عندما هبت جائحة «الإنفلونزا الإسبانية» على العالم في عام 1918 وأصابت 500 مليون نسمة، أي ربع سكان المعمورة يومذاك، وزاد عدد الضحايا التي أوقعتها عن ضحايا الحرب العالمية الأولى التي استمرت أربع سنوات، كانت العلوم الطبية على بعد سنوات ضوئية مما هي عليه اليوم، وعاجزة عن مكافحة ذلك الوباء بالعقاقير واللقاحات، وبالتالي كان لا بد من الانتظار حتى تتوطن المناعة الجماعية الكافية بين الناس للقضاء عليه.
لكن رغم التطور العلمي الهائل الذي حصل منذ ذلك الوقت، تقف مراكز البحوث العالمية الكبرى في حال من الالتباس والحيرة والتردد أمام «كوفيد- 19»، غير قادرة على الجزم في وصف علاج أو تحديد موعد لاستنباط لقاح ينقذ العالم من أكبر أزمة صحية وأخطر كارثة اقتصادية في تاريخه الحديث.
ومنذ أن ظهر فيروس «كورونا» أواخر العام الماضي في الصين، يجهد الأطباء والاختصاصيون في علوم الأوبئة، تحت ضغط شديد وفي ظروف يعتريها الشك وليس اليقين، لإنقاذ أكبر عدد ممكن من الأرواح في انتظار العلاجات الشافية واللقاحات الموعودة.
«الشرق الأوسط» اتصلت بالباحثة الكولومبية آنا ماريَّا رستريبو، المشرفة على برنامج البحوث اللقاحية في منظمة الصحة العالمية، للوقوف منها على آخر التطورات في الجهود الدولية المبذولة من أجل إيجاد علاج وتطوير لقاح ضد «كوفيد- 19».
لا يغيب عن رستريبو وقع الهجوم الذي تتعرض له منظمة الصحة منذ أيام، فتبدأ حديثها بالقول: «التعاون الدولي هو السبيل الوحيد للتوصل إلى حلول ناجعة لعلاج هذا الوباء، ووقف انتشاره والقضاء عليه. صحيح أنه ما زالت تحيط شكوك كثيرة بالأبحاث الجارية؛ لكننا نتقدم بثبات في مجالات عدة. بات من المؤكد مثلاً أن المضادات الفيروسية مفيدة في المراحل الأولى من الإصابة؛ لكننا لا نعرف بعد أياً منها هو الأكثر فعالية؛ خصوصاً في ذروة المرحلة الالتهابية. وقد لاحظنا في بعض الحالات التي وردتنا معلومات عنها من بلدان عدة، أن الأدوية التي تضعف جهاز المناعة هي الأكثر فعالية في هذه المرحلة؛ لكن كل ذلك يتطلب وقتاً، والقرائن السريرية ليست كافية بعد».
وتقول رستريبو إن الانتشار السريع والواسع لهذا الوباء فرض وتيرة جديدة على الأبحاث المخبرية الأساسية الجارية منذ سنوات في مراكز عديدة، ودفعها مبكراً إلى مرحلة التجارب السريرية في المستشفيات تحت ضغط تكاثر الإصابات القاتلة، وتضيف: «ندرك أن الضغط الذي يتعرض له الأطباء في غرف العناية الفائقة يدفعهم إلى تطبيق علاجات بعقاقير مجربة سابقاً في حالات أخرى؛ لكن من غير الاستناد إلى قرائن علمية كافية في حالة (كوفيد- 19). نحن نريد أن نعرف كيف يدخل الفيروس إلى الجسم، والخلايا التي يمكن أن يصيبها، وتلك التي تعصى عليه، وما هي الأسباب التي تؤدي فجأة إلى تدهور حالة بعض الإصابات، ولماذا هناك مصابون لا تظهر عليهم أي عوارض».
عن المرحلة الأكثر تقدماً لتطوير اللقاحات في الوقت الحاضر، تقول رستريبو: «تبين أن بعض البروتينات الإنزيمية التي تلعب دوراً حيوياً في الجهاز التنفسي تشكل أيضاً رأس الحربة بالنسبة للفيروس، كي يدخل إلى الجسم ويقضي على الخلايا. ومن المعروف أن الخلايا الأنفية والرئوية هي الأغنى بمثل هذه البروتينات، الأمر الذي يفسر العوارض التي تظهر على المصابين بهذا الفيروس؛ لكن تبين أيضاً من تحليل الخلايا الفردية أن (كوفيد- 19) خلافاً للفيروسات المشابهة، لا يصيب سوى عدد محدود جداً من الخلايا في الأنسجة، ولعل هذا ما يفسر أن بعض المصابين لا تظهر عليهم عوارض شديدة، ويواصلون نقل العدوى إلى الآخرين».
ولدى سؤالها عن العلاج بمادة «كلوروكسين» الذي يثير جدلاً واسعاً في الأوساط العلمية والسياسية على السواء، قالت رستريبو إن «هذا الدواء مجرب منذ سنوات في علاج الملاريا، وهو متاح بكلفة زهيدة وبوفرة في أنحاء العالم، والحالات القليلة جداً التي أدى العلاج به معها إلى نتائج إيجابية هي لمصابين كانوا سيتعافون على أي حال، حسب التقارير التي وصلتنا. لذلك ليس بإمكان المنظمة أن توصي باستخدامه قبل أن يخضع للتجارب السريرية الكافية؛ لكننا لا ندعو إلى عدم استخدامه. وفي الأسبوع الماضي، أعلنت منظمة الصحة عن إطلاق برنامج (تضامن) العالمي لإجراء تجارب سريرية على مجموعة من الأدوية لعلاج (كوفيد- 19)، من بينها مادة (كلوروكسين) ومشتقاتها».
ولتوضيح الصعوبة التي تواجه الباحثين في الوقت الحاضر عن علاج بالأدوية المعروفة لوباء «كوفيد- 19»، تقول رستريبو: «نعرف أن العلاج بالمضادات الفيروسية كان ناجعاً في مكافحة وباء (إيبولا) من غير آثار جانبية تذكر؛ لكن في حالة (كوفيد- 19) ما زالت فوائده محدودة جداً وغير مؤكدة في غالب الأحيان. ونعرف أيضاً أن العلاج ببروتينات مادة (أنترفيرون) فاعل جداً في تقوية نظام المناعة ضد الالتهابات الفيروسية، مثل التهاب الكبد؛ لكن ليس من الواضح بعد ما إذا كان استخدامها ضد هذا الفيروس الجديد قد ساعد في العلاج أو ساهم في تفاقم الإصابة، أو أنه لم يكن له أي تأثير. ومما يزيد في تعقيد الوضع أن بحوثاً جديدة بينت أن هذا العلاج يؤدي إلى تسريع إنتاج البروتينات التي يستخدمها الفيروس للدخول إلى الجسم؛ لكنه أيضاً يقوي خلايا الأنسجة ويزيد مناعتها».
8:58 دقيقه
مسؤولة البحوث اللقاحية في «الصحة العالمية»: لم يُثبت أي دواء فاعليته بعد
https://aawsat.com/home/article/2238221/%D9%85%D8%B3%D8%A4%D9%88%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AD%D9%88%D8%AB-%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%82%D8%A7%D8%AD%D9%8A%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%C2%AB%D8%A7%D9%84%D8%B5%D8%AD%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%8A%D8%A9%C2%BB-%D9%84%D9%85-%D9%8A%D9%8F%D8%AB%D8%A8%D8%AA-%D8%A3%D9%8A-%D8%AF%D9%88%D8%A7%D8%A1-%D9%81%D8%A7%D8%B9%D9%84%D9%8A%D8%AA%D9%87-%D8%A8%D8%B9%D8%AF
مسؤولة البحوث اللقاحية في «الصحة العالمية»: لم يُثبت أي دواء فاعليته بعد
أكدت لـ«الشرق الأوسط» أهمية التعاون الدولي لوقف انتشار الفيروس
آنا ماريا رستريبو
- مدريد: شوقي الريّس
- مدريد: شوقي الريّس
مسؤولة البحوث اللقاحية في «الصحة العالمية»: لم يُثبت أي دواء فاعليته بعد
آنا ماريا رستريبو
مواضيع
مقالات ذات صلة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة

