تفادي الاشتعال المبكِّر يعطي فرصة لصناعة محركات أكثر كفاءة

TT

تفادي الاشتعال المبكِّر يعطي فرصة لصناعة محركات أكثر كفاءة

لا تزال مشكلة الاحتراق تزعج مصممي المحركات ذات الكفاءة في استهلاك الوقود. ويركّز فريق بحثي في «مركز أبحاث الاحتراق النظيف» بـ«جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست)»، بقيادة البروفسور روبرت ديبل، أستاذ الهندسة الميكانيكية، على دراسة وفهم حالة الاشتعال المبكر من أجل تقليل حدوثها.
ويمكن لحادثة اشتعال مبكر واحدة - أي عندما يشتعل الوقود قبل الأوان المناسب لاشتعاله في أسطوانة المحرك مطلِقاً دفعة من الطاقة في توقيت غير مناسب، أن تسبب أضراراً بالغة. وحالات الاشتعال المبكر حالات عارضة وغير متوقَّعة، وتكون أكثر شيوعاً في المحركات المُصغَّرة ذات الشحن التوربيني التي ينتجها صانعو السيارات حالياً لتحسين كفاءة الوقود، مع الحفاظ على القوة في الوقت نفسه.
ويوضِّح إيشان سينج، وهو طالب دكتوراه في فريق ديبل، والذي يستكشف الاحتراق ذا النمط المختلط لمحركات الاحتراق الداخلي المستقبلية، أن الاشتعال المبكر لا يزال يمثل عنق الزجاجة في الطريق نحو عملية تصغير المحركات وزيادة كفاءتها. وقد غيَّر الفريق بطريقة منهجية العوامل المتغيرة للمحركات - ومن بينها درجة حرارة الهواء الداخل، والضغط الخلفي للعادم - وبذلك أوجدوا الظروفَ التي يُرجّح أن يحدث فيها الاشتعال المبكر، فعلى سبيل المثال، لاحظ الفريق حدوث مزيد من حالات الاشتعال المبكر مع زيادة الضغط الخلفي للعادم، وهو ما يحدث عندما تقلّ كفاءة أسطوانة المحرك في تفريغ الوقود المحترق بين دورات الاحتراق.
وجمع الباحثون كل ملاحظاتهم لرسم صورة لظاهرة الاشتعال المبكر. ويقول سينج: «توضِّح أبحاثنا أن حدوث الاشتعال المبكر ينقسم إلى خطوات عدة». وينشأ الاشتعال المبكر في أثناء دورة احتراق الوقود السابقة، عندما يتفاعل الوقود المَحْقُون في الأسطوانة مع الزيت الموجود على بطانتها، مُكوّناً قطرة صغيرة من الزيت والوقود. ويوضِّح الفريق أنه في نهاية كل دورة احتراق، عادة ما تُطرد قطرة الزيت والوقود من الأسطوانة، لكن، في بعض الأحيان، تظل قطرة الزيت والوقود في موضعها، مما قد يتسبب في حدوث الاشتعال المبكر في دورة الاحتراق التالية. ولمنع حدوث الاشتعال المبكر يتوجب على صانعي السيارات كسر هذه السلسلة من الأحداث.
ومنع الوقود والزيت من التفاعل، والتفريغ الكلي للمزيج المحترق من المحرك، هما نقطتان يمكن كسر سلسلة هذه الأحداث عندهما. ومنع الوقود المِحْقُون من الوصول إلى الأسطوانة المبطّنة بالزيت، من طرق تحقيق ذلك. يقول سينج: «إننا ندرس الطرق العملية لتقليل حالات الاشتعال المبكر بتغيير استراتيجية الحَقْن. وأعددنا أوراق براءة اختراع تستخدم استراتيجيات حَقْنٍ لعملية خالية من الاشتعال المبكر دون التأثير سلباً على قوة المحرك». ويضيف أن الطرق الأخرى لكسر سلسلة الأحداث تتطلب فهماً أعمق لعملية الاشتعال المبكر. ويشير سينج إلى أن اكتشافاتهم في هذا الصدد مُرضية، ويضيف: «في المراحل المقبلة، لدينا حافز لاكتشاف مزيد من المتغيرات الحاكمة التي تسمح بتنبؤات أكثر دقة بحدوث الاشتعال المبكر».



«مرايا» الذكاء الاصطناعي تعكس دواخلها «مع كل التحيزات»

«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
TT

«مرايا» الذكاء الاصطناعي تعكس دواخلها «مع كل التحيزات»

«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها

قبل بضع سنوات، وجدت شانون فالور نفسها أمام تمثال «بوابة السحاب (Cloud Gate)»، الضخم المُصمَّم على شكل قطرة زئبقية من تصميم أنيش كابور، في حديقة الألفية في شيكاغو. وبينما كانت تحدق في سطحه اللامع المرآتي، لاحظت شيئاً، كما كتب أليكس باستيرناك (*).

وتتذكر قائلة: «كنت أرى كيف أنه لا يعكس أشكال الأفراد فحسب، بل والحشود الكبيرة، وحتى الهياكل البشرية الأكبر مثل أفق شيكاغو... ولكن أيضاً كانت هذه الهياكل مشوَّهة؛ بعضها مُكبَّر، وبعضها الآخر منكمش أو ملتوٍ».

الفيلسوفة البريطانية شانون فالور

تشويهات التعلم الآلي

بالنسبة لفالور، أستاذة الفلسفة في جامعة أدنبره، كان هذا يذكِّرنا بالتعلم الآلي، «الذي يعكس الأنماط الموجودة في بياناتنا، ولكن بطرق ليست محايدة أو موضوعية أبداً»، كما تقول. أصبحت الاستعارة جزءاً شائعاً من محاضراتها، ومع ظهور نماذج اللغة الكبيرة (والأدوات الكثيرة للذكاء الاصطناعي التي تعمل بها)، اكتسبت مزيداً من القوة.

مرايا الذكاء الاصطناعي مثل البشر

تبدو «مرايا» الذكاء الاصطناعي مثلنا كثيراً؛ لأنها تعكس مدخلاتها وبيانات التدريب، مع كل التحيزات والخصائص التي يستلزمها ذلك. وبينما قد تنقل القياسات الأخرى للذكاء الاصطناعي شعوراً بالذكاء الحي، فإن «المرآة» تعبير أكثر ملاءمة، كما تقول فالور: «الذكاء الاصطناعي ليس واعياً، بل مجرد سطح مسطح خامل، يأسرنا بأوهامه المرحة بالعمق».

غلاف كتاب «مرايا الذكاء الاصطناعي»

النرجسية تبحث عن صورتها

كتابها الأخير «مرآة الذكاء الاصطناعي (The AI Mirror)»، هو نقد حاد وذكي يحطِّم عدداً من الأوهام السائدة التي لدينا حول الآلات «الذكية». يوجه بعض الاهتمام الثمين إلينا نحن البشر. في الحكايات عن لقاءاتنا المبكرة مع برامج الدردشة الآلية، تسمع أصداء نرجس، الصياد في الأساطير اليونانية الذي وقع في حب الوجه الجميل الذي رآه عندما نظر في بركة من الماء، معتقداً بأنه شخص آخر. تقول فالور، مثله، «إن إنسانيتنا مُعرَّضة للتضحية من أجل هذا الانعكاس».

تقول الفيلسوفة إنها ليست ضد الذكاء الاصطناعي، لكي نكون واضحين. وسواء بشكل فردي، أو بصفتها المديرة المشارِكة لمنظمة «BRAID»، غير الربحية في جميع أنحاء المملكة المتحدة المكرسة لدمج التكنولوجيا والعلوم الإنسانية، قدَّمت فالور المشورة لشركات وادي السيليكون بشأن الذكاء الاصطناعي المسؤول.

نماذج «مسؤولة» ومختبرة

وهي ترى بعض القيمة في «نماذج الذكاء الاصطناعي المستهدفة بشكل ضيق والآمنة والمختبرة جيداً والمبررة أخلاقياً وبيئياً» لمعالجة المشكلات الصحية والبيئية الصعبة. ولكن بينما كانت تراقب صعود الخوارزميات، من وسائل التواصل الاجتماعي إلى رفاق الذكاء الاصطناعي، تعترف بأن ارتباطها بالتكنولوجيا كان مؤخراً «أشبه بالوجود في علاقة تحوَّلت ببطء إلى علاقة سيئة. أنك لا تملك خيار الانفصال».

فضائل وقيم إنسانية

بالنسبة لفالور، إحدى الطرق للتنقل وإرشاد علاقاتنا المتزايدة عدم اليقين بالتكنولوجيا الرقمية، هي الاستفادة من فضائلنا وقيمنا، مثل العدالة والحكمة العملية. وتشير إلى أن الفضيلة لا تتعلق بمَن نحن، بل بما نفعله، وهذا جزء من «صراع» صنع الذات، بينما نختبر العالم، في علاقة مع أشخاص آخرين. من ناحية أخرى، قد تعكس أنظمة الذكاء الاصطناعي صورة للسلوك أو القيم البشرية، ولكن كما كتبت في كتابها، فإنها «لا تعرف عن التجربة الحية للتفكير والشعور أكثر مما تعرف مرايا غرف نومنا آلامنا وأوجاعنا الداخلية».

الخوارزميات والعنصرية وعدم المساواة

في الوقت نفسه تعمل الخوارزميات المدربة على البيانات التاريخية، بهدوء، على تقييد مستقبلنا بالتفكير نفسه الذي ترك العالم «مليئاً بالعنصرية والفقر، وعدم المساواة، والتمييز، وكارثة المناخ».

«كيف سنتعامل مع تلك المشكلات الناشئة التي ليست لها سابقة؟»، تتساءل فالور، وتشير: «مرايانا الرقمية الجديدة تشير إلى الوراء».

الاعتماد على السمات البشرية المفيدة

مع اعتمادنا بشكل أكبر على الآلات، وتحسينها وفقاً لمعايير معينة مثل الكفاءة والربح، تخشى فالور أننا نخاطر بإضعاف عضلاتنا الأخلاقية أيضاً، وفقدان المسار للقيم التي تجعل الحياة تستحق العناء.

مع اكتشافنا لما يمكن أن يفعله الذكاء الاصطناعي، سنحتاج إلى التركيز على الاستفادة من السمات البشرية الفريدة أيضاً، مثل التفكير القائم على السياق والحكم الأخلاقي، وعلى تنمية قدراتنا البشرية المتميزة. كما تعلمون. وهي تقول: «لسنا بحاجة إلى هزيمة الذكاء الاصطناعي. نحن بحاجة إلى عدم هزيمة أنفسنا».

* مجلة «فاست كومباني» - خدمات «تريبيون ميديا»

اقرأ أيضاً