تنعقد، غداً (الخميس)، القمّة الأوروبية الرابعة منذ بداية أزمة «كوفيد - 19»، وسط مخاوف من فشلها في تمهيد الطريق الشائكة أمام التوصّل إلى اتفاق حول آليّة مشتركة لتمويل صندوق الإنقاذ الذي سيخصَّص للنهوض من الانهيار الاقتصادي المحدق بمعظم دول الاتحاد، على عتبة الخروج من الأزمة الصحّية.
وكانت المفاوضات المكثّفة الجارية منذ أيام بين العواصم الرئيسية تركّز على ربط الصندوق، الذي ما زال تمويله موضع تجاذبات شديدة، بموازنة الاتحاد وتكليف المفوّضية إدارته بإشراف المصرف المركزي.
ورغم الإشارات الإيجابية التي وردت من برلين عشيّة القمّة، وأشاعت بعض الأمل بالانفراج في بروكسل، أمام هذا الموعد الحاسم بالنسبة للاتحاد، ما زالت احتمالات الصدام بين الموقفين الإيطالي والهولندي تهدّد بإفشال القمة أو بالذهاب إلى جولة جديدة من المفاوضات مع كل ما يترتّب عن ذلك من اهتزاز للمشروع الأوروبي.
ومع إصرار معظم الدول الأعضاء على مواقفها المتباعدة من آلية تمويل الصندوق وشروطها، فُتحت أمس نافذة على الأمل بعد الاتصال الطويل الذي جرى بين رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانتشيز والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، واستمرّ حتى ساعة متأخرة من ليل الثلاثاء.
وكانت مصادر سياسية قد وصفت نتائج هذا الاتصال بأنها يمكن أن تشكّل «قاعدة يُبنى عليها الاتفاق النهائي»، في القمة.
وتتوقع هذه المصادر أن تخرج القمة اليوم بنتيجة يكون حدّها الأدنى إعطاء الضوء الأخضر للمفوضيّة كي تباشر بوضع أسس صندوق الإنقاذ الذي يمكن أن يبدأ تفعيله مطلع السنة المقبلة، على أن يتمّ تمويل الإجراءات الطارئة حتى نهاية العام الحالي، من حزمة المساعدات التي أقرها مجلس وزراء المال بمقدار 500 مليار يورو في التاسع من الشهر الحالي.
ويذكر أن رئيس الإسباني كان قد أعلن يوم الاثنين الماضي عن عزمه تقديم اقتراح اليوم إلى القمة لتشكيل صندوق إنقاذ بقيمة 1500 مليار يورو، وأن الاقتراح قابل للتفاوض مع ألمانيا التي تتزّعم منذ فترة جبهة الرفض للمقترحات الإيطالية والفرنسية التي تهدف إلى تقاسم أعباء المساعدات الأوروبية اللازمة لترميم الاقتصاد بعد الأزمة الصحية. وقال سانتشيز يومها إن اقتصادات البلدان الأكثر تضرراً، مثل إسبانيا وإيطاليا، لن تتمكّن من النهوض وحدها وبلا مساعدات ضخمة وغير مقيّدة من الأزمة الاقتصادية التي يقدّر أنها ستؤدي إلى تراجع إجمالي الناتج المحلي هذا العام في البلدين بنسبة تتراوح حول 10 في المائة.
وبعد ساعات من إعلان سانتشيز عن اقتراحه أكدّت المستشارة الألمانية استعدادها للسعي نحو إيجاد صيغة تضامنية تتجاوز الاتفاق الذي توصّل إليه مجلس وزراء المال يوم الخميس الماضي. وفي اليوم التالي قال وزير المال الألماني إن شبكة المساعدات الطارئة التي تقوم على قروض من المفوضيّة ومن آليّة الاستقرار المالي وعلى كفالات من «المصرف المركزي الأوروبي»: »لن تكفي لترميم الدمار الذي سيلحق بالاقتصاد جرّاء جائحة (كوفيد - 19)».
ويرى مراقبون أن الاقتراح الإسباني الذي لقي ترحيباً في أوساط المفوضية، يمكن أن يشكّل منزلة توفّق بين منزلتين: الفرنسية التي تطالب بإصدار سندات لتقاسم أعباء الدين الناشئ عن الأزمة، والألمانية التي تصرّ على الخطوط الحمراء التي وضعتها على أي اقتراح يتعلّق بتقاسم الديون. وليس من المستبعد أن يساعد استعداد ألمانيا للتفاوض، إذا تمكّنت القمّة اليوم من التوصل إلى اتفاق، على تمهيد الطريق أمام اقتراح المفوضية الذي يقترب كثيراً من الاقتراح الإسباني، لرفع سقف موازنة الاتحاد من ١.٢ في المائة إلى ٢ في المائة من إجمالي الناتج المحلي.
وتقول مصادر المفوضية أن مثل هذا الاتفاق يتيح لها أعداد موازنة الفترة 2021 - 2027، مع باب مخصّص لتمويل صندوق الإنقاذ بقيمة تتراوح بين ألف مليار وألف وخمسمائة مليار يورو للعامين المقبلين. هذه المصادر تتوقّع أن تكون إيطاليا وإسبانيا أكثر المستفيدين من هذا الصندوق، لكنّها تشير إلى أن الصعوبة قد تكمن في إيجاد الصيغة المناسبة لتوزيع المساعدات على الجميع لضمان الإجماع الذي لا بد منه في القمة للخروج باتفاق.
الكل يدرك أن مفاوضات الشوط الأخير ستكون معقّدة ومحفوفة باحتمالات الفشل. إسبانيا، ومعها إيطاليا وفرنسا والبرتغال، تريد للمساعدات التي يقدّمها صندوق الإنقاذ أن تكون غير مستردّة على غرار المساعدات التي أقرها الاتحاد الأوروبي عام 1992، بهدف موازنة البنى التحتية الأساسية بيت الدول الأعضاء. ألمانيا من جهتها، مدعومة من هولندا والنمسا وفنلندا، تفضّل القروض المستردّة بشروط ميسرّة والتي يمكن أن تدفع البلدان الأكثر تضرراً من الأزمة، مثل إيطاليا وإسبانيا، إلى مستويات من الدين العام تقضي على أي احتمال في النهوض من الأزمة الاقتصادية في القريب المنظور.
لكن الخطر الأكبر الذي يخيّم على القمة هي المواجهة العنيفة بين إيطاليا وهولندا والتي كانت تزداد حدّة في كل موعد خلال القمم الثلاث الأخيرة. هولندا تصرّ على أن تكون القروض والمساعدات مشروطة ومقصورة على القطاع الصحّي وما يتصّل به مباشرة من القطاعات الأخرى، وإيطاليا ما زالت عند موقفها المطالب بإصدار السندات التي تعتبرها معظم العواصم الأوروبية غير ممكنة في هذه الأزمة.
الأمل الوحيد الذي يلوح اليوم في الأفق الأوروبي المتلبّد هو أن تضغط ألمانيا على هولندا كي تقبل بالحل الوسط الذي تقترحه إسبانيا، وأن تلاقيها إيطاليا عند منتصف الطريق خوفاً من فشل القمة والعزلة التي ستدفعها إلى انهيار اقتصادي محتوم.
ترقب أوروبي لنتائج قمة حاسمة غداً
ترقب أوروبي لنتائج قمة حاسمة غداً
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة