التمرينات الرياضية المباشرة تغزو وسائل التواصل الاجتماعي

التمارين الرياضية عبر وسائل التواصل الاجتماعي تغزو بيوت اللبنانيين
التمارين الرياضية عبر وسائل التواصل الاجتماعي تغزو بيوت اللبنانيين
TT

التمرينات الرياضية المباشرة تغزو وسائل التواصل الاجتماعي

التمارين الرياضية عبر وسائل التواصل الاجتماعي تغزو بيوت اللبنانيين
التمارين الرياضية عبر وسائل التواصل الاجتماعي تغزو بيوت اللبنانيين

«مرحبا معكم فرح. اليوم التمارين عن تحسين نطاق الحركة بالمفاصل والعضلات، وهذا يساعدنا على التخلص من الأوجاع وزيادة الوعي بجسمنا». فرح هي واحدة من أعداد هائلة من المدربين الرياضيين الذين اتخذوا من وسائل التواصل الاجتماعي منصة مباشرة لهم، يعطون عبرها دروسا وصفوفا رياضية منوعة. وبذلك توفّرت لدى اللبنانيين إمكانية متابعة صفوف رياضات اليوغا والتايبو والـ«سترتشينغ» و«بودي كومبات» و«أيروبيك» وغيرها مجانا وهم يلازمون بيوتهم. فالبقاء في المنزل كإجراء وقائي من انتشار فيروس «كورونا» دفع بكثير من النوادي الرياضية والمدربين لاتباع هذه الوسيلة لتحفيز اللبنانيين على ممارسة الرياضة. وإثر قرار التعبئة العامة الذي فرضته الدولة اللبنانية على أراضيها ومع قرار منع التجول من السابعة مساء لغاية الخامسة صباحا أقفلت أبواب هذه النوادي. وبالتالي تحول مدربو الرياضة فيها وكذلك زملاؤهم من أصحاب الصفوف الخاصة إلى عاطلين عن العمل. فوجدوا أنفسهم أمام واقع مغاير تماما عن إيقاع حياة اعتادوه وقرروا إعطاء صفوف رياضة تفيد متابعيهم من زبائنهم الدائمين وغيرهم. وكانت منظمة الصحة العالمية، أوصت بعدم التخلي عن ممارسة الرياضة، وذلك بالتزامن مع الاحتفال باليوم العالمي للرياضة المقرر في 6 أبريل (نيسان) من كل عام. وذكرت أن فيروس «كورونا» (كوفيد - 19) تسبب في إغلاق الصالات الرياضية والملاعب الرياضية والمسابح العامة واستوديوهات الرقص. وأوصت بممارسة 15 دقيقة من النشاط البدني الحاد أو 75 دقيقة من النشاط البدني المعتدل في الأسبوع أو مزيج من الاثنين. ويعد فادي خطيب بطل رياضة كرة السلة في لبنان، وصاحب ناد رياضي في بيروت (تشامبس إل بي)، أول من ابتكر هذه الصفوف الرياضية الافتراضية في لبنان. وإضافة إلى إطلالات يومية لمدربين يتعاونون معه ويعطون دروسا رياضية عبر صفحة «إنستغرام» وموقع «يوتيوب» الإلكترونيين، فهم يقدمون بالتناوب بين بعضهم صفوفاً رياضية عبر شاشة «إل بي سي آي»، عند الساعة الثانية من ظهر كل يوم، حيث يتجمع عدد من المشاهدين اللبنانيين، الكل من مكان إقامته يتابع هذه الصفوف في بث مباشر من النادي المذكور. فالقيام بتمرينات مختلفة من شأنها أن تعزز جهاز المناعة لديهم من ناحية وتساعدهم للحفاظ على أوزانهم الطبيعية من ناحية ثانية.
