحضارية في عهد ملوك الطوائف وأثره في الازدهار العلمي»، و«المرأة الأندلسية.. ثقافتها ومكانتها الاجتماعية»، و«إسهام المرأة في العلوم الدينية»، و«إسهام المرأة الأندلسية في الحركة الأدبية واللغوية»، وأخيرا، «إسهام المرأة الأندلسية في العلوم الطبية».
وقد توقفت المؤلفة عند عصر ملوك الطوائف، خاصة عند دور المرأة في ازدهار الحضارة الأندلسية؛ حيث أشارت إلى تعدد المراكز الحضارية، جنبا إلى جنب مع حركة انقسام الأندلس إلى دويلات كقرطبة وإشبيلية وغيرها. وأشارت بعيون إلى أنه كانت لكل من تلك الممالك الصغيرة سماتها الحضارية الخاصة وتأثيرها المميز على النساء فيها؛ فعلى سبيل المثال، اشتهرت إشبيلية بالعلوم التطبيقية كالطب والصيدلة، بالإضافة إلى الترجمة، وساعد هذا في ظهور نساء بارزات في تلك المجالات.
وعن وضعية المرأة الأندلسية، كشفت المؤلفة عن إسهامات كبيرة للمرأة في النشاط الأدبي والثقافي عموما، مما جعلها تحتل مكانة اجتماعية مميزة، خاصة لدى الطبقات الأرستقراطية. ومن مظاهر تلك الإسهامات، قيام المرأة الأندلسية بعقد الندوات والمنتديات الأدبية والعلمية في منزلها، مما أدى إلى ظهور كثير من الأسماء البارزة في الشعر وفنون الأدب الأخرى. ولم تقتصر مشاركة المرأة الأندلسية على المجال الثقافي والعلمي، بل امتدت إلى دور فاعل في الحياة السياسية؛ حيث ساهمت في السلطة والحكم إلى جوار زوجها؛ ومن هؤلاء «صبح»، زوجة الحكم المستنصر، التي كانت كلمتها مسموعة وأوامرها مطاعة في تعيين الوزراء ورجال الدولة والبطانة، بل وكانت وصية على عرش خلافة ابنها «هشام» بعد وفاة المستنصر.
ولفتت المؤلفة النظر في كتابها، إلى كثرة الجواري في المجتمع الأندلسي عامة، ولدى ملوك الطوائف بشكل خاص، مما ساهم في إثراء الحياة الثقافية والعلمية؛ إذ لم يكن وضع الجارية حينذاك يحمل المعنى المألوف والمتعارف عليه اليوم؛ فقد كانت الجارية تشارك بفعالية في الحياة الثقافية. وكان ملوك الطوائف يجلبونهن ويشجعونهم، مما نتج عنه مشاركات نسائية فعالة في علوم اللغة والأدب، وظهور متخصصات في الفقه والقراءات، والحديث، والتفسير، إلى جانب الآداب والعلوم الطبية. كما كان لانفتاح الدويلات الأندلسية على المجتمعات والثقافات الأوروبية، ووجود فئات من المسيحيين والمستعربين، أثر كبير في اتساع آفاق تحرر المرأة الأندلسية، بحيث مُنحت مساحة أكبر لمشاركاتها في مناحي الحياة كافة، وصب كل ذلك في تحقيق نهضة كبرى في الحضارة الأندلسية.
وفي خضم رصدها للمساهمات الحثيثة للمرأة الأندلسية في مجال العلوم القرآنية، أشارت الكاتبة إلى وجود ما يقرب من 60 ألفا من حافظات القرآن ومعلماته في ذلك العصر، وكانت حافظة القرآن تضع قنديلا أمام منزلها لتمييز نفسها. وأشارت المؤلفة في هذا المجال، إلى «ابنة عبد العزيز» التي شاركت في علم الفقه، و«راضية» مولاة عبد الرحمن الناصر، وفاطمة بنت يحيى بن يوسف المغامي، بالإضافة إلى أسماء أخرى لفقيهات وأديبات أندلسيات. وفي مجال العلوم، ذكرت أم الحسن بنت أحمد بن عبد الله بن عبد المنعم أبي جعفر الطنجالي، التي تنحدر من أسرة عريقة في العلم والطب، خلال القرنين الحادي عشر والثالث عشر.
يعد كتاب د. بعيون، دراسة رائدة حول إسهام المرأة الأندلسية في النهضة الثقافية والعلمية في الأندلس خلال عصر ملوك الطوائف، وظهور نابغات في كل من العلوم الدينية، والحركة الأدبية واللغوية، والطب والصيدلة.. وغيرها، ليس على مستوى الأندلس وحدها، بل والعالم الإسلامي.



رؤساء وكتاب: فقدنا عبقري الأدب

الكاتب البيروفي ماريو فارغاس يوسا في الأكاديمية الفرنسية بباريس فبراير 2023 (أ.ف.ب)
الكاتب البيروفي ماريو فارغاس يوسا في الأكاديمية الفرنسية بباريس فبراير 2023 (أ.ف.ب)
TT
20

رؤساء وكتاب: فقدنا عبقري الأدب

الكاتب البيروفي ماريو فارغاس يوسا في الأكاديمية الفرنسية بباريس فبراير 2023 (أ.ف.ب)
الكاتب البيروفي ماريو فارغاس يوسا في الأكاديمية الفرنسية بباريس فبراير 2023 (أ.ف.ب)

منذ أشهر قليلة، خلد فارغاس يوسا إلى الهدوء في ليما بعيداً عن الحياة العامة، على ما ذكرت عائلته في رسالة عبر منصة «إكس». وجاء في رسالة كتبها نجله البكر ألفارو ووقعها شقيقه غونزالو وشقيقته مورغانا: «بحزن عميق نعلن وفاة والدنا ماريو فارغاس يوسا اليوم في ليما بهدوء محاطاً بعائلته»، كما نقلت «وكالة الصحافة الفرنسية». وذكرت الوكالة أن الحكومة البيروفية أعلنت تاريخ 14 أبريل (نيسان) يوم «حداد وطني»، مشيرة إلى تنكيس الأعلام على المباني العامة، بحسب مرسوم صدر منتصف ليلة الأحد.

ولم تتطرق العائلة إلى سبب وفاة الكاتب، لكنّ صحته كانت ضعيفة منذ عودته إلى العاصمة البيروفية في عام 2024، بعد مغادرته مدريد.

وأضاف أولاده: «إن رحيله يبث الحزن في نفوس عائلته وأصدقائه وقرّائه في مختلف أنحاء العالم، لكننا نأمل أن يجدوا العزاء، كما نجده نحن، في حقيقة أنه تمتع بحياة طويلة ومتنوعة ومثمرة».

أمام منزل الكاتب المطل على المحيط الهادئ في حي بارانكو، تجمعت مجموعة صغيرة من الأشخاص في صمت عند تلقي خبر وفاته، حاملين نسخاً من أعماله.

وقال أحد هؤلاء الأشخاص، ويُدعى غوستافو رويس، في حديث إلى إذاعة «آر بي بي»: «كان مرجعاً مهماً جداً بالنسبة لي. كان يقول إن الأدب أنقذ حياته». وقالت عائلة الكاتب: «لن تقام أي مراسم جنازة عامة»، موضحة أن الجثة ستُحرَق. وأضافت: «سنتصرّف خلال الساعات والأيام المقبلة بحسب ما أوصى».

وفي رسالة عبر منصة «إكس»، أعربت الرئيسة البيروفية دينا بولوارتي عن أسفها لوفاة فارغاس يوسا. وكتبت: «إن عبقريته الفكرية وأعماله الكثيرة ستبقي إرثاً دائماً للأجيال المقبلة».

ووصف رئيس غواتيمالا برناردو أريفالو الكاتب بأنه «مؤرخ عظيم لأميركا اللاتينية ومترجم فطن لمساراتها ومصائرها».

وكتب الرئيس الكولومبي السابق ألفارو أوريبي عبر منصة «إكس» أيضاً: «رحل ماريو فارغاس يوسا، أحد أستاذة الأدب الكبار. ترك لنا أعماله، وروعته، ومثاله. ترك لنا مساراً لنتّبعه في المستقبل»، بينما أكّد نائب وزير الخارجية الأميركي كريستوفر لاندو أنّ «مواضيعه واهتماماته خالدة وعالمية».

وقال الكاتب البيروفي ألفريدو بريس إيتشينيكي، مؤلف كتاب «عالم ليوليوس» وصديق ماريو فارغاس يوسا، عبر إذاعة «آر بي بي» إن وفاة فارغاس يوسا تشكل «حداداً للبيرو لأن أحداً لم يمثلنا في العالم بقدر ما مثلنا هو، بعمله عموماً، ومثابرته، ونقائه، وعظمته».

«عبقري الآداب»

تُرجمت أعمال ماريو فارغاس يوسا، وهو كاتب محب للثقافة الفرنسية عاش لسنوات في باريس، وكان أول كاتب أجنبي يدخل مجموعة «بلياد» الأدبية المرموقة خلال حياته في عام 2016، كما انتخب لعضوية الأكاديمية الفرنسية في عام 2021.

وأشاد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عبر منصة «إكس» بالكاتب الراحل، ووصفه بأنه «عبقري الآداب» الذي كان له «وطن» في فرنسا وكان عمله «يعارض التعصب بالحرية، والجزمية بالسخرية، واستشرس في دفاعه عن المُثُل في مواجهة عواصف القرن».

قبل أيام قليلة من عيد ميلاده التاسع والثمانين، ظهر في سلسلة من ثلاث صور التقطت في الأماكن التي كتب فيها رواياته «خمس زوايا» (بالإسبانية «سينكو إسكيناس») عام 2016 و«أهدي لك صمتي» («لي ديديكو مي سيلينسيو») عام 2023.

ولم تكن هذه المرة الأولى التي ينشر فيها نجله صوراً له في أماكن من العاصمة ألهمته لكتابة بعض أعماله الشهيرة.

وتدهورت صحة فارغاس يوسا بشكل كبير منذ عام 2023، بعدما نُقل إلى المستشفى في يونيو (حزيران) بسبب إصابته بفيروس «كوفيد - 19» خلال إقامته في إسبانيا، البلد الذي حصل على جنسيته في عام 1993.

وكان الكاتب صاحب روائع أدبية مثل «المدينة والكلاب» (لا سيوداد إي لوس بيروس) و«محادثة في الكاتدرائية» (كونفرساسيونين إن لا كاتيدرال) يحظى بالإعجاب لوصفه الوقائع الاجتماعية، لكنّه تعرض للانتقاد من الأوساط الفكرية في أميركا الجنوبية بسبب مواقفه المحافظة.