أبو بكر البغدادي.. الخليفة المزعوم يدشن عهدا جديدا لـ«داعش»

تذويب كل التيارات المتشددة.. ونقل المعركة إلى جبهات جديدة

أبو بكر البغدادي.. الخليفة المزعوم يدشن عهدا جديدا لـ«داعش»
TT

أبو بكر البغدادي.. الخليفة المزعوم يدشن عهدا جديدا لـ«داعش»

أبو بكر البغدادي.. الخليفة المزعوم يدشن عهدا جديدا لـ«داعش»

في خطبة صوتية هي الأهم من الخليفة الداعشي المزعوم أبو بكر البغدادي اختار لها الآية: «ولو كره الكافرون» في إشارة إلى عودته إلى المشهد باستراتيجية جديدة، ردا على كل الدعاوى والإشاعات حول مقتله أو إصابته، والتي من شأنها إضعاف التمدد الداعشي على الأرض وفي الفضاء الإلكتروني الذي تنشط فيه الجماعة بما لم تستطعه أي جماعة عنفية من قبل.
«التحالف الصليبي سيفشل» ربما كانت هذه العبارة تعبر عن عصارة موقف البغدادي من الحرب الدولية على داعش بقيادة الولايات المتحدة والتي لم تحقق أهدافها إلى الآن رغم قدرتها على الحد من زحف داعش نحو ابتلاع المزيد من المدن وكسر الحدود الفاصلة بين الأقاليم في الشام والعراق.

قلق عارم ينتاب الباحثين الغربيين حيال كلمة البغدادي ويقول فريد زكريا في مقالة تحليلية معبرة عن هذا الفزع من استراتيجية البغدادي الجديدة: إن رسالة أبو بكر البغدادي، زعيم تنظيم داعش هي طُعم يراد به دفع الولايات المتحدة للتدخل بصورة أكبر في الحملة الدولية على التنظيم وذلك في سبيل الاستفادة من هذا الأمر لاستقطاب المزيد من الجهاديين حول العالم.
ويسهب شارحا فكرته «هذا تكتيك قديم، كان تنظيم القاعدة يستخدمه في السابق مرارا، تستخدم به لغة التهديد والتبجح تكرارا.. ولنتذكر بأن داعش انتقلت من كونها لا شيء إلى أن أصبحت بديلا لتنظيم القاعدة الذي يعتبر أكثر تنظيم متشدد معروف في العالم، كيف؟ ببساطة من خلال تحديه للولايات المتحدة».
من جهتها تناولت صحيفة «ناشيونال ريفيو» في تقرير لها، التسجيل الأخير الذي أطلقه، من عين نفسه خليفة للمسلمين، أبو بكر البغدادي، زعيم تنظيم داعش الإرهابي، معتبرة أن البغدادي أراد تكذيب إشاعات راجت حول مقتله إثر غارة جوية، فأطلق ذلك الشريط الجديد المشحون بالكراهية، حيث ذكر أحداثا تمت منذ انتشار خبر احتمال موته.
ورأت الصحيفة أن البغدادي كرر تعهدات أطلقتها سابقا عدة تنظيمات متشددة سلفية، وهذا الخطاب يؤكد حقيقة استراتيجية تجاهلها الرئيس أوباما وسواه من زعماء الغرب، هي أن داعش يمثل خطرا كبيرا، وتهديدا واسع النطاق، واعتبرت الصحيفة أن إدارة أوباما باعتقادها أن داعش يجب أن يهزم بداية في العراق، ومن ثم في سوريا، تتجاهل حقيقة كون هذا التنظيم يشن حربا على ساحتين مادية وفكرية معا.
خطبة البغدادي الأخيرة منعطف جديد في تاريخ الحركات العنفية في المنطقة، حيث الانتقال من استراتيجية مواجهة {العدوان الصليبي} والغربي إلى مواجهة الأنظمة العربية والآن استهداف الأقليات بهدف ضرب مداميك السلم الأهلي، وتعكس خطبته الأخيرة حجم استهداف المملكة العربية السعودية إن على مستوى الاستقطاب والتجييش أو على مستوى الاستهداف وتقويض الأمن.
