المثقفون يحققون أمنيتهم في ظل الوباء... العزلة

كُتَّاب سعوديون يروون لـ«الشرق الأوسط» كيف يقضون أوقاتهم

شارع في جدة القديمة أفرغته تدابير مكافحة «كورونا» من المارة (أ.ف.ب)
شارع في جدة القديمة أفرغته تدابير مكافحة «كورونا» من المارة (أ.ف.ب)
TT

المثقفون يحققون أمنيتهم في ظل الوباء... العزلة

شارع في جدة القديمة أفرغته تدابير مكافحة «كورونا» من المارة (أ.ف.ب)
شارع في جدة القديمة أفرغته تدابير مكافحة «كورونا» من المارة (أ.ف.ب)

من أعز أمنيات الكتاب والمثقفين العزلة كي يتفرغوا إلى أعمالهم.
ولكن كيف يعيش المثقفون في العزلة القسرية التي فرضها فيروس «كورونا»، حالهم حال ملايين البشر؟ هل يمكن أن تفجر هذه العزلة مكامنهم الإبداعية في تفرغهم الإجباري، بعدما كانت الحياة اليومية تستهلك كثيراً من أوقاتهم وأرواحهم أيضاً، أو على الأقل تتيح لهم الفرصة لقراءة كتب مؤجلة، وربما من سنوات طويلة؟
يرى مثقفون سعوديون تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» أن من حسنات الإقامة في المنزل أنهم أعادوا ترتيب مكتباتهم، التي كانت أمنية مؤجلة منذ زمن بعيد، والعمل على استكمال المشاريع المؤجلة. فكثيرٌ من الأفكار بحاجة إلى تفّرغ من هموم الزمان، وثمة كتب انحبست على الأرفف، علاها الغبار ولم تطلها الأيدي، تتطلع إلى فسحةٍ من الوقت قبل أن يطويها النسيان.
ويرى آخرون أنها فرصة للتأمل، وإعادة حسابات الذات، والتمعن في كل شيءٍ أنجزوه من قبل في رحلة الركض المحموم نحو النجاح، كما يعبر أحد الكتاب، والهروب من العالم الصاخب من خلال كتاب تلمع فكرته الجوهرية في آخر صفحة، أو الهروب من العالم الصاخب من خلال فيلم، أو إلى شوارع الذكريات الممتدة في فضاء الماضي، ثم الكتابة عن كل شيء.
لكن آخرين يحنون إلى أوقات المقهى مرة في الأسبوع، والاجتماع مع أصدقاء الحرف والكتابة، ليتحدثوا عن الكتب التي قرأوها، أو عن مسرحية أو فيلم سينمائي شاهدوه.
صحيح، أن هناك تواصلاً يومياً عبر التليفونات أو «واتساب» أو «فيسبوك»، لكنه يبقى تواصلاً افتراضياً لا يرتقي إلى حرارة اللقاء الإنساني.
... المزيد
 



رحيل عبد الله النعيم... المعلم والمهندس قبل أن يحمل الابتدائية

الراحل عبد الله العلي النعيم
الراحل عبد الله العلي النعيم
TT

رحيل عبد الله النعيم... المعلم والمهندس قبل أن يحمل الابتدائية

الراحل عبد الله العلي النعيم
الراحل عبد الله العلي النعيم

محطات كثيرة ولافتة وعجيبة شكلت حياة عبد الله العلي النعيم، الذي رحل، الأحد، بعد رحلة طويلة في هذه الحياة تجاوزت تسعة عقود، كان أبرزها توليه منصب أمين مدينة الرياض في بدايات سنوات الطفرة وحركة الإعمار التي شهدتها معظم المناطق السعودية، وسبقتها أعمال ومناصب أخرى لا تعتمد على الشهادات التي يحملها، بل تعتمد على قدرات ومهنية خاصة تؤهله لإدارة وإنجاز المهام الموكلة إليه.

