التقشف يهيمن على عادات الدمشقيين استعداداً لشهر رمضان

امراة عائدة مع طفليها من سوق في دمشق (أ.ب)
امراة عائدة مع طفليها من سوق في دمشق (أ.ب)
TT

التقشف يهيمن على عادات الدمشقيين استعداداً لشهر رمضان

امراة عائدة مع طفليها من سوق في دمشق (أ.ب)
امراة عائدة مع طفليها من سوق في دمشق (أ.ب)

أرخت الحرب السورية مع وباء «كوفيد - 19»، بظلالهما الثقيلة على غالبية الدمشقيين مع قرب قدوم شهر رمضان، وإجبارهم على التخلي عن مزيد من عادات تاريخية لاستقباله، وإلغائهم للمرة الأولى طقوساً طالما التزموا بها. وبات بعضهم يتسوق كميات قليلة وتقشف أو يعودون من الأسواق دون تبضع، فيما ينتظر آخرون عطاءات الجمعيات الخيرة.
ورغم بقاء أيام قليلة على حلول الشهر المبارك، وبعد أن خفت نوعاً ما خلال سنوات الحرب، تغيب حالياً إلى حد كبير تهاني الدمشقيين «الشخصية» لبعضهم بعضاً بهذه المناسبة وكانوا اعتادوا عليها منذ قرون، ذلك بسبب استمرار العمل بالإجراءات الوقائية التي اتخذتها الحكومة لمواجهة تفشي «كوفيد - 19»، من إرشادات بعدم التجمع والتقليل من الاختلاط مع الأخرين وإيقاف الدوام في معظم المؤسسات والدوائر وإغلاق المعامل والورشات والمطاعم والمقاهي.
«أبو يونس»، وهو رجل في العقد السابع من العمر، يتذكر بحسرة: «أيام زمان عندما كان حديث رمضان الشغل الشاغل للناس قبل شهر من قدومه وتسابقهم للمباركة لبعضهم بعضاً بالشهر الفضيل، حيث تلتم الناس عند بعضها بعضاً بهذه المناسبة قبل أسبوعين وحتى ثلاثة من قدومه، بينما تجتمع أفراد العائلات والأقارب على موائد الإفطار خلاله»، ويصف لـ«الشرق الأوسط»: «الحال التي وصل إليها الناس هذه الأيام بأنها (تدمي القلب)». ويقول: «أولادنا بعضهم هجرتهم الحرب إلى بلاد الغربة، وبعضهم بجانبنا وأصبحنا لا نستطيع الذهاب إليهم، والجيران في نفس البناء نراهم ولا نستطيع مصافحتهم»، ويضيف: «قد تكون هذه العادات تراجعت خلال سنوات الحرب بسبب انشغال الناس بهمومها المعيشية وغير ذلك، لكن أن تنعدم بهذا الشكل ويقتصر الأمر على التليفون والواتساب فهذا حتماً غضب رباني».
العجوز يعرب عن أسفه الشديد لتراجع البهجة بقدوم شهر الصيام تدريجياً عاماً بعد عام. ويضيف: «الحرب و(كورونا) سرقا رمضان منا، ولم يبقَ لنا منه سوى الامتناع عن الطعام، وهي مسألة تعوّد كثير من السوريين عليها طيلة أشهر السنة بسبب الفقر، ولا نملك إلا الدعاء والتضرع إلى من أجل أن يرفع الله البلاء عنا ويفرج الضيق الذي نحن فيه».

حركة خجولة
ومع موجة الغلاء الجديدة وغير المسبوقة التي تسببت بها الإجراءات الوقائية لمواجهة تفشي «كوفيد - 19»، والتراجع الجديد لسعر صرف الليرة السورية أمام الدولار الأميركي، تفتح المحال التجارية أبوابها وحركة المارة طبيعية، لكن يلاحظ في الوقت نفسه تراجع الإقبال من قبل المواطنين على الشراء عما كان عليه في موسم رمضان العام الماضي، بسبب تزايد تردي قوتهم الشرائية، بينما تظهر استعدادات خجولة لأصحاب المحال وشكاويهم من قلة تصريف البضائع.
«أبو يونس» الذي جاء إلى محله في سوق للخضراوات والمواد الغذائية وسط دمشق، وهو يقود دراجة نارية، كان لافتاً أنه يضع على مقعدها الخلفي كيسين كبيرين أحدها سكر والآخر برغل فقط!.
ومع جلوسه خلف طاولة البيع وإظهاره ابتسامات خفيفة، في وجوه ثلاث أو أربع زبائن، وجدوا أمامه، عادت حالة الضجر لتسيطر على «أبو يونس»، مع طلب أحد الزبائن إعطاءه «أوقية (200 غرام) سمنة»!، وآخر «نصف كيلو غرام سكر»!، ويقول لـ«الشرق الأوسط» بكلمات ساخرة وتنهيدة طويلة في تعليقه على حركة السوق مع اقتراب قدوم الشهر المبارك: «هذه هي أحوالنا كما ترى «أوقية» سمنة، ونصف كيلو سكر، رغم أن رمضان على الأبواب!».

