«كورونا» يفاقم أزمة اللاجئين السوريين... والدول المضيفة

TT

«كورونا» يفاقم أزمة اللاجئين السوريين... والدول المضيفة

تفاقمت بصورة عميقة مآسي اللاجئين في إدلب شمال غربي سوريا والجزر اليونانية، وعلى حدود الاتحاد الأوروبي خلال الشهور القليلة الماضية. واستعجل انتشار «كورونا» طرح الأسئلة والبحث عن حلول. ومجدداً، ينقسم الاتحاد الأوروبي بشأن مسائل اللجوء والهجرة، ويعكس محدودية قدراته على التعامل مع قضايا السياسة الخارجية والقضايا الأمنية.
وكما كانت الحال في عام 2015، فإن تدهور أوضاع اللاجئين في اليونان وتركيا ناشئ عن تصعيد الحرب الأهلية في سوريا، ذلك أنه في أبريل (نيسان) لعام 2019، أطلق النظام السوري عدداً من الهجمات العسكرية الرامية إلى استعادة السيطرة على محافظة إدلب في شمال غربي البلاد.
وبغية مواجهة تقدم القوات الحكومية السورية، رفعت أنقرة من دعمها المباشر لقوات المعارضة السورية، مع جلب قواتها العسكرية والعتاد الثقيل إلى خطوط المواجهة الأمامية بدءاً من فبراير (شباط) لعام 2020. وترغب تركيا في وقف التدفق المتجدد للاجئين عبر حدودها، ودعماً لمطالبها بإنشاء المنطقة العازلة أو الآمنة داخل المنطقة الحدودية. وبعد تصعيد كبير، اتفقت القيادتان الروسية والتركية على وقف جديد لإطلاق النار في 15 مارس (آذار) من العام الجاري.
وينسحب اتفاق وقف إطلاق النار الجديد على شريط ضيق بطول 6 كيلومترات على جانبي طريق حلب - اللاذقية السريعة. حتى وإن أسفر اتفاق وقف إطلاق النار الجديد عن توقف الغارات الجوية منذ ذلك التاريخ، فإن الترتيبات المزمعة لا تتسم بالاستدامة، ولا تؤدي إلى تسوية المصالح المتعارضة للأطراف المعنية بالصراع السوري. كما أن الأوضاع الراهنة أثبتت صعوبة تنفيذ وقف إطلاق النار بتمامه.
فما الخيارات المتاحة على الطاولة للتعامل مع الأوضاع المتدهورة؟ صار هذا التساؤل أكثر إلحاحاً إثر انتشار «كورونا»، علماً بأن الاتحاد الأوروبي وتركيا توصلا في عام 2016 إلى بيان مشترك عزز أواصر التعاون مع أنقرة بشأن المساعدات الإنسانية ومراقبة الحدود، غير أن البيان يعاني في الوقت نفسه من نقاط ضعف كبيرة ما يطرح الحاجة إلى منهج شامل. وهناك ترجمة مختصرة لتقرير أصدره «المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية»، يتضمن قراءة في واقع الحال وتصورات لمستقبل التعاطي مع هذه الأزمة مع انتشار «كورونا».

- أوضاع مأساوية

تفاقمت مآسي المواطنين النازحين داخلياً في سوريا. ووفقاً لتقارير الأمم المتحدة، منذ بداية ديسمبر (كانون الأول) الماضي وحتى منتصف الشهر الماضي، هرب ما يقرب من مليون سوري – نحو 60 في المائة منهم من الأطفال و20 في المائة من النساء – من القتال والجيش الحكومي. واليوم، فإن نحو ربع المواطنين في المناطق المتضررة من محافظتي إدلب وحلب لا يزالون قيد الفرار والنزوح. والطريق إلى تركيا مغلقة ومسدودة، إذ استمر إغلاق جميع المعابر الحدودية إلى تركيا، من حيث المبدأ، اعتباراً من مارس (آذار) 2015. كما استكملت الحكومة التركية بناء جدار حدودي في عام 2018، واستخدمت القوة في صد وإرجاع اللاجئين الجدد. ولجأ ما يزيد على نصف المليون نازح سوري إلى المنطقة الحدودية في شمال غربي إدلب، وانتقل أكثر من 400 ألف نازح إلى المناطق الخاضعة لسيطرة تركيا شرقاً، لا سيما منطقة الباب وعفرين.
وبالنسبة إلى الكثيرين، لا يعدّ هذا أول نزوح داخلي لهم. فمنذ عام 2017، جرى إخلاء ما يقرب من 1.5 مليون مواطن سوري إلى محافظة إدلب من أجزاء مختلفة من البلاد في سياق ما كان يُعرف بـ«اتفاقيات المصالحة»، التي كانت في صالح النظام، ما أسفر عن مضاعفة تعداد السكان في محافظة إدلب، حتى قبل اندلاع الأزمة الراهنة، حيث كان 2.8 مليون مواطن سوري في شمال غربي البلاد يعتمدون على المساعدات الإنسانية. كما زادت الظروف الجوية القاسية من تفاقم أوضاع اللاجئين: فهناك نقص حاد في المخيمات ذات التدفئة المناسبة، والمياه، والمرافق الصحية، والأغذية، والحماية من الهجمات.
ويمكن، في ظل هذه الأجواء، توقع مزيد من النزوح القسري من سوريا في اتجاه الحدود التركية بمجرد اشتداد حدة القتال في محافظة إدلب مجدداً، أو إذا تمكنت دمشق من السيطرة على شمال غربي البلاد. ومع ذلك، ليست تركيا على استعداد حالياً لقبول مزيد من اللاجئين السوريين، وبالتالي من المرجح أن تظل الحدود التركية مغلقة.
حتى على المديين المتوسط والبعيد، من غير المحتمل عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم بأعداد كبيرة. بدلاً من ذلك، من المرجح بالنسبة لهم المغادرة، أو الرغبة في مغادرة البلاد حتى يستطيعوا الفرار من القمع والاضطهاد المحتمل للغاية، أو – في ظل الأزمة الاقتصادية والنقدية الطاحنة هناك – محاولة السعي لكسب العيش في أي مكان آخر.

- اللاجئون في تركيا

تستضيف تركيا حالياً أكبر عدد من اللاجئين على مستوى العالم. ويشكل اللاجئون السوريون أكبر نسبة منهم بتعداد بلغ نحو 3.6 ملين نسمة. وهناك ما يقرب من 400 إلى 500 ألف لاجئ غير سوري، أغلبهم قادم من أفغانستان، والعراق، وإيران. ويحظى السوريون بحماية مؤقتة، وتعيش نسبة 2 في المائة منهم في مخيمات اللاجئين. ويمكنهم الحصول على تصاريح العمل، ولكن هذا يعتمد في نهاية المطاف على حسن نوايا أرباب الأعمال في تركيا. وبالمقارنة مع البلدان المجاورة، يحظى اللاجئون في تركيا بمعدلات مرتفعة من الالتحاق بالمدارس، كما يعمل جانب كبير منهم في الاقتصاد غير الرسمي. ومع ذلك، لا يزال اللاجئون السوريون يشكلون تحدياً كبيراً أمام الحكومة التركية في محاولات دمجهم واستيعابهم في المجتمع والاقتصاد التركي.
علاوة على ذلك، صارت المواقف الشعبية التركية تجاه اللاجئين أكثر عدائية بصورة متزايدة مع تعمق الأزمة الاقتصادية التي تشهدها البلاد. ونتيجة لذلك، فرضت الحكومة التركية عدداً من التدابير التقييدية. كما يبدو أن بعض اللاجئين قد تعرضوا للضغوط للتسجيل من أجل العودة الطوعية إلى بلادهم. ووفقاً لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، رجع نحو 87 ألف لاجئ من تركيا إلى سوريا بين عام 2016 ويناير (كانون الثاني) من عام 2020.
وتلعب فكرة إعادة اللاجئين دوراً متزايداً كذلك في الهجمات العسكرية التي تشنها الحكومة التركية ضد جارتها الجنوبية. فعندما بدأت عملية «غصن الزيتون – أو هجوم عفرين» العسكرية في يناير من عام 2018، أكد الرئيس التركي في خطاب له أن الهدف من وراء العملية هو إعادة منطقة عفرين إلى أصحابها الحقيقيين، وإعادة 3.5 مليون لاجئ سوري إلى بلادهم. وفي سبتمبر (أيلول) من عام 2019، أي قبل شهر واحد من آخر غزو عسكري هناك، طرح إردوغان خطته على الجمعية العامة للأمم المتحدة التي تتعلق بمشروعات إعادة الإعمار في محاولة منه لتوطين نحو مليون لاجئ سوري في منطقة آمنة.

- حدود اليونان

مع نهاية فبراير (شباط)، أعلنت الحكومة التركية أنها ستفتح الحدود المشتركة مع أوروبا. ووفقاً لذلك، فإنها تجذب اللاجئين والمهاجرين إلى عبور الحدود مع اليونان، الأمر الذي يثير حالة طوارئ إنسانية على الصعيد المحلي. وهناك 4 أهداف ينطوي عليها إعلان أنقرة الأخيرة؛ أولاً: الحصول على مزيد من الدعم المالي من الاتحاد الأوروبي. ثانياً: إلزام أوروبا بتوفير الدعم المالي والدبلوماسي القوي في مواجهة حالة الطوارئ الإنسانية المريعة في إدلب. ثالثاً: توفير الدعم السياسي والعسكري لأجندة الأهداف التركية في شمال سوريا. وأخيراً، تلقي أنقرة الدعم المالي الخاص بجهود إعادة الإعمار هناك، بما في ذلك إقامة مشاريع التنمية السكنية للاجئين السوريين العائدين.
استخدمت الحكومة اليونانية الغاز المسيل للدموع والطلقات المطاطية في منع اللاجئين والمهاجرين من دخول أراضي اليونان، كما علقت الحكومة التقدم بطلبات الحصول على اللجوء السياسي لمدة شهر واحد. ووفقاً للتقارير الصحافية، جرى استخدام معسكر سري في البر الرئيسي اليوناني لاحتجاز المهاجرين واللاجئين الذين وصلوا حديثاً إلى اليونان بهدف إعادتهم مرة أخرى مباشرة إلى تركيا، في انتهاك واضح لسيادة القوانين اليونانية. وأعرب العديد من ممثلي الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك أورسولا فون دير لاين رئيسة المفوضية ومجلس وزراء الداخلية بالاتحاد الأوروبي، عن دعمهم الواضح للحكومة اليونانية في هذه المساعي.
وبحلول منتصف شهر مارس، هدأت الأزمة المباشرة على حدود الاتحاد الأوروبي في اليونان. ومنذ ذلك الحين، تعمدت الحكومة التركية نقل عدة آلاف من المهاجرين واللاجئين غير النظاميين الذين ظلوا موجودين في منطقة إيفروس الحدودية إلى المدن التركية مرة أخرى. فيما وصفه بعض الدوائر الأوروبية بأن محاولة الابتزاز من قبل أنقرة قد بلغت نهايتها في الوقت الراهن. كما استأنفت قوات حرس الحدود التركية المراقبة المنتظمة للحدود.

- الجزر اليونانية

لا تزال الظروف الحياتية للمهاجرين واللاجئين على الجزر اليونانية تتصف بالكارثية. إذ كانت المرافق، (أو ما يُعرف بنقاط الاستقبال) التي أنشئت بدعم من الاتحاد الأوروبي بدءاً من نهاية عام 2015، مصممة لاستيعاب ما يربو قليلاً على 6 آلاف شخص، ولكنها تضم حالياً أكثر من 41 ألف شخص. ويعدّ الازدحام المفرط من النتائج غير المخطط مسبقاً لها لبيان الاتحاد الأوروبي وتركيا المشترك في عام 2016، الذي تنص بنوده – من جملة أمور أخرى – على أنه لا يجوز نقل طالبي اللجوء السياسي، كبند حاكم، إلى البر اليوناني الرئيسي. وفي الأثناء ذاتها، كانت الإجراءات المعنية بطالبي اللجوء شديدة البطء في الجزر اليونانية، مع صعوبة كبيرة في تنفيذ عمليات الترحيل مجدداً إلى تركيا، التي كان من المفترض بها في الأصل الاضطلاع بتنفيذها.
ووجهت المنظمات غير الحكومية، ومفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، ومؤسسات الاتحاد الأوروبي المختلفة الانتقادات اللاذعة بشأن الظروف الحياتية في مراكز استقبال اللاجئين. ومما يُضاف إلى مشكلة الازدحام المفرط، هناك نقص الحماية الأمنية، والظروف الصحية المتدنية، وعدم كفاية الوصول إلى الخدمات الطبية، والرعاية النفسية والاجتماعية. وتقع الحوادث وتندلع الحرائق في تلك المراكز بصورة متكررة، وكذلك أعمال العنف والشغب العنيفة، تلك التي أسفرت عن سقوط العديد من الأشخاص بين قتيل وجريح. وكانت أولى حالات الإصابة المسجلة بفيروس «كورونا» بين جموع المهاجرين واللاجئين في مراكز الاستقبال في البر اليوناني الرئيسي تعكس التهديدات الأكثر خطورة على صحة وحياة الأفراد المحتجزين في مخيمات الجزر اليونانية.
وكانت الحكومة اليونانية، منذ شهور، تنظر في اقتراح إجلاء اللاجئين إلى البر الرئيسي. وعلى المديين المتوسط والبعيد، ترغب أثينا في إيواء طالبي اللجوء السياسي الجدد الذين يصلون إلى الجزر اليونانية في مرافق (مراكز استقبال) مغلقة. ومع ذلك، حالت الاحتجاجات المحلية في اليونان حتى الآن، وبدرجة كبيرة، من إنشاء تلك المراكز. ومع قانون اللجوء السياسي الذي دخل حيز التنفيذ الفعلي بدءاً من يناير الماضي، فرضت الحكومة اليونانية مزيداً من القيود على حقوق طالبي اللجوء بشأن البقاء في البلاد لحين النظر في طلبات اللجوء خاصتهم، وكذلك الاستعانة بقوات الشرطة والجيش في تسريع إجراءات طالبي اللجوء السياسي. ويتوقف نجاح الحكومة اليونانية في إعادة طالبي اللجوء المرفوضة طلباتهم إلى تركيا مرة أخرى بأعداد أكبر مما كانت عليه في السابق على فرضيتين مشكوك في صحتهما.
فمن جهة، يتعين أولاً على المحاكم اليونانية اعتبار تركيا دولة ثالثة آمنة لاستقبال اللاجئين المرفوضين. ولقد أثيرت الشواغل القانونية ذات الصلة بتلك المسألة ضد عمليات الترحيل ذات الإجراءات الموجزة للاجئين غير النظاميين أثناء الأزمة الراهنة. ومن جهة أخرى، سوف ينبغي على تركيا توفير قدر من التعاون البناء، ذلك الذي يعد موضع تساؤلات جوهرية بسبب الأزمة الأخيرة على الحدود البرية المشتركة بين البلدين.

- بيان تركي ـ أوروبي

هناك حاجة ملحة لتعزيز التعاون بين الاتحاد الأوروبي وتركيا، سواء لحماية اللاجئين أو لاعتبارات أمن الحدود. وعلى مدار الأسابيع الماضية، أكد الجانبان أن البيان المشترك الحالي للاتحاد الأوروبي وتركيا الصادر في مارس 2016 – والذي يُشار إليه غالباً باسم «معاهدة» أو «اتفاق» اللاجئين أو الهجرة – لا يزال يشكل نقطة الأساس المرجعية المشتركة. وفي أعقاب اجتماع الرئيس التركي في بروكسل بتاريخ 9 مارس، أعلن تشارلز ميتشل رئيس مجلس الاتحاد الأوروبي أنه ينبغي على الممثل السامي للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية وسياسات الأمن جوزيب بوريل ووزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو أن يعملا معاً على مراجعة كيفية إدخال بيان عام 2016 إلى حيز التنفيذ الفعلي بأفضل صورة عملية ممكنة.
وبحلول عام 2014، أسفر تصاعد الحرب الأهلية في سوريا عن اندلاع أزمة إقليمية ضخمة من النزوح القسري للاجئين، وكل ذلك في حين كانت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين تعاني نقصاً حاداً في المساعدات الإنسانية. وتمثلت الاستجابة الأولى من جانب بروكسل في إطلاق «صندوق الاتحاد الأوروبي الاستئماني الإقليمي للاستجابة للأزمة السورية» (المعروف إعلامياً باسم صندوق مدد). ووفر ذلك الصندوق الجديد الدعم المالي الأولي للعديد من بلدان الجوار السوري بدءاً من عام 2014، غير أن المساعدات لم ترق إلى مستوى الاحتياجات.
وفي ضوء أعداد اللاجئين المتزايدة بوتيرة سريعة للغاية، اعتمدت بروكسل إجراءات أكثر شمولاً لإرساء الاستقرار بدءاً من خريف عام 2015، وذلك من خلال خطة العمل المشتركة بين الاتحاد الأوروبي وتركيا. ويهدف الجزء الأول من هذه الخطة إلى تحسين الأوضاع الإنسانية للاجئين الموجودين في تركيا. ولقد جرى تحقيق ذلك من خلال المساعدات المالية المقدمة من الاتحاد الأوروبي وعبر الإصلاحات القانونية والمؤسساتية التي نفذتها تركيا. وكانت الإصلاحات أكثر تأثيراً من حيث منح اللاجئين آفاقاً حياتية متوسطة المدى. فعلى سبيل المثال، افتتحت أسواق العمل التركية أمام اللاجئين السوريين، وتمكن التلامذة السوريون من الالتحاق بمختلف مراحل التعليم في البلاد. ويتمثل الجزء الثاني من خطة العمل في إدارة الحدود مع تنظيم حملات التوعية ضد الهجرات غير الشرعية ومخاطرها. وكانت هذه الإجراءات تصب في صالح الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن تركيا. وبعد كل شيء، رغبت الحكومة التركية في تجنب أن تقوم مقام ممر الهجرة غير النظامية من أجزاء مختلفة من منطقة الشرق الأوسط وآسيا عبوراً إلى أوروبا على المدى البعيد.
ومع ذلك، صار من الضروري التوصل إلى اتفاق سياسي أوسع مجالاً من أجل الشروع في التعاون المشترك بين الاتحاد الأوروبي وتركيا على أرض الواقع من خلال الممارسات العملية. ولقد جرى ذلك في مارس 2016 عبر البيان الصادر عن الاتحاد الأوروبي وتركيا، الذي التزم فيه الجانب الأوروبي بتوفير مبلغ 6 مليارات يورو حتى نهاية عام 2018. وفي المقابل، لن يتم قبول مزيد من طلبات اللجوء السياسي من اللاجئين السوريين الذين وصلوا بصورة غير قانونية إلى الجزر اليونانية. وبدلاً من ذلك، سوف تجري إعادتهم إلى تركيا في أسرع وقت ممكن – التي سوف تحمل تعريف الدولة الثالثة الآمنة لخدمة هذا الغرض.
وعلى العكس من ذلك، سيقبل الاتحاد الأوروبي الأشخاص الضعفاء القادمين من تركيا من خلال عملية إعادة التوطين، بالأعداد المكافئة للاجئين السوريين العائدين من الجزر اليونانية («آلية رجل برجل»). وفي حالة توقف المعابر غير النظامية عبر بحر إيجة بصورة عامة، عرض الجانب الأوروبي احتمال قبول مزيد من عمليات إعادة التوطين الناشئة عن تركيا. كما التزم الاتحاد الأوروبي كذلك بإعادة تفعيل المحادثات المعنية بانضمام تركيا إلى عضوية الاتحاد بغية مواصلة العمل على تعميق الاتحاد الجمركي، وتسريع المفاوضات بشأن تحرير تأشيرات الدخول للمواطنين الأتراك إلى مختلف دول الاتحاد.



غزة... تاريخ من المواجهات والحروب قبل السابع من أكتوبر

TT

غزة... تاريخ من المواجهات والحروب قبل السابع من أكتوبر

مخيم نازحين في دير البلح عند شاطئ غزة (أرشيفية - أ.ب)
مخيم نازحين في دير البلح عند شاطئ غزة (أرشيفية - أ.ب)

في المنطقة الجنوبية من الساحل الفلسطيني على البحر المتوسط، على مساحة لا تزيد على 360 كيلومتراً مربعاً، بطول 41 كم، وعرض يتراوح بين 5 و15 كم، يعيش في قطاع غزة نحو مليوني نسمة، ما يجعل القطاع البقعة الأكثر كثافة سكانية في العالم.

تبلغ نسبة الكثافة وفقاً لأرقام حديثة أكثر من 27 ألف ساكن في الكيلومتر المربع الواحد، أما في المخيمات فترتفع الكثافة السكانية إلى حدود 56 ألف ساكن تقريباً بالكيلومتر المربع.

تأتي تسمية القطاع «قطاع غزة» نسبة لأكبر مدنه، غزة، التي تعود مشكلة إسرائيل معها إلى ما قبل احتلالها في عام 1967، عندما كانت تحت الحكم المصري.

فقد تردد ديفيد بن غوريون، أول رئيس وزراء لإسرائيل، في احتلال القطاع بعد حرب 1948، قبل أن يعود بعد 7 سنوات، في أثناء حملة سيناء، لاحتلاله لكن بشكل لم يدُم طويلاً، ثم عاد واحتله وزير الدفاع الإسرائيلي موشيه ديان عام 1967.

خيام النازحين الفلسطينيين على شاطئ دير البلح وسط قطاع غزة الأربعاء (إ.ب.أ)

في عام 1987، أطلق قطاع غزة شرارة الانتفاضة الشعبية الأولى، وغدا مصدر إزعاج كبيراً لإسرائيل لدرجة أن رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، إسحاق رابين، تمنى لو يصحو يوماً ويجد غزة وقد غرقت في البحر.

لكن غزة لم تغرق كما يشتهي رابين، ورمتها إسرائيل في حضن السلطة الفلسطينية عام 1994 على أمل أن تتحول هذه السلطة إلى شرطي حدود. لكن هذا كان أيضاً بمثابة وهم جديد؛ إذ اضطرت إسرائيل إلى شن أولى عملياتها العسكرية ضد غزة بعد تسليمها السلطة بنحو 8 سنوات، وتحديداً في نهاية أبريل (نيسان) 2001.

وفي مايو (أيار) 2004، شنت إسرائيل عملية «قوس قزح»، وفي سبتمبر (أيلول) 2004، عادت ونفذت عملية «أيام الندم». ثم في 2005، انسحبت إسرائيل من قطاع غزة ضمن خطة عرفت آنذاك بـ«خطة فك الارتباط الأحادي الجانب».

بعد الانسحاب شنت إسرائيل حربين سريعين، الأولى في 25 سبتمبر (أيلول) 2005 باسم «أول الغيث»، وهي أول عملية بعد خطة فك الارتباط بأسبوعين، وبعد عام واحد، في يونيو (حزيران) 2006، شنت إسرائيل عملية باسم «سيف جلعاد» في محاولة فاشلة لاستعادة الجندي الإسرائيلي الذي خطفته «حماس» آنذاك جلعاد شاليط، بينما ما زالت السلطة تحكم قطاع غزة.

عام واحد بعد ذلك سيطرت حماس على القطاع ثم توالت حروب أكبر وأوسع وأضخم تطورت معها قدرة الحركة وقدرات الفصائل الأخرى، مثل «الجهاد الإسلامي» التي اضطرت في السنوات الأخيرة لخوض حروب منفردة.

