مع تجاوز عدد الوفيّات العالمية الموثّقة جراء الإصابة بفيروس «كورونا» يبدو أن جبهة جديدة على وشك أن تُفتح في هذه الأزمة الصحّية التي لم تعرف البشرية مثيلاً لها في التاريخ الحديث. وبعد أسابيع من التردّد والتحقّق من المعلومات الواردة من مصادر علمية عدة، قرّرت منظمة الصحة العالمية تشكيل فريق عمل مشترك مع المنظمة العالمية لصحة الحيوان بهدف مراقبة انتقال الوباء إلى الحيوانات واحتمالات انتشارها عن طريقها.
وبعد أن رُصدت في الأسابيع الأخيرة حالات إصابات بين بعض الحيوانات الأليفة كانت على اتصال وثيق بأشخاص مصابين، تأكّد ما يعرف بالمصطلح العلمي «القفزة الثلاثية» للوباء، أي انتقاله من الحيوان إلى الإنسان، عبر الوطواط في الصين، ثم من الإنسان إلى الحيوان في الحالات المذكورة.
لكن خبراء الأوبئة ما زالوا يترددون في استخلاص نتائج نهائية من هذه الحالات، لا سيّما أن ما يُجهل عن هذا الفيروس ما زال أكثر مما يُعرف، ولأن عدد الإصابات المعروفة حتى الآن بين الحيوانات ما زال ضئيلاً جداً مقارنةً بالإصابات البشرية ولا يمكن البناء عليه لتحديد أي موقف علمي ثابت.
الإفادة الأولى المعروفة عن إصابة حيوانية جاءت من هونغ كونغ مطلع الشهر الماضي عندما أبلغت السلطات الصحية هناك عن إصابة 3 كلاب بفيروس «كورونا»، تبعتها إفادة من بلجيكا بعد ثلاثة أسابيع عن إصابة قطّة، ثم إفادة أخرى من هونغ كونغ عن قطة أخرى. ويقول خبراء المنظمة العالمية لصحة الحيوان إنه لا توجد أدلة على أن الحيوانات هي التي نقلت الفيروس، وبالتالي ليس هناك ما يستدعي اتخاذ تدابير معيّنة بهذا الشأن. لكن من باب الاحتياط أوصت المنظمة المذكورة بأن يتحاشى المصابون الاتصال بالحيوانات الأليفة.
ويقول خبراء معهد البحوث البيطرية في جامعة «هاربين» الصينية إن التجارب المخبرية التي أجروها بيّنت أن الفيروس ينتقل عن طريق أنف الحيوانات، وأنه ينتقل بصعوبة بين الكلاب والبط والدجاج، لكنه يسري بسهولة أكثر بين القطط. وقد دلّت تجارب هذا المعهد على أن فيروس «كورونا» يتكاثر في القطط عبر القصبة الهوائية والحنجرة، لكن من غير ظهور العوارض التقليدية التي تظهر على الإنسان. ويرجّح الخبراء أن انتقال الإصابة بين الحيوانات يتمّ عن طريق الرذاذ التنفسي كما عند البشر.
الخبراء البيطريون في الولايات المتحدة يقلّلون من شأن هذه النتائج لكونها اقتصرت على المختبرات وعلى عدد محدود جداً من الحيوانات، ولأن إصابة حيوان بالفيروس ضمن تجربة مخبرية لا تعني أنه يمكن أن يصاب في الظروف الطبيعية.
يوم الجمعة الماضي نشرت جامعة «هوازهونغ» الزراعية في الصين نتائج دراسة أجرتها على 100 قطّة بعد انتشار الفيروس تبيـّن أن 15% منها كانت مصابةً، لكن منظمة الصحة قالت إن هذه النتائج يجب أن تخضع للمراجعة الخارجية الضرورية في مثل هذه الحالات قبل استخلاص النتائج النهائية منها. وكانت حديقة الحيوان في نيويورك قد أعلنت منذ أيام عن إصابة النمرة الماليزية «ناديا» بفيروس «كورونا» الذي نقله إليها أحد عمّال الصيانة الذي كان مصاباً من غير عوارض.
ويقول البروفسور ويليام كارتش، رئيس فريق العمل حول أمراض الحيوانات البريّة في المنظمة العالمية لصحة الحيوان: «القطط تُمضي فترات طويلة خارج المنزل وليس مستبعداً أن تتعرّض للإصابة من شخص نتيجة الاحتكاك المتواصل به، لذلك من المستحسن أن يطبّق إجراء التباعد الاجتماعي معها أيضاً».
ويذكّر كارتش بأن الإصابات الحيوانية القليلة المعروفة حتى الآن كانت بسبب من الاتصال الوثيق بأشخاص مصابين، وهذا ما حصل في عام 2002 عندما تفشّى وباء «سارس» في الصين وأودى بحياة 800 شخص قبل القضاء عليه. ويقول: «يبدو أن القطط والكلاب تشكّل ما يشبه الوعاء الوبائي، لكنها لا تنقل الفيروس كما حصل خلال أزمة إيبولا في غرب أفريقيا».
وتقول الإخصائية البيطرية الأميركية ديبورا ماكولي، التي تدير معهداً للعناية بالحيوانات البريّة المهددة بالانقراض، إن 75% من الأمراض الجديدة مصدرها الحيوانات البريّة، وإن 60% من الأمراض السارية مشتركة بين الإنسان والحيوان، وتضيف: «الدرس الذي يجب أن نستخلصه من هذه الجائحة هو الحاجة الملحّة لتطوير تقنيّات تشخيص جديدة والاستثمار في التأهيل والبنى التحتية لمتابعة الحيوانات البريّة من أجل الرصد المبكر للأمراض، كما يجب أن تكون صحة هذه الحيوانات جزءاً لا يتجزأ من السياسات البيئية نظراً للصلة الوثيقة بين صحة الإنسان وصحة الحيوان».
ويُذكر أنه بينما لا يوجد أي طبيب بيطري في اللجان العلمية التي تشرف على إدارة أزمة «كوفيد - 19»، يتولّى إدارة هذه اللجنة في ألمانيا البروفسور لوتار فيلير، وهو إخصائي في العلوم البيطرية ورئيس معهد «روبرت كوش» البيطري في برلين.
هل حقق الوباء «القفزة الثلاثية»؟
هل حقق الوباء «القفزة الثلاثية»؟
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة