الحوثيون في فوهة «السلام»

هل حاك التحالف ستارة الأزمة اليمنية... وما فرص نجاح إسدالها؟

الحوثيون في فوهة «السلام»
TT

الحوثيون في فوهة «السلام»

الحوثيون في فوهة «السلام»

لم يتبقَّ على عام 2018 سوى أيام معدودات. كان يمشي كأنه يسابق الوقت في ليلة من ليالي استوكهولم الماطرة، المليئة بالاجتماعات تلو الاجتماعات.
اتخذ مكانه في ردهة فندقٍ سويدي يبعد أكثر بقليل من مائة كيلومتر عن مقر مشاورات السويد اليمنية. وأخذ يقول: «علينا أن نقيس نضج الحوثيين السياسي». كانت هذه الجملة أشبه بلازمة لطالما كررها السفير الأميركي السابق لدى اليمن ماثيو تولر، في أكثر من حوار أجرته معه «الشرق الأوسط».
ولكن في زمن وباء «كورونا» أو (كوفيد - 19)، ماذا سيكون رأي السفير الذي انتقل إلى العراق عام 2019 بعد خمس سنوات عاصر خلالها منعطفات الأزمة وحتى اللحظة حول الأزمة اليمنية؟
«كوفيد - 19» غربل أجندة العالم وفرض قوانينه، وقد لا يوازي تخريبه فتافيت فوائده، بل لعل الفائدة اليتيمة فيما يبدو: وقف القتال والتركيز على مجابهة الفيروس.
لم ينتظر التحالف الحوثيين ولا التزاماتهم. مسرحيات الجماعة السابقة ونقضها الدائم لعهودها عوامل جعلت التحالف يتخذ هذه المرة استراتيجية منح الفرص. وحاك ستارة تمهد بداية النهاية وتترك للطرفين العمل على إسدالها. لقد اختار، متكئاً على دعوة أممية ودولية، أن يضع الحوثيين في «فوهة السلام»... فهل تُظهر الجماعة ذلك «النضج السياسي»؟

يحذّر رئيس الوزراء اليمني الدكتور معين عبد الملك، في تصريح خاص لـ«الشرق الأوسط» من تبعات هذا الفيروس «كوفيد - 19» الخطير، متحدثاً عن تبعات ستتجاوز الأفراد إلى الاقتصاد، «ولن ينجو منها أحد».
في اليمن، يبدو الوباء العالمي الذي بدأ يتسلل إلى نشرات الأخبار نهاية العام الماضي، كأنه أراد منح فرصة قبل أن يتسلل إلى البلد الذي انقلب فيه الحوثيون على السلطة الشرعية منذ سبتمبر (أيلول) 2014، ولم يعد هناك نظام صحي أو إداري محلي قادر على التعامل مع أمراض قابلة للعلاج. ومن المؤكد أن الفيروس، الذي هزّ كبرى دول العالم، سيكون وبالاً على اليمن وأهله، ولن يفرّق بين أنصار الحوثيين أو أنصار الشرعية.
وسط هذا الخضمّ، فتح تحالف دعم الشرعية نافذة واسعة، بإعلانه وقف إطلاق النار المؤقت القابل للتمديد.

الحقائق والآمال
يعقد كبار المسؤولين والسياسيين والمحللين آمالهم على أن يفاجئ الحوثيون منتقديهم، بتخييب الشكوك، واستثمار اللحظة، ووقف الاندفاع الذي يرافق الانبهار بالسلطة. يأملون أن يختار الحوثيون وجهة اليمن، وأن يتخلوا ولو لمرة، عن إيران ومشروعها الرامي إلى هدم بلادهم فوق رؤوسهم.
ووسط جائحة «كوفيد - 19»، ما عاد الأمر يتحمل أنصاف الحلول لليمنيين المنهكين أصلاً من الحرب. والذين يعانون في جُلّ أرجاء البلاد من نقص الخدمات والغذاء والدواء.
المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث، سلم الطرفين مبادرة حل شامل، وقال في بيان إنها جاءت بعد نقاش مع الأطراف ومجموعات يمنية متنوعة. وتضمنت المبادرة: أولاً، مقترحاً لاتفاق لوقف إطلاق النار يشمل عموم اليمن ويكون خاضعاً للمساءلة. ثانياً، مجموعة من التدابير الاقتصادية والإنسانية للتخفيف من وطأة المعاناة عن الشعب اليمني وبناء الثقة بين الأطراف. ثالثاً، الالتزام باستئناف العملية السياسية.

لحظات حرجة
يقول الدكتور معين عبد الملك «إنها لحظة خطيرة من تاريخ العالم... هناك ضرورة قصوى لإنجاح الهدنة وتوحيد الجهود في مواجهة عدو مخيف يستهدف الجميع بلا تمييز». ويذكّر عبد الملك بأن تأثيرات الجائحة العالمية «ستكون مضاعفة على بلادنا التي أنهكتها حرب الميليشيات العنصرية، ودفعت الاقتصاد وقطاع الخدمات ومستوى حياة المواطنين إلى مستويات غير مسبوقة من التردي والتدهور... نأمل أن الميليشيات ستذهب معنا للهدنة بدافع من هذا الإدراك الواعي ومن شعور عالٍ بطبيعة الخطر الذي يتربص بالعالم وبشعبنا».
ويتابع: «في تقديري، نجاح إنجاز مهمة هذه الهدنة، وتحاشي التعامل معها كفرصة للمساومة أو الربح أو تغيير موازين القوى، سيشكّلان بالإضافة إلى تأمين وحماية شعبنا وأهلنا من هذا الوباء المخيف؛ أرضية واعدة لبناء الثقة والتعاطي الإيجابي مع خطط السلام وتحويلها إلى اتفاق قابل للحياة والتطبيق». ويضيف: «الساعات الأولى للهدنة لا تبشّر بخير بسبب عدد وفداحة الخروق التي ارتكبها الحوثيون، ولكن لدينا أمل أن يستوعب الحوثيون مخاطر اللحظة وضروراتها وأن يتعاملوا مع هذه الهدنة كفرصة لإنقاذ شعبنا ولإنهاء الحرب. لدينا تجربة سيئة في الحديدة وأرجو ألا تتكرر».

طلاق إيران
بعد إعلان مبادرة وقف إطلاق النار الأحادية الجانب، حضّ خطاب كبار المسؤولين في دول التحالف على ضرورة اختيار اليمن وتغليب مصلحته على مصلحة إيران، فهو الخيار الأبقى والأنجح للحوثيين، وستنتج عنه بداية لنهاية الأزمة.
من خلال المتابعات المتسقة مع الأحداث في اليمن، تلخص ثلاث رؤى علاقة الحوثيين مع إيران، بغضّ النظر عن نسبة مؤيدي أي منها. إذ يرى البعض تبعية كاملة لا يمكن فصلها، ويقرأ آخرون أنها تبعية جزئية، لكن القرارات الحاسمة بيد إيران، وبالخصوص، مسألة الصواريخ الباليستية والمسيّرات والقرار السياسي، بينما هناك من يعتقد أن الجماعة لديها قرار وتستطيع الاختيار وعلاقتها مع النظام الإيراني أشبه بما تكون تكميلية.
تقول الخبيرة في الشأن اليمني الدكتورة إليزابيث كاندِل، وهي أستاذة في جامعة أكسفورد لـ«الشرق الأوسط» «إنها هذه خطوة ذكية من التحالف... تضع الكرة في ملعب الحوثيين»، وإذا لم يستجيبوا بشكل إيجابي ومتبادل فإنهم يتنازلون عن الأرضية الأخلاقية العالية لصالح لتحالف. وعن خروج أصوات حوثية تحاول سَوْق اتهامات بأن وقف النار «مراوغة» لإرضاء المجتمع الدولي، تقول كاندل: «الواضح أن بيان التحالف يترك الخيار مفتوحاً لتمديد وقف إطلاق النار، ويضعه صراحة كخطوة أولى نحو حل قضايا أكبر... إذا كان الحوثيون يرغبون في الاحتفاظ بأي مصداقية قيادية في مواجهة جائحة يمكن أن تهلك سكانهم الضعفاء، لن يكون أمامهم خيار سوى رد مبادرة وقف إطلاق النار بالمثل، وتركيز جهودهم بدلاً من ذلك على مكافحة انتشار الجائحة».

السفير آرون: مصلحتهم مع السعودية
يجد السفير البريطاني لدى اليمن مايكل آرون، احتراماً واسعاً من اليمنيين، وأيضاً ثمة منتقدون، خصوصاً أنه يخاطبهم باللغة العربية من خلال حسابه على مواقع التواصل الاجتماعي. في السابق، تحدث السفير عن إمكانية الفصل بين إيران والحوثيين في حديث سابق أجرته معه «الشرق الأوسط»، وهو ما أثار جدلاً في تلك الأيام. بينما ترى الأستاذة في أكسفورد أن الحوثيين في وضع يمكّنهم من اتخاذ القرار بأنفسهم دون الرجوع إلى إيران. وتعتقد أن الحوثيين «يتشاركون في قضية مشتركة مع إيران عندما تناسبهم، لكن لا يجري تشغيلهم عن طريق (التحكم عن بُعد) من قِبل إيران، خصوصاً ليس الآن، عندما تكون إيران في وضع ضعيف بعد تفشي الفيروس، والعقوبات المؤلمة، وانهيار أسعار النفط. لا يحتاج الحوثيون إلى موافقة إيران. والأمر متروك لهم ليقرروا بأنفسهم».
«الشرق الأوسط» سألت السفير آرون بعد إعلان التحالف وقف النار: «هل ما زلت متمسكاً برأيك بأن الحوثيين يستطيعون أن يتوقفوا عن التبعية لإيران؟»، فأجاب: «نعم، وأعتقد أن الحوثيين يمكن أن يقتنعوا بأن المملكة العربية السعودية حليف أوثق وأكثر موثوقية من إيران»... وأردف: «تهتم إيران فقط بالحوثيين كوكلاء في صراعهم مع السعودية... بينما للسعودية روابط تاريخية طويلة مع الشعب اليمني وتهتم بأمنه واستقراره ورخائه».
ويعتقد السفير البريطاني أن «وقف إطلاق النار الذي أعلنته السعودية سيعطي المساحة اللازمة لبدء المحادثات»، متابعاً: «طالب الحوثيون مراراً بوقف إطلاق نار على الصعيد الوطني. الآن ها هو لديهم. يحتاجون إلى إظهار أنهم يريدون السلام وبدء المحادثات».
من ناحيته، يذكر اللواء سلطان العرادة، محافظ مأرب في حديث عبر الهاتف مع «الشرق الأوسط»، أن الشرعية والتحالف حريصان على السلام الصادق العادل الذي يستحقه اليمنيون. ويقول: «الحوثيون يخرقون الهدن، آخرها الليلة الماضية (الليلة التي جرى فيها إعلان وقف النار) أطلقوا صاروخاً باليستياً على مأرب»، مشدداً على التزام الحكومة بكل سبل السلام، وأن مأرب ستبقى عصيّة إذا ما حاولوا أن يستمروا في استهدافها.

هل يريد اليمنيون إنهاء الحرب؟
يجيب الدكتور حمزة الكمالي، وكيل وزارة الشباب والرياضة عضو الفريق الإعلامي لوفد الحكومة اليمنية في مشاورات السويد، قائلاً: «لا يوجد بأي حال شك بأن هناك أي يمني لا يريد إنهاء الحرب، ولكن وفق قواعد أساسية». وتتمثل قواعد الكمالي التي تحدث عنها في «الدخول صوب سلام شامل ودائم يقوم على استعادة الدولة اليمنية، وإنهاء التمرد المسلح الذي نفّذته الميليشيات الحوثية، وأن يتحولوا إلى طرف سياسي مثلهم مثل الأطراف السياسية اليمنية الأخرى... أما أن يستمر الحوثيون في التصعيد فسنظل في حلقة مفرغة نحاول إرساء سلامٍ مع من لا يؤمن به».
ويقول الكمالي لـ«الشرق الأوسط» مستطرداً: «مبادرة التحالف تؤكد النهج الذي أتى على أثره التحالف، وهو السلام القائم على إنهاء الانقلاب في اليمن واستعادة الشرعية. الدعوة قوبلت بإيجابية من الحكومة اليمنية، ولكن ما نراه من الميليشيات الحوثية لا يبشّر بخير، ونتمنى أن يختلفوا هذه المرة ويتصرفوا بطريقة تؤدي للسلام وتمنحه لليمنيين».
أما رياض الدبعي، وهو أحد المؤسسين ومسؤول الرصد في التحالف اليمني لرصد انتهاكات حقوق الإنسان، فيرى أنه «من المهم في هذه الأوقات أن تكون هناك هدنة وتثبيت ووقف إطلاق النار في اليمن. اليمن بلد يعيش 5 سنوات منذ الانقلاب ولولا دعم الأشقاء في المملكة لكان الآن معظم المؤسسات منهارة خصوصاً الجانب الصحي الذي يعد أكثر القطاعات تضرراً في اليمن، وذلك بسبب كثرة الهجمات الحوثية على المستشفيات ومغادرة الأطباء اليمنيين بعد الانقلاب. وبالتالي تصبح الآن الهدنة ضرورة إنسانية في ظل جائحة (كوفيد – 19) وعلى جميع الأطراف التركيز على الوضع الصحي في اليمن ومحاولة تسخير الدعم لمواجهة الجائحة. هناك مبلغ 25 مليون دولار قُدم من المملكة كدعم إضافي لمواجهتها، إضافةً إلى دعمهم لخطة استجابة الأمم المتحدة 2020. كذلك يجب على الأطراف اليمنية أن تنظر إلى اليمنيين بعين الإنسانية في هذه الظروف وترك السلاح جانباً، والبدء في حوار سياسي شامل، وعليها أن تكون صادقة وتستجيب لدعوة الأمم المتحدة. وأنا هنا أخص بالذكر ميليشيا الحوثيين، عليهم أن يكونوا صادقين هذه المرة والابتعاد على المراوغة. لأنه لدينا تجارب سابقة مريرة فيما يخص الهدنات واستجابة الحوثيين. كل الهدن إلى وقف إطلاق النار لم يلتزم بها الحوثيون منذ عام 2015».

تشاؤم من استجابة الانقلاب
هل تتوقع التعامل الحوثي الإيجابي مع مبادرة وقف إطلاق النار؟ سألت «الشرق الأوسط» الكاتب السياسي اليمني سام الغباري، فأجاب: «على الرغم من إثبات الحكومة اليمنية والتحالف العربي حسن النيات سياسياً تجاه المعركة اليوم، لا تعير ميليشيا الحوثي هذه النيات أي احترام متبادل، وها نحن أمام مبادرة أحادية الجانب لم يلتزم بها الحوثي ولم يطلبها، وكانت تجاوباً مع المبعوث الأممي الذي صار ظهوره مثيراً للسخرية والريبة لدى اليمنيين. لا يمكن أن تقف هذه الميليشيا موقفاً مسؤولاً -إنسانياً- تجاه قتلاها الذين تقذفهم إلى الجحيم، ولم تستطع هذه الجماعة تقديم شخصية واحدة من داخلها قادرة على أن تقدم فرصاً للتعاطي المسؤول مع أي مبادرات سلام، فتركيبتها التنظيمية المستنسخة عن فكرة (الخميني) تدفعها إلى المناورة المفضوحة، لإعادة ترتيب صفوفها ومعاودة الكَرّة مجدداً».
ويضيف الغباري: «يمكنك العودة إلى محركات البحث لتشاهد الكمّ الهائل من الاتفاقات التي لم يلتزم الحوثي بها ولن يلتزم، كل همّه تجميد الحرب التي يخسرها، وترتيب صفوفه بعد وقع الخسائر الهائلة التي يتكبدها، كل هذا الاستنزاف البشري المميت يجب أن يتوقف بمعركة حاسمة أو اتفاق سياسي حقيقي، لكن السؤال: هل ستقبل الحوثية أي اتفاق سياسي؟ كل المعطيات التي يجب على أي سياسي حصيف أن يقرأها جيداً أن الحوثي وسلالته غير قادرين أو مؤهلين لذلك. بل من المستحيل وفق عقائدهم الفكرية الوصول إلى صيغة سلام، لأن ذلك يعني إلغاء الحق الحصري لهم في نظرية الولاية العنصرية على اليمنيين... من يريد تفسير هذه الحرب عليه أن يضع كل ملفاتها التاريخية أمامه، لأنها بالفعل معركة قديمة تتجدد، دون ذلك فالمبادرات السياسية لن تجدي نفعاً مع (مجتمع) يعيش داخل الجسد اليمني متورم بالعنصرية والحق الإلهي في الحكم وينازع اليمنيين الاتفاق على صيغة حكم معاصرة».
ويختتم الكاتب السياسي اليمني بالقول إن «الاتفاق مع أي فصيل يمني مثل المجلس الانتقالي ممكن الحدوث لأنه لا يستقي صراعات من حقوق متطرفة دينياً، لكن مع الحوثيين، أقولها كيمني، إن الحوثية تحولت إلى حركة سياسية مسلحة وعنيفة، سيطرت على صنعاء بدعم ثالوث العصبية السلالية والسلاح والفشل الإداري والسياسي للدولة حينها، والتمويل الإيراني الضخم بالمال والقدرات والسلاح النوعي».

... وقليل من التفاؤل
في المقابل، عند سؤال وكيل وزارة الخارجية اليمنية الأسبق مصطفى نعمان، عمّا يجدر ترقبه من الحوثيين، أجاب: «من المتوقع والمفترض أن تقبل الجماعة بالتعامل الإيجابي مع إعلان الهدنة التي كانت هي نفسها تطالب بها... أراها فرصة لليمنيين جميعاً للعمل بجدية ودون مماطلة واختلاق المبررات للخروج من مسار الحرب إلى مسار جديد». ثم أردف: «إن الدعوة السعودية للحضور مع جميع الأطراف اليمنية للبحث في استدامة الهدنة، وجعلها مدخلاً لتسوية سياسية تُنهي الحرب، جهد يجب دعمه دون شروط مسبقة. إن ما يواجه اليمن والمنطقة برمّتها هو أمر أخطر من الحرب وآثارها، وعلى الجميع أن يقرأ الرسائل السعودية التي عبّرت عنها تغريدات الأمير خالد بن سلمان، نائب وزير الدفاع، دون تأويلات وتشكيك».

«كوفيد - 19»... عواقب وخيمة
أخيراً، تتحدث منى لقمان، رئيسة مؤسسة «الغذاء من أجل الإنسانية - Food4Humanity»، فتقول: «رغم أننا نأمل مزيداً من الجهود الجادة في التوصل إلى وضع نهاية للحرب وليس فقط وقف إطلاق النار أو الهدنة الإنسانية المؤقتة، فإننا في الحقيقة كمراقبين وحقوقيين لا نعوّل كثيراً على التزام الحوثيين بالهدنة، والشواهد كثيرة».
لقمان تأمل «ألا يتعنت الحوثيون ويفوتوا الفرصة، خصوصاً أن الجائحة لن ترحم أحداً، وجميع حلفائهم من حكام إيران منشغلين بالكوارث التي حلّت بهم». وتحذر الناشطة الحقوقية اليمنية من انفجار هائل قد يتسبب في «تفشي الفيروس في اليمن سيكون كارثياً... ينبغي على طرفي الصراع في الحكومة الشرعية وجماعة الحوثي العمل بما تقتضيه مسؤوليتهما، أن يلتزما بالعمل المشترك والتنسيق بينهما لمواجهة الوباء، ولم نجد مؤشراً حتى اللحظة على أي تنسيق».


مقالات ذات صلة

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

حصاد الأسبوع جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

يواجه لبنان جملة من التحديات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية، خصوصاً في مرحلة التحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة وترخي بثقلها على واقعه الصعب

يوسف دياب (بيروت)
حصاد الأسبوع تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني

براكريتي غوبتا (نيودلهي (الهند))
حصاد الأسبوع تشون دو - هوان (رويترز)

تاريخ مظلم للقيادات في كوريا الجنوبية

إلى جانب يون سوك - يول، فإن أربعة من رؤساء كوريا الجنوبية السبعة إما قد عُزلوا أو سُجنوا بتهمة الفساد منذ انتقال البلاد إلى الديمقراطية في أواخر الثمانينات.

«الشرق الأوسط» (نيودلهي)
حصاد الأسبوع الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)

شرق السودان... نار تحت الرماد

لا يبعد إقليم شرق السودان كثيراً عن تماسّات صراع إقليمي معلن، فالجارة الشرقية إريتريا، عينها على خصمها «اللدود» إثيوبيا، وتتربص كل منهما بالأخرى. كذلك، شرق

أحمد يونس (كمبالا (أوغندا))
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أ.ب)

"تايم "تختار دونالد ترمب شخصية العام 2024

اختارت مجلة تايم الأميركية دونالد ترمب الذي انتخب لولاية ثانية على رأس الولايات المتحدة شخصية العام 2024.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
TT

