مر شهر على صخب آخر مباراة كرة قدم في الملاعب الأوروبية، وتجد اللعبة الشعبية نفسها حالياً، مع مزاوليها وعشاقها، أمام تحدي ترقبٍ غير واضح المعالم في ظل تفشي فيروس كورونا المستجد. وفرض «كوفيد - 19» الذي تسبب حتى الآن بأكثر من مائة ألف وفاة معلنة، ودفع إلى تطبيق قيود واسعة على حركة التنقل والسفر، جموداً رياضياً عالمياً. وباستثناء أحداث نادرة في دول لا يتجاوز عددها عدد أصابع اليد الواحدة، يهمين التوقف على كرة القدم، وتم إلغاء مواعيد، وتأجيل أحداث كبرى كانت مقررة في صيف 2020 مثل كأس أوروبا وبطولة كوبا أميركا. وأقيمت في 12 مارس (آذار) آخر مباراة مهمة في القارة العجوز في حضور المشجعين، حيث استضاف ملعب «إيبروكس» نحو 50 ألف مشجع حضروا خسارة المضيف رينجرز الاسكوتلندي أمام باير ليفركوزن الألماني (1 - 3) في ذهاب الدور ثمن النهائي لمسابقة الدوري الأوروبي «يوروبا ليغ».
شهدت تلك الأمسية أيضاً مباريات أخرى بقيت خلف أبواب مؤصدة، وهو نسق كان قد بدأ اعتماده تدريجياً، قبل أن تلجأ السلطات الكروية إلى التعليق الكامل للمنافسات لآجال مختلفة، باتت السمة المشتركة بينها حالياً: «حتى إشعار آخر».
وبعد انقضاء شهر على التوقف، يسود عدم اليقين، فالملاعب لا تزال تفتقد روادها، ودول كروية كبرى مثل إسبانيا وإيطاليا وإنجلترا تجد نفسها في عين العاصفة، لكونها من الأكثر تضرراً بالفيروس من حيث عدد الوفيات. الأمر الوحيد المؤكد هو أن أحداً لا يعرف متى يمكن معاودة النشاط، وإن كان من دون جمهور. بعض التقارير بدأت تتطرق أيضاً إلى مخاوف الناس من استئناف الاختلاط والحضور في مدرجات تغصُّ بعشرات الآلاف، بعدما فرض الوباء تباعداً اجتماعياً وعزلاً منزلياً متواصلين منذ أسابيع.
اختصر الألماني يورغن كلوب مدرب ليفربول الإنجليزي الواقع الراهن بالقول في رسالة إلى المشجعين الشهر الماضي بعد وقف مباريات الدوري الممتاز: «علينا القيام بكل ما يلزم لحماية بعضنا بعضاً، قلت سابقاً إن كرة القدم تبدو الأهم بين أمور غير ذات أهمية. اليوم، كرة القدم ومباريات كرة القدم ليست مهمة على الإطلاق». لكن ليفربول هو من أكثر الذين آلمهم التوقف. ففريقه المهيمن بشكل شبه كامل على بطولة الدوري هذا الموسم، كان قاب قوسين أو أدنى من حسم اللقب لصالحه، وهو الأول له بعد انتظار 30 عاماً. لكن السلطات الكروية الإنجليزية، كما العديد من نظيراتها حول العالم، تشدد على أن استئناف المنافسات يرتبط بتطور الوضع الصحي، وأنها لن تقدم على أي خطوة من هذا النوع ما لم تكن «آمنة». ووجد الاتحاد القاري (يويفا) نفسه في موقف غير معتاد. أوقف مسابقتي الأندية (دوري الأبطال و«يوروبا ليغ»)، ومباريات المنتخبات، وصولاً إلى تأجيل موعد بطولته الكبرى «كأس أوروبا 2020» إلى صيف 2021. وسعى الاتحاد برئاسة السلوفيني ألكسندر سيفيرين إلى منح البطولات الوطنية الأولوية، وفتح من خلال تأجيل البطولة القارية، المجال أمام استكمال المواسم المحلية، وإن خارج المواعيد المعتادة.
حاول سيفيرين الإبقاء على تفاؤل بشأن استكمال الموسم، لكنه حذر من ضياعه بالكامل بحال لم تكن معاودة المباريات ممكنة بحلول نهاية يونيو (حزيران).
وتطرق السلوفيني أيضاً إلى ما يدور في أذهان العديد من المشجعين والمعنيين باللعبة، لجهة احتمال إلغاء موسم 2019 - 2020. وعلى سبيل المثال في إنجلترا، اعتبر سيفيرين أن ليفربول هو البطل في كل الأحوال، بتأكيده في تصريحات صحافية أنه في حال تعذر لعب المباريات، سنحتاج إلى إيجاد طريقة يتم على أساسها الإعلان عن النتائج وتحديد الفائزين، «لا أرى أي سيناريو لا يكون فيه ليفربول بطلاً».
لكن رئيس الاتحاد الدولي (فيفا) السويسري جاني إنفانتينو بدا أكثر حذراً. وبعدما لمّح إلى أن أزمة «كوفيد - 19» قد تكون فرصة لإعادة هيكلة اللعبة بالكامل، حذّر من التسرع في العودة إلى المستطيل الأخضر. وقال في رسالة إلى الاتحادات الأعضاء الأسبوع الماضي: «أولويتنا، مبدأنا، المبدأ الذي سنستخدمه في مسابقاتنا ونشجع الجميع على اتباعه هو أن تأتي الصحة في المقام الأول، لا يمكنني التشديد على هذا الأمر بما يكفي. لا مباراة، لا مسابقة، لا دوري يستحق المخاطرة بحياة بشرية واحدة». لكن من يشغل باله بذلك حالياً؟ حتى اللاعبين الذين توقف موسمهم بشكل مفاجئ في فترة تعد من الأكثر ازدحاماً عادة، يبدو تفكيرهم في مكان آخر. وقال الإسباني بابلو سارابيا: «في الحقيقة لا أفكر في أمر العودة الآن. هذا وضع معقد ولا يجب أن نفكر في كرة القدم، بل التركيز على تحسين هذا الوضع الخطير». وطال الفيروس عدداً من الأسماء في عالم اللعبة، من لاعبين ومدربين في أندية كبيرة. تسبب أيضاً بوفاة مسؤولين كانت لهم بصمتهم، مثل الرئيس السابق لريال مدريد الإسباني لورنزو سانز، والرئيس السابق لمرسيليا الفرنسي باب ضيوف. وقرع الفيروس جرس الإنذار بشأن السلامة المالية للأندية، ودفع العديد منها إلى خفض رواتب لاعبيها للتمكن من الاستمرار في فترة تجمدت فيها مصادر دخل أبرزها إيرادات المباريات وعائدات البث التلفزيوني. إيرادات البث تبدو حالياً الهاجس الأكبر للأندية. ففي إنجلترا على سبيل المثال، تقدر قيمة المبالغ التي ستضطر أندية الدوري الممتاز لتعويضها لمالكي حقوق البث لقاء المباريات التي لم تتم إقامتها، بنحو 762 مليون جنيه إسترليني (951 مليون دولار أميركي). أما شركة «كاي بي إم جي»، فقدرت خسائر أندية البطولات الكبرى (إنجلترا، وإسبانيا، وألمانيا، وإيطاليا وفرنسا) في حال إلغاء الموسم، بحدود أربعة مليارات يورو.
تمضي الغالبية العظمى من المعنيين بكرة القدم حالياً الوقت في المنزل، مع الإبقاء على التمارين البدنية للحفاظ على اللياقة قدر الإمكان في انتظار موعد استئناف لم تتضح معالمه بعد. لكن بالنسبة إلى آخرين، هذا هو وقت التفكير بما قد يحمله المستقبل، ومنهم المخضرم الإيطالي كارلو أنشيلوتي مدرب إيفرتون الإنجليزي.
ورأى المدير الفني الذي يعد من الأكثر خبرة في القارة العجوز، أن «الاقتصاد سيكون مختلفاً بعد أزمة (كورونا)، وكذلك كرة القدم، ربما ستكون أفضل».
ووضع بعض المحللون سيناريوهات مختلفة لإعلان نتائج نهائية للمسابقات في حال تم إلغاء بطولات الموسم، لكن كثيرها قوبل بالرفض لما أثاره من جدل حول مصير الهابطين والمترقين من الدرجات الدنيا. ويرفض روي هودجسون مدرب كريستال بالاس استخدام «طرق اصطناعية» لتحديد البطل ومراكز الهبوط والتأهل لدوري أبطال أوروبا، وأكد على أنه يجب استكمال الموسم الحالي من الدوري الإنجليزي بعد انتهاء إجراءات العزل الشامل بخصوص فيروس كورونا.
وأكد مدرب منتخب إنجلترا على أن هناك إجماعاً واسع النطاق لاستكمال بطولة 2019 - 2020 حتى النهاية، وقال: «الجميع متفق تماماً أن علينا الوصول لنهاية هذا الموسم... لا نريد وسائل مصطنعة لتقرير من سيفوز باللقب، من سيشارك في دوري أبطال أوروبا، من سيهبط ومن سيصعد».
وأقر هودجسون البالغ من العمر 72 عاماً، بأن اللاعبين يحتاجون إلى ما بين ثلاثة وأربعة أسابيع لاستعادة لياقتهم البدنية قبل استئناف المباريات، لكنه أبدى تقبله لإمكانية أن تكون الفترة المتاحة أقصر من ذلك. وأضاف: «ربما يعني ذلك المزيد من القيود في مكان عملنا... ربما يعني أنه يجب خوض مبارياتنا المتبقية في فترة زمنية أقصر من المعتاد، وبالتالي الحصول على فترة راحة أقل بين الموسمين».
وكان ليفربول، أحد الفرق التي تولى هودجسون إدارتها الفنية خلال مسيرته الممتدة لأكثر من 40 عاماً، في صدارة ترتيب الدوري الإنجليزي قبل تسع مباريات من نهاية البطولة، بفارق 25 نقطة عن أقرب منافسيه مانشستر سيتي الذي خاض مباراة أقل.
ويحتاج ليفربول إلى ست نقاط فقط، بصرف النظر عن النتائج التي يحققها حامل اللقب سيتي، ليحرز لقب الدوري بعد انتظار دام 30 عاماً. بينما يقبع كريستال بالاس في المركز الحادي عشر برصيد 39 نقطة، بفارق 12 نقطة عن بورنموث الثامن عشر، أول المراكز المؤدية للهبوط إلى الدرجة الأولى.
شهر من دون كرة قدم... وغموض حول موعد استئناف النشاط
البطولات الأوروبية المحلية تتمسك بالأمل... والأندية تخشى خسائر بالمليارات
شهر من دون كرة قدم... وغموض حول موعد استئناف النشاط
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة