قصة برشلونة المأساوية تواصل فصولها الهزلية

الخلافات بين كبار مسؤولي النادي باتت هي القاعدة

تعطل الأحداث الرياضية لم يؤد إلى توقف المشكلات داخل برشلونة
تعطل الأحداث الرياضية لم يؤد إلى توقف المشكلات داخل برشلونة
TT

قصة برشلونة المأساوية تواصل فصولها الهزلية

تعطل الأحداث الرياضية لم يؤد إلى توقف المشكلات داخل برشلونة
تعطل الأحداث الرياضية لم يؤد إلى توقف المشكلات داخل برشلونة

استقال ستة من أعضاء مجلس إدارة نادي برشلونة الإسباني بسبب عدم رضاهم عن طريقة إدارة النادي، وهو الأمر الذي يعمق من الأزمات التي يعاني منها النادي. وتضمن خطاب الاستقالة، الذي سلمه الأعضاء يوم الخميس الماضي، المطالبة باستكمال التحقيق الخارجي فيما أصبح يُعرف باسم «بارسا غيت» أو «فضحية برشلونة»، ومعاقبة أي شخص مسؤول وإعادة أية أموال قد استخدمت في هذه الفضيحة إلى النادي.
وتشير هذه المزاعم، التي أوردها لأول مرة راديو كادينا سير، إلى أن النادي قد دفع مبالغ مالية تصل إلى 900 ألف يورو لشركة «آي 3 فينشرز» لإدارة مواقع إلكترونية وحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي تهاجم شخصيات معارضة ولاعبين سابقين وكذلك ممن يلعبون حاليا بالنادي، وتدافع عن رئيس النادي جوسيب ماريا بارتوميو.
ونفى برشلونة وبارتوميو وشركة «آي 3 فينشرز» هذه المزاعم بشدة، ووصف رئيس النادي هذه المزاعم بأنها «خاطئة تماما». لكن سواء كانت هذه المزاعم صحيحة أم لا، فقد أدت إلى أن تزداد الأمور سوءا داخل النادي الكاتالوني. وإذا كانت هذه المزاعم صحيحة، فإنها لم تؤد الهدف المطلوب منها. وفي بعض الأحيان يكون هناك الكثير من الحرائق التي لا يمكن إخمادها والتي تؤدي في النهاية إلى احتراق الرجال الموجودين بداخلها!
ومهما كانت الحماية التي يتمتع بها رئيس النادي، ووجود قطاع كبير من وسائل الإعلام على استعداد للدفاع عنه، فعندما تتوالى العديد من الأشياء السيئة بهذه السرعة الكبيرة فإنها ستؤثر بكل تأكيد على سمعة بارتوميو. وحتى توقف الأحداث الرياضية لم يؤد إلى توقف المشكلات داخل النادي الكاتالوني، وربما يكون هذا منطقيا تماما، نظرا لأن النجاحات التي كان يحققها فريق الكرة كانت تغطي منذ فترة طويلة على المشاكل الكبيرة التي يعاني منها النادي، وبالتالي فإن توقف النشاط الكروي قد كشف هذه المشاكل.
وقال النجم الأرجنتيني ليونيل ميسي في مقابلة شخصية في فبراير (شباط) الماضي: «منذ يناير (كانون الثاني) كان النادي يخرج من مشكلة ليدخل في مشكلة أخرى». ولم يكن ميسي مخطئا في هذا التصريح، ولم تتباطأ وتيرة المشكلات التي يعاني منها النادي منذ ذلك الحين. وبدلاً من ذلك، تسارعت هذه المشكلات ولم يعد لها نهاية، وأصبحت سخيفة وهزلية إلى أبعد حد ممكن. ولم تكن استقالة أعضاء مجلس الإدارة الستة، بما في ذلك نائبا الرئيس والرجل الذي كان ينظر إليه على أنه سيكون الرئيس القادم للنادي، هي أحدث مشكلة يعاني منها النادي.
ففي غضون ساعات قليلة من الاستقالة، قال نائب الرئيس المستقيل، إيميلي روسود، لراديو كاتالونيا إنه يعتقد أن شخصا ما في برشلونة لديه «يد في كل هذه الأمور السيئة». ودفع ذلك مجلس إدارة برشلونة لإصدار بيان «يحتفظ بالحق في اتخاذ إجراء قانوني» - قضية أخرى للنادي ضمن سلسلة لا نهاية لها من القضايا - ويصر على أن الاستقالات كانت، على أي حال، جزءا من خطط بارتوميو «لإعادة هيكلة» مجلس إدارة النادي. وهكذا تسير الأمور.
