لم تستطع غالبية الحلاقين ومزيني الشعر في لبنان كبت غضبهم تجاه الإجراءات المتّخذة للحد من انتشار وباء «كورونا» وإقفال محلاتهم عملاً بقرار التعبئة العامة. ومؤخراً نفّذ أصحاب صالونات الحلاقة في مدينة طرابلس اعتصاماً، مطالبين الحكومة بالسماح لهم بمزاولة أعمالهم كالمعتاد بعد انحسار الوباء في لبنان. فهم كغيرهم من زملائهم في المهنة يعانون من ضائقة اقتصادية ويعجزون عن تأمين مصاريفهم اليومية.
وفي ظل إقفال محلاتهم اضطر بعض الحلاقين إلى استقبال زبائنهم في الخفاء، بحيث يدخلونهم من أبواب جانبية وخلفية بدل المداخل الأساسية المعتمدة عادة.
ولا تتوانى بعض النساء من دخول محلات تزيين الشعر بهذه الطريقة سعياً وراء تجديد أناقتهن بشكل أو بآخر. فبينهن من ترغب في تلوين شعرها الأبيض وإعادة رونقه لتبقي على إطلالتها المعهودة أمام زوجها وأبنائها. فيما تجد شريحة أخرى بتصفيف شعرها أسبوعياً، ضرورة لا يمكن الاستغناء عنها حتى في أحلك الظروف، وهو ما ينعكس إيجاباً على حالتها النفسية. وتقول ميريلا التي لا تزال تتردد عند مصفف شعرها في طرابلس: «يكفي أنّنا نعاني من الإحباط والكآبة في ظل التزامنا منازلنا منذ أكثر من شهرين، وعلينا أقله في هذه الفترة أن نشعر بأننا لا نزال أحياء ونتنفس على طريقتنا».
أما فاديا بارودي فتروي: «في الخفاء ادخل محل تصفيف الشعر، ويضع حلاقي الصبغة على شعري لأهرول عائدة إلى منزلي خوفاً من (كبسة) غير منتظرة من رجال الأمن. فلم أكن أتخيل يوماً أني سأسير بين أهل الحي بكل ثقة بالنفس وأنا في هذه الهيئة. وفي البيت أنتظر المدة المطلوبة لإتمام مفعول الصبغة وأغسل شعري بعدها فأشعر براحة نفسية لا مثيل لها».
ولكن ما تقوم به ميريلا وفاديا كما ذكرتا لـ«الشرق الأوسط» يغيب تماماً عن نورا التي وجدت طريقة أفضل للاعتناء بجمالها وهي إرسالها وراء مصفف شعرها إلى منزلها في منطقة الروشة. وتقول: «لم أرغب في كسر قاعدة التعبئة العامة والمخاطرة بالتوجه إلى محل تصفيف الشعر. ومنذ فبراير (شباط) الماضي وحلاقي يأتيني المنزل متخذاً كل الإجراءات الوقائية اللازمة ليصفّف شعري».
ولا يختلف الرجال كثيراً عن النساء في هذا الموضوع، فبعضهم لا يزال يتذكر جدّه أو والده الذي كان يأتيه الحلاق إلى المنزل بناء على طلبه. كما أنّ شريحة من الأثرياء ورجال الأعمال وحتى السياسيين يتبعون هذا التقليد لأنّهم لا يحبون ارتياد محلات تصفيف الشعر الرجالي. فهم بذلك يبقون حياتهم الحميمة بعيداً عن أعين زبائن آخرين، وليس من الضروري أن يرونهم أثناء تلوين شعرهم أو حلاقة ذقنهم. «هي عادة كان يقوم بها جدي أيام زمان في منطقة المزرعة». يروي باسم في حديث لـ«الشرق الأوسط» ويضيف: «كان يرفض أن يتوجه إلى محل الحلاقة. فهو كان يدفع للحلاق إضافة إلى تسعيرة القص وحلاقة الذقن البقشيش (الحرزان) كي يلبيه في أي وقت يطلبه فيه».
من ناحيته، يشير ألكس، وهو حلاق رجالي لم يتوقف عن مزاولة مهنته منذ بداية الأزمة: «أتخذ كامل احتياطاتي، أضع الكمامة على وجهي وأرتدي القفازات وأقص شعر زبائني في بيوتهم. ويعبرون عن امتنانهم الكبير لي».
والمعروف أن سياسيين وفنانين ورجال أعمال كانوا في الماضي يتمسكون بمصفف شعرهم فيرافقهم في أسفارهم، أو يطلبونه على وجه السرعة في رحلة سفر خاصة حيثما يذهبون، ويتكفلون بدفع بطاقة السفر، وأحياناً يقدمون للحلاق خدمة مرفهة في طائرتهم الخاصة.
فمصفف الشعر على طريقة «الدلفيري» (التوصيل المنزلي) ظاهرة غير جديدة، أعادها وباء «كورونا» إلى يوميات اللبنانيين وذكرياتهم. وهي رائجة حتى إشعار آخر، سيما أنّ أصحاب هذه المهنة يتكلون على رزقهم اليومي كي يؤمنوا مصاريف عوائلهم.
أما نضال سابا، وهي ربة منزل وأم لثلاث بنات، فقد وجدت وسيلة أخرى تحقق من خلالها التوفير وسرعة الخدمة فيما يخص إطلالة زوجها. وتقول: «كان زوجي يرتاد أهم محلات الحلاقة في بيروت، ولكن في ظل (كورونا)، ولنحيد أنفسنا تماماً من إمكانية الإصابة بالوباء، بت أقص شعر رأسه بنفسي وهو يبادلني هذه الخدمة، عندما أريد تصفيف شعري. وهذه الحال لا تقتصر علي فقط، فهناك عدد كبير من أصدقائنا يقومون بذلك».
وانتشرت من ناحية ثانية على مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع فيديوهات مصورة لمصففي شعر يعلّمون النساء كما الرجال كيفية تلوين شعرهم، وقصّه وتصفيفه.
ويعلّق المزين النسائي روبير في الأشرفية في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «بعض الزبائن لا يستغنون عن أنامل مصفف الشعر مهما كلّفهم الأمر. وهذه الفيديوهات لا تلبي حاجاتهم لأنّها برأيهم تربكهم ولا يعرفون كيفية تطبيقها على أرض الواقع. ومن البديهي أن نبحث عن سبل تؤمن أرزاقنا في هذه الفترة. فنحن من أول المتضررين من قرار التعبئة العامة المطبق في لبنان والذي يقضي بإقفال محلاتنا. وحالياً أنتظر تلقي مكالمة هاتفية من هذه الزبونة أو تلك وألبي طلبها بكل طيبة خاطر لأنني بحاجة إلى تأمين رزقي».
شريحة أخرى من الرجال لم تتوانَ عن حلق شعر رأسها بالكامل، تفادياً لأي احتكاك مع شخص من خارج عائلتها في زمن الجائحة. وصارت موضة الرأس الحليق بين ليلة وضحاها ظاهرة رائجة بين الرجال في لبنان الذين وجدوا فيها خير سبيل للوقاية من العدوى.
{تواطؤ} على الحجر في لبنان بين الحلاقين وزبائنهم
{تواطؤ} على الحجر في لبنان بين الحلاقين وزبائنهم
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة