في 27 مارس (آذار) الماضي، دون الرئيس الفرنسي على حسابه الرسمي، تغريدة مختصرة، عقب اتصال هاتفي بالرئيس الأميركي دونالد ترمب، جاء فيها: «أجريت محادثة جيدة مع دونالد ترمب عن مواجهة أزمة كوفيد - 19، نحضر مع دول أخرى للأيام القادمة، مبادرة جديدة مهمة».
مكالمة ماكرون - ترمب، بمبادرة من الأول، جاءت عقب القمة الافتراضية لمجموعة الـ20، وبحسب مصادر الإليزيه، فإن الرئيسين كانا يبحثان عن «إطار» لإطلاق مبادرتهما الجديدة التي طرحت ثلاثة احتمالات: مجموعة السبع للدول الأكثر تصنيعا التي تترأسها للعام الحالي الولايات المتحدة الأميركية، ومجموعة العشرين برئاسة المملكة السعودية، وأخيرا طرح إطار جديد من نوعه يتمثل في اجتماع الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن، أو ما يسمى «P5».
وتجدد الاتصال بين المسؤولين في 3 أبريل (نيسان)، وكان الغرض، كما في الاتصال الأول، تعبئة الأسرة الدولية من أجل محاربة وباء كورونا، خصوصا في مناطق النزاع، وفق ما أكدته مصادر الإليزيه والبيت الأبيض.
الحقيقة، أن هذه «المبادرة» المشتركة لم تولد من عدم بل جاءت عقب الدعوة التي أطلقها الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في 23 مارس، من أجل فرض هدنة في مناطق النزاع وتعبئة كل الجهود لمحاربة الوباء المستجد، وهو ما أطلق عليه اسم «هدنة الكورونا». وبحسب القراءة الفرنسية - الأميركية، فإن صيغة ّ«P5» هي الأفضل بالنظر للانقسامات التي تعتمل بمجلس الأمن والاتهامات المتبادلة بين واشنطن وبكين بشأن الفيروس واعتبار كل طرف الطرف الآخر هو المسؤول.
ورغم انشغاله بما يحصل في فرنسا، حيث زادت الإصابات على المائة ألف واقترب عدد الوفيات من 16 ألفا، لم يهمل ماكرون فكرة القمة الخماسية، وما يشجعه على ذلك أنه حصل على موافقة خمسة من قادة المجموعة. وفي حديث لإذاعة فرنسا الدولية الذي خصص بغالبيته للوضع في أفريقيا وللحاجة لمد يد العون المالي إليها عن طريق تعليق دفع فوائد الديون أو التخلي عنها، سئل الرئيس الفرنسي عن الأسباب التي تجعل الدول الكبرى غائبة عن دعم دعوة غوتيريش من أجل هدنة عالمية والترويج لها. وجاء جواب ماكرون، كالتالي: «لقد دعمت فرنسا بقوة دعوة غوتيريش، وما نتمناه هو أن تتمكن الدول الخمس (دائمة العضوية في مجلس الأمن)، من الاجتماع للمرة الأولى وفق هذه الصيغة لتقويم الوضع ومساندة الدعوة، لا بل الذهاب لأبعد من ذلك والتعبير عن مكامن قلقها، وأتمنى أن نحقق ذلك في الأيام القادمة». وبحسب ماكرون، فإنه حصل على موافقة الرئيسين الأميركي والصيني ورئيس الوزراء البريطاني، وأنه «متأكد من أن الرئيس بوتين سيوافق أيضا عندما يتم ذلك، ويمكننا عندها أن نعقد هذا المؤتمر عن بعد وأن نروج لهذه الدعوة بشكل رسمي وقوي وفعال». وأمل ماركون بالحصول على موافقة الرئيس الروسي «خلال الساعات القادمة»، مشيرا إلى أنه سبق له أن فاتحه في هذا الأمر.
وكان غوتيريش قد دعا إلى هدنة عالمية محذرا من تبعات انهيار الأنظمة الصحية في الدول التي تعاني من الحروب، وهي كثيرة «اليمن، وليبيا، وسوريا، والكاميرون، وبلدان الساحل الأفريقي...»، وحيث الأنظمة الصحية منهارة أو على وشك الانهيار، فضلا عن استهداف المرافق والمنشآت كالمستشفيات والمصحات والإدارات المختصة.
الرد الروسي لم يتأخر وجاء على لسان الناطق باسم الكرملين، أمس، إذ أعلن المتحدث باسمه ديمتري بيسكوف، أن الدبلوماسية الروسية تبحث اقتراحا بوقف النار على مستوى العالم قدمه الأمين العام للأمم المتحدة على خلفية تفشي وباء الكورونا. وأضاف بيسكوف: «ما إن يستكمل العمل ونتفق مع الشركاء فسنصدر بيانات بهذا الشأن». ولم يشر الكرملين إلى تصريحات الرئيس الفرنسي ولا إلى موعد لاتصال لاحق بين المسؤولين اللذين تجمعهما علاقات جيدة، خصوصا أن ماكرون من أشد المتحمسين لربط العربة الروسية بالقطار الأوروبي. وسبق له أن دافع أكثر من مرة عن هذا الخيار، أمام السفراء الفرنسيين عبر العالم نهاية الصيف الماضي. ووفق مصادر دبلوماسية أوروبية في باريس، فإن بوتين «سيوافق بالطبع»، لسببين: الأول، أنه شخصيا أشار إلى احتمال كهذا عندما كان في إسرائيل في 23 يناير (كانون الثاني) الماضي. والثاني، أن اجتماعا كالذي يخطط له ّلن يكلفه شيئا، لا بل إن فوائده السياسية عديدة إذ يعيده إلى مقدمة المشهد السياسي الدولي ويجعل من روسيا مجددا شريكا في إدارة النزاعات عبر العالم.
بيد أن السؤال المطروح يتناول «الفائدة» الحقيقية لاجتماع كهذا؟
ثمة رأيان: الأول يعتبر أن قمة من هذا النوع، الأولى من نوعها، وتجمع الأطراف الأكثر تأثيرا على المستوى العالمي، لا بد أن تسفر عن نتائج إيجابية. لكنّ ثمة شرطا لا بد من توافره وهو نجاح الأطراف المعنية في تنحية خلافاتها، مؤقتا على الاقل، واعتبارها أن مصلحة العالم بأجمعه الذي يواجه «عدوا غير منظور» «وفق تعبير الرئيسين ترمب وماكرون»، تكمن أولا في التركيز على محاربته. يضاف إلى ذلك أنه من غير التوصل إلى هدنة في مناطق النزاع، فإن الكارثة سوف تكون عامة ولن تقتصر عليها. وتعتبر المصادر المشار إليها، أنه «ليس هناك أي فضاء سيبقى بمنأى» عن تبعات الوباء الذي قد يعود في صورة موجات جديدة، في حال تمت السيطرة على الموجة الراهنة التي ألزمت نصف البشرية بالتزام الحظر ووقف الدورة الاقتصادية العالمية. في المقابل، يرى الطرف الآخر أنه «من السذاجة» اعتبار أن بؤر التوتر في العالم ستنطفئ «بسحر ساحر»، لأن الخمسة الكبار عقدوا اجتماعا عن بعد وأصدروا بيانا مشتركا. ذلك أن الخلافات التي تعصف بهم لن تختفي وأن العمل الجماعي لم يعد اليوم «العلاج السحري» لوأد المشاكل، والدليل على ذلك استمرار التنازع بين الصين والولايات المتحدة، وقرار ترمب حجب التمويل الأميركي عن منظمة الصحة الدولية التي يحتاج إليها العالم اليوم أكثر من أي وقت مضى. ولعل قمة برلين الخاصة بالنزاع في ليبيا التي رعتها الأمم المتحدة وألمانيا بحضور كبار هذا العالم ومؤسساته والقوى الإقليمية المؤثرة، أفضى إلى توافق والتزامات بقيت حبرا على ورق.
هل سيتغلب فيروس الكورونا على انقسامات العالم بحيث سيخرج منه شيء إيجابي؟ الجواب في القادم من الأيام.
ترجيح مؤتمر افتراضي لـ{الخمس الكبار} من أجل هدنة في نزاعات العالم
ماكرون: نحتاج إلى موافقة الرئيس الروسي وأنا أثق في تجاوبه
ترجيح مؤتمر افتراضي لـ{الخمس الكبار} من أجل هدنة في نزاعات العالم
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة