«كورونا»... سيناريوهات الخيال العلمي والأدبي

حدث يتغذى على البصري أكثر مما يتغذى على السرد الروائي

مشهد من فيلم «عدوى» للمخرج ستيفن سودربرغ
مشهد من فيلم «عدوى» للمخرج ستيفن سودربرغ
TT

«كورونا»... سيناريوهات الخيال العلمي والأدبي

مشهد من فيلم «عدوى» للمخرج ستيفن سودربرغ
مشهد من فيلم «عدوى» للمخرج ستيفن سودربرغ

بمجرد أن صُنف ڤيروس كورونا بمستوى الجائحة، بدأ القراء حول العالم يستعيدون الأفلام والروايات الديستوبية والأبوكلبتية التي تستشرف نهاية العالم من خلال الحروب النووية وأوبئة الدمار الشامل، كما صاروا يبحثون عما يُعرف بأدب الأوبئة، فيستعيدون عناوين «الطاعون» لألبير كامو، و«العمى» لخوزيه ساراماغو، و«رَنِمِزِيسْ» رَبَّة الانتقام، لفيليب روث، وغيرها من الروايات والقصائد التي تحمل عناوين الوباء حتى وإن كانت مضامينها خالية منه. أما لجوؤهم إلى تلك المنتجات الأدبية فلم تكن بطبيعة الحال بحثاً عن علاج. إذ لا تحتوي أي رواية عن لقاح أو مصل ضد أي نوع من أنواع المرض، ولكن رغبة في الاستئناس بأناس تلك الروايات والتعرّف على أقدارهم. وتصريف فائض الخوف والانفعال الذي يسكنهم، بمعنى إعادة تشييد المشهد الحياتي عبر «بينصية» مُلحة تفسر واقع الخوف الآني من خلال فحوى النص الأدبي والعكس، أي فهم النص الأدبي على إيقاع رعب الواقع الموبوء.
هكذا أعاد كورونا إلى الواجهة قراءة فن كتابة الخيال العلمي بالقوة ذاتها التي دفع بها للارتداد إلى مطالعة كلاسيكيات أدب الأوبئة، فرواية «الرجل الأخير» للروائية ماري شيللي، المكتوبة عام 1826 تتحدث عن وباء يجتاح العالم اليوم، وعن بشر يقاومونه بكل الطرق من أجل البقاء، وذلك من خلال بطل يصارع لإبقاء عائلته خارج الخطر، إلى أن يفنى الجميع ولا يبقى إلا هو بصفته الناجي الوحيد. وهذا خيال روائي استشرافي يقف أمامه إنسان اللحظة الكورونية باندهاش، حيث يجد له مكاناً شعورياً في سياق الرواية، تماماً كما يستعيد غابريل غارثيا ماركيز قيمة ومعنى الحُبّ، من خلال الحيلة التي يدبرها فلورينتينو أريثا بطل رواية «الحب في زمن الكوليرا» بإيهام السلطات بأن السفينة التي تعبر النهر موبوءة بالكوليرا، ليتخلص من المسافرين ويختلي بحبيبته السبعينية فيرمينا، وذلك لخلق فضاء حجر صحي عاطفي يتمثل في رفع العلم الأصفر، إشارة إلى وباء الكوليرا، وبذلك يضمن للسفينة حرية الحركة. وهذه لقطة أدبية مؤانسة في هذا المفصل الحياتي المعتم.
الڤيروس المتخيل في رواية «عيون الظلام» الصادرة مطلع الثمانينات من القرن الماضي للروائي الأميركي دين كونتز، صار ڤيروساً واقعياً مطلع العام الحالي، خصوصاً أن مدينة ووهان الصينية التي تفشى فيها الوباء تتطابق مع المدينة المتخيلة في الطبعات الجديدة من الرواية «ووهان 400». وهو المخيال ذاته الذي اعتمده ستيفن كينغ في روايته «نهاية العالم» الصادرة نهاية السبعينات. حتى ما شُوهد في صالات السينما كفيلم «عدوى» (Contagion) صار يشاهد على الشاشات كأمر واقع، بكل ما فيه من مخاطر التماس الجسدي بين البشر، وإجراءات العزل الصحي، وإغلاق المطارات، وتعطيل دور العبادة، ورعب مواجهة وحشية الڤيروس الخفي بشكل فردي أوجماعي، كأن الفيلم يسجل واقعة كورونا بشكل تفصيلي، الأمر الذي يعزز لدى القراء نظرية المؤامرة، المستمدة هذه المرة من فكرة الحرب البيولوجية، وذلك بسبب تطابق سيرورة الوباء مع الخيال الأدبي، كما يلمّح إلى أن أدب ما بعد كورونا قد كُتب قبل الحدث، في الوقت الذي يدفعهم فيه إلى الارتداد مرة أخرى لوساعات ومخيال الأدب المحض.
هذه هي الصورة المحدثة أدبياً للموت الأسود (الطاعون) الذي تكلم عنه جيوفاني بوكاتشيو في «الديكاميرون». وهو ذاته الموت الأحمر، الذي تحدث عنه إدغار آلن بو في «قناع الموت الأحمر». فالموت الوبائي مهما كان لونه المجازي هو موت واقعي. ولأن كورونا ليس حدثاً أدبياً بقدر ما هو لقطة قيامية متشظية، سرعان ما يرتد الإنسان المعولم قارئاً ومشاهداً، إلى شاشات الفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي ليكون شاهداً على قضية كبرى من القضايا المعولمة، وما يترتب عليها من اهتزاز للتاريخ، من دون أن يغفل عن أدبية البعد الرمزي لهذه الجائحة، فهذه ليست جريمة معلومة الملامح كظاهرة الإرهاب مثلاً، بل هي مواجهة مع عدو شبحي يندس في كل أرجاء العالم، وله من طاقة الدمار ما يصعب الإلمام به، أو التنبؤ بمدياته.
هذا الدمار الذي يكاد يشل مفاصل العالم يتجاوز رمزية سقوط البرجين في الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)، ولذلك يبدو الخراب الشامل الذي أحدثه كورونا في الاقتصاد والسياسة ومفهوم حقوق الإنسان يصعب تصوره مروياً في عمل أدبي، سواء كان واقعياً أو متخيلاً، لأن فيه من الرعب ما لا يمكن لأدب الخيال العلمي والديستوبيا أن يستوعبه. وعليه فإن العودة إلى مطالعة أدب الأوبئة بأشكاله الواقعية والغرائبية، إنما يعني البحث عن صورة مقربة لجائحة مزلزلة تحدث في لحظة زمنية معقدة ومتشابكة، مع غياب أي أفق للسيطرة على ڤيروس كورونا الميت والمُميت في آن، الذي يعي تماماً نقاط ضعف الإنسان وهشاشة نظام القرية الكونية، كأنه هو مؤلف رواية الرعب هذه، والممسك بحبكتها، فهو كمؤلف كالإله الخفي الذي قال به لوسيان غولدمان، حيث يتحكم في كل مفاصل الرواية وأقدار أبطالها من دون أن يراه أحد.
ولأن اللحظة اليوم هي لحظة الصورة، يتغذى حدث كورونا كواقعة على البصري أكثر مما يتغذى على السرد الروائي، إلى جانب استحواذه كمروية على السرد ذاته ومتعلقاته من الوصف والخيال، لدرجة أن سيولة الصور تموضعه في موقع الخيال. فصورة الحرم المكي خالياً من المصلين تشكل جزءاً مرعباً من مروية الڤيروس. وهي صورة لن تغادر الذاكرة البشرية، وستبقى راسخة بعمق في الأذهان، مثلها مثل صور ميدان سكوير تايم وغيره من ميادين العواصم العالمية الفارغة، وصور توابيت ضحايا كورونا، وصور شاشات أسواق المال المطلية بالأحمر، وصور المطارات الخالية من المسافرين، وصور البشر الملثمين بأقنعة الوقاية في كل مكان، وصور الملاعب الرياضية ومدرجاتها الخاوية. وهي صور تعيد إلى الذاكرة البشرية مشاهد انفجار مفاعل تشرنوبل، وانهيار برجي التجارة في نيويوك، وتسونامي المحيط الهندي.
تخزين الصور في وجدان البشرية بقدر ما يعطيها سمات السرد والخيال، بقدر ما يبتذلها. وكلما تكاثرت الصور امتصت الحدث، وإن أعادت التذكير بأن ما عُرض سينمائياً أو روائياً، ليس سوى افتراضات مقابل مرجعية هذه النازلة. وبذلك تتضاءل قيمة كل سيناريوهات الخيال العلمي المؤفلمة قبالة هذا الوباء الذي يبدو حدثاً استعراضياً، حيث يتوازى عنفه الواقعي مع عنفه الرمزي. فهو ليس حدثاً موضعياً كبكتيريا «أنثراكس» المعروفة باسم الجمرة الخبيثة، التي اتهمت فيها القاعدة بمحاولة النيل من المؤسسة الأمريكية. وعلى الرغم من الهلع الذي أصاب العالم بعد أن صمم وأطلق قرصان إنترنت فلبيني ڤيروس إلكتروني باسم «I love you»، فإن ذلك الإرهاب الإلكتروني لم يحدث هذه الهزة العميقة في وعي ونفسية وأخلاقيات البشر. وربما هذا هو ما يفسر الكيفية التي تحولت بها السرديات الإعلامية إلى جزء من حفلة الرعب الكوروني، لتمكين الخيال بشقيه العلمي والأدبي من استيعاب واقعية هذه القيامة التي تتشظى بوحشية وبطء.
- كاتب سعودي



مي عمر: الاستمرارية سر النجاح… والتمثيل مساحة تحرري

مي عمر تحدثت عن أعمالها الفنية (مهرجان البحر الأحمر)
مي عمر تحدثت عن أعمالها الفنية (مهرجان البحر الأحمر)
TT

مي عمر: الاستمرارية سر النجاح… والتمثيل مساحة تحرري

مي عمر تحدثت عن أعمالها الفنية (مهرجان البحر الأحمر)
مي عمر تحدثت عن أعمالها الفنية (مهرجان البحر الأحمر)

قالت الممثلة المصرية مي عمر إن «السوشيال ميديا» ليست مقياساً حقيقياً بالنسبة لها، وإن الآراء المتداولة عليها لا تشكّل معياراً يمكن الاعتماد عليه، لأنها تصدر غالباً عن أشخاص يختبئون خلف الشاشات. وأضافت أن التفاعل الرقمي بات مساحة تختلط فيها الأصوات الحقيقية بالمصطنعة، ولا يمكن عبره التمييز بين الرأي الصادق وما تصنعه التحيّزات أو اللجان المنظمة، لذلك تعتمد على شعور الجمهور الذي تلتقيه مباشرة، وتعتبره البوصلة التي تحدد أثر أعمالها.

وخلال مشاركتها في جلسة حوارية نُظّمت الأحد ضمن فعاليات النسخة الخامسة من «مهرجان البحر الأحمر السينمائي»، تحدثت مي عمر عن علاقتها بالنقد، مؤكدة أنها تمنح اهتمامها لآراء النقاد ذوي الخبرة ممن تثق في رؤيتهم، بينما تتجاوز التقييمات الأخرى التي لا تجد فيها احترافاً أو موضوعية.

ولفتت إلى أن بعض النقاد قد يرفضون الثنائية التي تجمعها بالمخرج محمد سامي، أو ينطلقون من موقف شخصي تجاهها، ولذلك تعتمد في الحكم الأخير على الجمهور الذي يتفاعل بصدق مع أعمالها، سواء في الشارع أو عبر حساباتها الرسمية.

وأكدت أنها كانت في مراحل سابقة تتأثر بالنقد بدرجة كبيرة، لكنها أصبحت اليوم أكثر هدوءاً وقدرة على فرز ما يصل إليها، مشيرة إلى أنها لا تتردد في العمل مع مخرجين آخرين إلى جانب محمد سامي الذي يمثّل لها مساحة من الراحة خلال التصوير.

وتحدثت مي عمر عن الحالة التي مرّ بها سامي بعد تقديمه عملين في موسم رمضان، مشيرة إلى أنه شعر بإرهاق كبير جعله يعلن رغبته في الحصول على استراحة وربما الابتعاد لفترة، لكنها ترى أنه بطبيعته لا يستطيع التوقف عن العمل، لكونه من النوع الذي لا يجد نفسه خارج دائرة الإبداع.

وتطرقت إلى إمكانية تقديم جزء ثانٍ من مسلسل «إش إش»، معبرة عن رغبتها في خوض التجربة مرة أخرى، لأنها تحب البطولات الجماعية وما تمنحه من روح تعاون بين الفنانين.

كما أكدت أنها لا تفكر في الاتجاه إلى أي مجال آخر خارج نطاق التمثيل مثل الكتابة أو الإخراج، لقناعتها بأن الممثل يحتاج دائماً إلى مؤلف ومخرج قويين يقفان خلفه. وشددت على أن دورها الأساسي سيظل أمام الكاميرا، وأن خيار التركيز على التمثيل فقط نابع من إيمانها بأن لكل مجال مهاراته الخاصة، وأنها تجد نفسها في أداء الشخصيات وليس في صناعتها من خلف الكواليس.

مي عمر خلال الجلسة الحوارية (مهرجان البحر الأحمر)

واستعادت مي عمر ذكريات اكتشاف شغفها بالتمثيل منذ طفولتها، ورغبتها في دراسة هذا المجال في الجامعة، قائلة: «لكن ظروفاً دفعتني لدراسة الإعلام، وهو مسار استفدت منه لاحقاً خلال عملي في الإنتاج». ولفتت إلى أنها شخصية خجولة، لكنها تجد في التمثيل مساحة للتحرر من هذا الخجل وتجسيد شخصيات تختلف تماماً عن طباعها.

وعدّت الاستمرارية بمثابة التحدي الأكبر في مسيرة أي فنان، مشيرة إلى تجربة «الزعيم» لعادل إمام بوصفها نموذجاً للاستمرار الطويل في النجاح، وهو ما يجعلها تحرص على تقديم أعمال جيدة، والتركيز في اختياراتها، ولا تخشى رفض ما لا يناسبها.

وفي سياق حديثها عن مشروعاتها المقبلة، أكدت مي عمر مشاركتها في الموسم الرمضاني المقبل من خلال مسلسل «الست موناليزا»، وهو عمل وصفته بأنه «مليء بالمشاعر»، ويتكون من 15 حلقة وسيُعرض على شاشة «إم بي سي».

وعبّرت عن حبها لمدينة جدة وشعورها بالقرب بينها وبين مصر، مؤكدة أنها تشعر وكأنها في بيتها كلما زارتها، لافتة إلى أن «مهرجان البحر الأحمر» يحتل مكانة خاصة لديها، وتحرص على حضوره سنوياً.


«الست»... جدل «سوشيالي» وإشادات نقدية بعد عرضه بمصر

منى زكي جسَّدت دور أم كلثوم (الشركة المنتجة)
منى زكي جسَّدت دور أم كلثوم (الشركة المنتجة)
TT

«الست»... جدل «سوشيالي» وإشادات نقدية بعد عرضه بمصر

منى زكي جسَّدت دور أم كلثوم (الشركة المنتجة)
منى زكي جسَّدت دور أم كلثوم (الشركة المنتجة)

حاز فيلم «الست»، عقب عرضه في مصر السبت بحضور عدد من صنّاعه، إشادات نقدية واسعة أكدت نجاحه وتميّزه في معظم عناصره وأداء أبطاله، وذلك رغم الجدل «السوشيالي» الذي رافقه منذ طرح «البرومو التشويقي» قبل أيام، بسبب تناوله السيرة الذاتية لشخصية «أم كلثوم».

وفي احتفاء فني جديد بكوكب الشرق، قدّم صُنّاع «الست» خلال ما يقرب من 3 ساعات لمحات حقيقية من سيرة «الآنسة أم كلثوم»، كما كان يناديها من حولها؛ تلك المرأة الريفية ذات الشخصية القوية التي أصبحت رمزاً مصرياً يتردّد اسمها في محافل دولية. ويستعيد الفيلم رحلتها الطويلة في العمق الفني، وتأثير حضورها الصوتي الآسر، وكيف لعب فنّها دوراً حقيقياً في مواجهة الأزمات.

منى زكي وزوجها أحمد حلمي من العرض الخاص للفيلم (فيسبوك)

لم يكن فيلم «الست» العمل الأول الذي يتناول سيرة أم كلثوم، بيد أنه انفرد في إبراز كثيرٍ من اللمحات المهمة في مشوارها. إذ انطلق من كواليس حفلها الشهير على مسرح «الأولمبيا» الباريسي في أواخر ستينات القرن الماضي، ذلك الحفل الذي غنّت فيه أمام جمهور دولي لجمع التبرعات للمجهود الحربي في مصر، وكيف سقطت أرضاً حين حاول أحد المعجبين تقبيل قدمها.

واستعاد الفيلم بدايتها في الإنشاد الديني، ودور والدها «الشيخ البلتاجي» وشقيقها «الشيخ خالد» في حياتها وتكوين شخصيتها، وكيف كانت تتخيل وجود والدها بين الجمهور رغم قوتها ونجوميتها وهتافات الناس المتواصلة باسمها.

واعتمد العمل على مشاهد «الفلاش باك» للعودة بالمشاهدين إلى حياة أم كلثوم في قريتها بمركز «السنبلاوين» في دلتا مصر، وبداياتها الفنية، وما تعرّضت له من انتقادات من أهل القرية، ومن ثَمَّ انتقالها إلى العاصمة، والغناء على خشبة مسرح كازينو «البسفور» وما واجهته من سخرية، قبل أن تتوطد علاقتها بأعضاء فرقتها لاحقاً، وتُعرف بدقتها الصارمة والتزامها بالنظام.

لقطة من فيلم «الست» (الشركة المنتجة)

تُمثّل علاقة «ثومة» بالشاعر أحمد رامي، وكيف أبدعت في غناء قصائده وانتشر اسمها وصورها في الصحف وذاع صيتها، محطة محورية في الفيلم. فقد منح هذا الجانب العملَ طابعاً إنسانياً خاصاً، خصوصاً مع إبراز دور رامي المؤثر في حياتها. وتلاحمت عناصر الفيلم بوضوح، بدءاً من الإخراج وحماس الموسيقى التصويرية، مروراً بالأزياء التي عكست روح الحقبة بدقة، وصولاً إلى استخدام أغنيات أم كلثوم خلفية أضفت مزيجاً من الشاعرية والرومانسية.

من جانبه، وصف المخرج والناقد السينمائي المصري الدكتور أحمد عاطف درة فيلم «الست» بأنه «مليء بالمشاعر واللمحات شديدة القرب من حياة كوكب الشرق»، مؤكداً أن «المخرج والكاتب أظهرا روح التحدي في شخصيتها، وإصرارها على أن تكون امرأة بمائة رجل في زمن لم تكن المرأة قد نالت فيه حقوقها كاملة».

وأضاف عاطف درة لـ«الشرق الأوسط» أن «الفيلم يقدّم مقاربة إنسانية، ويتميّز بحرفة إخراجية رائعة من مروان حامد، وأداء متقَن من منى زكي، وموسيقى مؤثرة من هشام نزيه، مع تميّز واضح في فروع التصوير والماكياج والمؤثرات والإنتاج والأزياء، فضلاً عن أسلوب رصين وحبكة وإيقاع في أفضل نجوم العمل».

فيلم «الست» شهد عرضاً خاصاً في مصر (الشرق الأوسط)

لم يقتصر الفيلم على تقديم الجوانب الإيجابية في حياة أم كلثوم، ولم يُظهرها بصورة ملائكية، بل سلّط الضوء على بعض سلبياتها أيضاً، ومنها مواقفها من الزواج والأمومة والمادة، طارحاً أسئلة عن سرعة غضبها وعنادها، وعلاقتها بأحمد رامي وشريف باشا صبري والملحن محمود الشريف، وزواجها في مرحلة عمرية متقدمة من الدكتور حسن الحفناوي، إضافة إلى علاقتها العملية بالصحافي محمد التابعي.

كما لم يغفل الفيلم تفاصيل حالتها الصحية، ونظارتها ومنديلها اللذين ارتبطا بصورتها، ولعب على وتر أحزانها في مشاهد مؤثرة أبكت الحضور. وتطرق كذلك إلى علاقتها بالأنظمة الحاكمة، وغنائها للملك فاروق، وتقديمها أغنية «مصر التي في خاطري» بحضور الرئيس جمال عبد الناصر، وشعورها بالتصالح مع الجمهور بعد فترة من الغياب.

وينتهي «الست» عند منتصف سبعينات القرن الماضي، مع وداع المصريين لها في جنازة شعبية مهيبة وثّقتها الصور واللقطات الأرشيفية. وقد شاركت في إنتاج الفيلم جهات عدة، وتولت منى زكي بطولته، في حين أخرجه مروان حامد وكتبه أحمد مراد، وشارك فيه عدد من الفنانين؛ بينهم محمد فراج، وسيد رجب، وأحمد خالد صالح، إلى جانب نجوم الشرف مثل أمينة خليل، وآسر ياسين، ونيللي كريم، وأحمد أمين، وأحمد حلمي، وعمرو سعد وغيرهم.

من جهته، أكد الكاتب والناقد الفني المصري أحمد النجار أن الحكم على فيلم «الست» قبل مشاهدته «غير مقبول»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط» أن «الأحكام السريعة والانتقادات غير الواقعية التي وُجهت إليه ثبت عكسها بعد عرضه». ورأى أن «هذه الظاهرة النقدية المتسرّعة تستدعي التروي قبل إصدار الأحكام على الأعمال الفنية»، مشيراً إلى أن «الفيلم حاز إعجاباً محلياً ودولياً بعد عرضه في مصر، وكذلك في (مهرجان مراكش) قبل أيام».


تقنية مبتكرة لتحديد مواقع العالقين تحت الأنقاض

التقنية تعتمد على استخدام الميكروفونات المدمجة في الهواتف الذكية لتحديد مواقع الأشخاص المحاصرين (جامعة طوكيو)
التقنية تعتمد على استخدام الميكروفونات المدمجة في الهواتف الذكية لتحديد مواقع الأشخاص المحاصرين (جامعة طوكيو)
TT

تقنية مبتكرة لتحديد مواقع العالقين تحت الأنقاض

التقنية تعتمد على استخدام الميكروفونات المدمجة في الهواتف الذكية لتحديد مواقع الأشخاص المحاصرين (جامعة طوكيو)
التقنية تعتمد على استخدام الميكروفونات المدمجة في الهواتف الذكية لتحديد مواقع الأشخاص المحاصرين (جامعة طوكيو)

كشف باحثون في جامعة طوكيو اليابانية عن تقنية صوتية مبتكرة، تستخدم ميكروفونات الهواتف الذكية للمساعدة في تحديد مواقع الأشخاص العالقين تحت الأنقاض، خلال الكوارث الطبيعية، مثل الزلازل والانهيارات الأرضية.

وأوضح الباحثون أن التقنية تعتمد على قدرة الموجات الصوتية على النفاذ عبر الركام والمواد الصلبة. وعُرضت النتائج، الجمعة، خلال الاجتماع السادس المشترك للجمعية الصوتية الأميركية، والجمعية الصوتية اليابانية، في مدينة هونولولو الأميركية.

وفي حالات الكوارث الطبيعية، يصبح عامل الوقت حاسماً لإنقاذ الأشخاص العالقين تحت الأنقاض؛ خصوصاً عندما تكون الرؤية محدودة. ورغم استخدام فرق الإنقاذ أساليب تعتمد على الرادار أو على الأصوات التي يصدرها الضحايا، فإن الاعتماد على الهواتف الذكية قد يفتح باباً جديداً للعثور على المحاصرين بسرعة أكبر.

وتعتمد التقنية الجديدة على استخدام الميكروفونات المدمجة في الهواتف الذكية، لتحديد مواقع الأشخاص المحاصرين، مستفيدة من قدرة الموجات الصوتية على اختراق التربة والركام، ما يجعلها فعَّالة حتى في الظروف التي تنعدم فيها الرؤية، ولا يمكن للأجهزة التقليدية التقاط إشارات واضحة.

وترتكز طريقة العمل على دمج نوعين من الإشارات الصوتية: مصدر أحادي القطب (Monopole) يصدر الصوت في جميع الاتجاهات بالتساوي، ومصدر ثنائي القطب (Dipole) يصدر الصوت بشكل موجَّه من الأمام والخلف، ويساعد على تحديد اتجاه المصدر بدقة.

وفي سيناريو واقعي لعمليات الإنقاذ، يقوم المنقذ بإطلاق إشارتين من نوع «ثنائي القطب»، تلتقطهما ميكروفونات هواتف الضحايا العالقين. بعد ذلك يرسل هاتف الضحية إشارة كهرومغناطيسية تساعد في تحديد موقعه. وفي الحالات التي يوجد فيها عوائق تعكس الصوت، يُصدر المنقذ صوتاً من نوع «أحادي القطب» لتقليل التشويش الناتج عن الركام، مما يحسِّن دقة التقدير.

وقد أُجري اختبار للتقنية في موقع تدريبي يحاكي سيناريو حقيقياً للكوارث، وأظهرت النتائج دقة لافتة؛ إذ بلغ هامش الخطأ في تحديد موقع الضحية 5.04 درجة فقط، داخل مساحة بحث قدرها 10 أمتار مربعة.

واعتُبرت القدرة على تقدير زاوية المصدر الصوتي من أبرز ما أظهره الاختبار، رغم وجود مواد تعكس الموجات وتعرقل طرق التحديد التقليدية.

وقال الباحثون إن «هذه الطريقة تعد فعَّالة في تحديد مواقع الأشخاص المدفونين تحت الأنقاض، أو التربة الناتجة عن الزلازل أو الانهيارات الأرضية؛ لأن الموجات الصوتية يمكنها النفاذ عبر هذه المواد». كما أشاروا إلى إمكانية استخدامها لتحديد مواقع أفراد فرق الإنقاذ أنفسهم، إذا تعرضوا لكوارث ثانوية في أثناء العمل.

ومع أن أحد التحديات يتمثل في ضرورة امتلاك الضحية هاتفاً مزوداً بميكروفون -وهو شرط أكثر تقييداً من الطرق التقليدية المعتمدة على أصوات الضحية- فإن الفريق يرى أن الانتشار الواسع للهواتف الذكية يجعل التقنية واعدة للغاية، مؤكداً عزمه تطويرها ورفع دقتها في المستقبل.