كما يعكس الهجوم الداعشي على السعودية حالة الإحباط من فشل العملية الأخيرة في الأحساء والتي تعاملت معها الأجهزة الأمنية على طريقتها في الضربات الأمنية الاستباقية، وفي ذات الوقت تتصدى المملكة لحملات التجنيد والتعاطف والتأييد لمقاتلي داعش في الداخل أو على حدودها الممتدة والتي تتقاطع مع نقاط كثيرة ملتهبة.
التسجيل الصوتي المنسوب للبغدادي يشرع الكثير من الأسئلة الجديدة حول استراتيجية التنظيم، فهو يدشن عصرا جديدا لداعش يمتد خارج حدود الصراع في الشام والعراق، فالبغدادي ينوي ترحيل العنف الداعشي إلى مناطق أخرى لأهداف كثيرة منها تشتيت جهود التحالف في ضربه، إضافة إلى استقطاب المزيد من الخلايا والكوادر العنفية التي لم تتمكن من الانتقال إلى أرض المعركة.
كلمة البغدادي المقتضبة لم تغفل الهجوم على التحالف الجديد ضد داعش والذي وصفه الخليفة المزعوم بالتحالف الصليبي الفاشل، كما خص هجومه على دول بعينها على رأسها المملكة العربية السعودية باعتبارها حجر عثرة أمام المشروع الداعشي الذي يستهدف المنطقة بأسرها.
جديد هذه الكلمة الصوتية هو مضمونها الموجه ليس إلى الإعلام الخارجي فحسب، بل للأنصار والمتعاطفين الذين بدأوا يشكون في قدرة داعش على البقاء لتأتي الكلمة وتطلب منهم كما عبر البغدادي «تفجير براكين الجهاد في كل مكان» وهو ما يعني تحول داعش من تنظيم إقليمي يستهدف إقامة دولته على مناطق التوتر في الشام والعراق إلى تنظيم أممي دولي بأذرع وفروع محلية في كل مكان، والأمر ليس من قبيل المبالغة حيث تضمنت الكلمة طلب البيعة وقبولها من كل الأنصار في أماكنهم وعلى من يريد الانضمام إلى داعش كما صرح البغدادي تقديم البيعة في أي من ولايات وأقاليم داعش الافتراضية والتي تحتل خريطة العالم كما يقول المناصرون.
البغدادي نفى صحة الخسائر في صفوف المسلحين وبشكل ضمني نفى أنه قد أصيب مذكرا بكذب الحملة الصليبية على تنظيمه وأنها تزعم قتل عشرات {المجاهدين }وتدمير الآليات وكل ذلك عار عن الصحة، محذرا من تصديق الإعلام الكاذب وعلى حد قوله: «اطمئنوا أيها المسلمون بأن دولتكم بخير وفي أحسن حال، وستظل تمتد بإذن الله» وهذه العبارة بحد ذاتها دليل على أن البغدادي لا يرى في نفسه أقل من خليفة للمسلمين كافة وليس لأتباعه من المؤمنين بآيديولوجية داعش وولاياتها.
اللافت في كلمة البغدادي فيما يخص التنافس بين المجموعات المتشددة الدعوة إلى تجديد البيعة لا سيما بعد تمرد الكثير من الخلايا الصغيرة وعودتها إلى بيعة الظواهري و«القاعدة» مجددا على إثر اكتشاف أن «داعش» لعبة استخباراتية أكثر من كونها مشروعا عالميا كما يعبر القاعديون في منصاتهم الإعلامية، كما لم ينس أن يتباهى بأنصاره في العالم حيث صرح بقبول كل «البيعات» للتنظيمات والمجموعات والأفراد من كل المناطق ودعا إلى الانضمام إلى التيارات التي أعلنت بيعتها إلى داعش وأبرزها تنظيم بيت المقدس في سيناء الذي أعلن بيعته ودعمه الكامل لداعش بل وتحويل سيناء إلى ولاية لداعش.
لم يفت الخليفة الداعشي أيضا الهجوم على كل مجموعة أو شخص لم يبايع داعش، وبالتالي دعا كل المجاميع المتشددة إلى المبادرة بإعلان بيعتها وصرح بقبول كل المتحولين من الجماعات المتشددة أفرادا ومجموعات وهو ما يعكس هدفين مزدوجين تذويب الحالة الجهادية في داعش وهو أمر بالغ الخطورة لم تجرؤ عليه حتى «القاعدة» في أيام قوتها، والثاني محاولة لتضخيم عدد وقدرة التنظيم في رسالة واضحة إلى التحالف الأميركي الذي لم يحقق أهدافه بعد.
توقيت الكلمة الصوتية للبغدادي جاء بعد تلقيه 5 بيعات دفعة واحدة، منها أنصار بيت المقدس في سيناء، والتي غيرت إلى ولاية بيت المقدس في سيناء، بيعة الخلافة في المغرب العربي، بيعات من اليمن والسعودية، بيعات سابقة من قيادات في حركة طالبان باكستان وهو ما يعني إطلاق العنان للآلة الدعائية الإعلامية لداعش لاستقطاب المزيد من الكوادر والأفراد، ويتزامن هذا الزهو الداعشي بتحقيق اختراقات كبيرة شكلت صدمة للمراقبين في العراق والشام وفي الأنبار تحديدا حيث تتسيد داعش حتى في مناطق تحت سيطرة الحكومة كما أنهم ليسوا بعيدين عن عاصمة العراق.
البغدادي فضل الكلمة الصوتية عبر خطبة غير مرئية حرصا على النواحي الأمنية حيث بات من السهل تحليل وقراءة إحداثيات التسجيل المرئي وبالتالي الوصول إلى مكان تقريبي لوجوده واستهدافه، كما أن احتمال إصابته قد ترجح تفضيل الظهور الصوتي على المرئي وهو ما يعني أن هدف البغدادي الأول طمأنة أتباعه وطرح استراتيجية التنظيم الجديدة ومن هنا جاء عنوان كلمته بالآية «ولو كره الكافرون» ليعكس حجم التحدي لقوات التحالف.
ويمكن القول: إن 17 دقيقة حملت الكثير من الأهداف لخليفة داعش المزعوم أهمها التأكيد على تمدد وبقاء داعش, كما يزعم ووصوله لليمن وليبيا والجزائر وسيستمر الزحف إلى روما أيقونة الحلم المعبرة عن نبوءات الملاحم في آخر الأزمان في تدليل على أن داعش وخليفته يرون أنهم الباقون على درب {الجهاد} في آخر الزمان حتى فتح روما.
التنظيم على مستوى المناطق الخاضعة تحت سيطرته يعمل على قتل وتصفية الخصوم من المجموعات المقاتلة التي لم تبايع البغدادي أو التي ما زالت تدين بولائها لـ«القاعدة» حتى بعد إعلان داعش خليفته كخليفة عام للمسلمين لا يجوز الخروج عليه أو نقض بيعته. في السابق كان داعش يلعب جيدا على مركزية الشام في الفكر المتشدد، في الوقت نفسه الذي يلعب فيه بإيقاع سياسي محترف يحاول استغلال الفراغ الأمني على طول الشريط الحدودي للعراق وسوريا ولبنان، فهو من جهة يشكل بديلا لتجربة «حزب الله» الدولة غير المعلنة، وهنا يذكي الجانب الطائفي ويلعب على مسألة حدود الدولة القُطرية بهدف دغدغة مشاعر كوادر الإسلام السياسي وكل التنظيمات ذات التفكير الأممي؛ من السلفية الحركية إلى حزب التحرير، مرورا بشخصيات قد تصمت عن جرائم «داعش» في مقابل انتظار قفزاتها السياسية لاحقا نحو مركب «داعش» متى ما استقر لها الأمر، وهو ما نجده في ثنايا تعليقات نجوم الدعاة المسيسين. حتى الآن، لم تظهر أي شجاعة إلا من قبل الفقيه الأصولي المغربي أحمد الريسوني، وهو مقدر عند الإسلامويين – الذي إن استغل الحدث باعتباره تعبيرا عن فشل إيقاف الظلم تجاه الإسلاميين المعتدلين، فإنه أكد أن إعلان الدولة المجهولة افتئات على المسلمين يجب ردعه ولو بالقتال.. ماذا عن بقية التيارات الدينية؛ من المعتدلة، إلى الرسمية، إلى الحركية؟ لا شيء تجاه «داعش»، مع أن إعلان الخلافة أهم مسألة سيواجهها الخطاب الشرعي الآن، فإبطال هذه الدعوى يلزم منه سحب شرعية «داعش»، والقبول بها يلزم منه وجوب الهجرة إلى دولة الخلافة، وهو خيار يقترب من حدود الكوميديا في عالم اليوم المعقد، بحيث لا يمكن تصور قدرة «داعش» على إدارة نفسه في حال بقاء الإهمال الدولي، فضلا عن قدرته على تحقيق حلم الخريطة السوداء التي باتت أيقونة الجدران والسيارات في الشام والعراق ومناطق أخرى.
إلا أن كلمة البغدادي الأخيرة دشنت لمرحلة جديدة عنوانها استهداف السعودية كما كانت تفعل «القاعدة» من قبل إلا أن حجم استهداف السعودية مع داعش أكبر وحتى لغة التعبير عن ذلك حيث رفع شعار{ قتل المشركين} في جزيرة العرب ليس في إشارة إلى غير المسلمين من المعاهدين وأهل الذمة بل استهداف الطوائف والأقليات الدينية وعلى رأسهم الطائفة الشيعية في إشارة إلى فشل عملية الأحساء والمطالبة بتكرار ذلك الاستهداف.
كلمة البغدادي إذا ما قرأناها بالأدبيات العسكرية هي بيان حرب يحدد أولويات المرحلة ويهدف إلى رفع معنويات أتباعه من الداعشيين وطلب المزيد من الكوادر وتوسيع نطاق المعركة وجلب الأميركيين إلى حرب برية من شأنها في حال تفوق داعش تغيير المعادلة في المنطقة كما أنها ستحرج المجتمع الدولي في حال بقاء الضربات الجوية التي لم تؤت أكلها حتى الآن.
كلمة البغدادي تم تداولها على نطاق واسع في الإنترنت إلا أن ذلك لم يمنع من قيام التنظيم بطباعة كمية كبيرة من الأقراص المدمجة التي تحتوي على الخطبة وتوزيعها على كل المناطق الخاضعة تحت سيطرة التنظيم طبع عليها شعار تنظيم «داعش» مع صور لأعضاء التنظيم تحت عبارة {اللجنة الإعلامية لولاية الأنبار قسم التوزيع والنشر»، وكتب على الغلاف: هذه الأقراص تحتوي على مقتطفات من خطب أمير المؤمنين أبو عمر البغدادي، ومقتطفات من خطب وزير الحرب أبو حمزة المهاجر، ومقتطفات من خطب الشيخ أسامة بن لادن، وعمليات منوعة قصيرة وهو ما يفسر بأنها عملية إعلامية شاملة تستهدف حتى أولئك البعيدين عن منصات الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي المرتع الخصب للداعشيين.
المسألة لم تعد ارتباكا سياسيا أو تقدير موقف خاطئ.. هناك إهمال للحرب الفكرية على داعش سيجر ويلات كبيرة على المنطقة رغم أن «داعش» ليس أعظمها وأخطرها، فالتنظيم رغم النجاحات الباهرة التي سيحققها بإعلان الدولة على مستوى الاستقطاب والتمويل والدعاية المجانية وإيقاظ الحلم، ليس فقط في دوائر المؤمنين بالعنف المسلح طريقة للتغيير، بل للقادمين من دهاليز سرية بعد فشل دولة الإسلام السياسي.
يدين المتطرفون للبغدادي بأكبر انتعاش للفكر المسلح المتطرف منذ تأسس تنظيم القاعدة وحتى تضخمه بعد الاحتلال الأميركي للعراق وصولا إلى تحول العراق والشام إلى منطقة فوضى خلاقة بالمقاتلين والتنظيمات والأفكار المتطرفة في حدودها القصوى.