ومنذ يناير الماضي، أقال برشلونة مديره الفني إرنستو فالفيردي، على الرغم من أن الفريق كان يتصدر جدول ترتيب الدوري الإسباني الممتاز، وعرض المنصب على نجم الفريق السابق تشافي هيرنانديز، الذي رفض العرض، وأشار في وقت لاحق إلى أنه لن يعود للعمل تحت قيادة المجلس الحالي، وأصر على أنه يجب إبقاء التأثيرات «السامة» بعيداً عن غرفة ملابس اللاعبين. وبعد ذلك، عرض مجلس إدارة النادي مهمة تدريب الفريق على المدير الفني الهولندي رونالد كومان، الذي رفض العرض أيضا. وكان يجب على مجلس الإدارة أن يعرف أن كومان سيرفض، نظرا لأنه مرتبط الآن بتولي تدريب منتخب هولندا. كما تم عرض المنصب على المدير الفني الأرجنتيني ماوريسيو بوكيتينو، لكنه رفض أيضا. وفي النهاية، تولى قيادة الفريق كيكي سيتين، الذي اعترف بأنه تفاجأ بتلقيه هذا العرض. وقال مجلس إدارة النادي إن تعيين سيتين على رأس القيادة الفنية للفريق هو جزء من عملية طويلة، لكن سيتين نفسه قال إنه تلقى مكالمة من النادي أمس ورد عليها بالموافقة وانتهى الأمر. ويؤكد ذلك أن هذه كانت كذبة جديدة من أكاذيب مجلس إدارة النادي.
وبعد ذلك، أشار المدير الرياضي للنادي، إريك أبيدال، إلى أن اللاعبين قد لعبوا دورا في إقالة فالفيردي من منصبه. لكن ميسي، الذي بدأ صبره ينفد والذي قال ذات مرة إن نائب الرئيس آنذاك خافيير فاوس «لا يعرف أي شيء عن كرة القدم»، انتقد أبيدال على الملأ، متهما إياه بـ«تشويه» سمعة اللاعبين، ومطالبا أبيدال بتحمل مسؤولية تصرفاته. واعترف ميسي في وقت لاحق بأنه قد سئم من الاتهامات التي توجه إليه وتقول إنه هو من يدير النادي، قائلا: «لا أعرف لماذا يعتقد الناس ذلك». وفي الحقيقة، ربما يعتقد الناس ذلك لأنهم يتمنون حقا أن يكون هو من يتحكم في زمام الأمور داخل النادي.
ولم تتوقف المشاكل عند هذا الحد، حيث يحتاج الفريق للتعاقد مع مهاجم، لكنه لم يتعاقد مع أي لاعب، وبدلا من ذلك باع اثنين من المهاجمين. لقد خسر الفريق خدمات لويس سواريز وعثمان ديمبيلي لغيابهما عن الملاعب لفترة طويلة بداعي الإصابة، واكتفى النادي بالتعاقد على عجل مع مارتن بريثويت - بمقابل مادي يتجاوز المبلغ الذي كان النادي مستعدا لدفعه عندما كانت فترة انتقالات اللاعبين لا تزال مفتوحة بالفعل - وهو الأمر الذي أدى إلى ضعف خط هجوم الفريق بشكل ملحوظ، خاصة في ظل عدم وجود ما يكفي من لاعبي الفريق الأول لتكوين دكة بدلاء قوية لخط الهجوم. وتبع ذلك هزيمة برشلونة في مباراة الكلاسيكو أمام الغريم التقليدي ريال مدريد، لأول مرة منذ أربع سنوات. ومع بزوغ كل يوم جديد، يتم الحديث عن لاعبين يسعى برشلونة للتعاقد معهم، لكن لا توجد أموال بالنادي لإبرام هذه الصفقات.