ظلت إسرائيل تقول إن «طنجرة الضغط» في غزة تمثل تهديداً يجب التعامل معه حتى تعاملت معها «حماس» في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) بانفجار لم تتوقعه أو تستوعبه إسرائيل وجر حرباً دموية على غزة، وأخرى على لبنان، وسلسلة مواجهات باردة في جبهات أخرى في حرب تبدو نصف إقليمية، وما أسهل أن تتحول إلى نصف عالمية.

أبرز الحروب

«الرصاص المصبوب» حسب التسمية الإسرائيلية أو «الفرقان» فلسطينياً:

بدأت في 27 ديسمبر (كانون الأول) 2008، وشنت خلالها إسرائيل إحدى أكبر عملياتها العسكرية على غزة وأكثرها دموية منذ الانسحاب من القطاع في 2005. واستهلتها بضربة جوية تسببت في مقتل 89 شرطياً تابعين لحركة «حماس»، إضافة إلى نحو 80 آخرين من المدنيين، ثم اقتحمت إسرائيل شمال وجنوب القطاع.

خلفت العمليات الدامية التي استمرت 21 يوماً، نحو 1400 قتيل فلسطيني و5500 جريح، ودمر أكثر من 4000 منزل في غزة، فيما تكبدت إسرائيل أكثر من 14 قتيلاً وإصابة 168 بين جنودها، يضاف إليهم ثلاثة مستوطنين ونحو ألف جريح.

وفي هذه الحرب اتهمت منظمة «هيومان رايتس ووتش» إسرائيل باستخدام الفسفور الأبيض بشكل ممنهج في قصف مناطق مأهولة بالسكان خلال الحرب.

«عمود السحاب» إسرائيلياً أو «حجارة السجيل» فلسطينياً:

أطلقت إسرائيل العملية في 14 نوفمبر (تشرين الثاني) 2012 باغتيال رئيس أركان «حماس»، أحمد الجعبري. واكتفت إسرائيل بالهجمات الجوية ونفذت مئات الطلعات على غزة، وأدت العمليات إلى مقتل 174 فلسطينياً وجرح 1400.

شنت «حماس» أعنف هجوم على إسرائيل آنذاك، واستخدمت للمرة الأولى صواريخ طويلة المدى وصلت إلى تل أبيب والقدس وكانت صادمة للإسرائيليين. وأطلق خلال العملية تجاه إسرائيل أكثر من 1500 صاروخ، سقط من بينها على المدن 58 صاروخاً وجرى اعتراض 431. والبقية سقطت في مساحات مفتوحة. وقتل خلال العملية 5 إسرائيليين (أربعة مدنيين وجندي واحد) بالصواريخ الفلسطينية، بينما أصيب نحو 500 آخرين.

مقاتلون من «كتائب القسام» التابعة لـ«حماس» في قطاع غزة (أرشيفية - «كتائب القسام» عبر «تلغرام»)

«الجرف الصامد» إسرائيلياً أو «العصف المأكول» فلسطينياً:

بدأتها إسرائيل يوم الثلاثاء في 8 يوليو (تموز) 2014، ظلت 51 يوماً، وخلفت أكثر من 1500 قتيل فلسطيني ودماراً كبيراً.

اندلعت الحرب بعد أن اغتالت إسرائيل مسؤولين من حركة «حماس» اتهمتهم أنهم وراء اختطاف وقتل 3 مستوطنين في الضفة الغربية المحتلة.

شنت إسرائيل خلال الحرب أكثر من 60 ألف غارة على القطاع ودمرت 33 نفقاً تابعاً لـ«حماس» التي أطلقت في هذه المواجهة أكثر من 8000 صاروخ وصل بعضها للمرة الأولى في تاريخ المواجهات إلى تل أبيب والقدس وحيفا وتسببت بشل الحركة هناك، بما فيها إغلاق مطار بن غوريون.

قتل في الحرب 68 جندياً إسرائيلياً، و4 مدنيين، وأصيب 2500 بجروح.

قبل نهاية الحرب أعلنت «كتائب القسام» أسرها الجندي الإسرائيلي شاؤول آرون، خلال تصديها لتوغل بري لجيش الاحتلال في حي الشجاعية شرق مدينة غزة، وما زال في الأسر.

«صيحة الفجر»:

عملية بدأتها إسرائيل صباح يوم 12 نوفمبر عام 2019، باغتيال قائد المنطقة الشمالية في سرايا القدس (الذراع العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي) في غزة، بهاء أبو العطا، في شقته السكنية في حي الشجاعية شرق مدينة غزة، وردت «حركة الجهاد الإسلامي» بهجوم صاروخي استمر بضعة أيام، أطلقت خلالها مئات الصواريخ على مواقع وبلدات إسرائيلية.

كانت أول حرب لا تشارك فيها «حماس» وتنجح إسرائيل في إبقائها بعيدة.

طفل فلسطيني يسير أمام أنقاض المباني في مدينة غزة (أ.ف.ب)

«حارس الأسوار» أو «سيف القدس»:

بدأت شرارتها من القدس بعد مواجهات في حي الشيخ جراح، واقتحام القوات الإسرائيلية للمسجد الأقصى ثم تنظيم مسيرة «الأعلام» نحو البلدة القديمة، وهي المسيرة التي حذرت «حماس» من أنها إذا تقدمت فإنها ستقصف القدس، وهو ما تم فعلاً في يوم العاشر من مايو (أيار) عام 2021.

شنت إسرائيل هجمات مكثفة على غزة وقتلت في 11 يوماً نحو 250 فلسطينياً، وأطلقت الفصائل أكثر من 4 آلاف صاروخ على بلدات ومدن في إسرائيل، ووصلت الصواريخ إلى تخوم مطار رامون، وقتل في الهجمات 12 إسرائيلياً.

 

«الفجر الصادق» أو «وحدة الساحات»:

كررت إسرائيل هجوماً منفرداً على «الجهاد» في الخامس من أغسطس (آب) 2022 واغتالت قائد المنطقة الشمالية لـ«سرايا القدس» (الذراع العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي) في غزة، تيسير الجعبري، بعد استنفار أعلنته «الجهاد» رداً على اعتقال مسؤول كبير في الحركة في جنين في الضفة الغربية، وهو بسام السعدي.

ردت «حركة الجهاد الإسلامي» بمئات الصواريخ على بلدات ومدن إسرائيلية، وقالت في بيان إنها عملية مشتركة مع كتائب المقاومة الوطنية وكتائب المجاهدين وكتائب شهداء الأقصى (الجناح العسكري لحركة فتح)، في انتقاد مبطن لعدم مشاركة «حماس» في القتال. توقفت العملية بعد أيام قليلة إثر تدخل وسطاء. وقتل في الهجمات الإسرائيلية 24 فلسطينياً بينهم 6 أطفال.

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أمام خريطة لغزة خلال مؤتمره الصحافي في القدس ليلة الاثنين (إ.ب.أ)

«السهم الواقي» أو «ثأر الأحرار»:

حرب مفاجئة بدأتها إسرائيل في التاسع من مايو 2023، باغتيال 3 من أبرز قادة «سرايا القدس» (الذراع العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي في قطاع غزة)، أمين سر المجلس العسكري لسرايا القدس، جهاد غنام (62 عاماً)، وقائد المنطقة الشمالية في السرايا خليل البهتيني (44 عاماً)، وعضو المكتب السياسي أحد مسؤولي العمل العسكري في الضفة الغربية، المبعد إلى غزة، طارق عز الدين (48 عاماً).

وحرب عام 2023 هي ثالث هجوم تشنه إسرائيل على «الجهاد الإسلامي» منفرداً، الذي رد هذه المرة بتنسيق كامل مع «حماس» عبر الغرفة المشتركة وقصف تل أبيب ومناطق أخرى كثيرة بوابل من الصواريخ تجاوز الـ500 صاروخ على الأقل.

... ثم الحرب الحالية في السابع من أكتوبر 2023.