لينين الرملي... مراحل مسرحية متعددة

راهن على الكوميديا لمناقشة هموم الناس

لينين الرملي... مراحل مسرحية متعددة
TT

لينين الرملي... مراحل مسرحية متعددة

لينين الرملي... مراحل مسرحية متعددة

في كتاب «مغامرة لينين الرملي»، سلسلة «كتاب الهلال الشهرية»، يقدم الشاعر والناقد المسرحي جرجس شكري تحليلاً لأعمال الكاتب المسرحي المصري الراحل، «التي غيَّر من خلالها مفهوم مسرح القطاع الخاص في سبعينات القرن الماضي»، ومن خلال ذلك، سعى لإبراز قيمه وجمالياته عبر مراحل متعددة، سواء في المسرح التجاري، أو في مسرح الدولة أو الفرقة الخاصة التي كونها مع زميله الفنان محمد صبحي، أو مع فرقته التي كونها بمفرده عام 2000 وشاركه فيها مجموعة من المسرحيين الهواة.
يشير شكري في كتابه الذي تضمن 6 فصول إلى أن الرملي كان في مراحله الأربع يقرأ أحداث المجتمع المصري، ويطرح أسئلة اللحظة الراهنة، من خلال أسلوب كوميدي في دراما اجتماعية، ثم تطور الأمر إلى أسئلة وجودية، كما اتكأ على قضايا سياسية واضحة ومباشرة في مرحلة أخرى، لكنه في كل الأحوال كان يعالج عبث الحياة والمآسي التي يعيشها في قالب كوميدي.
وأشار شكري إلى أن الرملي كان لديه وعي حاد بتفاصيل ما يدور داخل المجتمع المصري، فتناول سطوة الأجهزة الأمنية في مسرحية «اللهم اجعله خير»، وهيمنة الماضي في «أهلاً يا بكوات»، كما عالج مسرحياً الخرافة والتقاليد البالية التي سيطرت على حياة المصريين في «عفريت لكل مواطن»، وكان هذا واضحاً منذ أن بدأ يقدم عروضه في مسرح الدولة.
لقد مثل الرملي، حسب المؤلف، حالة نادرة في الفن المصري، فلا يمكن تصنيفه في خانة المسرح التجاري أو حتى ضمن مسرح الدولة، ولا الفرق المستقلة بل احتفظ لنفسه بشخصية لا تمثل سواه.
يقسم شكري أعمال الرملي إلى أربع مراحل، أطلق على الأولى «مغامرة المسرح التجاري» وبدأت من 1974 واستمرت حتى 1980. وقدم خلال هذه المرحلة «إنهم يقتلون الحمير»، و«انتهي الدرس يا غبي»، و«علي بيه مظهر»، و«مبروك»، و«حاول تفهم يا زكي»، و«نقطة الضعف»، و«سك على بناتك» والأخيرة من إخراج فؤاد المهندس. وفي هذه المرحلة، حاول لينين الرملي اكتشاف نفسه وتجريب كل أشكال الدراما في الكتابة. أما المرحلة الثانية فبدأت من 1980 وحتى 1991 بالاشتراك مع زميله في معهد الفنون المسرحية محمد صبحي، إذ أسسا (فرقة ستوديو 80). ونتجت عن هذه الشراكة ست مسرحيات كلها من تأليف الأول وإخراج وبطولة الثاني، وهي «المهزوز»، «أنت حر»، «الهمجي»، «تخاريف»، «وجهة نظر»، «بالعربي الفصيح»، وهي مرحلة ثرية جسدت وقدمت نموذجاً حياً للمسرح المستقل، بعيداً عن مسرح الدولة. وجاءت المرحلة الثالثة مع مسرح الدولة، وبدأت بمسرحية «عفريت لكل مواطن»، وتلاها مسرحية «أهلاً يا بكوات» في المسرح القومي. أما في المرحلة الرابعة، فكانت مع فرقة «ستديو 2000» التي أسسها مطلع القرن الحالي مع مجموعة من الهواة وقدم عبرها عدداً كبيراً من المسرحيات مخرجاً ومؤلفاً.
وحول علاقته الملتبسة بالتراث، أوضح شكري أن لينين الرملي لم يهتم في مسرحياته بالتراث سواء على مستوى الشكل أو المضمون، ولم يهتم بالآيدولوجيا، أو قضايا المسرح التي تم طرحها زمن الستينات والسبعينات للمناقشة، بل كان اهتمامه باللعبة المسرحية على خشبة المسرح من خلال الإنسان فقط، ولا يخلو اختياره للكوميديا ومسرح القطاع الخاص من دلالة في بداية حياته المسرحية، وإن كان الأمر سوف يتغير في مراحله الأخرى، لكن مع ذلك ظل الرملي مخلصاً لمسرح الناس في كل أعماله، وقد كان أقرب إلى الروح الشعبية، واستطاع في فترة قصيرة أن يحقق التواصل الجماهيري مع التقدير النقدي. وكان لحال المسرح المصري في سبعينات القرن الماضي، حسب رأي شكري، الدور الأكبر في توجه لينين الرملي في بداية حياته إلى مسرح القطاع الخاص أو التجاري بعيداً عن المؤسسة الرسمية التي أحكمت قبضتها على المسرح.
وأشار شكري إلى أن الرملي لم يتوقف بإبداعاته عند حدود الكتابة المسرحية، بل قدم عدداً من البرامج الإذاعية والمسلسلات التلفزيونية، ومنها «فرصة العمر» 1976، و«حكاية ميزو» 1977، و«برج الحظ» 1978. كما كتب للتلفزيون أعمالا أخرى فيما بعد منها «هند والدكتور نعمان»، و«مبروك جالك ولد».



3 قطع برونزية من موقع مليحة في الشارقة

3 كُسور برونزية من محفوظات هيئة الشارقة للآثار مصدرها موقع مليحة
3 كُسور برونزية من محفوظات هيئة الشارقة للآثار مصدرها موقع مليحة
TT

3 قطع برونزية من موقع مليحة في الشارقة

3 كُسور برونزية من محفوظات هيئة الشارقة للآثار مصدرها موقع مليحة
3 كُسور برونزية من محفوظات هيئة الشارقة للآثار مصدرها موقع مليحة

أسفرت عمليات التنقيب المتواصلة في موقع مليحة الأثري التابع لإمارة الشارقة عن العثور على مجموعات كبيرة من اللقى المتعدّدة الأشكال والأساليب، منها مجموعة مميّزة من القطع البرونزية، تحوي 3 كسور تحمل نقوشاً تصويرية، ويعود كلّ منها إلى إناء دائري زُيّن برسوم حُدّدت خطوطها بتقنية تجمع بين الحفر الغائر والحفر الناتئ، وفقاً لتقليد جامع انتشر في نواحٍ عدة من شبه جزيرة عُمان، خلال الفترة الممتدة من القرن الثالث قبل الميلاد إلى القرن الثالث للميلاد.

أصغر هذه الكسور حجماً قطعة طولها 4.5 سنتيمتر وعرضها 10 سنتيمترات، وتمثّل رجلاً يركب حصاناً وآخر يركب جملاً. يظهر الرجلان في وضعية جانبية ثابتة، ويرفع كلّ منهما رمحاً يسدّده في اتجاه خصم ضاع أثره ولم يبقَ منه سوى درعه. وصلت صورة راكب الحصان بشكل كامل، وضاع من صورة راكب الجمل الجزء الخلفي منها. الأسلوب متقن، ويشهد لمتانة في تحديد عناصر الصورة بأسلوب يغلب عليه الطابع الواقعي. يتقدّم الحصان رافعاً قوائمه الأمامية نحو الأعلى، ويتقدّم الجمل من خلفه في حركة موازية. ملامح المقاتلين واحدة، وتتمثّل برجلين يرفع كل منهما ذراعه اليمنى، شاهراً رمحاً يسدّده في اتجاه العدو المواجه لهما.

الكسر الثاني مشابه في الحجم، ويزيّنه مشهد صيد يحلّ فيه أسد وسط رجلين يدخلان في مواجهة معه. يحضر الصيّادان وطريدتهما في وضعيّة جانبية، ويظهر إلى جوارهم حصان بقي منه رأسه. ملامح الأسد واضحة. العين دائرة لوزية محدّدة بنقش غائر، والأنف كتلة بيضاوية نافرة. فكّا الفم مفتوحان، ويكشفان عن أسنان حادة. تحدّ الرأس سلسلة من الخصل المتوازية تمثل اللبدة التي تكسو الرقبة. يتكون الصدر من كتلة واحدة مجرّدة. الظهر مقوّس بشكل طفيف، ويظهر في مؤخرته ذيل عريض، تعلو طرفه خصلة شعر كثيفة. الجزء الأسفل من البدن مفقود للأسف، وما بقي منه لا يسمح بتحديد وضعية القوائم الأربع.

في مواجهة هذا الليث، يظهر صياد يرفع بيده اليمنى ترساً مستديراً. في المقابل، يظهر الصياد الآخر وهو يغرز خنجره في مؤخرة الوحش. بقي من الصياد الأول رأسه وذراعه اليمنى، وحافظ الصياد الآخر على الجزء الأعلى من قامته، ويتّضح أنه عاري الصدر، ولباسه يقتصر على مئزر بسيط تعلوه شبكة من الخطوط الأفقية. ملامح وجهَي الصيادين واحدة، وتتبع تكويناً جامعاً في تحديد معالمها. من خلف حامل الخنجر، يطل رأس الحصان الذي حافظ على ملامحه بشكل جلي. الأذنان منتصبتان وطرفهما مروّس. الخد واسع ومستدير. الفم عريض، وشق الشدقين بارز. اللجام حاضر، وهو على شكل حزام يلتفّ حول الأنف. تعلو هذه الصورة كتابة بخط المسند العربي الجنوبي تتألف من ستة أحرف، وهي «م - ر - أ - ش - م - س»، أي «مرأ شمس»، ومعناها «امرؤ الشمس»، وتوحي بأنها اسم علم، وهو على الأرجح اسم صاحب الضريح الذي وُجد فيه هذا الكسر.

تتبع هذه الكسور الثلاثة أسلوباً واحداً، وتعكس تقليداً فنياً جامعاً كشفت أعمال التنقيب عن شواهد عدة له في نواحٍ عديدة من الإمارات العربية وسلطنة عُمان

الكسر الثالث يمثّل القسم الأوسط من الآنية، وهو بيضاوي وقطره نحو 14 سنتيمتراً. في القسم الأوسط، يحضر نجم ذو 8 رؤوس في تأليف تجريدي صرف. وهو يحل وسط دائرة تحوط بها دائرة أخرى تشكّل إطاراً تلتف من حوله سلسلة من الطيور. تحضر هذه الطيور في وضعية جانبية ثابتة، وتتماثل بشكل تام، وهي من فصيلة الدجاجيات، وتبدو أقرب إلى الحجل. تلتف هذه الطيور حول النجم، وتشكّل حلقة دائرية تتوسط حلقة أخرى أكبر حجماً، تلتف من حولها سلسلة من الجمال. ضاع القسم الأكبر من هذه السلسلة، وفي الجزء الذي سلم، تظهر مجموعة من ثلاثة جمال تتماثل كذلك بشكل تام، وهي من النوع «العربي» ذي السنام الواحد فوق الظهر، كما يشهد الجمل الأوسط الذي حافظ على تكوينه بشكل كامل.

تتبع هذه الكسور الثلاثة أسلوباً واحداً، وتعكس تقليداً فنياً جامعاً، كشفت أعمال التنقيب عن شواهد عدة له في نواحٍ عديدة من الإمارات العربية وسلطنة عُمان. خرجت هذه الشواهد من المقابر الأثرية، ويبدو أنها شكلت جزءاً من الأثاث الجنائزي الخاص بهذه المقابر في تلك الحقبة من تاريخ هذه البلاد. عُثر على هذه الكسور في موقع مليحة، وفي هذا الموقع كذلك، عثر فريق التنقيب البلجيكي في عام 2015 على شاهد يحمل اسم «عامد بن حجر». يعود هذا الشاهد إلى أواخر القرن الثالث قبل الميلاد، ويحمل نقشاً ثنائي اللغة يجمع بين نص بخط المسند الجنوبي ونص بالخط الآرامي في محتوى واحد. يذكر هذا النص اسم «عمد بن جر»، ويصفه بـ«مفتش ملك عُمان»، ونجد في هذا الوصف إشارة إلى وجود مملكة حملت اسم «مملكة عُمان».

ضمّت هذه المملكة الأراضي التي تعود اليوم إلى الإمارات العربية المتحّدة، كما ضمّت الأراضي التي تعود إلى شمال سلطنة عُمان، وشكّلت استمرارية لإقليم عُرف في النصوص السومرية باسم بلاد ماجان. جمعت هذه المملكة بين تقاليد فنية متعدّدة، كما تشهد المجموعات الفنية المتنوّعة التي خرجت من موقع مليحة في إمارة الشارقة، ومنها الأواني البرونزية التي بقيت منها كسور تشهد لتقليد فني تصويري يتميّز بهوية محليّة خاصة.