أبو بكر البغدادي.. الخليفة المزعوم يدشن عهدا جديدا لـ«داعش»

تذويب كل التيارات المتشددة.. ونقل المعركة إلى جبهات جديدة

أبو بكر البغدادي.. الخليفة المزعوم يدشن عهدا جديدا لـ«داعش»
TT

أبو بكر البغدادي.. الخليفة المزعوم يدشن عهدا جديدا لـ«داعش»

أبو بكر البغدادي.. الخليفة المزعوم يدشن عهدا جديدا لـ«داعش»

في خطبة صوتية هي الأهم من الخليفة الداعشي المزعوم أبو بكر البغدادي اختار لها الآية: «ولو كره الكافرون» في إشارة إلى عودته إلى المشهد باستراتيجية جديدة، ردا على كل الدعاوى والإشاعات حول مقتله أو إصابته، والتي من شأنها إضعاف التمدد الداعشي على الأرض وفي الفضاء الإلكتروني الذي تنشط فيه الجماعة بما لم تستطعه أي جماعة عنفية من قبل.
«التحالف الصليبي سيفشل» ربما كانت هذه العبارة تعبر عن عصارة موقف البغدادي من الحرب الدولية على داعش بقيادة الولايات المتحدة والتي لم تحقق أهدافها إلى الآن رغم قدرتها على الحد من زحف داعش نحو ابتلاع المزيد من المدن وكسر الحدود الفاصلة بين الأقاليم في الشام والعراق.

قلق عارم ينتاب الباحثين الغربيين حيال كلمة البغدادي ويقول فريد زكريا في مقالة تحليلية معبرة عن هذا الفزع من استراتيجية البغدادي الجديدة: إن رسالة أبو بكر البغدادي، زعيم تنظيم داعش هي طُعم يراد به دفع الولايات المتحدة للتدخل بصورة أكبر في الحملة الدولية على التنظيم وذلك في سبيل الاستفادة من هذا الأمر لاستقطاب المزيد من الجهاديين حول العالم.
ويسهب شارحا فكرته «هذا تكتيك قديم، كان تنظيم القاعدة يستخدمه في السابق مرارا، تستخدم به لغة التهديد والتبجح تكرارا.. ولنتذكر بأن داعش انتقلت من كونها لا شيء إلى أن أصبحت بديلا لتنظيم القاعدة الذي يعتبر أكثر تنظيم متشدد معروف في العالم، كيف؟ ببساطة من خلال تحديه للولايات المتحدة».
من جهتها تناولت صحيفة «ناشيونال ريفيو» في تقرير لها، التسجيل الأخير الذي أطلقه، من عين نفسه خليفة للمسلمين، أبو بكر البغدادي، زعيم تنظيم داعش الإرهابي، معتبرة أن البغدادي أراد تكذيب إشاعات راجت حول مقتله إثر غارة جوية، فأطلق ذلك الشريط الجديد المشحون بالكراهية، حيث ذكر أحداثا تمت منذ انتشار خبر احتمال موته.
ورأت الصحيفة أن البغدادي كرر تعهدات أطلقتها سابقا عدة تنظيمات متشددة سلفية، وهذا الخطاب يؤكد حقيقة استراتيجية تجاهلها الرئيس أوباما وسواه من زعماء الغرب، هي أن داعش يمثل خطرا كبيرا، وتهديدا واسع النطاق، واعتبرت الصحيفة أن إدارة أوباما باعتقادها أن داعش يجب أن يهزم بداية في العراق، ومن ثم في سوريا، تتجاهل حقيقة كون هذا التنظيم يشن حربا على ساحتين مادية وفكرية معا.
خطبة البغدادي الأخيرة منعطف جديد في تاريخ الحركات العنفية في المنطقة، حيث الانتقال من استراتيجية مواجهة {العدوان الصليبي} والغربي إلى مواجهة الأنظمة العربية والآن استهداف الأقليات بهدف ضرب مداميك السلم الأهلي، وتعكس خطبته الأخيرة حجم استهداف المملكة العربية السعودية إن على مستوى الاستقطاب والتجييش أو على مستوى الاستهداف وتقويض الأمن.
كما يعكس الهجوم الداعشي على السعودية حالة الإحباط من فشل العملية الأخيرة في الأحساء والتي تعاملت معها الأجهزة الأمنية على طريقتها في الضربات الأمنية الاستباقية، وفي ذات الوقت تتصدى المملكة لحملات التجنيد والتعاطف والتأييد لمقاتلي داعش في الداخل أو على حدودها الممتدة والتي تتقاطع مع نقاط كثيرة ملتهبة.
التسجيل الصوتي المنسوب للبغدادي يشرع الكثير من الأسئلة الجديدة حول استراتيجية التنظيم، فهو يدشن عصرا جديدا لداعش يمتد خارج حدود الصراع في الشام والعراق، فالبغدادي ينوي ترحيل العنف الداعشي إلى مناطق أخرى لأهداف كثيرة منها تشتيت جهود التحالف في ضربه، إضافة إلى استقطاب المزيد من الخلايا والكوادر العنفية التي لم تتمكن من الانتقال إلى أرض المعركة.
كلمة البغدادي المقتضبة لم تغفل الهجوم على التحالف الجديد ضد داعش والذي وصفه الخليفة المزعوم بالتحالف الصليبي الفاشل، كما خص هجومه على دول بعينها على رأسها المملكة العربية السعودية باعتبارها حجر عثرة أمام المشروع الداعشي الذي يستهدف المنطقة بأسرها.
جديد هذه الكلمة الصوتية هو مضمونها الموجه ليس إلى الإعلام الخارجي فحسب، بل للأنصار والمتعاطفين الذين بدأوا يشكون في قدرة داعش على البقاء لتأتي الكلمة وتطلب منهم كما عبر البغدادي «تفجير براكين الجهاد في كل مكان» وهو ما يعني تحول داعش من تنظيم إقليمي يستهدف إقامة دولته على مناطق التوتر في الشام والعراق إلى تنظيم أممي دولي بأذرع وفروع محلية في كل مكان، والأمر ليس من قبيل المبالغة حيث تضمنت الكلمة طلب البيعة وقبولها من كل الأنصار في أماكنهم وعلى من يريد الانضمام إلى داعش كما صرح البغدادي تقديم البيعة في أي من ولايات وأقاليم داعش الافتراضية والتي تحتل خريطة العالم كما يقول المناصرون.
البغدادي نفى صحة الخسائر في صفوف المسلحين وبشكل ضمني نفى أنه قد أصيب مذكرا بكذب الحملة الصليبية على تنظيمه وأنها تزعم قتل عشرات {المجاهدين }وتدمير الآليات وكل ذلك عار عن الصحة، محذرا من تصديق الإعلام الكاذب وعلى حد قوله: «اطمئنوا أيها المسلمون بأن دولتكم بخير وفي أحسن حال، وستظل تمتد بإذن الله» وهذه العبارة بحد ذاتها دليل على أن البغدادي لا يرى في نفسه أقل من خليفة للمسلمين كافة وليس لأتباعه من المؤمنين بآيديولوجية داعش وولاياتها.
اللافت في كلمة البغدادي فيما يخص التنافس بين المجموعات المتشددة الدعوة إلى تجديد البيعة لا سيما بعد تمرد الكثير من الخلايا الصغيرة وعودتها إلى بيعة الظواهري و«القاعدة» مجددا على إثر اكتشاف أن «داعش» لعبة استخباراتية أكثر من كونها مشروعا عالميا كما يعبر القاعديون في منصاتهم الإعلامية، كما لم ينس أن يتباهى بأنصاره في العالم حيث صرح بقبول كل «البيعات» للتنظيمات والمجموعات والأفراد من كل المناطق ودعا إلى الانضمام إلى التيارات التي أعلنت بيعتها إلى داعش وأبرزها تنظيم بيت المقدس في سيناء الذي أعلن بيعته ودعمه الكامل لداعش بل وتحويل سيناء إلى ولاية لداعش.