وفي خضم كل ذلك، ظهرت المزاعم المتعلقة بشركة «آي 3 فينشرز»، وتم إيقاف جاومي مسفررير، أقرب مستشار لرئيس النادي، ليكون كبش فداء، لكن الكثيرين يعتقدون أنه ما زال يعمل داخل النادي من خلف الكواليس. ثم جاءت المفاوضات بشأن خفض الأجور - في النادي الذي أعلن قبل شهر واحد عن أنه أكبر علامة تجارية رياضية في العالم - وهو الأمر الذي أدى إلى سلسلة أخرى من السخط والانقسام. وكان اللاعبون غاضبين، وأصدر ميسي بيانا أعرب فيه عن شعوره بـ«المفاجأة» من التسريبات التي خرجت من داخل النادي بهذا الشأن، والتي كانت تهدف في الأساس للضغط على اللاعبين وجعلهم يظهرون بصورة سيئة. وقال لويس سواريز هذا الأسبوع: «كنا غاضبين لأنه قد قيل أشياء غير صحيحة».
وتحمل اللاعبون أيضا اثنين في المائة من رواتبهم لدفع رواتب الموظفين الذين لن يتمكن النادي من دفع رواتبهم أو لا يرغب في دفعها. وفي الحقيقة، فإن هذه الأخبار الجيدة جعلت النادي يبدو سيئاً ورئيسه يبدو في موقف أسوأ. لقد أصر بارتوميو على أن هذه التسريبات لم تأت منه أو من الرئيس التنفيذي، أوسكار غراو، وهو ما يعني أنه يريد أن يلقي باللوم على أي شخص آخر، وهو ما أدى إلى تعميق الشعور بعدم الثقة داخل مجلس الإدارة، حيث كان بعض الأعضاء يطالبون بإجابات حول هذه التسريبات وحول شركة «آي 3 فينشرز»، وكانوا يريدون أن يعرفوا أيضاً لماذا تم دفع الكثير من الأموال، ولماذا تم دفعها على أقساط صغيرة بهدف تجنب إجراء عمليات تدقيق داخلية.
ووصلت الأمور إلى ذروتها داخل النادي، الذي بات يعاني من ديون هائلة من جهة، كما يعاني داخل الملعب من جهة أخرى. ورغم أن مستوى الفريق بات في تراجع واضح من عام لآخر، فإن رواتب اللاعبين تلتهم 67 في المائة من ميزانية النادي، وهي ظاهرة غير صحية بالمرة. وعلاوة على ذلك، هناك شعور بعدم الثقة في كل مكان داخل النادي: بين اللاعبين ومجلس الإدارة؛ وبين أعضاء مجلس الإدارة أنفسهم أيضا. وتنتهي ولاية بارتوميو عام 2021، ولا يحق له الترشح لولاية أخرى، ويرى البعض أنه متساهل للغاية مع اللاعبين الذين لا يثقون به. لقد رأى بارتوميو عدم الولاء، حتى بين أعضاء مجلس الإدارة الذين كان من المفترض أن يكونوا إلى جانبه.
لقد مر شهر واحد فقط منذ أن قام بارتوميو بتعيين روسود نائباً له، في خطوة كان يرى كثيرون أنها تهدف لأن يكون روسود هو الرئيس القادم. وبدلا من ذلك، انقلب بارتوميو على روسود. وفي الأسبوع الماضي اتصل بأربعة مديرين - روسود، وإنريكي تومباس، وسيلفيو إلياس، وجوسيب بونت - ودعاهم إلى المشي معه، وكان يعلم جيدا أنه لا يمكنه إقالتهم من مناصبهم. وقال روسود عن ذلك: «لقد أخبرني بأن لديه مخاوف بشأن عدد من المديرين، بما في ذلك أنا شخصيا. إنه أمر غير منطقي. أنا لا أحب الطريقة التي تعامل بها مع الأمور».
وبعد ذلك بيومين، أعلن روسود وتومباس وإلياس وبونت استقالتهم. يمكن أن ينظر إلى تلك الخطوة على أنها انتصار، لكن بارتوميو لم يتوقع أن ينضم إليهم في هذه الخطوة كل من جوردي كالسامجليا وماريا تيكسيدور. إلى جانب ذلك، نادراً ما تكون الاستقالات الجماعية انتصاراً لأي رئيس، لأنها تعكس الانقسامات والخلافات وتظهرها إلى العلن وتؤدي إلى تراكم الأزمات. ومن بين أعضاء مجلس الإدارة الذي شكله بارتوميو عام 2015، لم يتبق سوى نصفهم. ويضم المجلس الآن 13 شخصاً، على الرغم من أن اللائحة تقول إن المجلس يجب أن يضم 14 شخصا على الأقل! وزعم روسود أن «هناك ثلاثة مديرين آخرين على الأقل يفكرون في الاستقالة».


مقالات ذات صلة

لافوينتي : نهائي كأس أوروبا سيكون متوازناً… سيفوز الأقل خطئاً

رياضة عالمية دي لافوينتي (د.ب.أ)

لافوينتي : نهائي كأس أوروبا سيكون متوازناً… سيفوز الأقل خطئاً

طالب مدرب المنتخب الإسباني لويس دي لا فوينتي لاعبيه بصناعة التاريخ لبلادهم عندما يتواجهون مع المنتخب الإنجليزي.

«الشرق الأوسط» (برلين)
رياضة عالمية ينتظر المنتخب الإسباني الآن مباراة أخيرة لفرض سحره والتألق (أ.ف.ب)

«لا فوينتي الهادئ» كسب معركته مع الصحافة… وأعاد إسبانيا لعافيتها

نجح المدرب لويس دي لا فوينتي، رغم العقبات والانتقادات، في إعادة منتخب إسبانيا إلى الطريق الصحيح بثقة وهدوء.

«الشرق الأوسط» (برلين)
رياضة عالمية لاعبو إنجلترا بعد تخطي هولندا والتأهل لنهائي «يورو 2024»

هل تعد إسبانيا أفضل منتخب في بطولة كأس الأمم الأوروبية 2024؟

هل كانت إنجلترا بحاجة لتقديم الأداء السيئ والممل أمام الدنمارك لكي تعيد ضبط الأمور وتصل للمباراة النهائية؟

أوروبا لاعب المنتخب الإسباني لامين يامال خلال التدريبات (أ.ف.ب)

غضب من فيديو لامين يامال بقميص منتخب المغرب

أثار مقطع فيديو للاعب لامين يامال غضباً وسط الإسبان رغم إعرابه عن فخره بقيادة منتخب بلاده للصعود لنهائي بطولة كأس الأمم الأوروبية لكرة القدم «يورو 2024»

رياضة عالمية دي لافوينتي يقوم بتوجيهاته خلال المباراة (رويترز)

مدرب إسبانيا: هدف لامين يامال «لمسة عبقرية»

أثنى لويس ديلا فوينتي، مدرب إسبانيا، على مستوى وتماسك فريقه، بعدما قلب تأخره بهدف ليفوز 2-1 على فرنسا، ويتأهل لنهائي بطولة أوروبا لكرة القدم.

«الشرق الأوسط» (ميونيخ)

بعد فرارها من «طالبان»... أفغانية سترقص مع فريق اللاجئين في «أولمبياد باريس»

 الافغانية مانيزها تالاش في فريق اللاجئين في اولمبياد باريس (حسابها الشخصي-انستغرام)
الافغانية مانيزها تالاش في فريق اللاجئين في اولمبياد باريس (حسابها الشخصي-انستغرام)
TT

بعد فرارها من «طالبان»... أفغانية سترقص مع فريق اللاجئين في «أولمبياد باريس»

 الافغانية مانيزها تالاش في فريق اللاجئين في اولمبياد باريس (حسابها الشخصي-انستغرام)
الافغانية مانيزها تالاش في فريق اللاجئين في اولمبياد باريس (حسابها الشخصي-انستغرام)

حققت الأفغانية مانيزها تالاش حلمها بالأداء خلال مسابقات «أولمبياد باريس 2024» المقامة في العاصمة الفرنسية، ضمن فريق اللاجئين، بعد هروبها من قبضة «طالبان».

وترقص تالاش (21 عاماً) «بريك دانس»، وكانت أول راقصة معروفة في موطنها الأصلي (أفغانستان)، لكنها فرَّت من البلاد بعد عودة «طالبان» إلى السلطة في عام 2021. ومع ظهور رقص «البريك دانس» لأول مرة في الألعاب الأولمبية في باريس، ستصعد تالاش إلى المسرح العالمي لتؤدي ما هي شغوفة به.

وتقول تالاش في مقابلة أُجريت معها باللغة الإسبانية: «أنا أفعل ذلك من أجلي، من أجل حياتي. أفعل ذلك للتعبير عن نفسي، ولأنسى كل ما يحدث إذا كنت بحاجة إلى ذلك»، وفقاً لما ذكرته صحيفة «واشنطن بوست».

ترقص تالاش «بريك دانس» وهي في عمر السابعة عشرة (حسابها الشخصي - إنستغرام)

شبح «طالبان»

يرفض العديد من الأفغان المحافظين الرقص، وفكرة مشاركة النساء محظورة بشكل خاص. وفي ظل حكم «طالبان»، مُنعت النساء الأفغانيات فعلياً من ممارسة العديد من الأنشطة الرياضية. منذ عودة الجماعة إلى السلطة قبل 3 سنوات، أغلقت الحكومة مدارس البنات، وقمعت التعبير الثقافي والفني، وفرضت قيوداً على السفر على النساء، وحدَّت من وصولهن إلى المتنزهات وصالات الألعاب الرياضية.

مقاتل من «طالبان» يحرس نساء خلال تلقي الحصص الغذائية التي توزعها مجموعة مساعدات إنسانية في كابل (أ.ب)

وقال تقرير للأمم المتحدة عن حقوق الإنسان هذا العام إن «عدم احترام (طالبان) للحقوق الأساسية للنساء والفتيات لا مثيل له في العالم». منذ اليوم الذي بدأت فيه تالاش الرقص، قبل 4 سنوات، واجهت العديد من الانتقادات والتهديدات من أفراد المجتمع والجيران وبعض أفراد الأسرة. وقالت إنها علمت بأنها إذا أرادت الاستمرار في الرقص، فليس لديها خيار إلا الهروب، وقالت: «كنت بحاجة إلى المغادرة وعدم العودة».

فريق اللاجئين

سيضم الفريق الذي ظهر لأول مرة في ألعاب «ريو دي جانيرو 2016»، هذا العام، 36 رياضياً من 11 دولة مختلفة، 5 منهم في الأصل من أفغانستان. وسيتنافسون تحت عَلَم خاص يحتوي على شعار بقلب محاط بأسهم، للإشارة إلى «التجربة المشتركة لرحلاتهم»، وستبدأ الأولمبياد من 26 يوليو (تموز) الحالي إلى 11 أغسطس (آب). بالنسبة لتالاش، التي هاجرت إلى إسبانيا، تمثل هذه الألعاب الأولمبية فرصة للرقص بحرية، لتكون بمثابة رمز الأمل للفتيات والنساء في أفغانستان، ولإرسال رسالة أوسع إلى بقية العالم.

انتقلت إلى العيش في إسبانيا بعد هروبها من موطنها الأصلي (حسابها الشخصي - إنستغرام)

وفي فبراير (شباط) الماضي، تدخلت صديقة أميركية لتالاش، تُدعي جواركو، بالتقديم إلى عناوين البريد الإلكتروني الأولمبي لمشاركة الفتاة الأفغانية، وفي اليوم التالي، تلقت رداً واحداً من مدير فريق اللاجئين الأولمبي، غونزالو باريو. وكان قد تم إعداد فريق اللاجئين المتوجّه إلى باريس، لكن المسؤولين الأولمبيين تأثروا بقصة تالاش وسارعوا إلى تنسيق الموارد. وافقت اللجنة الأولمبية الإسبانية على الإشراف على تدريبها، وكان المدربون في مدريد حريصين على التطوع بوقتهم.

وقال ديفيد فينتو، المدير الفني للمنتخب الإسباني: «شعرت بأنه يتعين علينا بذل كل ما في وسعنا. في شهر مارس (آذار)، حصلت تالاش على منحة دراسية، مما سمح لها بالانتقال إلى مدريد والتركيز على الاستراحة. وبعد بضعة أسابيع فقط، وصلت الأخبار بأنها ستتنافس في الألعاب الأولمبية». يتذكر جواركو: «لقد انفجرت في البكاء، وكانت تبتسم».

وقالت تالاش: "كنت أبكي بدموع الفرح والخوف".وجزء من مهمة الألعاب الأولمبية المعلنة هو "دعم تعزيز المرأة في الرياضة على جميع المستويات" وتشجيع "مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة". ولهذا السبب، كانت العلاقة بين الحركة الأولمبية وأفغانستان مشحونة منذ فترة طويلة. وقامت اللجنة الأولمبية الدولية بتعليق عمل اللجنة الأولمبية في البلاد في عام 1999، وتم منع أفغانستان من المشاركة في دورة الألعاب الأولمبية في سيدني.

شغفها حقق هدفها

لم يغِب عن تالاش أن موسيقى «البريك» و«الهيب هوب»، المحظورة في موطنها، أعطتها هدفاً لحياتها، وساعدت أيضاً في إنقاذ عائلتها. وقالت: «هذا أكبر بكثير من أي حلم حلمت به من قبل أو حتى يمكن أن أفكر فيه»، مضيفة: «إذا قالت (طالبان) إنها ستغادر في الصباح، فسوف أعود إلى منزلي بعد الظهر».

ويحكي جواد سيزداه، صديق تالاش وزعيم مجتمع «الهيب هوب» في كابل: «إذا سألت الأجانب عن أفغانستان، فإن الشيء الوحيد الذي يتخيلونه هو الحرب والبنادق والمباني القديمة. لكن لا، أفغانستان ليست كذلك». وأضاف: «أفغانستان هي تالاش التي لا تنكسر. أفغانستان هي التي أقدم فيها بموسيقى الراب، ليست الحرب في أفغانستان وحدها».

وعندما كانت تالاش في السابعة عشرة من عمرها، عثرت على مقطع فيديو على «فيسبوك» لشاب يرقص «بريك دانس» ويدور على رأسه، في مشهد لم يسبق لها أن رأت شيئاً مثله. وقالت: «في البداية، اعتقدت أنه من غير القانوني القيام بهذا النوع من الأشياء». ثم بدأت تالاش بمشاهدة المزيد من مقاطع الفيديو، وأصابها الذهول من قلة الراقصات. وأوضحت: «قلتُ على الفور: سأفعل ذلك. أنا سوف أتعلم».

وقامت بالتواصل مع الشاب الموجود في الفيديو (صديقها سيزداه) الذي شجعها على زيارة النادي المحلي الذي تدرب فيه، والذي كانت لديه محاولة لتنمية مجتمع «الهيب هوب» في كابل، ولجأ إلى وسائل التواصل الاجتماعي لدعوة جميع الأعمار والأجناس للرقص وموسيقى الراب. كان هناك 55 فتى يتدربون هناك. كانت تالاش الفتاة الأولى.

وقال سيزداه (25 عاماً): «إذا رقص صبي، فهذا أمر سيئ في أفغانستان وكابل. وعندما ترقص فتاة، يكون الأمر أسوأ. إنه أمر خطير جداً. رقص الفتاة أمر غير مقبول في هذا المجتمع. لا توجد إمكانية لذلك.

انتقلت إلى العيش في إسبانيا بعد هروبها من موطنها الأصلي (حسابها الشخصي - إنستغرام)

كنا نحاول أن نجعل الأمر طبيعياً، لكنه كان صعباً للغاية. لا يمكننا أن نفعل ذلك في الشارع. لا يمكننا أن نفعل ذلك، كما تعلمون، في مكان عام»، وفقا لما ذكرته صحيفة «واشنطن بوست».

كانت تالاش أول فتاة تنضم إلى نادي الرقص «Superiors Crew» في كابل.

تهديدات بالقتل

بعد استيلاء «طالبان» على السلطة، فرَّ أعضاء النادي إلى باكستان. وفي أحد الأحداث الجماعية الأولى للفريق في النادي الصغير، انفجرت سيارة مفخخة في مكان قريب. ووقعت إصابات في الشارع، لكن الراقصين بالداخل لم يُصابوا بأذى. ومع انتشار أخبار بأن تالاش كانت ترقص، بدأت تتلقى تهديدات بالقتل.

مقاتل من «طالبان» يقف في الحراسة بينما تمر امرأة في العاصمة كابل يوم 26 ديسمبر 2022... وشجب مفوض حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة القيود المزدادة على حقوق المرأة بأفغانستان (أ.ب)

كان من المفترض أن يكون النادي مكاناً آمناً، ولكن في أحد الأيام دخل رجل مدعياً أنه راقص يريد التعلم. وبدا مريباً لباقي الأعضاء، ووفقاً لتالاش وسيزداه، سرعان ما داهمت قوات إنفاذ القانون النادي، وألقت القبض على الرجل الذي كان يحمل قنبلة. قال سيزده: «إنهم قالوا إنه عضو في (داعش). لقد أراد فقط أن يفجِّر نفسه».

رحلة الهروب للنجاة!

وبعد بضعة أشهر من الواقعة، غادرت قوات «حلف شمال الأطلسي» والجيش الأميركي أفغانستان، وعادت «طالبان» إلى السلطة في 2021، وقال سيزداه إن مالك العقار اتصل به وحذره من العودة، وإن الناس كانوا يبحثون عن أعضاء الفريق، وقال سيزداه: «هناك أسباب كثيرة» للمغادرة. «الأول هو إنقاذ حياتك».

وقام العشرات من أعضاء نادي «الهيب هوب» بتجميع ما في وسعهم وتحميلهم في 3 سيارات متجهة إلى باكستان. أخذت تالاش شقيقها البالغ من العمر 12 عاماً، وودعت والدتها وأختها الصغرى وأخاً آخر.

وقالت تالاش: «لم أكن خائفة، لكنني أدركت أنني بحاجة إلى المغادرة وعدم العودة. كان هذا مهماً بالنسبة لي. لم أغادر قط لأنني كنت خائفة من (طالبان)، أو لأنني لم أتمكن من العيش في أفغانستان، بل لأفعل شيئاً، لأظهر للنساء أننا قادرون على القيام بذلك؛ أنه ممكن». اضطرت تالاش إلى ترك والدتها في أفغانستان، وتحقق الحلم الأولمبي ولم شمل الأسرة.

لمدة عام تقريباً، عاشوا بشكل غير قانوني في باكستان دون جوازات سفر وأمل متضائل. لم يشعروا بالأمان في الأماكن العامة، لذلك قضى 22 شخصاً معظم اليوم محشورين معاً في شقة. لم يكن هناك تدريب أو رقص. تلقت تالاش كلمة مفادها أن مسؤولي «طالبان» اتصلوا بوالدتها في كابل للاستفسار عن مكان وجود الفتاة الصغيرة. وقالت: «أحياناً أتمنى أن أنسى كل ذلك»، ثم تواصل أعضاء نادي «الهيب هوب» مع السفارات ومجموعات المناصرة والمنظمات غير الحكومية للحصول على المساعدة. وأخيراً، وبمساعدة منظمة إسبانية للاجئين تدعى People HELP، تم منحهم حق اللجوء في إسبانيا.

انقسم الفريق، وتم نقل تالاش وشقيقها إلى هويسكا، وهي بلدة صغيرة في شمال شرقي إسبانيا. كانت لديها وظيفة تنظيف في صالون محلي، ورغم عدم وجود استوديو أو نادٍ مخصص للاستراحة، فقد وجدت صالة ألعاب رياضية تسمح لها بالرقص بعد ساعات العمل. بعد سنوات من الانفصال، تم لم شمل تالاش وعائلتها أخيراً حيث يعيشون الآن في نزل للاجئين بمدريد.