أيام زمان
وفي سنوات ما قبل، اعتادت غالبية «أهل الشام»، على التحضير لاستقبال رمضان، عبر تسوق كميات كبيرة من المواد الغذائية والخضراوات والعصائر من أسواق كثيرة في دمشق كان يحرص أصحاب محالها على جلب كميات كبيرة من البضائع وعرض أصناف كثيرة منها على واجهاتها وبداخلها في شكل مكثف وطريقة مميزة لجذب متسوقين تكتظ بهم تلك الأسواق في شكل لافت إلى درجة إيقاف حركة المركبات الآلية.
لكن خلال سنوات الحرب، ارتفعت الأسعار في عموم المناطق السورية بشكل تصاعدي ووصلت إلى أكثر من 25 ضعفاً، مع تراجع سعر صرف الليرة أمام الدولار الأميركي إلى أكثر من 1200 ليرة، بعد أن كان ما بين 45 - 50 ليرة قبل الحرب، على حين بقيت مرتبات الموظفين على حالها التي كانت عليها قبل عام 2011 (الراتب الشهري لموظف الدرجة الأولى نحو 50 ألف ليرة)؛ الأمر الذي ضيّق سبل العيش على الغالبية العظمى من الناس، وبات 87 في المائة من السوريين يعيشون تحت خط الفقر، بحسب أرقام البنك الدولي.
وما فاقم أكثر من تردي الوضع المعيشي للناس، الإجراءات الوقائية لمواجهة تفشي «كوفيد - 19»، وترافقها مع ارتفاع جديد للدولار ووصوله إلى أكثر من 1250. واستغلال كبار التجار للوضع عبر احتكارهم لمواد غذائية أساسية ورفع أسعارها ضعفين أو أكثر مما كانت عليه قبل تلك الإجراءات، إذ يصل سعر لتر الزيت النباتي حالياً إلى 1600 ليرة، وكيلو الرز الوسط أكثر من 850 ليرة، بينما حلق كيلو الفروج المذبوح إلى أكثر من 2000 ليرة.

التالف هو الخيار
في أسواق الخضراوات والفاكهة تبدو معظم الأصناف متوفرة، وتبدو معها الأسعار في ذروة الاشتعال، إذ يبلغ سعر كيلو البندورة من الصنف الجيد 800 ليرة والفاصوليا الخضراء ما بين 1000 – 1200 بينما حلق الليمون الحامض إلى أكثر من 2000، على حين كان الفول الأخضر بسعر 350 وكذلك الكوسا بنحو 300.
مع ذلك المشهد المتعالي للأسعار، لوحظ أن أنظار معظم المتسوقين وأسئلتهم تتجه إلى الأصناف الوسط والرديئة، التي يضعها الباعة جانباً ويعرضون عليها أسعار منخفضة لبيعها بسرعة قبل أن تتلف.
«سعاد» ورغم التحذيرات من عدم السير في الأماكن المزدحمة تجنباً للعدوى بالفيروس، تروي لـ«الشرق الأوسط» أثناء وجودها في السوق، أنها تجوب كامل سوق الخضراوات أكثر من مرة عند قدومها إليه، على أمل أن تحظى ببعض الأنواع بأسعار منخفضة وإن كانت من نوعيات «سيئة».
وتبدي السيدة كثيراً من الاستغراب لدى سؤالها عن التحضير لشهر رمضان، وتقول: «الناس نسيت التحضير لشهر رمضان، همها حالياً تأمين طبخة اليوم فقط، وقد لا تؤمن». وتوضح «سعاد»، أن بعض الناس أصبحوا «يشترون بالحبة، وميسورو الحال قليلاً باتوا يتقشفون. وكثيرون يعودون من السوق من دون أن يشتروا شيئاً ويقضون نهارهم على النواشف»، بينما تزايد مشهد الناس الذين يجمعون الخضراوات التالفة عن الأرض والموجودة حول البساطات أو في صناديق القمامة التي خصصها لهذا الغرض أصحاب المحال والبساطات.

ملاذ الجمعيات
وفي ظل انقطاع مصدر رزق الكثير من الأسر جراء توقف عمل معيلها، وترافق ذلك مع قرب قدوم شهر الصوم، الذي يتطلب مصاريف تفوق مرتين أو ثلاثة مصاريف الشهر العادي، كثر الاستفسار من قبل الرجال أو النساء في معظم الأحياء خلال أحاديثهم عن الجمعيات الخيرية التي يمكن أن تقدم لها معونات وسبل تسجيلهم بها، وسط تراجع كبير في العمل الخيري في معظم المناطق التي تسيطر عليها الحكومة، وامتناع كبار التجار إلى حد كبير عن المبادرة في هذا المجال، رغم كثافة الدعوات الرسمية والشعبية لهم.
وإن كانت الصورة السابقة هي الطاغية على أغلب المشهد لما آلت إليه أحوال الدمشقيين مع قرب قدوم شهر رمضان، فإن الأمر لا يخلو من وجود عائلات ميسورة تعمل على التحضير لاستقباله، فـ«أم مروان» التي اعتادت في السنوات الماضية خلال شهر رمضان، القيام لوحدها بإعداد طبختين وأطباق متنوعة من المقبلات في اليوم بينما كان زوجها يصل إلى المنزل في لحظة إطلاق مدفع الإفطار، تهجس في هذا الموسم في كيفية القيام بذلك مع وجود زوجها في المنزل بسبب الحجر الذي فرضه «كورونا» وتقول: «واضح أن الأمور لن تمر على ما يرام، لأنه سيتدخل في كل طبخة وطبق كما يجري في أيام العطل الرسمية».



رسائل السيسي لـ«طمأنة» المصريين تثير تفاعلاً «سوشيالياً»

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال مشاركته الأقباط الاحتفال بعيد الميلاد (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال مشاركته الأقباط الاحتفال بعيد الميلاد (الرئاسة المصرية)
TT

رسائل السيسي لـ«طمأنة» المصريين تثير تفاعلاً «سوشيالياً»

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال مشاركته الأقباط الاحتفال بعيد الميلاد (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال مشاركته الأقباط الاحتفال بعيد الميلاد (الرئاسة المصرية)

حظيت رسائل «طمأنة» جديدة أطلقها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، خلال احتفال الأقباط بـ«عيد الميلاد»، وأكد فيها «قوة الدولة وصلابتها»، في مواجهة أوضاع إقليمية متوترة، بتفاعل واسع على مواقع التواصل الاجتماعي.

وقال السيسي، خلال مشاركته في احتفال الأقباط بعيد الميلاد مساء الاثنين، إنه «يتابع كل الأمور... القلق ربما يكون مبرراً»، لكنه أشار إلى قلق مشابه في الأعوام الماضية قبل أن «تمر الأمور بسلام».

وأضاف السيسي: «ليس معنى هذا أننا كمصريين لا نأخذ بالأسباب لحماية بلدنا، وأول حماية فيها هي محبتنا لبعضنا، ومخزون المحبة ورصيدها بين المصريين يزيد يوماً بعد يوم وهو أمر يجب وضعه في الاعتبار».

السيسي يحيّي بعض الأقباط لدى وصوله إلى قداس عيد الميلاد (الرئاسة المصرية)

وللمرة الثانية خلال أقل من شهر، تحدث الرئيس المصري عن «نزاهته المالية» وعدم تورطه في «قتل أحد» منذ توليه المسؤولية، قائلاً إن «يده لم تتلوث بدم أحد، ولم يأخذ أموال أحد»، وتبعاً لذلك «فلا خوف على مصر»، على حد تعبيره.

ومنتصف ديسمبر (كانون الأول) الماضي، قال السيسي في لقاء مع إعلاميين، إن «يديه لم تتلطخا بالدم كما لم تأخذا مال أحد»، في إطار حديثه عن التغييرات التي تعيشها المنطقة، عقب رحيل نظام بشار الأسد.

واختتم السيسي كلمته بكاتدرائية «ميلاد المسيح» في العاصمة الجديدة، قائلاً إن «مصر دولة كبيرة»، مشيراً إلى أن «الأيام القادمة ستكون أفضل من الماضية».

العبارة الأخيرة، التي كررها الرئيس المصري ثلاثاً، التقطتها سريعاً صفحات التواصل الاجتماعي، وتصدر هاشتاغ (#مصر_دولة_كبيرة_أوي) «التريند» في مصر، كما تصدرت العبارة محركات البحث.

وقال الإعلامي المصري، أحمد موسى، إن مشهد الرئيس في كاتدرائية ميلاد المسيح «يُبكي أعداء الوطن» لكونه دلالة على وحدة المصريين، لافتاً إلى أن عبارة «مصر دولة كبيرة» رسالة إلى عدم مقارنتها بدول أخرى.

وأشار الإعلامي والمدون لؤي الخطيب، إلى أن «التريند رقم 1 في مصر هو عبارة (#مصر_دولة_كبيرة_أوي)»، لافتاً إلى أنها رسالة مهمة موجهة إلى من يتحدثون عن سقوط أو محاولة إسقاط مصر، مبيناً أن هؤلاء يحتاجون إلى التفكير مجدداً بعد حديث الرئيس، مؤكداً أن مصر ليست سهلة بقوة شعبها ووعيه.

برلمانيون مصريون توقفوا أيضاً أمام عبارة السيسي، وعلق عضو مجلس النواب، محمود بدر، عليها عبر منشور بحسابه على «إكس»، موضحاً أن ملخص كلام الرئيس يشير إلى أنه رغم الأوضاع الإقليمية المعقدة، ورغم كل محاولات التهديد، والقلق المبرر والمشروع، فإن مصر دولة كبيرة وتستطيع أن تحافظ علي أمنها القومي وعلى سلامة شعبها.

وثمّن عضو مجلس النواب مصطفى بكري، كلمات السيسي، خاصة التي دعا من خلالها المصريين إلى التكاتف والوحدة، لافتاً عبر حسابه على منصة «إكس»، إلى مشاركته في الاحتفال بعيد الميلاد الجديد بحضور السيسي.

وربط مصريون بين عبارة «مصر دولة كبيرة» وما ردده السيسي قبل سنوات لقادة «الإخوان» عندما أكد لهم أن «الجيش المصري حاجة كبيرة»، لافتين إلى أن كلماته تحمل التحذير نفسه، في ظل ظهور «دعوات إخوانية تحرض على إسقاط مصر

وفي مقابل الكثير من «التدوينات المؤيدة» ظهرت «تدوينات معارضة»، أشارت إلى ما عدته تعبيراً عن «أزمات وقلق» لدى السلطات المصرية إزاء الأوضاع الإقليمية المتأزمة، وهو ما عدّه ناجي الشهابي، رئيس حزب «الجيل» الديمقراطي، قلقاً مشروعاً بسبب ما تشهده المنطقة، مبيناً أن الرئيس «مدرك للقلق الذي يشعر به المصريون».

وأوضح الشهابي، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أنه «رغم أن كثيراً من الآراء المعارضة تعود إلى جماعة الإخوان وأنصارها، الذين انتعشت آمالهم بعد سقوط النظام السوري، فإن المصريين يمتلكون الوعي والفهم اللذين يمكنّانهم من التصدي لكل الشرور التي تهدد الوطن، ويستطيعون التغلب على التحديات التي تواجههم، ومن خلفهم يوجد الجيش المصري، الأقوى في المنطقة».

وتصنّف السلطات المصرية «الإخوان» «جماعة إرهابية» منذ عام 2013، حيث يقبع معظم قيادات «الإخوان»، وفي مقدمتهم المرشد العام محمد بديع، داخل السجون المصرية، بعد إدانتهم في قضايا عنف وقتل وقعت بمصر بعد رحيل «الإخوان» عن السلطة في العام نفسه، بينما يوجد آخرون هاربون في الخارج مطلوبون للقضاء المصري.

بينما عدّ العديد من الرواد أن كلمات الرئيس تطمئنهم وهي رسالة في الوقت نفسه إلى «المتآمرين» على مصر.