أميركا وروسيا تعارضان مقترحاً أممياً لوقف إطلاق النار عالمياً

الرئيس الأميركي دونالد ترمب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين - أرشيف (رويترز)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين - أرشيف (رويترز)
TT

أميركا وروسيا تعارضان مقترحاً أممياً لوقف إطلاق النار عالمياً

الرئيس الأميركي دونالد ترمب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين - أرشيف (رويترز)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين - أرشيف (رويترز)

ذكر تقرير صحافي أمس (الأحد) أن الولايات المتحدة وروسيا تعارضان مقترحات أممية لوقف إطلاق النار عالمياً خلال وباء «كوفيد - 19».
وكان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش حث الدول المتحاربة على إعلان هدنة مؤقتة وتركيز كل اهتمامها على مكافحة الفيروس. وقال يوم 23 مارس (آذار) الماضي «غضب الفيروس يوضح حماقة الحرب».
وحث غوتيريش الفصائل المتحاربة على «الانسحاب من الأعمال العدائية وإسكات المدافع ووقف المدفعية وإنهاء الغارات الجوية».
وكرر دعوته أول من أمس (السبت)، مخاطباً المشاهدين خلال بث برنامج «عالم واحد في المنزل» الذي نظمته الفنانة الأميركية ليدي غاغا.
لكن واشنطن وموسكو تقوّضان جهود غوتيريش، حسبما أفادت تقرير لمجلة «فورين بوليسي» الأميركية.
وذكر التقرير أن كلا البلدين متفقان على ضرورة وقف إطلاق النار في مناطق الحرب مثل سوريا وليبيا واليمن، لكن رغم ذلك، يخشى كلاهما من أن اتفاقاً عالمياً لوقف إطلاق النار يمكن أن يحد من جهودهما الخاصة لمواجهة ما يعتبرونه عمليات مكافحة الإرهاب المشروعة في الخارج.
وذكرت المجلة أن الولايات المتحدة تشعر بالقلق أيضاً من أن وقف إطلاق النار يمكن أن يحد من قدرة إسرائيل على تنفيذ عمليات عسكرية في الشرق الأوسط.
وقال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الأربعاء إنه تم إحراز تقدم في مجلس الأمن الدولي بشأن الموافقة على قرار يقطع نحو هدف غوتيريش.
ومن المتوقع أن يعزز قرار «الهدنة» من وقف إطلاق النار المحدود في مناطق الصراع. ومع ذلك، فإنها لا تتوقف عن رغبة الأمين العام للأمم المتحدة في وقف عالمي لإطلاق النار.
وقالت سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة كيلي كرافت الخميس إنها تأمل في ختام المفاوضات بشأن مشروع القرار الذي صاغته فرنسا هذا الأسبوع.
وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية لـ«فورين بوليسي» إنهم دعموا مبادرة غوتيريش، لكنهم احتفظوا أيضاً بالحق في تنفيذ عملياتهم الخاصة. وأضاف ان «الولايات المتحدة تدعم دعوة الأمين العام إلى وقف عالمي لإطلاق النار، لكنه أشار إلى أننا سنواصل تنفيذ مهمتنا المشروعة في مكافحة الإرهاب».
ورفضت الولايات المتحدة أيضاً الانضمام إلى قائمة تضم أكثر من 70 دولة، بما في ذلك الحلفاء المقربون مثل بريطانيا وفرنسا وألمانيا، التي وقعت على رسالة ترحب بدعوة الأمين العام لوقف إطلاق النار، حسبما أفاد تقرير لصحيفة «تليغراف» البريطانية.
من جانبها، أصدرت وزارة الخارجية الروسية بياناً مشابهاً لوزارة الخارجية الأميركية، مؤكدة أنها دعمت بيان غوتيريش في 23 مارس (آذار) الماضي، لكنها أصرت على السماح لها بمواصلة عملياتها.
وقالت موسكو: «نحن قلقون للغاية بشأن الوضع في المناطق التي تسيطر عليها الجماعات الإرهابية، التي لا يمكنها أن تهتم برفاهية الناس، قد تصبح هذه المناطق أكثر عرضة لانتشار العدوى. نحن واثقون من أنه يجب تنفيذ إجراءات مكافحة الإرهاب».



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