«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)
TT

«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)

قبل نحو شهر تقريباً أدرجت السلطات البريطانية جماعة «حزب الله» بمؤسساتها المختلفة السياسية والعسكرية كمنظمة إرهابية، ومن قبلها مضت ألمانيا في الطريق عينه، الأمر الذي دفع المراقبين لشأن الميليشيات اللبنانية الجنسية الإيرانية الولاء والانتماء للتساؤل: «ما الجديد الذي جعل الأوروبيين يتصرفون على هذا النحو؟»

الشاهد أن الأمر لا يقتصر فقط على الجانب الأوروبي، بل أيضاً تبدو الولايات المتحدة الأميركية في حالة تأهب غير مسبوقة، وسباق مع الزمن في طريق مواجهة الخلايا النائمة «لحزب الله» على أراضيها، ناهيك عن تلك المنتشرة في الفناء اللوجيستي الخلفي، لها أي في أميركا اللاتينية.
غير أن الجديد والذي دفع جانبي الأطلسي لإعلان مواجهة شاملة لميليشيات «حزب الله» هو ما توفر لأجهزة الاستخبارات الغربية، والشرقية الآسيوية أيضاً، لا سيما تلك التي ترتبط بعلاقات تبادل أمني مع بروكسل وواشنطن، من معلومات تفيد بأن «حزب الله» ينسج خيوطاً إرهابية جديدة في دول أوروبية وأميركية وآسيوية، من أجل الاستعداد للمواجهة القادمة حكماً في تقديره بين طهران والغرب.
ليس من الجديد القول إن ميليشيات «حزب الله» هي أحد أذرع الإيرانيين الإرهابية حول العالم، وقد أعدت منذ زمان وزمانين من أجل اللحظة المرتقبة، أي لتكون المقدمة الضاربة في إحداث القلاقل والاضطرابات، ومحاولة ممارسة أقصى وأقسى درجات الضغط النفسي والمعنوي على الأوروبيين والأميركيين، مع الاستعداد التام للقيام بعمليات عسكرية سواء ضد المدنيين أو العسكريين في الحواضن الغربية حين تصدر التعليمات من نظام الملالي.
مؤخراً أشارت عدة مصادر استخباراتية غربية لعدد من وسائل الإعلام الغربية إلى الخطة الجديدة لـ«حزب الله» لإنشاء شبكات موالية له في العديد من مدن العالم شرقاً وغرباً، الأمر الذي أماطت عنه اللثام صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية بنوع خاص والتي ذكرت في تقرير مطول لـ«نيكولا باروت»، أن فكر التقية الإيراني الشهير يمارس الآن على الأرض، بمعنى أن البحث يجري على قدم وساق من أجل تجنيد المزيد من العناصر لصالح ميليشيات «حزب الله»، لكن المختلف هو انتقاء عناصر نظيفة السجلات الأمنية كما يقال، أي من غير المعروفين للأجهزة الأمنية والاستخباراتية سواء الأوروبية أو الآسيوية أو الأميركية.
هل الحديث عن عناصر «حزب الله» في الغرب قضية حديثة أم محدثة؟
الواقع أنهما الأمران معا، بمعنى أن ميليشيات «حزب الله» كثفت حضورها الخارجي في الأعوام الأخيرة، لا سيما في أميركا اللاتينية، وهناك جرى إنشاء «كارتلات» تعمل على تهريب البشر والسلاح والمخدرات من جهة، وتتهيأ لمجابهة أميركا الشمالية من ناحية أخرى.
ولعل المثال الواضح على قصة هذا الاختراق لدول القارة اللاتينية يتمثل في قضية الإرهابي سلمان رؤوف سلمان، الذي شوهد مؤخراً في بوغوتا بكولومبيا، والذي ترصد الولايات المتحدة الأميركية عدة ملايين من الدولارات لاقتناصه، بوصفه صيداً ثميناً يحمل أسرار ميليشيات «حزب الله» في القارة الأميركية الجنوبية برمتها.