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني فرض الأحكام العرفية، وتعليق الحكم المدني، وإرساله قوة عسكرية مدعومة بالهيلوكوبترات إلى البرلمان. ثم اضطراره للتراجع عن قراره في وجه معارضة عارمة. بيد أن تراجع الرئيس خلال ساعات قليلة من هذه المغامرة لم يزد المعارضة إلا إصراراً على إطاحته، في أزمة سياسية غير مسبوقة منذ التحوّل الديمقراطي في البلاد عام 1980 بعد فترة من الحكم التسلطي. ولقد تطوّرت الأوضاع خلال الأيام والساعات الأخيرة من الاحتجاجات في الشوارع إلى تصويت برلماني على عزل يون. وبعدما أقر البرلمان عزل الرئيس ردّ الأخير بتأكيد عزمه على المقاومة والبقاء... في أزمة مفتوحة لا تخلو من خطورة على تجربة البلاد الديمقراطية الطريّة العود.

دبلوماسي مخضرم خدم في كوريا الجنوبية قال، قبل بضعة أيام، معلقاً على الأزمة المتصاعدة: «إذا تم تمرير اقتراح العزل، يمكن وقف (الرئيس) يون (سوك - يول) عن مباشرة مهام منصبه لمدة تصل إلى 180 يوماً، بينما تنظر المحكمة الدستورية في القضية. وفي هذا (السيناريو)، يتولى رئيس الوزراء هان دوك سو منصب الرئيس المؤقت، وتُجرى انتخابات جديدة في غضون 60 يوماً».

وبالفعل، دعا هان دونغ - هون، زعيم حزب «قوة الشعب»، الحاكم، إلى تعليق سريع لسلطات الرئيس مستنداً - كما قال - إلى توافر «أدلة موثوقة» على أن يون سعى إلى اعتقال القادة السياسيين بعد إعلانه الأحكام العرفية الذي لم يدُم طويلاً. ومما أورده هان - الذي كان في وقت سابق معارضاً للمساعي الرامية إلى عزل يون - إن «الحقائق الناشئة حديثاً قلبت الموازين ضد يون، بالتالي، ومن أجل حماية كوريا الجنوبية وشعبنا، أعتقد أنه من الضروري منع الرئيس يون من ممارسة سلطاته رئيساً للجمهورية على الفور». وتابع زعيم الحزب الحاكم أن الرئيس لم يعترف بأن إعلانه فرض الأحكام العرفية إجراء غير قانوني وخاطئ، وكان ثمة «خطر كبير» من إمكانية اتخاذ قرار متطرف مماثل مرة أخرى إذا ظل في منصبه.

بالتوازي، ذكرت تقارير إعلامية كورية أن يون يخضع حالياً للتحقيق بتهمة الخيانة إلى جانب وزير الدفاع المستقيل كيم يونغ - هيون، (الذي ذُكر أنه حاول الانتحار)، ورئيس أركان الجيش الجنرال بارك آن - سو، ووزير الداخلية لي سانغ - مين. وحقاً، تمثل الدعوة التي وجهها هان، وهو وزير العدل وأحد أبرز منافسي يون في حزب «قوة الشعب»، تحولاً حاسماً في استجابة الحزب الحاكم للأزمة.

خلفية الأزمة

تولى يون سوك - يول منصبه كرجل دولة جديد على السلطة، واعداً بنهج عصري مختلف في حكم البلاد. إلا أنه في منتصف فترة ولايته الرئاسية الوحيدة التي تمتد لخمس سنوات، شهد حكمه احتكاكات شبه دائمة مع البرلمان الذي تسيطر عليه المعارضة، وتهديدات «بالإبادة» من كوريا الشمالية، ناهيك من سلسلة من الفضائح التي اتهم وعائلته بالتورّط فيها.

وعندما حاول يون في خطابه التلفزيوني تبرير فرض الأحكام العرفية، قال: «أنا أعلن حالة الطوارئ من أجل حماية النظام الدستوري القائم على الحرية، وللقضاء على الجماعات المشينة المناصرة لنظام كوريا الشمالية، التي تسرق الحرية والسعادة من شعبنا»، في إشارة واضحة إلى الحزب الديمقراطي المعارض، مع أنه لم يقدم أي دليل على ادعائه.

إلا أن محللين سياسيين رأوا في الأيام الأخيرة أن الرئيس خطّط على الأرجح لإصدار مرسوم «الأحكام العرفية الخرقاء» أملاً بحرف انتباه الرأي العام بعيداً عن الفضائح المختلفة والإخفاق في معالجة العديد من القضايا المحلية. ولذا اعتبروا أن عليه ألا يطيل أمد حكمه الفاقد الشعبية، بل يبادر من تلقاء نفسه إلى الاستقالة من دون انتظار إجراءات العزل، ومن ثم، السماح للبلاد بانتخاب رئيس جديد.

بطاقة هوية

ولد يون سوك - يول، البالغ من العمر 64 سنة، عام 1960 في العاصمة سيول لعائلة من الأكاديميين اللامعين. إذ كان أبوه يون كي - جونغ أستاذاً للاقتصاد في جامعة يونساي، وأمه تشوي سيونغ - جا محاضرة في جامعة إيوها للنساء قبل زواجها. وحصل يون على شهادته الثانوية عام 1979، وكان يريد في الأصل أن يدرس الاقتصاد ليغدو أستاذاً، كأبيه، ولكن بناءً على نصيحة الأخير درس الحقوق، وحصل على شهادتي الإجازة ثم الماجستير في الحقوق من جامعة سيول الوطنية - التي هي إحدى «جامعات النخبة الثلاث» في كوريا مع جامعتي يونساي وكوريا - وأصبح مدّعياً عاماً بارزاً قاد حملة ناجحة لمكافحة الفساد لمدة 27 سنة.

ووفق وسائل الإعلام الكورية، كانت إحدى محطات حياته عندما كان طالب حقوق عندما لعب دور القاضي في محاكمة صورية للديكتاتور (آنذاك) تشون دو - هوان، الذي نفذ انقلاباً عسكرياً وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة. وفي أعقاب ذلك، اضطر يون إلى الفرار إلى الريف مع تمديد جيش تشون الأحكام العرفية ونشر القوات والمدرّعات في الجامعة.

بعدها، عاد يون إلى العاصمة، وصار في نهاية المطاف مدعياً عاماً، وواصل ترقيه الوظيفي ما يقرب من ثلاثة عقود، بانياً صورة له بأنه حازم وصارم لا يتسامح ولا يقدّم تنازلات.

مسيرته القانونية... ثم الرئاسة

قبل تولي يون سوك - يول رئاسة الجمهورية، كان رئيس مكتب الادعاء العام في المنطقة المركزية في سيول، وأتاح له ذلك محاكمة أسلافه من الرؤساء. إذ لعب دوراً فعالاً في إدانة الرئيسة السابقة بارك غيون - هاي التي أُدينت بسوء استخدام السلطة، وعُزلت وأودعت السجن عام 2016. كذلك، وجه الاتهام إلى مون جاي - إن، أحد كبار مساعدي خليفة الرئيسة بارك، في قضية احتيال ورشوة.

أما على الصعيد السياسي، فقد انخرط يون في السياسة الحزبية قبل سنة واحدة فقط من فوزه بالرئاسة، وذلك عندما كان حزب «قوة الشعب» المحافظ - وكان حزب المعارضة يومذاك - معجباً بما رأوه منه كمدّعٍ عام حاكم كبار الشخصيات، وأقنع يون، من ثم، ليصبح مرشح الحزب لمنصب رئاسة الجمهورية.

وفي الانتخابات الرئاسية عام 2022 تغلّب يون على منافسه الليبرالي لي جاي - ميونغ، مرشح الحزب الديمقراطي، بفارق ضئيل بلغ 0.76 في المائة... وهو أدنى فارق على الإطلاق في تاريخ الانتخابات في البلاد.

الواقع أن الحملة الانتخابية لعام 2022 كانت واحدةً من الحملات الانتخابية القاسية في تاريخ البلاد الحديث. إذ شبّه يون غريمه لي بـ«هتلر» و«موسوليني». ووصف حلفاء لي الديمقراطيون، يون، بأنه «وحش» و«ديكتاتور»، وسخروا من جراحة التجميل المزعومة لزوجته.

إضافة إلى ذلك، شنّ يون حملته الانتخابية بناء على إلغاء القيود المالية والموقف المناهض للمرأة. لكنه عندما وصل إلى السلطة، ألغى وزارة المساواة بين الجنسين والأسرة، قائلاً إنها «مجرد مقولة قديمة بأن النساء يُعاملن بشكل غير متساوٍ والرجال يُعاملون بشكل أفضل». وللعلم، تعد الفجوة في الأجور بين الجنسين في كوريا الجنوبية الأسوأ حالياً في أي بلد عضو في «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية».

أيضاً، أدى استخدام يون «الفيتو» تكراراً إلى ركود في العمل الحكومي، بينما أدت تهم الفساد الموجهة إلى زوجته لتفاقم السخط العام ضد حكومته.

تراجع شعبيته

بالتالي، تحت ضغط الفضائح والخلافات، انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «غالوب كوريا» أن شعبيته انخفضت إلى 19 في المائة فقط. وتعد «كارثة» الأحكام العرفية الحلقة الأخيرة في سلسلة من الممارسات التي حددت رئاسة يون وأخطائها.

إذ ألقي باللوم على إدارة يون في التضخم الغذائي، وتباطؤ الاقتصاد، والتضييق المتزايد على حرية التعبير. وفي أواخر 2022، بعدما أسفر تدافع حشود في احتفال «الهالوين» (البربارة) في سيول عن سقوط 159 قتيلاً، تعرضت طريقة تعامل الحكومة مع المأساة لانتقادات واسعة.

زوجته في قلب مشاكله!

من جهة ثانية، كانت كيم كيون - هي، زوجة الرئيس منذ عام 2012، سبباً آخر للسخط والانتقادات في وسائل الإعلام الكورية الجنوبية. فقد اتهمت «السيدة الأولى» بالتهرب الضريبي، والحصول على عمولات لاستضافة معارض فنية عن طريق عملها. كذلك واجهت اتهامات بالانتحال الأدبي في أطروحتها لنيل درجة الدكتوراه وغيرها من الأعمال الأكاديمية.

لكن أكبر فضيحة على الإطلاق تورّطت فيها كيم، كانت قبولها عام 2023 هدية هي حقيبة يد بقيمة 1800 جنيه إسترليني سراً من قسيس، الأمر الذي أدى إلى مزاعم بالتصرف غير اللائق وإثارة الغضب العام، لكون الثمن تجاوز الحد الأقصى لما يمكن أن يقبله الساسة في كوريا الجنوبية وشركاؤهم قانونياً لهدية. لكن الرئيس يون ومؤيديه رفضوا هذه المزاعم وعدوها جزءاً من حملة تشويه سياسية.

أيضاً أثيرت تساؤلات حول العديد من القطع الثمينة من المجوهرات التي تملكها «السيدة الأولى»، والتي لم يعلَن عنها كجزء من الأصول الرئاسية الخاصة. وبالمناسبة، عندما فُتح التحقيق في الأمر قبل ست سنوات، كان زوجها رئيس النيابة العامة. أما عن حماته، تشوي يون - سون، فإنها أمضت بالفعل حكماً بالسجن لمدة سنة إثر إدانتها بتزوير وثائق مالية في صفقة عقارية.

يُضاف إلى كل ما سبق، تعرّض الرئيس يون لانتقادات تتعلق باستخدام «الفيتو» الرئاسي في قضايا منها رفض مشروع قانون يمهد الطريق لتحقيق خاص في التلاعب المزعوم بالأسهم من قبل زوجته كيم كيون - هي لصالح شركة «دويتشه موتورز». وأيضاً استخدام «الفيتو» ضد مشروع قانون يفوّض مستشاراً خاصاً بالتحقيق في مزاعم بأن مسؤولين عسكريين ومكتب الرئاسة قد تدخلوا في تحقيق داخلي يتعلق بوفاة جندي بمشاة البحرية الكورية عام 2023.

وهكذا، بعد سنتين ونصف السنة من أداء يون اليمين الدستورية عام 2022، وعلى أثر انتخابات رئاسية مثيرة للانقسام الشديد، انقلبت الأمور ضد الرئيس. وفي خضم ارتباك الأحداث السياسية وتزايد المخاوف الدولية يرزح اقتصاد كوريا الجنوبية تحت ضغوط مقلقة.

أمام هذا المشهد الغامض، تعيش «الحالة الديمقراطية» في كوريا الجنوبية أحد أهم التحديات التي تهددها منذ ظهورها في أواخر القرن العشرين.