ولد الراحل النعيم في مدينة عنيزة بمنطقة القصيم وسط السعودية عام 1930، والتحق بالكتاتيب وحلقات التعلم في المساجد قبل إقرار المدارس النظامية، وأظهر نبوغاً مبكراً في صغره، حيث تتداول قصة عن تفوقه، عندما أجرى معلمه العالم عبد الرحمن السعدي في مدرسته بأحد مساجد عنيزة مسابقة لحفظ نص لغوي أو فقهي، وخصص المعلم جائزة بمبلغ 100 ريال لمن يستطيع ذلك، وتمكن النعيم من بين الطلاب من فعل ذلك وحصل على المبلغ، وهو رقم كبير في وقته يعادل أجر عامل لمدة أشهر.

محطات كثيرة ولافتة وعجيبة شكلت حياة عبد الله العلي النعيم

توجه الشاب النعيم إلى مكة بوصفها محطة أولى بعد خروجه من عنيزة طلباً للرزق وتحسين الحال، لكنه لم يجد عملاً، فآثر الذهاب إلى المنطقة الشرقية من بلاده حيث تتواجد شركة «أرامكو» ومشاريعها الكبرى، وتوفّر فرص العمل برواتب مجزية، لكنه لم يذهب للشركة العملاقة مباشرة، والتمس عملاً في إحدى محطات الوقود، إلى أن وجد عملاً في مشروع خط التابلاين التابع لشركة «أرامكو» بمرتب مجز، وظل يعمل لمدة ثلاث سنوات ليعود إلى مسقط رأسه عنيزة ويعمل معلماً في إحدى مدارسها، ثم مراقباً في المعهد العلمي بها، وينتقل إلى جدة ليعمل وكيلاً للثانوية النموذجية فيها، وبعدها صدر قرار بتعيينه مديراً لمعهد المعلمين بالرياض، ثم مديراً للتعليم بنجد، وحدث كل ذلك وهو لا يحمل أي شهادة حتى الابتدائية، لكن ذلك اعتمد على قدراته ومهاراته الإدارية وثقافته العامة وقراءاته وكتاباته الصحافية.

الراحل عبد الله العلي النعيم عمل مديراً لمعهد المعلمين في الرياض

بعد هذه المحطات درس النعيم في المعهد العلمي السعودي، ثم في جامعة الملك سعود، وتخرج فيها، وتم تعيينه أميناً عاماً مساعداً بها، حيث أراد مواصلة دراسته في الخارج، لكن انتظرته مهام في الداخل.

وتعد محطته العملية في شركة الغاز والتصنيع الأهلية، المسؤولة عن تأمين الغاز للسكان في بلاده، إحدى محطات الراحل عبد الله العلي النعيم، بعد أن صدر قرار من مجلس الوزراء بإسناد مهمة إدارة الشركة إليه عام 1947، إبان أزمة الغاز الشهيرة؛ نظراً لضعف أداء الشركة، وتمكن الراحل من إجراء حلول عاجلة لحل هذه الأزمة، بمخاطبة وزارة الدفاع لتخصيص سيارة الجيش لشحن أسطوانات الغاز من مصدرها في المنطقة الشرقية، إلى فروع الشركة في مختلف أنحاء السعودية، وإيصالها للمستهلكين، إلى أن تم إجراء تنظيمات على بنية الشركة وأعمالها.

شركة الغاز والتصنيع الأهلية تعد إحدى محطات الراحل عبد الله العلي النعيم

تولى النعيم في بدايات سنوات الطفرة أمانة مدينة الرياض، وأقر مشاريع في هذا الخصوص، منها إنشاء 10 بلديات في أحياء متفرقة من الرياض، لتسهيل حصول الناس على تراخيص البناء والمحلات التجارية والخدمات البلدية. ويحسب للراحل إقراره المكتب التنسيقي المتعلق بمشروعات الكهرباء والمياه والهاتف لخدمة المنازل والمنشآت وإيصالها إليها، كما طرح أفكاراً لإنشاء طرق سريعة في أطراف وداخل العاصمة، تولت تنفيذها وزارة المواصلات آنذاك (النقل حالياً)، كما شارك في طرح مراكز اجتماعية في العاصمة، كان أبرزها مركز الملك سلمان الاجتماعي.

تولى النعيم في بدايات سنوات الطفرة أمانة مدينة الرياض