ويقول الخطيب في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «لقد راودتني الفكرة منذ بداية أزمة (كورونا) وقررت المساهمة في التخفيف من ثقل القعدة الطويلة بالبيت لدى معظم اللبنانيين. وهكذا بدأت مع مدربين يتعاونون معي في النادي إعطاء دروس حية (لايف) عبر مواقع التواصل الاجتماعي. فالجسم بحاجة ضرورية إلى الحركة من أجل تحريك الدورة الدموية والحفاظ على شكل الجسم، ومن أجل تقوية جهاز المناعة عندنا. وهي حاجة ضرورية لمحاربة الوباء». ويرى فادي خطيب أن آلافا من اللبنانيين تفاعلوا بسرعة مع هذه الصفوف. وهو ما أدى إلى توسيعها ونشرها عبر شاشة تلفزيون «إل بي سي آي». أعتقد أن من لا يقوم بتمرينات رياضية في زمن «كورونا» لن يستطيع أن يتخلص من الانعكاسات السلبية التي ستتركها على جسمه بعد الانتهاء منه. ويشير فادي خطيب في سياق حديثه لـ«الشرق الأوسط» إلى أن هذه التمرينات من شأنها أن تحافظ على الوزن الطبيعي للجسم كما تخلص صاحبه من التوتر والقلق وآلام الظهر والمفاصل.
وتطول لائحة النوادي التي تتبع الأسلوب نفسه للمحافظة على زبائنها المعتادين من ناحية واستقطاب جدد منهم من ناحية ثانية. فكما «فيتنيس زون» و«روان فيتنس» و«سيتي باربل» كذلك يعمل مدربون خاصون بالرياضة كجاد عاصي وفؤاد الفيل وثائر التوم في الإطار نفسه. ويقول هذا الأخير في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «صفوف الرياضة الافتراضية لا يمكنها أن تغنينا عن التدريبات الحقيقية في النادي الرياضي. ويمكن القول إن هذه الظاهرة هي بمثابة طريقة استحدثت للحفاظ على الزبائن حتى إشعار آخر. ففي ظل جائحة (كورونا) لا أزال أتابع غالبية زبائني كوني أعمل في مجال التدريب الرياضي الخاص. ويضطر بعضهم للجوء إلى أغراض موجودة في البيت كالمنشفة وغالون المياه وشنطة الرياضة وعصا التنظيف كي يقوم بالحركات الرياضية المطلوبة منه». ويضيف ثائر في سياق حديثه لـ«الشرق الأوسط» «مشكلات كثيرة نصادفها أثناء إعطاء هذه التمرينات بينها ما يتعلق بجودة التواصل عبر الإنترنت وأخرى في كيفية تحفيز الزبون إذا ما كان جديدا كي لا يمل أو يتعب بسرعة فيستسلم للكسل، وهي مشكلات لا نواجهها بتاتا أثناء التمرينات المباشرة على الأرض».
ولكن وبالتوازي مع إجراء تمرينات رياضية ينصح اختصاصيو التغذية بمواكبتها بنظام غذائي صحي يضاعف من انعكاسها الإيجابي عليهم. «من الضروري أن نعتمد نظاما غذائيا يعتمد على تناول المياه بكثرة (أي لترين في اليوم الواحد) وكذلك البروتينات لتقوية العضل». تقول ساجا المصري اختصاصية الغذاء للرياضيين. وتضيف في حديثها لـ«الشرق الأوسط»: «فالإفطار يمكن أن يتألف من قطعة خبز أسمر وبيضتين مسلوقتين أو شوفان مع حليب من دون دسم وحبة فاكهة. وبعد ممارسة التمرينات الرياضية يحين وقت وجبة (سناك) تتألف من كوب لبن من دون دسم أو 12 حبة من الجوز واللوز مع قطعة فاكهة كالتفاح. وتتألف وجبة الغداء من البروتينات كلحم البقر أو الدجاج أو السمك ترفق بكمية قليلة من النشويات كالأرز والباستا والبطاطا إضافة إلى السلطة. أما في فترة بعد الظهر يمكن تناول وجبة سناك صغيرة كلوح شوكولاته صغير أو كوبين (بوب كورن) غير مملح. وعند المساء يمكن تناول ساندويتش من الجبن أو قطعة دجاج مشوي لمن يرغب في الحفاظ على وزنه».



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)