«السينمائي»... مجلة عراقية أنيقة الشكل وضعيفة التبويب

«السينمائي»... مجلة عراقية أنيقة الشكل وضعيفة التبويب
TT

«السينمائي»... مجلة عراقية أنيقة الشكل وضعيفة التبويب

«السينمائي»... مجلة عراقية أنيقة الشكل وضعيفة التبويب

صدر في بغداد العدد الثالث من مجلة «السينمائي»، وهي مجلة شهرية مستقلة متخصصة بالشؤون السينمائية في العراق والعالم العربي، وتسعى للانفتاح على المنجز السينمائي العالمي. يضم العدد 26 مقالاً لكُتّاب عراقيين وعرب.
في الافتتاحية، أكدّ رئيس التحرير، عبد العليم البنّاء، على مضي هيئة التحرير في «محاولة تكريس المجلة وترصينها». وهذه خطوة ضرورية إذا طبقت؛ لأن المجلة تعاني حقاً من ضعف التبويب، فمن غير المعقول أن تنشر المجلة خمسة حوارات في عدد واحد بينما يجب أن تكتفي المجلة بحوار العدد، ولا بأس في أن يكون طويلاً نسبياً.
في «حوار العدد» تلتقي الصحافية عزّة فهمي النجمة المصرية نبيلة عبيد، وتسلّط الضوء في حوارها على تكريم الفنانة من قِبل مهرجان الإسكندرية، وعلاقتها بالروائي إحسان عبد القدوس، وتجسيدها شخصيات بعض رواياته، مشيرة إلى كتاب «سينما نبيلة عبيد» للناقد محمود قاسم. ثمة مقال عن «السينماتيك والذاكرة المرئية» يُدين فيه كاتبه، الذي لم ينشر اسمه أو سقط، النظام السابق الذي تعمّد خزن الأفلام والأشرطة السينمائية في بناية مُهدّمة بهدف إتلافها وتدميرها، ودعا في نهاية المقال إلى ترميمها بجهود محلية وعالمية، في حين كتب الناقد السينمائي علاء المفرجي عن «سينما ساحة التحرير» التي عكست هموم المواطن العراقي الذي ينشد الإصلاح والتغيير.
وحاورت المجلة المخرجة العراقية سيماء سمير عبّاس التي أنجزت فيلمين قصيرين، هما «وسط المدينة» و«زيرو ملم» وسوف تنتهي قريبا من وضع اللمسات الأخيرة على فيلمها الثالث «معكم في الجنة»، في حين كتب الدكتور صالح الصحن عن «الفيلم الوثائقي الآن» وضرورة انطوائه على فلسفة عميقة في الخطاب الصوري المتحضر.
وتابعت المجلة مهرجان القاهرة السينمائي، مركّزة على الأفلام العراقية التي عرضت فيه، التي فازت ببعض الجوائز مثل «شارع حيفا» لمهنّد حيال الذي خطف جائزة سعد الدين وهبة لأحسن فيلم، و«أبناء الدنمارك» لعلاوي سليم الذي حصل على جائزة الفبريسي، و«أوروبا» لحيدر رشيد الذي حاز الجائزة الكبرى في ملتقى القاهرة السينمائي. وهناك تغطية لمهرجان دهوك السينمائي بقلم نزار شهيد، وتغطية أخرى لأفلام الأنيميشن القصيرة كتبها المؤرخ السينمائي مهدي عباس، منوِّهاً فيها إلى أن العراق قد أنتج عام 1982 أول فيلم تحريك بعنوان «الأميرة والنهر» للمخرج فيصل الياسري. وهناك ثلاثة حوارات أخرى؛ الأول مع المخرج العراقي عطية الدراجي يتحدث فيه عن فيلم «90 يوماً»، والثاني مع المخرج الأرميني سيرج أفيديكيان أجراه الناقد صلاح سرميني، وهو من أعمق حوارات هذا العدد يتحدث فيه عن الابتعاد عن الحكاية، واضمحلال الصراعات النفسية، واعتماده على التفريق بدلاً من التركيب المونتاجي. أما الحوار الثالث فكان مع محمد هنيدي الذي تمحور على تكريمه بجائزة الإنجاز الإبداعي في مهرجان «الجونة» وتقديمه لبرنامج الستاند آب كوميدي.
وفي النقد، كتب بشتيوان عبد الله قراءة نقدية لفيلم «أمينة» لأيمن زيدان، في حين كتبت بان صلاح عن العنف والجنون ما بين «الجوكر» و«الأستاذ المجنون». وفي السياق ذاته، قدّم الناقد الجزائري فيصل شيباني دراسة نقدية عن فيلم «بابيشة» لمونيا مدوّر، مُحللاً فيه الوجه الحقيقي للتطرف ضد المرأة. كما تناول الناقد اللبناني محمد رضا فيلم «ستموت في العشرين» للمخرج السوداني أمجد أبو العلا، في حين يُختم باب النقد بدراسة حميد عقبي عن فيلم «ملحمة جلجامش» الذي بدا وكأنه فيلم وثائقي أو عرض مسرحي منفذ بتقنية سينمائية.
في باب «رؤية» نشر نعيم عبد مهلهل «سيناريو آخر لفيلم إنقاذ جسيكا لانش» في حين يستفيض سالم شدهان بالكتابة عن بعض «مفردات شخصية المثقف رعد مشتت» الذي يختار العزلة ويراقب الآخرين من ثقب الباب مثل بطل باربوس في رواية «الجحيم». وتناول حسين السلمان «تداعيات حركة الفيلم» مركزاً على تنويعاته المكانية باعتبارها من العناصر البنائية في الفيلم السينمائي. وهناك مقال عن رحيل الفنان سامي عبد الحميد. وثمة دراسة نقدية محكمة عن «السينما وهمٌ يصنع وهماً» للمخرج ليث عبد الأمير الذي برهن على أن السينما الوثائقية ليست بريئة من التزييف وخداع الجماهير. كما قدّم الدكتور عقيل مهدي قراءة نقدية في كتاب «البناء الدلالي لسردية الشكل السينمائي» لأحمد جبار ورأى فيه أنموذجاً لناقد سينمائي جاد ورصين.
نقرأ للكاتب المصري محمود قاسم مقالاً بعنوان «أغنيات سينمائية مطموسة في تاريخ مصر» احتلّ فيه خمس صفحات من أوراق المجلة بسبب الإسهاب في ذكر الأغاني المكرسة للملك فاروق والتي طُمست لاحقاً من قبل النظام الذي تلاه وكان بإمكانه الاكتفاء بنموذجين يفيّان بالغرض من هذه الأغاني التي أزيلت من الأفلام السينمائية. كتب الدكتور مظهر محمد صالح عن «عصر السينما وعبق الذرة» في حين يختم جاسم عاصي فهرس المجلة بالمقال الأخير الموسوم بـ«جماليات الصورة»، متفحصاً ثنائية الضوء والظل في أعمال عبد الرسول الجابري الفوتوغرافية.