لم يفت الخليفة الداعشي أيضا الهجوم على كل مجموعة أو شخص لم يبايع داعش، وبالتالي دعا كل المجاميع المتشددة إلى المبادرة بإعلان بيعتها وصرح بقبول كل المتحولين من الجماعات المتشددة أفرادا ومجموعات وهو ما يعكس هدفين مزدوجين تذويب الحالة الجهادية في داعش وهو أمر بالغ الخطورة لم تجرؤ عليه حتى «القاعدة» في أيام قوتها، والثاني محاولة لتضخيم عدد وقدرة التنظيم في رسالة واضحة إلى التحالف الأميركي الذي لم يحقق أهدافه بعد.
توقيت الكلمة الصوتية للبغدادي جاء بعد تلقيه 5 بيعات دفعة واحدة، منها أنصار بيت المقدس في سيناء، والتي غيرت إلى ولاية بيت المقدس في سيناء، بيعة الخلافة في المغرب العربي، بيعات من اليمن والسعودية، بيعات سابقة من قيادات في حركة طالبان باكستان وهو ما يعني إطلاق العنان للآلة الدعائية الإعلامية لداعش لاستقطاب المزيد من الكوادر والأفراد، ويتزامن هذا الزهو الداعشي بتحقيق اختراقات كبيرة شكلت صدمة للمراقبين في العراق والشام وفي الأنبار تحديدا حيث تتسيد داعش حتى في مناطق تحت سيطرة الحكومة كما أنهم ليسوا بعيدين عن عاصمة العراق.
البغدادي فضل الكلمة الصوتية عبر خطبة غير مرئية حرصا على النواحي الأمنية حيث بات من السهل تحليل وقراءة إحداثيات التسجيل المرئي وبالتالي الوصول إلى مكان تقريبي لوجوده واستهدافه، كما أن احتمال إصابته قد ترجح تفضيل الظهور الصوتي على المرئي وهو ما يعني أن هدف البغدادي الأول طمأنة أتباعه وطرح استراتيجية التنظيم الجديدة ومن هنا جاء عنوان كلمته بالآية «ولو كره الكافرون» ليعكس حجم التحدي لقوات التحالف.
ويمكن القول: إن 17 دقيقة حملت الكثير من الأهداف لخليفة داعش المزعوم أهمها التأكيد على تمدد وبقاء داعش, كما يزعم ووصوله لليمن وليبيا والجزائر وسيستمر الزحف إلى روما أيقونة الحلم المعبرة عن نبوءات الملاحم في آخر الأزمان في تدليل على أن داعش وخليفته يرون أنهم الباقون على درب {الجهاد} في آخر الزمان حتى فتح روما.
التنظيم على مستوى المناطق الخاضعة تحت سيطرته يعمل على قتل وتصفية الخصوم من المجموعات المقاتلة التي لم تبايع البغدادي أو التي ما زالت تدين بولائها لـ«القاعدة» حتى بعد إعلان داعش خليفته كخليفة عام للمسلمين لا يجوز الخروج عليه أو نقض بيعته. في السابق كان داعش يلعب جيدا على مركزية الشام في الفكر المتشدد، في الوقت نفسه الذي يلعب فيه بإيقاع سياسي محترف يحاول استغلال الفراغ الأمني على طول الشريط الحدودي للعراق وسوريا ولبنان، فهو من جهة يشكل بديلا لتجربة «حزب الله» الدولة غير المعلنة، وهنا يذكي الجانب الطائفي ويلعب على مسألة حدود الدولة القُطرية بهدف دغدغة مشاعر كوادر الإسلام السياسي وكل التنظيمات ذات التفكير الأممي؛ من السلفية الحركية إلى حزب التحرير، مرورا بشخصيات قد تصمت عن جرائم «داعش» في مقابل انتظار قفزاتها السياسية لاحقا نحو مركب «داعش» متى ما استقر لها الأمر، وهو ما نجده في ثنايا تعليقات نجوم الدعاة المسيسين. حتى الآن، لم تظهر أي شجاعة إلا من قبل الفقيه الأصولي المغربي أحمد الريسوني، وهو مقدر عند الإسلامويين – الذي إن استغل الحدث باعتباره تعبيرا عن فشل إيقاف الظلم تجاه الإسلاميين المعتدلين، فإنه أكد أن إعلان الدولة المجهولة افتئات على المسلمين يجب ردعه ولو بالقتال.. ماذا عن بقية التيارات الدينية؛ من المعتدلة، إلى الرسمية، إلى الحركية؟ لا شيء تجاه «داعش»، مع أن إعلان الخلافة أهم مسألة سيواجهها الخطاب الشرعي الآن، فإبطال هذه الدعوى يلزم منه سحب شرعية «داعش»، والقبول بها يلزم منه وجوب الهجرة إلى دولة الخلافة، وهو خيار يقترب من حدود الكوميديا في عالم اليوم المعقد، بحيث لا يمكن تصور قدرة «داعش» على إدارة نفسه في حال بقاء الإهمال الدولي، فضلا عن قدرته على تحقيق حلم الخريطة السوداء التي باتت أيقونة الجدران والسيارات في الشام والعراق ومناطق أخرى.
إلا أن كلمة البغدادي الأخيرة دشنت لمرحلة جديدة عنوانها استهداف السعودية كما كانت تفعل «القاعدة» من قبل إلا أن حجم استهداف السعودية مع داعش أكبر وحتى لغة التعبير عن ذلك حيث رفع شعار{ قتل المشركين} في جزيرة العرب ليس في إشارة إلى غير المسلمين من المعاهدين وأهل الذمة بل استهداف الطوائف والأقليات الدينية وعلى رأسهم الطائفة الشيعية في إشارة إلى فشل عملية الأحساء والمطالبة بتكرار ذلك الاستهداف.
كلمة البغدادي إذا ما قرأناها بالأدبيات العسكرية هي بيان حرب يحدد أولويات المرحلة ويهدف إلى رفع معنويات أتباعه من الداعشيين وطلب المزيد من الكوادر وتوسيع نطاق المعركة وجلب الأميركيين إلى حرب برية من شأنها في حال تفوق داعش تغيير المعادلة في المنطقة كما أنها ستحرج المجتمع الدولي في حال بقاء الضربات الجوية التي لم تؤت أكلها حتى الآن.
كلمة البغدادي تم تداولها على نطاق واسع في الإنترنت إلا أن ذلك لم يمنع من قيام التنظيم بطباعة كمية كبيرة من الأقراص المدمجة التي تحتوي على الخطبة وتوزيعها على كل المناطق الخاضعة تحت سيطرة التنظيم طبع عليها شعار تنظيم «داعش» مع صور لأعضاء التنظيم تحت عبارة {اللجنة الإعلامية لولاية الأنبار قسم التوزيع والنشر»، وكتب على الغلاف: هذه الأقراص تحتوي على مقتطفات من خطب أمير المؤمنين أبو عمر البغدادي، ومقتطفات من خطب وزير الحرب أبو حمزة المهاجر، ومقتطفات من خطب الشيخ أسامة بن لادن، وعمليات منوعة قصيرة وهو ما يفسر بأنها عملية إعلامية شاملة تستهدف حتى أولئك البعيدين عن منصات الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي المرتع الخصب للداعشيين.
المسألة لم تعد ارتباكا سياسيا أو تقدير موقف خاطئ.. هناك إهمال للحرب الفكرية على داعش سيجر ويلات كبيرة على المنطقة رغم أن «داعش» ليس أعظمها وأخطرها، فالتنظيم رغم النجاحات الباهرة التي سيحققها بإعلان الدولة على مستوى الاستقطاب والتمويل والدعاية المجانية وإيقاظ الحلم، ليس فقط في دوائر المؤمنين بالعنف المسلح طريقة للتغيير، بل للقادمين من دهاليز سرية بعد فشل دولة الإسلام السياسي.
يدين المتطرفون للبغدادي بأكبر انتعاش للفكر المسلح المتطرف منذ تأسس تنظيم القاعدة وحتى تضخمه بعد الاحتلال الأميركي للعراق وصولا إلى تحول العراق والشام إلى منطقة فوضى خلاقة بالمقاتلين والتنظيمات والأفكار المتطرفة في حدودها القصوى.



تساؤلات حول قيادة «داعش»

فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
TT

تساؤلات حول قيادة «داعش»

فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)

من يقود تنظيم داعش الإرهابي الآن؟ وما سر عدم ظهور إبراهيم الهاشمي القرشي، زعيم «داعش» الجديد، حتى اللحظة؟ ولماذا تعمد التنظيم إخفاء هوية «القرشي» منذ تنصيبه قبل شهرين؟ وهل هناك تغير في شكل التنظيم خلال الفترة المقبلة، عبر استراتيجية إخفاء هوية قادته، خوفاً عليهم من الرصد الأمني بعد مقتل أبو بكر البغدادي؟ تساؤلات كثيرة تشغل الخبراء والمختصين، بعدما خيم الغموض على شخصية زعيم «داعش» الجديد طوال الفترة الماضية. خبراء في الحركات الأصولية أكدوا لـ«الشرق الأوسط» أن «التنظيم يعاني الآن من غياب المركزية في صناعة القرار».
ويرجح خبراء التنظيمات المتطرفة أن «يكون (داعش) قد قرر إخفاء هوية (القرشي) تماماً، في محاولة لحمايته، وأن إعلان (القرشي) زعيماً من قبل كان شكلاً من أشكال التمويه فقط، لإخفاء حقيقة الخلاف الدائر داخل التنظيم». كما شكك الخبراء في «وجود شخصية (القرشي) من الأساس».
وأعلن «داعش»، في تسجيل صوتي بثه موقع «الفرقان»، الذراع الإعلامية للتنظيم، في نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، تنصيب «القرشي» خلفاً للبغدادي الذي قتل في أعقاب غارة أميركية، وتعيين أبو حمزة القرشي متحدثاً باسم التنظيم، خلفاً لأبو الحسن المهاجر الذي قتل مع البغدادي. وكان الرئيس الأميركي دونالد ترمب قد أعلن «مقتل البغدادي في عملية عسكرية أميركية شمال غربي سوريا».
ورغم أن مراقبين أكدوا أن «(القرشي) هو القاضي الأول في التنظيم، وكان يرأس اللجنة الشرعية»، فإن مصادر أميركية ذكرت في وقت سابق أن «(القرشي) عُرف بلقب الحاج عبد الله، وعُرف أيضاً باسم محمد سعيد عبد الرحمن المولى، وكان أحد قادة تنظيم القاعدة في العراق، وقاتل ضد الأميركيين». لكن عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر «شكك في وجود (القرشي) من الأساس»، قائلاً: إن «(القرشي) شخصية غير حقيقية، وهناك أكثر من إدارة تدير (داعش) الآن».
وأكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أنه «بطبيعة الحال، لا يمكن أن نحدد من يقود (داعش) الآن، حتى هذا الإعلان (أي تنصيب القرشي) قد يكون شكلاً من أشكال التمويه، لإخفاء حقيقة الخلاف الدائر داخل التنظيم»، مضيفاً: «نحن أمام عدد من الاحتمالات: الاحتمال الأول هو أن تكون شخصية (القرشي) حقيقية لكن يتم إخفاءها، وعدم ظهوره إلى الآن هو من أجل تأمين حياته، وعدم مطاردته من قبل أجهزة الدول. والاحتمال الثاني أننا أمام شخصية (وهمية)، والتنظيم لا يزال منقسماً حول فكرة اختيار خليفة للبغدادي. أما الاحتمال الثالث فأننا أمام صراع حقيقي داخل التنظيم حول خلافة (البغدادي)».
وتحدث المراقبون عن سبب آخر لإخفاء «داعش» هوية «القرشي»، وهو «الخوف من الانشقاقات التي تضرب التنظيم من قبل مقتل البغدادي، بسبب الهزائم التي مُني بها في سوريا والعراق، خاصة أن نهج إخفاء المعلومات والتفاصيل التي تتعلق بقادة (داعش) استخدمه التنظيم من قبل، حين تم تعيين أبو حمزة المهاجر وزيراً للحرب (على حد تعبير التنظيم) في عهد البغدادي، وتم الكشف عن اسمه في وقت لاحق».
وكان البغدادي قد استغل فرصة الاضطرابات التي حدثت في سوريا، وأسس فرعاً لتنظيمه هناك، كما استغل بعض الأحداث السياسية في العراق، وقدم نفسه وتنظيمه على أنهم المدافعون عن الإسلام (على حد زعمه)، فاكتسب في البداية بيئة حاضنة ساعدته على احتلال المزيد من الأراضي العراقية التي أسس عليها «دولته المزعومة». وفي عام 2014، أعلن البغدادي نفسه «خليفة مزعوماً» من على منبر مسجد النوري الكبير، في مدينة الموصل، ثم اختفى بعدها لمدة 5 سنوات، ولم يظهر إلا في أبريل (نيسان) الماضي، في مقطع فيديو مصور مدته 18 دقيقة، ليعلن «انتهاء السيطرة المكانية لـ(دولته المزعومة)، وسقوط آخر معاقلها في الباغوز السورية». وقال المراقبون إنه «رغم أن ظهور البغدادي كان قليلاً في السنوات الأخيرة قبل مقتله، فإن أخباره كانت دائمة الانتشار، كما عمد مع بداية الإعلان عن (دولته المزعومة) إلى الظهور المتكرر، وهو ما لم يفعله (القرشي)».
وأكد عبد المنعم أن «هوية (القرشي) كانت لا بد أن تختفي تماماً لحمايته»، مدللاً على ذلك بأنه «في ثمانينات القرن الماضي، كانت التنظيمات الإرهابية تعلن عن أكثر من اسم للقيادة، حتى تحميه من التتبع الأمني»، موضحاً: «يبدو أن هوية (القرشي) الحقيقة بالنسبة لعناصر التنظيم ليست بالأهمية ذاتها، لأن ما يهمهم هو وجود الزعيم على هرم التنظيم، ضمن إطار وإرث ديني... وهذا أهم بكثير للعناصر من الإعلان عن هوية الرجل (أي القرشي)»، مدللاً على ذلك بأنه «في الأيام التي أعقبت إعلان تعيين (القرشي)، تساءلت مجموعة صغيرة من عناصر التنظيم على موقع التواصل (تليغرام) عن هوية الزعيم الجديد. وبعد أيام من تساؤلاتهم، وعندما طلب منهم مبايعة (القرشي)، قلت التساؤلات. ولهذا، من الواضح أن هوية الرجل بدت غير مهمة لهم، بل المهم هو أنه زعيم (داعش)، ويحتاج إلى دعمهم».
وحث أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» الجديد، أتباعه في رسالته الصوتية الأخيرة على «الالتزام بما أصدره البغدادي في رسالته في سبتمبر (أيلول) الماضي، التي طالب فيها بتحرير أنصار التنظيم من السجون، وتجنيد أتباع جدد لاستكمال المهمة، وتأكيد مواصلة التنظيم تمدده في الشرق الأوسط وخارجه».
ومن جهته، أضاف عبد المنعم أن «التنظيم دشن قبل أيام كتيبة أطلق عليها (الثأر للبغدادي والمهاجر)، بهدف الانتقام لمقتل البغدادي والمهاجر، كما جرى سجن عدد من قيادات التنظيم، مُرجح أنها تورطت في تسريب معلومات بطريقة غير مباشرة لعناصر في تنظيم (حراس الدين)»، موضحاً أن «المركز الإعلامي للتنظيم يعاني حالياً من عدم وجود اتصال مع باقي المراكز التابعة للتنظيم، ويعاني من حالة ارتباك شديدة».
وهدد المتحدث باسم التنظيم الجديد الولايات المتحدة، قائلاً: «لا تفرحوا بمقتل الشيخ البغدادي». وقال عبد المنعم: «يبدو أن (داعش) قرر عدم التعامل بالشكل التقليدي في التسجيلات والظهور المباشر لـ(القرشي)، مثلما كان يحدث مع البغدادي»، لافتاً إلى أن «عمليات (داعش) منذ تولي (القرشي) لم تشهد أي حراك، على عكس شهري أبريل وسبتمبر الماضيين، اللذين شهدا حراكاً، عقب بث تسجيلين: واحد مصور والآخر صوتي للبغدادي».
وكان أبو بكر البغدادي قد ذكر في سبتمبر (أيلول) الماضي أن «تنظيمه لا يزال موجوداً، رغم توسعه في البداية، ومن ثم الانكماش»، وأن ذلك يعد (اختباراً من الله)»، على حد زعمه.
وقال عمرو عبد المنعم إن «قنوات (داعش) واصلت بث أخبارها كالمعتاد، وأبرز ما نقلته هذه القنوات أخيراً إصدار مرئي جديد على شاكلة (صليل الصوارم)، بعنوان (لن يضروكم إلا أذى)، مدته 11 دقيقة، وفيه متحدث رئيسي مُقنع يتوعد بالثأر من عملية (التراب الأسود) التي أطلقتها القوات العراقية ضد (داعش) في سبتمبر (أيلول) الماضي. وفي نهاية الإصدار، ظهر مقاتلون ملثمون يبايعون الخليفة الجديد».
وبايع فرع «داعش» في الصومال «القرشي» في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، حيث نشر فرع التنظيم صوراً على موقع التواصل الاجتماعي «إنستغرام» لنحو 12 عنصراً يقفون بين الأشجار، وعليها تعليق يقول: «إنهم يعلنون مبايعة (القرشي)». كما بايع «ولاية سيناء»، الموالي لـ«داعش» في مصر، «القرشي»، ونشر في إصدار مرئي صوراً لمجموعة قال إنهم من العناصر التي بايعت «القرشي». ويشار إلى أنه ما زالت بعض أفرع تنظيم داعش حول العالم لم تعلن مبايعتها لـ«القرشي» حتى الآن، وفي مقدمتها «ولاية خراسان» في أفغانستان، و«ولاية غرب أفريقيا» (بوكو حرام سابقاً) في نيجيريا.
وحول وجود تغير في استراتيجية «داعش» في الفترة المقبلة، بالاعتماد على إخفاء شخصيات قادته، أكد الخبير الأصولي أحمد بان أن «هذه المرحلة ليست مرحلة الإمساك بالأرض من جديد، والسيطرة عليها، أو ما يسمى (الخلافة)، لكن مرحلة ترميم مجموعات التنظيم، وإعادة التموضع في ساحات جديدة، ومحاولة كسب ولاءات جماعات أخرى، قبل أن نصل إلى عنوان جديد، ربما يعكس ظهور تنظيم جديد، قد يكون أخطر من تنظيم (داعش). لكن في كل الأحوال، هيكلية (داعش) تغيرت، من مرحلة الدولة (المزعومة) إلى مرحلة (حروب النكاية) إلى مرحلة إعادة التنظيم والتموضع؛ وكل مرحلة تطرح الشكل المناسب لها. وفي هذه المرحلة (أي الآن)، أتصور أن التنظيم قد تشظى إلى مجموعات صغيرة، وأن هناك محاولة لكسب ولاء مجموعات جديدة في دول متعددة».
أما عمرو عبد المنعم، فقد لفت إلى أن «(داعش) فقد مركزية صناعة القرار الآن، وهناك عملية (انشطار) في المرحلة المقبلة للتنظيم، ولن يكرر التنظيم فكرة القيادة المركزية من جديد، لذلك لم يظهر (القرشي) على الإطلاق حتى الآن، لو كان له وجود حقيقي، وهذا على عكس ما كان يظهر به البغدادي، ويحث العناصر دائماً على الثبات والصبر»، محذراً في الوقت ذاته من «خطوة (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، وقتال الشوارع واستنزاف القوى الكبرى، وهي الاستراتيجية القديمة نفسها للتنظيم، مع زيادة العنصر (الانفرادي) الذي يعرف بـ(الذئاب المنفردة)».
وقال المراقبون إن «التنظيم تحول منذ سقوط بلدة الباغوز في مارس (آذار) الماضي، ونهاية (الخلافة المزعومة) بعد عدة سنوات من إرسائها، نحو اعتماد (نهج العصابات). وقاد البغدادي (داعش) بعد استيلائه على مناطق شاسعة في العراق وسوريا، قبل أن يتهاوى التنظيم خلال الأشهر الماضية نتيجة خسائره، وفرار عدد كبير من عناصره».