سنوات السينما: The Friends of Eddie Coyle ‪(‬1973‪)‬

روبرت ميتشوم في «أصدقاء إيدي كويل»
روبرت ميتشوم في «أصدقاء إيدي كويل»
TT

سنوات السينما: The Friends of Eddie Coyle ‪(‬1973‪)‬

روبرت ميتشوم في «أصدقاء إيدي كويل»
روبرت ميتشوم في «أصدقاء إيدي كويل»

The Friends of Eddie Coyle ‪(‬1973‪)‬
(ممتاز)

‬يصيب النقد السينمائي الغربي ويخطئ. هذا منوال يقع دوماً عندما يحدث أن يتناقل البعض من النقاد آراء بعضهم بعضاً إما مباشرة عقب مشاهدة فيلم ما أو بقراءة تعليقات من سبق وكتب ونشر تعليقه. لذلك يتم رفع أفلام لا تستحق وعدم تقدير أفلام أخرى كانت، ولا تزال، تستحق تقديراً عالياً.
«أصدقاء إيدي كويل» للمخرج البريطاني بيتر ياتس (Bullit‪، ‬ The Deep من بين أخرى مهمّة) أحد هذه الأفلام التي أُغمط حقها من التقدير لبضع سنوات قبل أن تتبدّل النظرة إليه تدريجياً. هذا باستثناء أولئك الذين أعجبوا بالفيلم أيما إعجاب منذ البداية وإلى اليوم.
عن رواية لجورج ف. هيغينز أخرج ياتس فيلماً بوليسياً يحمل نبرة مختلفة عن أفلام الفترة من النوع ذاته. فيلم وديع يكاد يخلو من الحركة والبطولة حول صاحب سوابق اسمه إيدي كويل (روبرت ميتشوم) يحاول تجنّب العودة إلى السجن بعدما بلغ من السن ما لا يستطيع معه القيام بأي عمل غير قانوني خوفاً من تلك العاقبة. لكن هذا ليس رأي التحري فولي (رتشارد جوردان) المستعد لإلصاق تهمة به تعيده إلى الزنزانة إلا إذا امتثل ووشى بمجرمين آخرين. هذا الوضع يجعله عالقاً بين جدارين يتحركان لسحقه، ففي الجهة الأخرى هناك العصابة التي باتت ترى فيه خطراً عليها وتريد إزاحته. يمثل قاتل محترف اسمه ديلون (بيتر بويل) الذي يتظاهر بالود له بينما يحضر لإتمام عملية اغتياله.
في مواجهة أفلام تلك الفترة البوليسية (ومنها أعمال جيدة مثل «تشارلي فاريك» لدون سيغل، و«سربيكو» لسيدني لوميت و«ماغنوم فورس» لتد بوست، انفرد «أصدقاء إيدي كويل» لا بهدوء نبرته فقط ولا بخفوت المستوى المعتاد للدراما العالية فحسب، بل كذلك بحزنه المحمول على كتفي بطله ميتشوم وعلى كتفي الفيلم بأسره.
بعض السبب في ذلك لا يعود فقط إلى اختيار المخرج المعالجة التي يريد، ولا إلى الممثل الذي يحمل في داخله ما لا يستطيع البوح به، بل إلى حقيقة أن ياتس، ومدير تصويره فيكتور كمبر مالا إلى تصوير الحياة اليومية التي تفصح عنها الحكاية على نحو واقعي وبأسلوب من يريد أن يحكي عن جرائم خطيرة متعددة المستويات (خطف، سرقة مصارف، بيع أسلحة إلخ…) على أساس أنها من تركيبة الحياة المعاصرة. هنا يعكس تصوير كمبر المدينة وأجوائها الباردة جنباً إلى جنب علاقات أكثر برودة مبنية على عدم الثقة وافتقارها إلى العلاقة الإنسانية بين أي شخصين في هذا الفيلم.
يلعب روبرت ميتشوم دوراً أساسياً في حياكة هذا النسيج. هو الشخص الذي يدرك أن الظروف لا تواتيه، وعليه فوق ذلك، إيجاد سبيل للحياة بينما هو مهدد باللا - حياة من قِبل الجميع. في تلك الفترة، وعلى عكس أترابه من الأمس مثل جون واين وبيرت لانكستر وكيرك دوغلاس، أخذ ينصهر أكثر وأكثر في الأدوار الموكلة إليه. لم يعد البطل الذي سيستطيع النيل من أعدائه، بل هو من سينال منه الأعداء. مثل نمر عجوز يدرك أن صيده قد حان بعدما وقع في فخ نصبه له الآخرون، سيحاول درء الخطر بالهرب منه. لكن هروب النمر قد يكون أسهل من هروبه هو.
هو، مثل تلك المرحلة التي شهدتها أفلام هوليوود، يموت بالتدريج وبل تحوّل إلى حي - ميّت يدرك مصيره ولا يستطيع سوى انتظاره. ميتشوم، سيبرهن التاريخ، إن لم يبرهن بعد، كان من أفضل ممثلي جيله وزاد إجادة مع مرور الزمن.


مقالات ذات صلة

بطلة «سنو وايت»: الفيلم يُنصف قِصار القامة ويواجه التنمر

يوميات الشرق مريم شريف في لقطة من فيلم «سنو وايت» (الشركة المنتجة)

بطلة «سنو وايت»: الفيلم يُنصف قِصار القامة ويواجه التنمر

رغم وقوفها أمام عدسات السينما ممثلة للمرة الأولى؛ فإن المصرية مريم شريف تفوّقت على ممثلات محترفات شاركن في مسابقة الأفلام الطويلة بـ«مهرجان البحر الأحمر».

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق وجوه من فيلم «السادسة صباحاً» (غيتي)

من طهران إلى كابل... حكايات نساء يتحدّيْن الظلم في «البحر الأحمر»

«السادسة صباحاً» و«أغنية سيما» أكثر من مجرّد فيلمين تنافسيَّيْن؛ هما دعوة إلى التأمُّل في الكفاح المستمرّ للنساء من أجل الحرّية والمساواة.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق جوني ديب لفت الأنظار بحضوره في المهرجان (تصوير: بشير صالح)

اختتام «البحر الأحمر السينمائي» بحفل استثنائي

بحفل استثنائي في قلب جدة التاريخية ، اختم مهرجان «البحر الأحمر السينمائي الدولي» فعاليات دورته الرابعة، حيث أُعلن عن الفائزين بجوائز «اليُسر». وشهد الحفل تكريمَ

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق ياسمين عبد العزيز في كواليس أحدث أفلامها «زوجة رجل مش مهم» (إنستغرام)

«زوجة رجل مش مهم» يُعيد ياسمين عبد العزيز إلى السينما

تعود الفنانة المصرية ياسمين عبد العزيز للسينما بعد غياب 6 سنوات عبر الفيلم الكوميدي «زوجة رجل مش مهم».

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق رئيسة «مؤسّسة البحر الأحمر السينمائي» جمانا الراشد فخورة بما يتحقّق (غيتي)

ختام استثنائي لـ«البحر الأحمر»... وفيولا ديفيس وبريانكا شوبرا مُكرَّمتان

يتطلّع مهرجان «البحر الأحمر السينمائي» لمواصلة رحلته في دعم الأصوات الإبداعية وإبراز المملكة وجهةً سينمائيةً عالميةً. بهذا الإصرار، ختم فعالياته.

أسماء الغابري (جدة)

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
TT

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة وإلقاء ما تيسَّر له من تعابير فرحٍ وثناء.

لا يختلف وضع العام الحالي عن الوضع في كل عام، فجميع آمال العاملين في هذه الصّناعة الفنية المبهرة يقفون على أطراف أصابعهم ينتظرون إعلان ترشيحات «الأوسكار» الأولى هذا الشهر. وحال إعلانها سيتراجع الأمل لدى من لا يجد اسمه في قائمة الترشيحات، وترتفع آمال أولئك الذين سترِد أسماؤهم فيها.

يتجلّى هذا الوضع في كل مسابقات «الأوسكار» من دون تمييز، لكنه أكثر تجلّياً في مجال الأفلام الأجنبية التي تتقدّم بها نحو 80 دولة كل سنة، تأمل كل واحدة منها أن يكون فيلمها أحد الأفلام الخمسة التي ستصل إلى الترشيحات النهائية ومنها إلى الفوز.

«ما زلت هنا» لوولتر ساليس (ڤيديو فيلمز)

من المسافة صفر

لا يختلف العام الحالي في شكل التنافس وقيمته بل بأفلامه. لدينا للمناسبة الـ97 من «الأوسكار» 89 دولة، كلّ واحدة منها سبق أن تنافست سابقاً في هذا المضمار. لكن المختلف هو بالطبع الأفلام نفسها. بعض ما شُوهد منها يستحق التقدير، والفرق شاسع بين ما يستحق التقدير وبين ما يستحق الترشيح والوصول إلى التّصفية.

الحلمُ في تحقيق هذه النقلة يسيطر على المخرجين والمنتجين العرب الذين نفّذوا أعمالهم الجديدة خلال هذه السنة وسارعوا لتقديمها.

من بينهم المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي، الذي وفّر خلال العام الحالي فيلمين، واحدٌ من إخراجه بعنوان «أحلام عابرة»، والثاني بتوقيع 22 مخرجاً ومخرجة أشرف مشهراوي على جمع أفلامهم في فيلم طويل واحد بعنوان «من المسافة صفر»، وجميعها تتحدّث عن غزة، وما حدث فيها في الأسابيع الأولى لما يُعرف بـ«طوفان الأقصى». بعض تلك الحكايا مؤثرٌ وبعضها الآخر توليفٌ روائي على تسجيلي متوقع، لكنها جميعها تكشف عن مواهب لو قُدِّر لها أن تعيش في حاضنة طبيعية لكان بعضها أنجز ما يستحق عروضاً عالمية.

لا ينحصر الوضع المؤلم في الأحداث الفلسطينية بل نجده في فيلم دانيس تانوفيتش الجديد (My Late Summer) «صيفي المتأخر». يقدم تانوفيتش فيلمه باسم البوسنة والهرسك، كما كان فعل سنة 2002 عندما فاز بـ«الأوسكار» بصفته أفضل فيلم أجنبي عن «الأرض المحايدة» (No Man‪’‬s Land). يفتح الفيلم الجديد صفحات من تاريخ الحرب التي دارت هناك وتأثيرها على شخصية بطلته.

«صيفي الأخير» لدانيس تانوفيتش (بروبيلر فيلمز)

مجازر كمبودية

تختلف المسألة بالنسبة للاشتراك الصّربي المتمثّل في «قنصل روسي» (Russian Consul) للمخرج ميروسلاڤ ليكيتش. في عام 1973 عندما كانت يوغوسلاڤيا ما زالت بلداً واحداً، عاقبت السلطات الشيوعية هناك طبيباً إثر موت مريض كان يعالجه، وأرسلته إلى كوسوڤو حيث وجد نفسه وسط تيارات انفصالية مبكرة ونزاع حول الهوية الفعلية للصرب. حسب الفيلم (الاشتراك الثاني لمخرجه للأوسكار) تنبأت الأحداث حينها بانهيار الاتحاد السوفياتي و«عودة روسيا كروسيا» وفق قول الفيلم.

التاريخ يعود مجدداً في فيلم البرازيلي والتر ساليس المعنون «ما زلت هنا» (I‪’‬m Still Here) وبطلته، أيضاً، ما زالت تحمل آلاماً مبرحة منذ أن اختفى زوجها في سجون الحقبة الدكتاتورية في برازيل السبعينات.

في الإطار نفسه يعود بنا الاشتراك الكمبودي (التمويل بغالبيته فرنسي) «اجتماع مع بُل بوت» (Meeting with Pol Pot) إلى حقبة السبعينات التي شهدت مجازرعلى يد الشيوعيين الحاكمين في البلاد، ذهب ضحيتها ما بين مليون ونصف ومليوني إنسان.

وفي «أمواج» (Waves) للتشيكي ييري مادل، حكاية أخرى عن كيف ترك حكمٌ سابقٌ آثاره على ضحاياه ومن خلفهم. يدور حول دور الإعلام في الكشف عن الحقائق التي تنوي السلطة (في السبعينات كذلك) طمسها.

تبعات الحرب الأهلية في لبنان ليست خافية في فيلم ميرا شعيب «أرزة»، الذي يدور حول أم وابنها يبحثان عن سارق دراجة نارية ويتقمصان، في سبيل ذلك، شخصيات تنتمي إلى الطائفة التي قد تكون مسؤولة عن السرقة. هما سنّيان هنا وشيعيان هناك ومسيحيان أو درزيان في مواقع أخرى وذلك للتأكيد على أن التربة الطائفية ما زالت تنبض حية.

حتى كوريا الجنوبية ما زالت تحوم حول الانقلاب (وهي تعيش اليوم حالة مشابهة) الذي وقع في مثل هذا الشهر من سنة 1979 عندما اغتيل الرئيس بارك على يد رئيس شعبة الدفاع لي تايدو-غوانغ (أُلقي القبض عليه لاحقاً وأُعدم). هذا هو ثالث فيلم شاهده الناقد كاتب هذه الكلمات حول الموضوع نفسه.