أما المثال الآخر على الخلايا النائمة في الولايات المتحدة الأميركية فيتمثل في شخص علي كوراني الذي تم القبض عليه في نيويورك بعد أن تم تجنيده لصالح «حزب الله» لتنفيذ هجمات إرهابية، حال تعرض إيران أو «حزب الله» في لبنان لهجمات من جانب الولايات المتحدة الأميركية، ولاحقاً أكدت التحقيقات التي جرت معه من قبل المباحث الاتحادية الأميركية أنه أحد أعضاء وحدة التخطيط للهجمات الخارجية في الحزب والمعروفة بـ«الوحدة 910».
كارثة كوراني تبين التخطيط الدقيق لإيران وأذرعها لإصابة الدول الغربية في مقتل، ذلك أنه كان دائم التنقل بين كندا والولايات المتحدة، حيث حاول تهريب متفجرات من كندا إلى الداخل الأميركي.
كان كوراني مثالاً على الخلايا النائمة التابعة «لحزب الله» في دول العالم، لا سيما أنه ينتمي لعائلة معروفة بصلاتها الوثيقة مع الحزب، وقد التحق بمعسكر تدريب تابع للحزب عندما كان في السادسة عشرة من عمره، وتعلم إطلاق النار، والقذائف الصاروخية قبل أن يجند كجزء من خطة للانتقام لمقتل عماد مغنية أحد قادة «حزب الله» رفيعي المستوى الذي قضى بسيارة مفخخة في دمشق عام 2008.
هل كان القبض على كوراني المدخل للخطط الجديدة لميليشيات «حزب الله» لنسج خيوط شبكات إرهابية جديدة غير معروفة لقوى الأمن والاستخبارات الدولية؟
يمكن أن يكون ذلك كذلك بالفعل، ولهذا تقضي الآلية الجديد تجنيد عناصر غير عربية، وغالباً ما يكون المعين المفضل من دول شرق وجنوب آسيا، والتي تكثر فيها الحواضن المشبعة بالإرهاب الأصولي، وقد كان آخر شخص تم الاشتباه فيه مهندس باكستاني لا يتجاوز الثلاثة عقود من عمره، وبدا أنه على اتصال «بحزب الله».
ويعزف القائمون على الميليشيات الخاصة «بحزب الله» على الأوتار الدوغمائية الشيعية تحديداً، ويستغلون الكراهية التقليدية تجاه الولايات المتحدة الأميركية والقارة الأوروبية، ويلعبون على أوتار القضايا الدينية، مظهرين الصراع بين إيران والغرب على أنه صراع ديني وليس آيديولوجياً، وفي الوسط من هذا يقومون بتجنيد من يقدرون على تعبئتهم، وفي هذا تكون الكارثة لا الحادثة، أي من خلال استخدام جوازات سفرهم الأجنبية أو تزويد بعضهم الآخر بجوازات سفر قد تكون حقيقية مسروقة، أو مزورة، ليمثلوا حصان طروادة في الجسد الأوروبي أو الأميركي.
لا تكتفي خطط ميليشيات «حزب الله» الخاصة بإعداد شبكات إرهابية جديدة في الغرب بالطرق التقليدية في تجنيد عناصر جديدة من الصعب متابعتها، بل يبدو أنها تمضي في طريق محاكاة تنظيم «داعش» في سعيه لضم عناصر إرهابية إضافية لصفوفه عبر استخدام وسائط التواصل الاجتماعي الحديثة من مخرجات الشبكة العنكبوتية الإنترنت، مثل «فيسبوك» و«تويتر» و«إنستغرام».
في هذا السياق تبدو الخطط الجديدة لـ«حزب الله» كمن ينسج شبكات إرهابية في العالم الرقمي، بمعنى أنها خطط لتجنيد المزيد من «الذئاب المنفردة»، تلك التي يمكن أن يتفتق ذهنها عن وسائل انتقام غير مدرجة من قبل على خارطة الأعمال الإرهابية، فكما كان استخدام الشاحنات للدهس في أوروبا أداة غير معروفة، فمن الجائز جداً أن نرى آليات جديدة تمارس بها الجماعة الإيرانية الخطى طريقها في إقلاق الحواضن الغربية.
