«جماليات التعبير».. معرض استعادي بالقاهرة لصاحب لوحة «سراييفو»

عرض أعمال الفنان الراحل عمر النجدي في غاليري «المسار»

لوحة «حمامة السلام» وشخوص مستوحاة من أيقونات «وجوه الفيوم»  -  لوحة «في المقهى» بألوان الزيت
لوحة «حمامة السلام» وشخوص مستوحاة من أيقونات «وجوه الفيوم» - لوحة «في المقهى» بألوان الزيت
TT

«جماليات التعبير».. معرض استعادي بالقاهرة لصاحب لوحة «سراييفو»

لوحة «حمامة السلام» وشخوص مستوحاة من أيقونات «وجوه الفيوم»  -  لوحة «في المقهى» بألوان الزيت
لوحة «حمامة السلام» وشخوص مستوحاة من أيقونات «وجوه الفيوم» - لوحة «في المقهى» بألوان الزيت

طاقة إبداعية متدفقة مغمورة بنشوة صوفية تحتفظ بها لوحات الفنان التشكيلي المصري الراحل عمر النجدي، التي يحتضنها حاليا غاليري «المسار» بالزمالك. يجسد المعرض الاستعادي «جماليات التعبير» الذي يستمر حتى 24 أبريل (نيسان) الجاري، رحلة واحدة من رواد الحركة التشكيلية المعاصرة، امتدت أكثر من ستين عاما في مجالات الفن المختلفة، حتى رحيله عن عالمنا 22 مارس (آذار) 2019. عن عمر 88 عاماً.
ولد عمر النجدي بالقاهرة عام 1931. وبدأت رحلته الفنية منذ التحاقه بكلية الفنون الجميلة، وتخرج فيها عام 1953، ثم التحق بكلية الفنون التطبيقية وتخرج عام 1957. وكان أحد أعضاء جماعة الفن والحرية برئاسة الفنان التشكيلي طه حسين. درس التصوير الجداري والموزاييك بأكاديمية برافينا للفنون بإيطاليا، وفنون الخزف بروسيا، ثم درس الطباعة بأكاديمية ماستريخت بهولندا، وتخرج في أكاديمية البندقية عام 1965، وهو الفنان العربي الوحيد الذي كرست له فرنسا متحفا باسمه حيث ظل يعرض أعماله سنويا على مدار 20 عاما.
يتضمن المعرض 43 لوحة من الأعمال المرحلية للفنان تمثل إبداعاته خلال 60 عاما. وهو المعرض الفردي الأول له منذ رحيله، يقول وليد عبد الخالق، مؤسس غاليري المسار لـ«الشرق الأوسط»: «كان من المفترض أن يفتتح المعرض السفير الفرنسي بالقاهرة ولكن نظراً لأزمة فيروس كورونا، اتجه غاليري (المسار) إلى تقنين زيارة المعرض عبر تحديد موعد مسبق لزيارة المعرض بشكل منفرد، الأمر الذي يدعم فكرة التباعد الاجتماعي وفي نفس الوقت لا يحرم عشاق الفن ومريدي الفنان عمر النجدي من زيارة المعرض».
ويعتبر المعرض رحلة في مراحل الفنان المختلفة بداية من التعبيرية وتبنيه للمذهب اللحظي حيث كان يتنقل من تكنيك لآخر دون قيود وانعكست خبراته بالتيارات الفنية العالمية في تلك المرحلة مع تحديد ملامحه الفنية وسماته التي تولدت من فطرته وموهبته، وفق عبد الخالق.