ما بال العالم كله ينعم بالسلام ونحن من حرب لحرب؟

أفلاطون
أفلاطون
TT

ما بال العالم كله ينعم بالسلام ونحن من حرب لحرب؟

أفلاطون
أفلاطون

في اليوم العالمي للتسامح الذي صادف أمس، ينبغي لنا، نحن العرب تحديداً، أن نتساءل: ما بال العالم كله ينعم بالسلام ويتقلب في رغد العيش، ونحن نخرج من حرب لنلبس لأمة الحرب من جديد؟ وإن كانت أوكرانيا قد خرقت القاعدة، إلا أن الأعم الأغلب من دول العالم يعيش حياة طبيعية، تختلف عما نراه في أفلام السينما. بمناسبة اليوم، سنمر بمحطات تاريخية ذات علائق بالموضوع، ولعل أول رمز للتسامح في تاريخ الفكر هو سقراط، كما تجلّى في محاورات تلميذه أفلاطون، وتجلّت معه روح التسامح في أسلوبه الحواري كجزء من بحثه عن الحقيقة.

في المحاورات، كان متسامحاً للغاية مع محاوريه، ويدعوهم للسعي وراء الحقيقة أينما انطلق بهم هذا السعي. ولطالما شجّع خصومه على تفنيد كل ما يقول، وأن هذه هي الطريقة المُثلى للكشف عن وجه الحقيقة. وفي إحدى المحاورات يصف نفسه بأنه يبتهج بدحض الآخرين لأقواله أكثر من ابتهاجه بدحضه أقوال الآخرين، لأن النجاة من الشر خير من إنقاذ الآخرين.

السعي وراء الحقيقة، بالنسبة إلى سقراط، مرتبط بالعقل المنفتح، وهذا الشكل من التسامح الحواري يفترض بالطبع أن يؤدي إلى رؤية موحدة للحقيقة. لا بد أن تشعر في بعض الأحيان بأن تسامح سقراط مبالغ فيه للغاية، لكن ربما هذا هو أساس فكرة «المحاورات»، أن تخلق الإنسان الكامل المرجعي في كل شيء، مع أننا نعلم أنه في النهاية إنسان، ولا بد أن يكون غضب ذات مرة، بل مرات.

محطة التسامح الثانية يمكن أن نراها واضحة وأكثر تطوراً في رواقية إبكتيتوس وماركوس أوريليوس وسينيكا، فالفكرة الرواقية هي وجوب التركيز على تلك الأشياء التي يمكننا التحكم فيها، مثل آرائنا وسلوكياتنا، مع تجاهل تلك الأشياء التي لا يمكننا التحكم فيها، وخاصة آراء وسلوكيات الآخرين. ترتبط الفكرة بالاستسلام واللامبالاة، كما هو واضح في حالة إبكتيتوس، الذي قد يفسر وضعه الاجتماعي نصائحه بالتحرر الذهني، لا الجسدي، فقد نشأ مستعبداً عند الرومان.

بطبيعة الحال، صبر المستعبد ليس مثل تسامح المتسامح الذي يملك القدرة على الرفض، قدرة لا يمتلكها المستعبد، فالتسامح فضيلة القوي، كما يقول الإمبراطور ماركوس أوريليوس. وقد يرتبط الأمر بفضائل أخرى مثل الرحمة والإحسان، غير أن نظرة الرواقيين إلى التسامح لا تصل إلى درجة احترام الاستقلالية وحرية الضمير، كما الحال في الليبرالية الحديثة، إذ لم تكن الحياة السياسية الرومانية متسامحة مثل الحياة السياسية الحديثة، وعلى الرغم من أن «تأملات» ماركوس تحتوي على نصوص كثيرة تستحضر روح التسامح، فإن ماركوس نفسه كان مسؤولاً بشكل شخصي عن سحق واضطهاد المسيحيين في زمنه.

ولم يصبح التسامح موضوعاً جدياً للاهتمام الفلسفي والسياسي في أوروبا حتى القرنين السادس عشر والسابع عشر، بل قبل ذلك خلال عصر النهضة والإصلاح في القرنين الخامس عشر والسادس عشر رفع الإنسانيون من مثل إيراسموس ودي لاس كاساس ومونتين شعار استقلالية العقل البشري ضد دوغمائية الكنيسة التي كانت توقد نيران محاكم التفتيش وتلقي بالناس فيها وتقتل المخالف.

في أعقاب الانقسامات التي خلّفها مشروع الإصلاح اللوثري والإصلاح «الكاثوليكي» المضاد، دُمرت أوروبا بسبب الحرب التي أثيرت باسم الدين، حروب بلغت ذروتها في حرب الثلاثين عاماً (1618 - 1648). بسبب هذه الحرب الشنيعة، وكل الحروب كذلك، أدرك العلماء والحكماء حجم القوة التدميرية الكامنة في التعصب، فنهضوا لاجتثاث ذلك التدمير من خلال استعادة نصوص التسامح وإعادة النظر في العلاقة بين المعتقد الديني والسلطة السياسية.

لافونتين

وكان هناك تأثير ثقافي للتيار الذي قام من أجل تعريف معنى السيادة وتطهير الدين في بريطانيا مما علق به خلال الحروب الأهلية البريطانية (1640 - 1660)، ويضاف إلى كل ذلك تكاثر المعلومات عن الاختلافات الثقافية مع بداية عهد الرحلات واكتشاف العالم، وكان لاكتشاف الصين تحديداً أعظم الأثر، فقد صُدم المسيحيون صدمة فكرية عنيفة عندما وجدوا شعباً أخلاقياً لا يؤمن بدين، بمعنى أنهم وصلوا إلى أن الدين ليس مصدر الأخلاق. ورفع الإنسانيون في حركة الإصلاح شعاراً يقول: هل لديكم معرفة منقولة عن الله معصومة من الخطأ تبرر قتل من يُتهم بالزندقة؟ ولم يلبث هذا القلق بشأن قابلية الإنسان للخطأ أن فتح الطريق إلى ما يعرف باسم «التسامح المعرفي»، ومع اقتران الاعتراف بقابلية الإنسان للخطأ وانتقاد السلطة الكنسية، نشأت أشكال جديدة وأكثر عمقاً، من التسامح السياسي. وأخذ التسامح في القرن السابع عشر صورة الممارسة العملية في أجزاء معينة من أوروبا.

ربما حدث هذا نتيجة زيادة التجارة والحراك الاجتماعي. وصاغ سبينوزا حجة للتسامح ترتكز على 3 دعاوى، أولاً، تقييد حرية الفكر مستحيل. ثانياً، السماح بحرية الفكر لا يمس بسلطة الدولة. وثالثاً، يرى سبينوزا أن السلطة السياسية يجب أن تركز على التحكم في الأفعال، وليس على تقييد الفكر. هذا التركيز على الفرق بين الفكر والفعل أصبح قضية جوهرية في مناقشات المفكرين اللاحقة حول التسامح، خصوصاً عند لوك، وميل، وكانط. ويمكن العثور على صورة مختلفة إلى حد ما عن رؤى سبينوزا الأساسية في رسالة لوك الشهيرة حول التسامح (1689)، وهي مقالة كتبها أثناء منفاه في هولندا. وتركز حجة لوك بشكل خاص على الصراع بين السلطة السياسية والمعتقدات الدينية. لقد عبّر عن وجهة نظر مبنية على دعواه بأنه من المستحيل على الدولة فرض المعتقد الديني بالإكراه. وقال إن الدولة يجب ألا تتدخل في المعتقدات الدينية التي يختارها الأفراد، إلا عندما تؤدي هذه المعتقدات الدينية إلى سلوكيات أو مواقف تتعارض مع أمن الدولة. رسالة جون لوك اليوم لا تزال هي المانيفستو الأساس لكل مطالب التسامح، رغم أنها لم تكن كاملة في البداية.