يتساءل المراقبون أيضاً هل من دافع جديد يقودها في طريق شهوة الانتقام غير المسبوقة هذه؟
من الواضح جداً أن قيام الولايات المتحدة الأميركية باغتيال قاسم سليماني، والتهديدات التي أطلقها «إسماعيل قاآني»، قائد فيلق القدس الجديد، ضمن صفوف الحرس الثوري الإيراني، بأن تملأ جثث الأميركيين الشوارع، هي وراء تسريع إيران في طريق دفع ميليشيات «حزب الله» في تغيير طرق تجنيد واكتساب عملاء جدد يكونون بمثابة رؤوس حراب في المواجهة القادمة.
خلال صيف العام الماضي كشفت مصادر استخباراتية لصحيفة «ديلي تليغراف» البريطانية عن أن الأزمة مع إيران قد تتسبب في إيقاظ خلايا إرهابية نائمة، وتدفعها إلى شن هجمات إرهابية على بريطانيا، ولفتت المصادر عينها إلى الخلايا يديرها متشددون مرتبطون بـ«حزب الله» اللبناني.
ولم تكن هذه تصريحات جوفاء أو عشوائية، وإنما جاءت بعد أن كشفت شرطة محاربة الإرهاب في عام 2015 في بريطانيا عن خلية جمعت أطناناً من المتفجرات في متاجر بضواحي لندن، موضحة أن إيران وضعت عملاءها في «حزب الله» على استعداد لشن هجمات في حالة اندلاع نزاع مسلح، وهذا هو الخطر الذي تشكله إيران على الأمن الداخلي في بريطانيا.
والثابت أنه لا يمكن فصل مخططات ميليشيات «حزب الله» الخاصة بتجنيد عناصر ونسج شبكات جديدة عن الموقف الواضح لـ«حزب الله» من الصراع الدائر بين أميركا وإيران، فهي ترغب في القتال، وهو ما أشار إليه حسن نصر الله أمين عام الحزب في مقابلة تلفزيونية مع قناة المنار التابعة لجماعته عندما أجاب على سؤال حول ما ستفعله الجماعة في حال نشوب حرب بين إيران والولايات المتحدة، إذ أجاب بسؤال استفهامي أو استنكاري على الأصح في مواجهة المحاور: «هل تظن أننا سنقف مكتوفي الأيدي؟ إيران لن تحارب وحدها، هذا أمر واضح وضوح الشمس، هكذا أكد نصر الله».
هل قررت إيران إذن شكل المواجهة القادمة مع الولايات المتحدة الأميركية، طالما ظلت العقوبات الاقتصادية الأميركية قائمة وموجعة لهيكل إيران التكتوني البنيوي الرئيسي؟
فوفقا لرؤية «ماثيو ليفيت» مدير برنامج ستاين لمكافحة الإرهاب والاستخبارات في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، يبدو أن إيران و«حزب الله» لن يعتمدا المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة في حال نشوب حرب بين واشنطن طهران، إذ سيتم إيقاظ «الخلايا النائمة» من سباتها في الداخل الأميركي الشمالي والجنوبي أولاً، عطفاً على ذلك إعطاء الضوء الأخضر للعناصر والشبكات الجديدة بإحداث أكبر خسائر في صفوف الأوروبيين، وتجاه كل ما يشكل أهدافاً ومصالح أميركية من شمال الأرض إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها دفعة واحدة.
الخلاصة... العالم أمام فصل جديد مقلق من تنامي مؤامرات «حزب الله» والتي ظهرت خلال السنوات القليلة الماضية خارج الشرق الأوسط، ربما بشكل لا يقل إقلاقاً عن الدور الذي يلعبه على التراب الوطني اللبناني في حاضرات أيامنا، ما يجعل التفكير في حصار هذا الشر أمراً واجب الوجود كما تقول جماعة الفلاسفة، من غير فصل مشهده عن حجر الزاوية الذي يستند إليه، أي إيران وملاليها في الحال والمستقبل.