في أعمال النجدي نجد فرشاته تطارد التداخلات الإبداعية بين الفنون السبعة فتأخذ من الأدب والموسيقي والشعر والمسرح؛ إذ تفتح لوحاته آفاقا رحبة أمام المتلقي نحو الدهشة والتأمل. فيما يجعل من الخط الأسود مفتاحا للعمل الفني كالراوي العليم في الفن الروائي، فهو الذي يحرك اللون ويوازن ما بين الكتلة والفراغ. وهذا يتجلى في لوحتي «في المقهى»، و«بعد العشاء». بينما في لوحة «حمامة السلام» تتجلى التأثيرات الفرعونية في شخوصه.
مزج النجدي بين تقنيات الحفر والنحت والتصوير ويتميز بقنصه للتجليات الصوفية للحياة والزمن عبر رموز مستقاة من الحضارات المصرية والرومانية واليونانية والإسلامية؛ إلا أن تأثير الثقافة الشرقية يظل هو العباءة التي يتدثر بها في لوحاته. فنجد موتيفات من العمارة الإسلامية والفلكلور المصري بروحانياته متجسداً ما بين تفاصيل اللوحة.
الكاتب الكبير الراحل الدكتور عبد الوهاب المسيري كتب عنه قائلاً: «إذا كان العنصر الفرعوني واضح في لوحاته، فهناك العنصر العربي الإسلامي أيضاً، الذي يظهر في رفضه التقليد المباشر شبه الفوتوغرافي للطبيعة أو للإنسان. ثم هناك تلك اللوحات المكونة من كلمات وحروف، وهي لوحات لها علاقة بأعماله الأخرى. فالخط الذي يستخدمه في تلك اللوحات خط متصل لا ينقطع، تماما مثل ذلك الخط الأسود المتصل الذي يوجد في لوحاته الأخرى. كما إن لوحاته التي يستخدم فيها الخط تأخذ شكل وجه إنساني».
والتقط النجدي المذهب اللحظي الذي كان ساعدا في فنون وآداب العرب والمسلمين، ما جعله يتمسك به ويعيد اكتشافه من جديد من منحي آخر في عالمنا المعاصر من خلال تأكيده على اللحظة الوقتية الانفعالية في تعبيره الفني، وفق ما قاله سابقا، خلال تقديمه أحد معارضه، والتي أضاف فيها قائلاً: «الذكريات المحيطة بي من كل جانب ما هي إلا ذكريات تعبيرية لبعض اللحظات الفارقة مرئياً بين اليقين العاقل والواعي وانتقالها للإبداع الملموس المتأثر بمشاهد من الحياة اليومية المحيطة بي»
وتعتبر لوحة «سراييفو» من أشهر لوحات الفنان عمر النجدي، وبيعت بمزاد قاعة كريستيز بدبي بمبلغ تخطى المليون دولار. وهي بعرض 11 مترا، وارتفاع ثلاثة أمتار، اللوحة تجسد قدرته على التقاط جوهر الألم، خاصة من خلال الألوان الترابية الداكنة التي يتخللها اللونان الفيروزي والأحمر. ورسمها النجدي عام 1992 خلال الصراع الصربي الكرواتي البوسني.



«دماغ السحلية»... أسباب انشغالنا بآراء الآخرين عنا

صورة لمسح الدماغ أثناء التصوير بالرنين المغناطيسي (جامعة نورث وسترن)
صورة لمسح الدماغ أثناء التصوير بالرنين المغناطيسي (جامعة نورث وسترن)
TT

«دماغ السحلية»... أسباب انشغالنا بآراء الآخرين عنا

صورة لمسح الدماغ أثناء التصوير بالرنين المغناطيسي (جامعة نورث وسترن)
صورة لمسح الدماغ أثناء التصوير بالرنين المغناطيسي (جامعة نورث وسترن)

وجدت دراسة جديدة، أجراها فريق من الباحثين في كلية الطب بجامعة نورث وسترن الأميركية، أن الأجزاء الأكثر تطوراً وتقدماً في الدماغ البشري الداعمة للتفاعلات الاجتماعية -تسمى بالشبكة المعرفية الاجتماعية- متصلة بجزء قديم من الدماغ يسمى اللوزة، وهي على اتصال باستمرار مع تلك الشبكة.

يشار إلى اللوزة تُعرف أيضاً باسم «دماغ السحلية»، ومن الأمثلة الكلاسيكية لنشاطها الاستجابة الفسيولوجية والعاطفية لشخص يرى أفعى؛ حيث يصاب بالذعر، ويشعر بتسارع ضربات القلب، وتعرّق راحة اليد.

لكن الباحثين قالوا إن اللوزة تفعل أشياء أخرى أكثر تأثيراً في حياتنا.

ومن ذلك ما نمر به أحياناً عند لقاء بعض الأصدقاء، فبعد لحظات من مغادرة لقاء مع الأصدقاء، يمتلئ دماغك فجأة بأفكار تتداخل معاً حول ما كان يُفكر فيه الآخرون عنك: «هل يعتقدون أنني تحدثت كثيراً؟»، «هل أزعجتهم نكاتي؟»، «هل كانوا يقضون وقتاً ممتعاً من غيري؟»، إنها مشاعر القلق والمخاوف نفسها، ولكن في إطار اجتماعي.

وهو ما علّق عليه رودريغو براغا، الأستاذ المساعد في علم الأعصاب بكلية فاينبرغ للطب، جامعة نورث وسترن، قائلاً: «نقضي كثيراً من الوقت في التساؤل، ما الذي يشعر به هذا الشخص، أو يفكر فيه؟ هل قلت شيئاً أزعجه؟».

وأوضح في بيان صحافي صادر الجمعة: «أن الأجزاء التي تسمح لنا بالقيام بذلك توجد في مناطق الدماغ البشري، التي توسعت مؤخراً عبر مسيرة تطورنا البشري. في الأساس، أنت تضع نفسك في عقل شخص آخر، وتستنتج ما يفكر فيه، في حين لا يمكنك معرفة ذلك حقّاً».

ووفق نتائج الدراسة الجديدة، التي نُشرت الجمعة في مجلة «ساينس أدفانسز»، فإن اللوزة الدماغية، بداخلها جزء محدد يُسمى النواة الوسطى، وهو مهم جدّاً للسلوكيات الاجتماعية.

كانت هذه الدراسة هي الأولى التي أظهرت أن النواة الوسطى للوزة الدماغية متصلة بمناطق الشبكة المعرفية الاجتماعية التي تشارك في التفكير في الآخرين.

لم يكن هذا ممكناً إلا بفضل التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي (fMRI)، وهي تقنية تصوير دماغ غير جراحية، تقيس نشاط الدماغ من خلال اكتشاف التغيرات في مستويات الأكسجين في الدم.

وقد مكّنت هذه المسوحات عالية الدقة العلماء من رؤية تفاصيل الشبكة المعرفية الاجتماعية التي لم يتم اكتشافها مطلقاً في مسوحات الدماغ ذات الدقة المنخفضة.

ويساعد هذا الارتباط باللوزة الدماغية في تشكيل وظيفة الشبكة المعرفية الاجتماعية من خلال منحها إمكانية الوصول إلى دور اللوزة الدماغية في معالجة مشاعرنا ومخاوفنا عاطفياً.

قالت دونيسا إدموندز، مرشح الدكتوراه في علم الأعصاب بمختبر «براغا» في نورث وسترن: «من أكثر الأشياء إثارة هو أننا تمكنا من تحديد مناطق الشبكة التي لم نتمكن من رؤيتها من قبل».

وأضافت أن «القلق والاكتئاب ينطويان على فرط نشاط اللوزة الدماغية، الذي يمكن أن يسهم في الاستجابات العاطفية المفرطة وضعف التنظيم العاطفي».

وأوضحت: «من خلال معرفتنا بأن اللوزة الدماغية متصلة بمناطق أخرى من الدماغ، ربما بعضها أقرب إلى الجمجمة، ما يسهل معه استهدافها، يمكن لتقنيات التحفيز المغناطيسي عبر الجمجمة استهداف اللوزة الدماغية، ومن ثم الحد من هذا النشاط وإحداث تأثير إيجابي فيما يتعلق بالاستجابات المفرطة لمشاعر الخوف والقلق».