ربيع مدريد... الباهت

ممرضات يتفاعلن مع تحية المواطنين لهن من الشرفات في مدريد (أ.ف.ب)
ممرضات يتفاعلن مع تحية المواطنين لهن من الشرفات في مدريد (أ.ف.ب)
TT

ربيع مدريد... الباهت

ممرضات يتفاعلن مع تحية المواطنين لهن من الشرفات في مدريد (أ.ف.ب)
ممرضات يتفاعلن مع تحية المواطنين لهن من الشرفات في مدريد (أ.ف.ب)

في رائعته الخالدة «الأرض اليباب» التي وضعها منذ مائة عام في غمار محنته الشخصية، يقول توماس إليوت إن «أبريل (نيسان) هو أقسى الشهور، يعجن الذكرى بماء الرغبة، ويوقظ الجذور الخاملة تحت غيث الربيع». لكن أبريل مدريد هذه الأيام يحبس الرغبة في الحياة خلف ستار الخوف المنسدل على أبواب الذاكرة، وغيثُه الغزير لا يوقظ في الجذور سوى الحرمان من لذة التجدد والتوق إلى الربيع.
وحيدة مدريد في هذا الليل الطويل، وفي شوارعها يتسكع السؤال الوحيد الذي يحوم في هذا الضباب الكثيف المبدد على منحنى الأعمار: متى يطلع الفجر؟
اعتادت العاصمة الإسبانية في مثل هذه الأيام أن تطلق الهتاف عند الغروب لأبطال مصارعي الثيران الذين يرمون نرد حياتهم على حلبة أعياد الربيع، وأن تصفق لنجوم كرة القدم يصنعون المجد الزائل على ملاعبها؛ لكن الهتاف الوحيد الذي يتردد صداه كل مساء في أرجاء المدينة المنطوية على ذاتها، هو الذي ينطلق على الشرفات من الحناجر الخائفة تحية لأبطال هذه الحرب التي أوصدت نوافذ الفرح والأعياد، وحولت الحرية إلى سجن يمنعك من ممارسة أبسط شعائر الحرية.
لكن الشرفات لم تعد كافية للإيحاء بما يشبه الحرية، ولا الموسيقى قادرة على فتح نوافذ للأمل، بعد أن ضجرت الأضواء في صمت هذا الكون المقفل، وصار النهر يشك في معانقة البحر. الحب مؤجل، والفرح والحياة والأعراس والمآتم، حتى إشعار آخر. تنطوي المدينة على ذاتها، ويتساقط سكانها على أنفسهم، يسكنهم هاجس واحد: ألا يصابوا أو يصيبوا بهذا الوباء الذي يكاد يجعل من الزنزانات الفردية مصحاً عقلياً كبيراً، يمتد على مشهد مأساوي واسع استحوذت فيه الطبيعة على كل الجمال.
غريبٌ أنك منذ أكثر من شهر لم تشاهد طفلاً واحداً يركض في الشوارع أو يلعب في الحدائق، وأن يكون التنزه مقصوراً على الكلاب، والقفزُ على العصافير والطيور التي استعادت سيادتها على الأشجار.
تخرج لشراء الخبز في الصباح، وتختار المخبز الأبعد عن منزلك الذي اكتشفت فيه من المزايا ما لم تكن تدركه في السابق. حافلات النقل العام تمر فارغة في الشوارع التي تضج بالفراغ، ومن حين لآخر تلمح بعض المارة يجرون أنفسهم على الأرصفة كالعسكر المهزوم في حرب لم يطلقوا فيها رصاصة واحدة. حتى سيارات الإسعاف التي لا تهدأ منذ شهر لم تعد بحاجة لإطلاق صفاراتها في هذه المدينة المسكونة بالخوف والصمت.
عند انتصاف النهار تصدر نتائج العداد اليومي للوفيات التي تتساقط أرقاماً باردة من الشاشات؛ بلا أسماء ولا أوجه، لتتراكم في المقابر التي ضاقت بساكنيها الجدد الذين ينطفئون عند نهاية العذاب في غرف العناية الفائقة، ويرحلون من غير لمسة حنان أو نظرة لوعة أو حتى كلمة وداع أخيرة.
الكل يعرف واجباته في هذه الحرب التي تخاف من ضحاياها، ويقوم بها على أكمل وجه؛ لكن أحداً لا يعرف إن كان ذلك سيكفي كي تعود الحياة المؤجلة، ونعود إلى تصريف الأفعال الجميلة التي أصبحت ممنوعة من الصرف. لم يعد أحد يصدق أن الخوف ليس إلا حذراً، وأن هذه الوحدة الثقيلة هي سبيل إلى اكتشاف الذات، وأن الموهبة تولد من رحم الوحدة التي هي إزميل النفس ولحظة امتلاء.


مقالات ذات صلة

بعد ظهوره بـ5 سنوات.. معلومات لا تعرفها عن «كوفيد 19»

صحتك تعلمت البشرية من جائحة «كورونا» أن لا شيء يفوق أهميةً الصحتَين الجسدية والنفسية (رويترز)

بعد ظهوره بـ5 سنوات.. معلومات لا تعرفها عن «كوفيد 19»

قبل خمس سنوات، أصيبت مجموعة من الناس في مدينة ووهان الصينية، بفيروس لم يعرفه العالم من قبل.

آسيا رجل يرتدي كمامة ويركب دراجة في مقاطعة هوبي بوسط الصين (أ.ف.ب)

الصين ترفض ادعاءات «الصحة العالمية» بعدم التعاون لتوضيح أصل «كورونا»

رفضت الصين ادعاءات منظمة الصحة العالمية التي اتهمتها بعدم التعاون الكامل لتوضيح أصل فيروس «كورونا» بعد 5 سنوات من تفشي الوباء.

«الشرق الأوسط» (بكين)
آسيا رجل أمن بلباس واقٍ أمام مستشفى يستقبل الإصابات بـ«كورونا» في مدينة ووهان الصينية (أرشيفية - رويترز)

الصين: شاركنا القدر الأكبر من بيانات كوفيد-19 مع مختلف الدول

قالت الصين إنها شاركت القدر الأكبر من البيانات ونتائج الأبحاث الخاصة بكوفيد-19 مع مختلف الدول وأضافت أن العمل على تتبع أصول فيروس كورونا يجب أن يتم في دول أخرى

«الشرق الأوسط» (بكين)
الاقتصاد أعلام تحمل اسم شركة «بيونتيك» خارج مقرها بمدينة ماينتس الألمانية (د.ب.أ)

«بيونتيك» تتوصل إلى تسويتين بشأن حقوق ملكية لقاح «كوفيد»

قالت شركة «بيونتيك»، الجمعة، إنها عقدت اتفاقيتيْ تسوية منفصلتين مع معاهد الصحة الوطنية الأميركية وجامعة بنسلفانيا بشأن دفع رسوم حقوق ملكية للقاح «كوفيد».

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
العالم تراجعت أعداد الوفيات من جراء الإصابة بفيروس كورونا على نحو مطرد (أ.ف.ب)

الصحة العالمية تعلن عن حدوث تراجع مطرد في وفيات كورونا

بعد مرور نحو خمس سنوات على ظهور فيروس كورونا، تراجعت أعداد الوفيات من جراء الإصابة بهذا الفيروس على نحو مطرد، وذلك حسبما أعلنته منظمة الصحة العالمية في جنيف.

«الشرق الأوسط» (جنيف)

«أكسيوس»: بايدن ناقش خططاً لضرب المواقع النووية الإيرانية

الرئيس الأميركي جو بايدن (رويترز)
الرئيس الأميركي جو بايدن (رويترز)
TT

«أكسيوس»: بايدن ناقش خططاً لضرب المواقع النووية الإيرانية

الرئيس الأميركي جو بايدن (رويترز)
الرئيس الأميركي جو بايدن (رويترز)

قدّم مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض جيك سوليفان للرئيس جو بايدن خيارات لـ«هجوم أميركي محتمل» على المنشآت النووية الإيرانية، إذا «تحرك الإيرانيون نحو امتلاك سلاح نووي» قبل موعد تنصيب دونالد ترمب في 20 يناير (كانون الثاني).

وقالت ثلاثة مصادر مطّلعة لموقع «أكسيوس» إن سوليفان عرض تفاصيل الهجوم على بايدن في اجتماع - قبل عدة أسابيع - ظلت تفاصيله سرية حتى الآن.

وقالت المصادر إن بايدن لم يمنح «الضوء الأخضر» لتوجيه الضربة خلال الاجتماع، و«لم يفعل ذلك منذ ذلك الحين». وناقش بايدن وفريقه للأمن القومي مختلف الخيارات والسيناريوهات خلال الاجتماع الذي جرى قبل شهر تقريباً، لكن الرئيس لم يتخذ أي قرار نهائي، بحسب المصادر.

وقال مسؤول أميركي مطّلع على الأمر إن اجتماع البيت الأبيض «لم يكن مدفوعاً بمعلومات مخابراتية جديدة ولم يكن المقصود منه أن ينتهي بقرار بنعم أو لا من جانب بايدن».

وكشف المسؤول عن أن ذلك كان جزءاً من مناقشة حول «تخطيط السيناريو الحكيم» لكيفية رد الولايات المتحدة إذا اتخذت إيران خطوات مثل تخصيب اليورانيوم بنسبة نقاء 90 في المائة قبل 20 يناير (كانون الثاني).

وقال مصدر آخر إنه لا توجد حالياً مناقشات نشطة داخل البيت الأبيض بشأن العمل العسكري المحتمل ضد المنشآت النووية الإيرانية.

وأشار سوليفان مؤخراً إلى أن إدارة بايدن تشعر بالقلق من أن تسعى إيران، التي اعتراها الضعف، إلى امتلاك سلاح نووي، مضيفاً أنه يُطلع فريق ترمب على هذا الخطر.

وتعرض نفوذ إيران في الشرق الأوسط لانتكاسات بعد الهجمات الإسرائيلية على حليفتيها حركة «حماس» الفلسطينية وجماعة «حزب الله» اللبنانية، وما أعقب ذلك من سقوط نظام الرئيس بشار الأسد في سوريا.

وقال سوليفان لشبكة «سي إن إن» الأميركية: «القدرات التقليدية» لطهران تراجعت؛ في إشارة إلى ضربات إسرائيلية في الآونة الأخيرة لمنشآت إيرانية، منها مصانع لإنتاج الصواريخ ودفاعات جوية. وأضاف: «ليس من المستغرب أن تكون هناك أصوات (في إيران) تقول: (ربما يتعين علينا أن نسعى الآن لامتلاك سلاح نووي... ربما يتعين علينا إعادة النظر في عقيدتنا النووية)».

وقالت مصادر لـ«أكسيوس»، اليوم، إن بعض مساعدي بايدن، بمن في ذلك سوليفان، يعتقدون أن ضعف الدفاعات الجوية والقدرات الصاروخية الإيرانية، إلى جانب تقليص قدرات وكلاء طهران الإقليميين، من شأنه أن يدعم احتمالات توجيه ضربة ناجحة، ويقلل من خطر الانتقام الإيراني.

وقال مسؤول أميركي إن سوليفان لم يقدّم أي توصية لبايدن بشأن هذا الموضوع، لكنه ناقش فقط تخطيط السيناريو. ورفض البيت الأبيض التعليق.