مبادرة توظف وسائل التواصل لنشر قصص من واقع شمال سوريا

القامشلي (شمال شرقي سوريا):

قصة صناعة خبز محلي تحصد 4 ملايين مشاهدة على مواقع الشبكة
قصة صناعة خبز محلي تحصد 4 ملايين مشاهدة على مواقع الشبكة
TT

مبادرة توظف وسائل التواصل لنشر قصص من واقع شمال سوريا

قصة صناعة خبز محلي تحصد 4 ملايين مشاهدة على مواقع الشبكة
قصة صناعة خبز محلي تحصد 4 ملايين مشاهدة على مواقع الشبكة

تحت شعار «ننظم الصورة ليكتمل الواقع»، انطلقت شبكة «آسو» بالكردية وتعني الأفق بالعربية الإعلامية في شمال شرقي سوريا نهاية أكتوبر (تشرين الأول) 2016. كأول تجربة إعلامية إخبارية مجتمعية محلية اختار كادرها العمل في مجال الصحافة الرقمية والاعتماد على منصات السوشيال ميديا، للإطلالة على الجمهور ومتابعي صفحاتها عبر شبكة من المراسلين يعملون في مدن وبلدات الشمال السوري لتغطية الأحداث ونقل مجريات الوقائع على الأرض.
وعن اختيار اسم «آسو» كمنصة إعلامية وانتشار فريق العمل؛ يقول الصحافي سردار ملا درويش مدير عام الشبكة في حديثه إلى «الشرق الأوسط»، بأنها: «(آسو) أو الأفق هي منارة ومنصة لمخاطبة الجمهور، تعمل كوسيلة إعلامية محلية تشق الطريق بهدف الوصول للجماهير».
فبعد عقود من سيطرة حزب البعث الحاكم بسوريا على كل وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية؛ اختلف المشهد بعد 2011 وظهرت العشرات من الإذاعات والقنوات التلفزيونية والصحف والدوريات الكردية في بلد الإعلام الموجه بامتياز، لتؤسس إعلاماً محلياً موجهاً للجمهور باللغتين العربية والكردية لمخاطبة السوريين في الداخل ودول اللجوء والشتات.
محتوى رقمي
ويعمل مع الشبكة فريق من صحافيين وإعلاميين محترفين وناشطون وهواة ومواطنون صحافيون، كما تعمل المؤسسة على رفد ثقافة الإعلام وتثقيف العاملين بالوعي بدور الإعلام بطريقة مؤسساتية احترافية وفهم دور الإعلام بتطوير المجتمع وتأثيره وبفهم المعايير الأخلاقية للصحافة والكلام لمدير الشبكة سردار ملا درويش، وذكر بأنها حققت حتى اليوم: «جمهورا واسعا ومتابعا والأهم أن الجماهير باتت تثق بأخبار الشبكة لأنها تحاول دوماً تغطية الحدث بمعايير مهنية دقيقة، ننحاز دوماً للإنسان ونكون الأقرب للجمهور، لقد دمجنا بين تأهيل هواة بالعمل بإطار صحافي مهني»، كما تغطي أخبار الشبكة الجوانب المجتمعية: «أكثر من تغطية الأخبار السياسية أو الأمنية والتطورات الميدانية بالمنطقة كما نبتعد عن الصراعات السياسية والعسكرية».
ويتابع 100 ألف معجب صفحة الشبكة على موقع التواصل الاجتماعي الفيسبوك، إلى جانب 30 ألف مشترك يشاهدون برامجها والتقارير المرئية التي ينشرها كادر العمل على صفحتها بقناة اليوتيوب.
وتختلف وسائل وأدوات العمل الصحافي لدى الوسائل الإعلامية التي تنشر موادها عبر صفحات التواصل الاجتماعي، عن مثيلاتها في الإعلام المطبوع والمرئي والمسموع، ويشرح سردار ملا درويش هذه الفروق قائلاً: «بالنسبة للقوالب الصحافية فالأساسيات في أي نوع صحافي واحدة، لكن الأسلوب يختلف فالصحافة الرقمية اليوم تعتمد على الرؤية البصرية وترجمة المكتوب إلى صور وفيديوغراف وإنفوغراف»، فالجمهور الحالي الذي يستخدم صفحات السوشيال ميديا: «يتأثر بالصورة أكثر من الكتابة إضافة لكون جمهور الصورة أوسع من جمهور المكتوب فقط، لذلك يتم مراعاة الأنواع الصحافية وإنشاء المحتوى بما يراعي جماهير الصحافة الرقمية».
وتنشر صفحات الشبكة بشكل يومي تفاصيل شخصيات بسيطة من بينها باعة جوالون أو مزارعون وعمال وأصحاب البسطات الصغيرة في الأسواق المحلية، إلى جانب تسليط الضوء على النازحين والعاملين في الحقول الريفية، حياة الناس وثقافتهم، تعددية المجتمع في شمال شرقي سوريا ودعم قيم الديمقراطية والسلام ومن بين أكثر الصور مشاهدة وتفاعل تلك التي تنقل الطبيعة والعفوية لدى سكان المنطقة ونقل ابتسامتهم في بلد مزقته نيران الحروب.
وعن أبرز التحديات والصعوبات التي تواجه فريق عمل الشبكة، التغطية المستمرة في منطقة تشهد حروبا متعددة الأطراف وتداخل دولي وإقليمي، ونوه ملا درويش قائلاً: «شهدت المنطقة حروبا متعددة ولا يزال خطر تنظيم (داعش) قائما، فالشبكة عملت كثيراً بتقويض الإرهاب الأمر الذي يشكل هاجس خوف وخطرا على الفريق لأنهم يعملون على الأرض».
ويؤكد ملا درويش أن البدء بالتفكير بتأسيس الشبكة كان عبر العمل على مناهضة التطرف والإرهاب وتأهيل وتوعية المجتمع بخطره والمساهمة بدعم برنامج إعادة الإعمار.
نشر عبر قوالب «الملتيميديا»
لدى الشبكة معرفات على مواقع التواصل الاجتماعي المتداولة عند جمهورها المستهدف، من موقع إلكتروني وصفحة على (الفيسبوك) وقناة على (اليوتيوب) وأخرى على منصة التلغرام، وصفحات على موقعي (التويتر) و(الإنستغرام)، وينشر كادر الفريق بشكل دوري يومياً على صفحاتها أبرز القصص المصور والتقارير المكتوبة والمرئية.
وأخبر محمد هتو مدير المحتوى لدى الشبكة بأنهم يركزون على نشر المواد المرئية بقوالب الفيديوغرافيك وانفوغرافيك وتصاميم الملتيميديا، وقال: «إلى جانب نشر التقارير الإخبارية المكتوبة ونشرها على جميع معرفاتنا فور إعدادها، أما صفحة الإنستغرام فمخصصة للصور وبعض الفيديوهات»، ومن بين أبرز القصص التي لاقت رواجاً بين رواد الشبكة، «فيديو قصة صناعة خبز محلي يسمى (الصاج) في قرية بريف الحسكة حيث شاهدها حوالي 4 ملايين متابع، وقصة ثانية عن قرية بالمنطقة وحياتها الريفية وبلغت أكثر من مليوني مشاهد».
وانتشرت المئات من الصفحات الإخبارية والاجتماعية على مواقع التواصل الاجتماعي تغطي الأخبار المحلية في سوريا، ويعكس إطلاق هذه الشبكات الكردية تطوراً نوعياً في قدرة السوريين على استخدام وسائل التواصل الاجتماعي والتكنولوجيا وثورة المعلومات، وتعتمد الصحافة الرقمية على الرؤية البصرية وترجمة المكتوب إلى صور وتقارير متنوعة.
وترى آريا حاجي مدير تنفيذي شبكة آسو أهمية كبيرة للمواد الإعلامية الخاصة بصفحات السوشيال ميديا، وتقول: «نظراً لسرعة وصولها إلى أعداد هائلة للمتابعين، كما تلعب دوراً كبيراً في تثقيف وتوعية المجتمع دون أن ننسى أهمية مراقبة محتوى هذه المواد من حيث حساسية التغطية حسب النوع الاجتماعي الجندر».
كما تحتل قضايا المرأة والحساسية الجندرية صلب العمل بالشبكة وتابعت حاجي قائلة: «قضايا المرأة نوليها اهتماما كبيرا حيث نحاول من خلال مواد إعلامية إظهار حياة المرأة وأنشطتها العامة بشمال وشرق سوريا والتطرق لفعاليتها في المجتمع وإسهاماتها».
وأعرب هتو بأن التغطية بالمنطقة ليست بمعزل عن واقع سوريا العام، فالبلد يشهد نزاعاً مسلحاً منذ عشر سنوات ما يزيد التحديات التي تواجه العمل الإعلامي سيما العاملين في تغطية الأوضاع الميدانية وتقلبات المشهد العسكري، ويقول: «تلعب حساسية الواقع وموقعها الجغرافي دورا كبيرا بمنع تدفق الدعم للمنطقة، وهذا يشكل عبئا دائما وتحديا حقيقيا وعائقا أمام التطوير والإبداع أكثر فأكثر».
ولفتت آريا حاجي بأن أحد التحديات التي تواجه العمل في مجال الصحافة الرقمية، «العمل عن بعد وغياب غرف تحرير مشتركة، فالجميع يعمل أونلاين عبر الإنترنت وهذا يتطلب توفر خدمتي الإنترنت والكهرباء وهذا شبه مستحيل، لأن الفريق بغالبيته يعمل في الداخل».
من مراسلي الشبكة
لم تخفِ مصورة الشبكة نجبير حسين المتحدرة من بلدة عامودا الواقعة أقصى شمال شرقي سوريا، صعوبة العمل بالمجال الإعلامي عموماً واكتساب الخبرات في ظل غياب مؤسسات وأكاديميات متخصصة، وتعزو السبب إلى: «قلة الخبرات وحداثة العمل مع ضعف البرامج التدريبية»، لكنها أكدت أنها اكتسبت خبرات عديدة وتجربة عملية خلال عملها مع الشبكة قبل 3 سنوات، وأشارت إلى: «العمل ممتع وتندمج خلاله في الحياة اليومية من خلال تصوير قصص خدمية ومواد اجتماعية وغيرها من التقارير المنوعة التي تقدم الفائدة وإضافة جديدة لمتابعي الشبكة، إضافة للعمل بشكل مؤسساتي ضمن هيكلية منظمة هذا يشكل صورة جيدة عن العمل»، وعن مشاعرها بالعمل مع كادر من أبناء بلدها عبرت نجبير عم مشاعرها قائلة: «إن تعمل مع فريق أصبح الأسرة الثانية هو عمل ممتع يمنحك شيئا من الرضا»، ونوهت بأن العديد من التجارب الإعلامية كشبكة «آسو» حققت النجاح واحتلّت حيّزاً من الاهتمام لدى سكان المنطقة وباتت منصة معروفة، «لأنها راكمت خبرات وتجارب خلال عملها على مدار 4 سنوات، وأسست شعبية يمكن البناء عليها والإفادة منها»، على حد تعبير الإعلامية نجبير.
ويقول سردار ملا درويش بأن أحد التحديات الموجودة باستمرار في العمل: «أغلب الفريق بحكم أنه ذو طابع محلي يحتاج دوما للتأهيل وهذا مفقود نوعا ما نتيجة الظروف العامة أيضا عدم وجود دعم كافي واهتمام دولي بالمنطقة التي يتم تغطيتها، مع غياب مؤسسات وجهات متخصصة بهذه الأمور».
ويعمل ياسر الأحمد من مدينة الرقة بشمال البلاد على تصوير وإعداد تقارير البرامج، ونقل بأنه: «أذهب إلى مكان التصوير وأشاهد ما تراه عيني، بعدها أقوم بإجراء اللقاءات وأعد المادة حسبما يقوله الضيوف ببساطة وبلغة مفهومة للجميع»، لافتاً إلى أنه يتبع العفوية وصورة العدسة في إجراء الحوارات: «لا أرتب أو أملي ما يقدمه الضيف في التقرير بهدف إيصال الفكرة عبر صورة مبسطة إلى المشاهد، كي تكون قريبة من هذه بيئتنا المحلية».
بينما اعتبر أحمد دملخي وهو مصور الشبكة يعمل في بلدة منبج بريف حلب الشرقي، بأن متصفحي شبكة «آسو» ينتظرون فسحة أمل رغم الحروب الدائرة بالمنطقة، عبر صور وتقارير مرئية نوعية، وقال: «أحاول في كل تقرير أن أفتح شباكاً جديداً للإطلالة على الحياة، بكل ما تحمله من أفراح ومآسٍ وأخبار ميدانية، نحن ننتمي لهذه البيئة وعلينا نقل الصورة كما هي».
وتغطي شبكة آسو الإخبارية جغرافيا شمال شرقي سوريا من بلدة المالكية أو ديريك، مروراً بالقامشلي والحسكة حتى دير الزور والرقة ومدينتي عين العرب أو (كوباني) بحسب تسميتها الكردية ومنبج غربي الفرات.
يذكر أنّ أكراد سوريا يشكلون نحّو 12 في المائة من التعداد السكاني العام (24 مليون نسمة) قبل 2011. عانوا على مدى عقود طويلة تهميشاً وحرماناً من القراءة والكتابة بلغتهم الأم.



استنفار الإعلام المرئي اللبناني على مدى 24 ساعة يُحدث الفرق

إدمون ساسين (إنستغرام)
إدمون ساسين (إنستغرام)
TT

استنفار الإعلام المرئي اللبناني على مدى 24 ساعة يُحدث الفرق

إدمون ساسين (إنستغرام)
إدمون ساسين (إنستغرام)

تلعب وسائل الإعلام المرئية المحلية دورها في تغطية الحرب الدائرة اليوم على لبنان.

نوع من «التجنيد الإجباري» فرضته هذه الحالة على المحطات التلفزيونية وموظفيها ومراسليها، فغالبيتهم يمضون نحو 20 ساعة من يومهم في ممارسة مهامهم. وبعضهم يَصِلون ليلهم بنهارهم في نقل مباشر وموضوعي، وآخرون يضعون دمهم على كفّ يدهم وهم يتنقلون بين مناطق وطرقات تتعرّض للقصف. أما رؤساء التحرير ومقدِّمو البرامج الحوارية اليومية، فهم عندما يحوزون على ساعات راحة قليلة، أو يوم إجازة، فإنهم يشعرون كما السمك خارج المياه. ومن باب مواقعهم ومسؤولياتهم الإعلامية، تراهم يفضلون البقاء في قلب الحرب، وفي مراكز عملهم؛ كي يرووا عطشهم وشهيّتهم للقيام بمهامهم.

المشهدية الإعلامية برمّتها اختلفت هذه عن سابقاتها. فهي محفوفة بالمخاطر ومليئة بالصدمات والمفاجآت من أحداث سياسية وميدانية، وبالتالي، تحقن العاملين تلقائياً بما يشبه بهرمون «الأدرينالين». فكيف تماهت تلك المحطات مع الحدث الأبرز اليوم في الشرق الأوسط؟

الدكتورة سهير هاشم (إنستغرام)

لم نتفاجأ بالحرب

يصف وليد عبود، رئيس تحرير الأخبار في تلفزيون «إم تي في» المحلي، لـ«الشرق الأوسط»، حالة الإعلام اللبناني اليوم بـ«الاستثنائية». ويضيف: «إنها كذلك لأننا في لبنان وليس عندنا محطات إخبارية. وهي، بالتالي، غير مهيأة بالمطلق للانخراط ببث مباشر يستغرق ما بين 18 و20 ساعة في اليوم. بيد أن خبراتنا المتراكمة في المجال الإعلامي أسهمت في تكيّفنا مع الحدث. وما شهدناه في حراك 17 أكتوبر (تشرين الأول) الشعبي، وفي انفجار مرفأ بيروت، يندرج تحت (الاستنفار الإعلامي) ذاته الذي نعيشه اليوم».

هذا «المراس» - كما يسميه عبود - «زوّد الفريق الإخباري بالخبرة، فدخل المواكبة الإعلامية للحرب براحة أكبر، وصار يعرف الأدوات اللازمة لهذا النوع من المراحل». وتابع: «لم نتفاجأ باندلاع الحرب بعد 11 شهراً من المناوشات والقتال في جنوب لبنان، ضمن ما عرف بحرب المساندة. لقد توقعنا توسعها كما غيرنا من محللين سياسيين. ومن كان يتابع إعلام إسرائيل لا بد أن يستشفّ منه هذا الأمر».

جورج صليبي (إنستغرام)

المشهد سوريالي

«يختلف تماماً مشهد الحرب الدائرة في لبنان اليوم عن سابقاته». بهذه الكلمات استهل الإعلامي جورج صليبي، مقدّم البرامج السياسية ونشرات الأخبار في محطة «الجديد» كلامه لـ«الشرق الأوسط». وأردف من ثم: «ما نشهده اليوم يشبه ما يحصل في الأفلام العلمية. كنا عندما نشاهدها في الصالات السينمائية نقول إنها نوع من الخيال، ولا يمكنها أن تتحقق. الحقيقة أن المشهد سوريالي بامتياز حتى إننا لم نستوعب بسرعة ما يحصل على الأرض... انفجارات متتالية وعمليات اغتيال ودمار شامل... أحداث متسارعة تفوق التصور، وجميعها وضعتنا للحظات بحالة صدمة. ومن هناك انطلقنا بمشوار إعلامي مرهق وصعب».

وليد عبود (إنستغرام)

المحطات وضغوط تنظيم المهام

وبالفعل، منذ توسع الحرب الحالية، يتابع اللبنانيون أخبارها أولاً بأول عبر محطات التلفزيون... فيتسمّرون أمام الشاشة الصغيرة، يقلّبون بين القنوات للتزوّد بكل جديد.

وصحيحٌ أن غالبية اللبنانيين يفضّلون محطة على أخرى، لكن هذه القناعة عندهم تتبدّل في ظروف الحرب. وهذا الأمر ولّد تنافساً بين تلك المحطات؛ كي تحقق أكبر نسبة متابعة، فراحت تستضيف محللين سياسيين ورؤساء أحزاب وإعلاميين وغيرهم؛ كي تخرج بأفكار عن آرائهم حول هذه الحرب والنتيجة التي يتوقعونها منها. وفي الوقت نفسه، وضعت المحطات جميع إمكاناتها بمراسلين يتابعون المستجدات على مدار الساعات، فيُطلعون المشاهد على آخر الأخبار؛ من خرق الطيران الحربي المعادي جدار الصوت، إلى الانفجارات وجرائم الاغتيال لحظة بلحظة. وفي المقابل، يُمسك المتفرجون بالـ«ريموت كونترول»، وكأنه سلاحهم الوحيد في هذه المعركة التنافسية، ويتوقفون عند خبر عاجل أو صورة ومقطع فيديو تمرره محطة تلفزيونية قبل غيرها.

كثيرون تساءلوا: كيف استطاعت تلك المحطات تأمين هذا الكمّ من المراسلين على جميع الأراضي اللبنانية بين ليلة وضحاها؟

يقول وليد عبود: «هؤلاء المراسلون لطالما أطلوا عبر الشاشة في الأزمنة العادية. ولكن المشاهد عادة لا يعيرهم الاهتمام الكبير. ولكن في زمن الحرب تبدّلت هذه المعادلة وتكرار إطلالاتهم وضعهم أكثر أمام الضوء».

ولكن، ما المبدأ العام الذي تُلزم به المحطات مراسليها؟ هنا يوضح عبود في سياق حديثه أن «سلامة المراسل والمصور تبقى المبدأ الأساسي في هذه المعادلة. نحن نوصيهم بضرورة تقديم سلامتهم على أي أمر آخر، كما أن جميعهم خضعوا لتدريبات وتوجيهات وتعليمات في هذا الشأن... وينبغي عليهم الالتزام بها».

من ناحيته، يشير صليبي إلى أن المراسلين يبذلون الجهد الأكبر في هذه الحرب. ويوضح: «عملهم مرهق ومتعب ومحفوف بالمخاطر. لذلك نخاف على سلامتهم بشكل كبير».

محمد فرحات (إنستغرام)

«إنها مرحلة التحديات»

وبمناسبة الكلام عن المراسلين، يُعد إدمون ساسين، مراسل قناة «إل بي سي آي»، من الأقدم والأشهر في هذه المحطة. وهو لا يتوانى عن التنقل خلال يوم واحد بين جنوب لبنان وشماله. ويصف مهمّته خلال المرحلة الراهنة بـ«الأكثر خطراً». ويشرح من ثم قائلاً: «لم تعُد هناك خطوط حمراء أو نقاط قتال محددة في هذه الحرب. لذا تحمل مهمتنا التحدّي بشكل عام. وهي محفوفة بخطر كبير، لا سيما أن العدو الإسرائيلي لا يفرّق بين طريق ومبنى ومركز حزب وغيره، ويمكنه بين لحظة وأخرى أن يختار أهدافه ويفاجئ الجميع... وهذا ما وضع الفرق الصحافية في خطر دائم، ونحن علينا بالتالي تأمين المعلومة من قلب الحدث بدقة».

وفق ساسين، فإن أصعب المعلومات هي تلك المتعلقة بالتوغّل البرّي للجيش الإسرائيلي، «فحينها لا يمكن للمراسل معرفة ما يجري بشكل سليم وصحيح على الأرض... ولذا نتّكل أحياناً على مصادر لبنانية من جهة (حزب الله)، و(اليونيفيل) (القوات الدولية العاملة بجنوب لبنان) والجيش اللبناني والدفاع المدني، أو أشخاص عاشوا اللحظة. ومع هذا، يبقى نقل الخبر الدقيق مهمة صعبة جداً. ويشمل ما أقوله أخبار الكمائن والأسر، بينما نحن في المقابل نفتقر إلى القدرة على معرفة هذه الأخبار، ولذا نتوخى الحذر بنقلها».

«لبنان يستأهل التضحية»

في هذه الأثناء، يتكلم مراسل تلفزيون «الجديد» محمد فرحات «بصلابة»، عندما يُسأل عن مهمّته الخطرة اليوم.

محمد كان من بين الفريق الإعلامي الذي تعرّض لقصف مباشر في مركز إقامته في بلدة حاصبيا، وخسر يومذاك زملاء له ولامس الموت عن قرب لولا العناية الإلهية، كما يقول. ويتابع: «لقد أُصبت بحالة إنكار للمخاطر التي أتعرّض لها. في تلك اللحظة عشت كابوساً لم أستوعبه في البداية. وعندما فتحت عيني سألت نفسي لبرهة: أين أنا؟»، ويضيف فرحات: «تجربتي الإعلامية ككل في هذه الحرب كانت مفيدة جداً لي على الصعيدين: الشخصي والمهني. من الصعب أن أُشفى من جروح هذه الحرب، ولكني لم أستسلم أو أفكر يوماً بمغادرة الساحة. فلبنان يستأهل منا التضحية».

العلاج النفسي الجماعي ضرورة

أخيراً، في هذه الحرب لا إجازات ولا أيام عطل وراحة. كل الإعلاميين في مراكز عملهم بحالة استنفار. ولكن ماذا بعد انتهاء الحرب؟ وهل سيحملون منها جراحاً لا تُشفى؟

تردّ الاختصاصية النفسية الدكتورة سهير هاشم بالقول: «الإعلاميون يتعرضون لضغوط جمّة، وفي الطليعة منهم المراسلون. هؤلاء قد لا يستطيعون اليوم كشف تأثيرها السلبي على صحتهم النفسية، ولكن عند انتهاء الحرب قد يكون الأمر فادحاً. وهو ما يستوجب الدعم والمساندة بصورة مستمرة من مالكي المحطات التي يعملون بها». وأضافت الدكتورة هاشم: «ثمة ضرورة لإخضاعهم لجلسات علاج نفسية، والأفضل أن تكون جماعية؛ لأن العلاج الموسمي غير كافٍ في حالات مماثلة، خلالها يستطيعون أن يساندوا ويتفهموا بعضهم البعض بشكل أفضل».