نقابة العمال التونسية ترفض قرارات الحكومة لـ «تقليص الإنفاق»

مخاوف من عودة الاحتجاجات في حال المساس برواتب الموظفين

TT

نقابة العمال التونسية ترفض قرارات الحكومة لـ «تقليص الإنفاق»

كشف «الاتحاد التونسي للشغل»، كبرى نقابات العمال في تونس، عن رفضه سياسة حكومة إلياس الفخفاخ الرامية إلى «الضغط على المصاريف وتقليص النفقات والإنفاق العمومي ونظام التأجير»، مشددا على ضرورة احترام الحقوق المكتسبة للموظفين العموميين وأجراء القطاع العام، وعلى سحب مقترحات الحكومة المتعلقة بتأجيل الانتدابات المبرمجة خلال السنة الحالية في الوظيفة العمومية، مع النظر في إمكانية تأجيل انتدابات السنة المقبلة، علاوة على إرجاء برنامج الترقيات المهنية لسنتي 2020 و2021، وترشيد إسناد مِنح الإنتاج وربطها بالأداء الفعلي للموظفين، والتراجع عن منح الساعات الإضافية للسنة الحالية.
وقال نور الدين الطبوبي، الأمين العام لاتحاد الشغل، إن الأولوية بالنسبة للطرف النقابي خلال هذه الفترة «ضمان أجور العاملين في القطاع الخاص لشهر أبريل (نيسان) الحالي، إثر توقف النشاط الاقتصادي»، وذلك بعد التأكد من أن الحكومة لم تتخذ قرارا بالاقتطاع من أجور موظفي القطاع العام. ومن المنتظر عقد اجتماع ثلاثي، يشمل وزارة الشؤون الاجتماعية (الطرف الحكومي) واتحاد الشغل (نقابة العمال)، واتحاد الصناعة والتجارة (مجمع رجال الأعمال) بهدف متابعة الوضع الاجتماعي في القطاع الخاص عن كثب.
من جهته قال سامي الطاهري، المتحدث باسم نقابة العمال، إن أعضاء المكتب التنفيذي للاتحاد «عبروا عن قلقهم الشديد إزاء الوضع الهش، الذي يعيشه عمال القطاع الخاص، سواء فيما يتعلق بظروف عملهم، أو بضمان سلامتهم، أو فيما يتعلق بأجورهم». مبرزا أن الاتحاد «وبقدر حرصه على ديمومة المؤسسات، وعمله على خروجها من الأزمة الحالية، فإنه يؤكد على وجوب ضمان أجور العمال». داعيا الدولة إلى المساهمة في ذلك بما يخفف الأعباء عن العمال، ويحد من خطر تعرضهم للبطالة.
وكان الطاهري قد أكد في تصريح سابق أن «توقف عدد كبير من الموظفين عن العمل ليس امتناعا من جانبهم، ولم يكن برغبتهم، بل فرضته القوة القاهرة». في إشارة إلى وباء «كورونا»، وهو ما قد يخلق توترات إضافية بين الحكومة والطرف النقابي، إذا ما اتخذت الحكومة قرارا بتقليص أجور الموظفين، أو التراجع عن حقوقهم المهنية.
ودعا الطرف النقابي إلى تجنب خضوع قرار رفع الحجر العام للضغوط، وأن يتم فقط اتباع رأي الجهات الصحية المختصة، مع ضرورة الإعداد مسبقا لهذه المرحلة الجديدة، من حيث التدرج والتوقي والحماية والضمانات الاجتماعية.
وانتقد الطاهري «التصريحات الاستفزازية»، التي أدلى بها بعض أصحاب المؤسسات الصناعية والصحية الخاصة تجاه الموظفين والعمال وعموم التونسيين، وقال في بيان إنها «تؤكد غربة هؤلاء وبعدهم عن الوعي بالمصلحة العامة، في وقت تعيش فيه البلاد حاجة ماسة إلى تكاتف الجهود وتقاسم التضحيات».
وفي هذا الشأن، قال ناجي العباسي، المحلل السياسي التونسي لـ«الشرق الأوسط»، إن النبرة التي تحدث بها الطرف النقابي «تخفي رفضا لسياسة الحكومة، وقد يلجأ إلى الصدام والاحتجاجات الاجتماعية، في حال تم تنفيذ إجراءات تمس ما يعتبره حقوقا مكتسبة للموظفين والعمال».
وتوقع العباسي أن تلجأ جميع الأطراف الاجتماعية إلى الحوار لتجاوز الخلافات، على اعتبار أن الصدام في مثل هذه الظروف لا يخدم أي طرف.
في غضون ذلك، أصدرت الحكومة إثر عقد اجتماع لمجلس الوزراء، 12 مرسوما حكوميا، في إطار تطبيق القانون المتعلق بتفويض البرلمان لرئيس الحكومة بإصدار المراسيم، واختصار الآجال لتسريع تنفيذ إجراءات مكافحة انتشار فيروس «كورونا».
ومن بين هذه المراسيم مرسوم يتعلق بسن إجراءات جبائية ومالية للتخفيف من حدة تداعيات «كورونا»، وإحداث مساهمة ظرفية استثنائية لفائدة ميزانية الدولة. علاوة على إجراءات اجتماعية استثنائية وظرفية لمرافقة المؤسسات، والإحاطة بأجرائها المتضررين من تداعيات تطبيق إجراءات الحجر الصحي الشامل، وهي مراسيم من المنتظر أن تترك جدلا كبيرا، خاصة مع الطرف النقابي الذي أبدى تحفظات عدة تجاه السياسة المنتظرة من الحكومة.



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم