أبو بكر البغدادي.. الخليفة المزعوم يدشن عهدا جديدا لـ«داعش»

تذويب كل التيارات المتشددة.. ونقل المعركة إلى جبهات جديدة

أبو بكر البغدادي.. الخليفة المزعوم يدشن عهدا جديدا لـ«داعش»
TT

أبو بكر البغدادي.. الخليفة المزعوم يدشن عهدا جديدا لـ«داعش»

أبو بكر البغدادي.. الخليفة المزعوم يدشن عهدا جديدا لـ«داعش»

في خطبة صوتية هي الأهم من الخليفة الداعشي المزعوم أبو بكر البغدادي اختار لها الآية: «ولو كره الكافرون» في إشارة إلى عودته إلى المشهد باستراتيجية جديدة، ردا على كل الدعاوى والإشاعات حول مقتله أو إصابته، والتي من شأنها إضعاف التمدد الداعشي على الأرض وفي الفضاء الإلكتروني الذي تنشط فيه الجماعة بما لم تستطعه أي جماعة عنفية من قبل.
«التحالف الصليبي سيفشل» ربما كانت هذه العبارة تعبر عن عصارة موقف البغدادي من الحرب الدولية على داعش بقيادة الولايات المتحدة والتي لم تحقق أهدافها إلى الآن رغم قدرتها على الحد من زحف داعش نحو ابتلاع المزيد من المدن وكسر الحدود الفاصلة بين الأقاليم في الشام والعراق.

قلق عارم ينتاب الباحثين الغربيين حيال كلمة البغدادي ويقول فريد زكريا في مقالة تحليلية معبرة عن هذا الفزع من استراتيجية البغدادي الجديدة: إن رسالة أبو بكر البغدادي، زعيم تنظيم داعش هي طُعم يراد به دفع الولايات المتحدة للتدخل بصورة أكبر في الحملة الدولية على التنظيم وذلك في سبيل الاستفادة من هذا الأمر لاستقطاب المزيد من الجهاديين حول العالم.
ويسهب شارحا فكرته «هذا تكتيك قديم، كان تنظيم القاعدة يستخدمه في السابق مرارا، تستخدم به لغة التهديد والتبجح تكرارا.. ولنتذكر بأن داعش انتقلت من كونها لا شيء إلى أن أصبحت بديلا لتنظيم القاعدة الذي يعتبر أكثر تنظيم متشدد معروف في العالم، كيف؟ ببساطة من خلال تحديه للولايات المتحدة».
من جهتها تناولت صحيفة «ناشيونال ريفيو» في تقرير لها، التسجيل الأخير الذي أطلقه، من عين نفسه خليفة للمسلمين، أبو بكر البغدادي، زعيم تنظيم داعش الإرهابي، معتبرة أن البغدادي أراد تكذيب إشاعات راجت حول مقتله إثر غارة جوية، فأطلق ذلك الشريط الجديد المشحون بالكراهية، حيث ذكر أحداثا تمت منذ انتشار خبر احتمال موته.
ورأت الصحيفة أن البغدادي كرر تعهدات أطلقتها سابقا عدة تنظيمات متشددة سلفية، وهذا الخطاب يؤكد حقيقة استراتيجية تجاهلها الرئيس أوباما وسواه من زعماء الغرب، هي أن داعش يمثل خطرا كبيرا، وتهديدا واسع النطاق، واعتبرت الصحيفة أن إدارة أوباما باعتقادها أن داعش يجب أن يهزم بداية في العراق، ومن ثم في سوريا، تتجاهل حقيقة كون هذا التنظيم يشن حربا على ساحتين مادية وفكرية معا.
خطبة البغدادي الأخيرة منعطف جديد في تاريخ الحركات العنفية في المنطقة، حيث الانتقال من استراتيجية مواجهة {العدوان الصليبي} والغربي إلى مواجهة الأنظمة العربية والآن استهداف الأقليات بهدف ضرب مداميك السلم الأهلي، وتعكس خطبته الأخيرة حجم استهداف المملكة العربية السعودية إن على مستوى الاستقطاب والتجييش أو على مستوى الاستهداف وتقويض الأمن.
كما يعكس الهجوم الداعشي على السعودية حالة الإحباط من فشل العملية الأخيرة في الأحساء والتي تعاملت معها الأجهزة الأمنية على طريقتها في الضربات الأمنية الاستباقية، وفي ذات الوقت تتصدى المملكة لحملات التجنيد والتعاطف والتأييد لمقاتلي داعش في الداخل أو على حدودها الممتدة والتي تتقاطع مع نقاط كثيرة ملتهبة.
التسجيل الصوتي المنسوب للبغدادي يشرع الكثير من الأسئلة الجديدة حول استراتيجية التنظيم، فهو يدشن عصرا جديدا لداعش يمتد خارج حدود الصراع في الشام والعراق، فالبغدادي ينوي ترحيل العنف الداعشي إلى مناطق أخرى لأهداف كثيرة منها تشتيت جهود التحالف في ضربه، إضافة إلى استقطاب المزيد من الخلايا والكوادر العنفية التي لم تتمكن من الانتقال إلى أرض المعركة.
كلمة البغدادي المقتضبة لم تغفل الهجوم على التحالف الجديد ضد داعش والذي وصفه الخليفة المزعوم بالتحالف الصليبي الفاشل، كما خص هجومه على دول بعينها على رأسها المملكة العربية السعودية باعتبارها حجر عثرة أمام المشروع الداعشي الذي يستهدف المنطقة بأسرها.
جديد هذه الكلمة الصوتية هو مضمونها الموجه ليس إلى الإعلام الخارجي فحسب، بل للأنصار والمتعاطفين الذين بدأوا يشكون في قدرة داعش على البقاء لتأتي الكلمة وتطلب منهم كما عبر البغدادي «تفجير براكين الجهاد في كل مكان» وهو ما يعني تحول داعش من تنظيم إقليمي يستهدف إقامة دولته على مناطق التوتر في الشام والعراق إلى تنظيم أممي دولي بأذرع وفروع محلية في كل مكان، والأمر ليس من قبيل المبالغة حيث تضمنت الكلمة طلب البيعة وقبولها من كل الأنصار في أماكنهم وعلى من يريد الانضمام إلى داعش كما صرح البغدادي تقديم البيعة في أي من ولايات وأقاليم داعش الافتراضية والتي تحتل خريطة العالم كما يقول المناصرون.
البغدادي نفى صحة الخسائر في صفوف المسلحين وبشكل ضمني نفى أنه قد أصيب مذكرا بكذب الحملة الصليبية على تنظيمه وأنها تزعم قتل عشرات {المجاهدين }وتدمير الآليات وكل ذلك عار عن الصحة، محذرا من تصديق الإعلام الكاذب وعلى حد قوله: «اطمئنوا أيها المسلمون بأن دولتكم بخير وفي أحسن حال، وستظل تمتد بإذن الله» وهذه العبارة بحد ذاتها دليل على أن البغدادي لا يرى في نفسه أقل من خليفة للمسلمين كافة وليس لأتباعه من المؤمنين بآيديولوجية داعش وولاياتها.
اللافت في كلمة البغدادي فيما يخص التنافس بين المجموعات المتشددة الدعوة إلى تجديد البيعة لا سيما بعد تمرد الكثير من الخلايا الصغيرة وعودتها إلى بيعة الظواهري و«القاعدة» مجددا على إثر اكتشاف أن «داعش» لعبة استخباراتية أكثر من كونها مشروعا عالميا كما يعبر القاعديون في منصاتهم الإعلامية، كما لم ينس أن يتباهى بأنصاره في العالم حيث صرح بقبول كل «البيعات» للتنظيمات والمجموعات والأفراد من كل المناطق ودعا إلى الانضمام إلى التيارات التي أعلنت بيعتها إلى داعش وأبرزها تنظيم بيت المقدس في سيناء الذي أعلن بيعته ودعمه الكامل لداعش بل وتحويل سيناء إلى ولاية لداعش.
لم يفت الخليفة الداعشي أيضا الهجوم على كل مجموعة أو شخص لم يبايع داعش، وبالتالي دعا كل المجاميع المتشددة إلى المبادرة بإعلان بيعتها وصرح بقبول كل المتحولين من الجماعات المتشددة أفرادا ومجموعات وهو ما يعكس هدفين مزدوجين تذويب الحالة الجهادية في داعش وهو أمر بالغ الخطورة لم تجرؤ عليه حتى «القاعدة» في أيام قوتها، والثاني محاولة لتضخيم عدد وقدرة التنظيم في رسالة واضحة إلى التحالف الأميركي الذي لم يحقق أهدافه بعد.
توقيت الكلمة الصوتية للبغدادي جاء بعد تلقيه 5 بيعات دفعة واحدة، منها أنصار بيت المقدس في سيناء، والتي غيرت إلى ولاية بيت المقدس في سيناء، بيعة الخلافة في المغرب العربي، بيعات من اليمن والسعودية، بيعات سابقة من قيادات في حركة طالبان باكستان وهو ما يعني إطلاق العنان للآلة الدعائية الإعلامية لداعش لاستقطاب المزيد من الكوادر والأفراد، ويتزامن هذا الزهو الداعشي بتحقيق اختراقات كبيرة شكلت صدمة للمراقبين في العراق والشام وفي الأنبار تحديدا حيث تتسيد داعش حتى في مناطق تحت سيطرة الحكومة كما أنهم ليسوا بعيدين عن عاصمة العراق.
البغدادي فضل الكلمة الصوتية عبر خطبة غير مرئية حرصا على النواحي الأمنية حيث بات من السهل تحليل وقراءة إحداثيات التسجيل المرئي وبالتالي الوصول إلى مكان تقريبي لوجوده واستهدافه، كما أن احتمال إصابته قد ترجح تفضيل الظهور الصوتي على المرئي وهو ما يعني أن هدف البغدادي الأول طمأنة أتباعه وطرح استراتيجية التنظيم الجديدة ومن هنا جاء عنوان كلمته بالآية «ولو كره الكافرون» ليعكس حجم التحدي لقوات التحالف.
ويمكن القول: إن 17 دقيقة حملت الكثير من الأهداف لخليفة داعش المزعوم أهمها التأكيد على تمدد وبقاء داعش, كما يزعم ووصوله لليمن وليبيا والجزائر وسيستمر الزحف إلى روما أيقونة الحلم المعبرة عن نبوءات الملاحم في آخر الأزمان في تدليل على أن داعش وخليفته يرون أنهم الباقون على درب {الجهاد} في آخر الزمان حتى فتح روما.
التنظيم على مستوى المناطق الخاضعة تحت سيطرته يعمل على قتل وتصفية الخصوم من المجموعات المقاتلة التي لم تبايع البغدادي أو التي ما زالت تدين بولائها لـ«القاعدة» حتى بعد إعلان داعش خليفته كخليفة عام للمسلمين لا يجوز الخروج عليه أو نقض بيعته. في السابق كان داعش يلعب جيدا على مركزية الشام في الفكر المتشدد، في الوقت نفسه الذي يلعب فيه بإيقاع سياسي محترف يحاول استغلال الفراغ الأمني على طول الشريط الحدودي للعراق وسوريا ولبنان، فهو من جهة يشكل بديلا لتجربة «حزب الله» الدولة غير المعلنة، وهنا يذكي الجانب الطائفي ويلعب على مسألة حدود الدولة القُطرية بهدف دغدغة مشاعر كوادر الإسلام السياسي وكل التنظيمات ذات التفكير الأممي؛ من السلفية الحركية إلى حزب التحرير، مرورا بشخصيات قد تصمت عن جرائم «داعش» في مقابل انتظار قفزاتها السياسية لاحقا نحو مركب «داعش» متى ما استقر لها الأمر، وهو ما نجده في ثنايا تعليقات نجوم الدعاة المسيسين. حتى الآن، لم تظهر أي شجاعة إلا من قبل الفقيه الأصولي المغربي أحمد الريسوني، وهو مقدر عند الإسلامويين – الذي إن استغل الحدث باعتباره تعبيرا عن فشل إيقاف الظلم تجاه الإسلاميين المعتدلين، فإنه أكد أن إعلان الدولة المجهولة افتئات على المسلمين يجب ردعه ولو بالقتال.. ماذا عن بقية التيارات الدينية؛ من المعتدلة، إلى الرسمية، إلى الحركية؟ لا شيء تجاه «داعش»، مع أن إعلان الخلافة أهم مسألة سيواجهها الخطاب الشرعي الآن، فإبطال هذه الدعوى يلزم منه سحب شرعية «داعش»، والقبول بها يلزم منه وجوب الهجرة إلى دولة الخلافة، وهو خيار يقترب من حدود الكوميديا في عالم اليوم المعقد، بحيث لا يمكن تصور قدرة «داعش» على إدارة نفسه في حال بقاء الإهمال الدولي، فضلا عن قدرته على تحقيق حلم الخريطة السوداء التي باتت أيقونة الجدران والسيارات في الشام والعراق ومناطق أخرى.
إلا أن كلمة البغدادي الأخيرة دشنت لمرحلة جديدة عنوانها استهداف السعودية كما كانت تفعل «القاعدة» من قبل إلا أن حجم استهداف السعودية مع داعش أكبر وحتى لغة التعبير عن ذلك حيث رفع شعار{ قتل المشركين} في جزيرة العرب ليس في إشارة إلى غير المسلمين من المعاهدين وأهل الذمة بل استهداف الطوائف والأقليات الدينية وعلى رأسهم الطائفة الشيعية في إشارة إلى فشل عملية الأحساء والمطالبة بتكرار ذلك الاستهداف.
كلمة البغدادي إذا ما قرأناها بالأدبيات العسكرية هي بيان حرب يحدد أولويات المرحلة ويهدف إلى رفع معنويات أتباعه من الداعشيين وطلب المزيد من الكوادر وتوسيع نطاق المعركة وجلب الأميركيين إلى حرب برية من شأنها في حال تفوق داعش تغيير المعادلة في المنطقة كما أنها ستحرج المجتمع الدولي في حال بقاء الضربات الجوية التي لم تؤت أكلها حتى الآن.
كلمة البغدادي تم تداولها على نطاق واسع في الإنترنت إلا أن ذلك لم يمنع من قيام التنظيم بطباعة كمية كبيرة من الأقراص المدمجة التي تحتوي على الخطبة وتوزيعها على كل المناطق الخاضعة تحت سيطرة التنظيم طبع عليها شعار تنظيم «داعش» مع صور لأعضاء التنظيم تحت عبارة {اللجنة الإعلامية لولاية الأنبار قسم التوزيع والنشر»، وكتب على الغلاف: هذه الأقراص تحتوي على مقتطفات من خطب أمير المؤمنين أبو عمر البغدادي، ومقتطفات من خطب وزير الحرب أبو حمزة المهاجر، ومقتطفات من خطب الشيخ أسامة بن لادن، وعمليات منوعة قصيرة وهو ما يفسر بأنها عملية إعلامية شاملة تستهدف حتى أولئك البعيدين عن منصات الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي المرتع الخصب للداعشيين.
المسألة لم تعد ارتباكا سياسيا أو تقدير موقف خاطئ.. هناك إهمال للحرب الفكرية على داعش سيجر ويلات كبيرة على المنطقة رغم أن «داعش» ليس أعظمها وأخطرها، فالتنظيم رغم النجاحات الباهرة التي سيحققها بإعلان الدولة على مستوى الاستقطاب والتمويل والدعاية المجانية وإيقاظ الحلم، ليس فقط في دوائر المؤمنين بالعنف المسلح طريقة للتغيير، بل للقادمين من دهاليز سرية بعد فشل دولة الإسلام السياسي.
يدين المتطرفون للبغدادي بأكبر انتعاش للفكر المسلح المتطرف منذ تأسس تنظيم القاعدة وحتى تضخمه بعد الاحتلال الأميركي للعراق وصولا إلى تحول العراق والشام إلى منطقة فوضى خلاقة بالمقاتلين والتنظيمات والأفكار المتطرفة في حدودها القصوى.



«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».