فنلندا لا تعيش أزمة أقنعة في زمن «كورونا»

بفضل مخزونها الاستراتيجي

فنلندا لا تعيش أزمة أقنعة في زمن «كورونا»
TT

فنلندا لا تعيش أزمة أقنعة في زمن «كورونا»

فنلندا لا تعيش أزمة أقنعة في زمن «كورونا»

في الوقت الذي تتدافع فيه دول للعثور على معدات وقاية لمكافحة وباء فيروس «كورونا»، تحتفظ فنلندا بمخزون تُحسد عليه من معدات الحماية الشخصية مثل أقنعة الجراحة، ما يضعها في المقدمة على جيرانها في شمال أوروبا الأقل استعداداً.
لا يشتمل المخزون الذي يعدّ ضمن الأفضل والذي جرى بناؤه على مر السنين، على الإمدادات الطبية فحسب، بل أيضاً النفط والحبوب والأدوات الزراعية والمواد الخام المستخدمة في صنع الذخيرة. وقد حذت فنلندا في ذلك حذو النرويج والسويد والدنمارك التي احتفظت بمخزون كبير من المعدات الطبية والعسكرية والوقود والطعام خلال فترة الحرب الباردة قبل أن يتخلى معظمهم عنها في وقت لاحق.
لم تكن فنلندا وحدها التي احتفظت بمخزون كهذا، فقد سلطت استعداداتها الضوء على المخزونات الوطنية لغيرها من الدول لتكشف ضعف دول الشمال الأخرى، وهو ما تجلى في تحذير الرئيس ترمب من «زيادة أعداد الوفيات» بعد ظهور بؤر ساخنة جديدة للعدوى في الولايات المتحدة.
عندما ضرب فيروس «كورونا» العالم استفادت الحكومة الفنلندية من مخزونها من المعدات الطبية للمرة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية. وفي هذا الصدد، قال ماغنوس هاكينستاد، الباحث بـ«المعهد النرويجي لدراسات الدفاع»، إن «فنلندا دائماً في وضع استعداد لمواجهة كارثة كبيرة أو حرب عالمية ثالثة».
وأفاد تومي لونيما، الرئيس التنفيذي للوكالة الوطنية لإمدادات الطوارئ الفنلندية، السبت، بأنه على الرغم من احتلال فنلندا مرتبة عالية في قائمة أسعد الدول عاماً بعد آخر، فإن موقعها الجغرافي ودروسها التاريخية علمت شعبها البالغ تعداده 5.5 مليون نسمة الاستعداد دائماً للأسوأ. وفي هذا الصدد، قال لونيما في إشارة إلى قرب بلاده من روسيا، جارتها الشرقية: «لقد ورثنا حالة الاستعداد نتيجة للحمض النووي للشعب الفنلندي»، في إشارة إلى نضال فنلندا للتحرر من الغزو السوفياتي عام 1939.
تمر معظم التجارة الفنلندية عبر بحر البلطيق، وهو ما اعتبره لونيما نقطة ضعف لأنه على عكس السويد ذات الاتصال المباشر ببحر الشمال على ساحلها الغربي، يتعين على فنلندا الاعتماد على الوضع الأمني وإدارة حركة المرور البحري في بحر البلطيق.
وأوضح أنه «إذا كانت هناك أزمة ما، فقد يكون هناك بعض الاضطراب في سلسلة التوريد». وقبل أسبوعين، ومع ارتفاع حالات الإصابة بفيروس «كورونا» في البلاد بحلول الأحد، سجلت فنلندا أكثر من 1880 إصابة و25 وفاة، وأمرت وزارة الشؤون الاجتماعية والصحة بإرسال الأقنعة المخزنة إلى المستشفيات في جميع أنحاء البلاد.
وذكر لونيما عبر الهاتف أن «الأقنعة قديمة لكنها ما زالت تعمل»، مضيفاً أن هناك قليلاً من المعلومات المتاحة للجمهور حول عدد الأقنعة والمستلزمات الأخرى التي تمتلكها فنلندا أو مكان تخزينها بالضبط، مؤكداً أن «كل المعلومات المتعلقة بهذه المستودعات سرية».
لكن على الرغم من أن التفاصيل تظل سراً من أسرار الدولة، فقد أكدت السلطات أن المخزونات محفوظة في شبكة من المنشآت المنتشرة في أنحاء البلاد، وأن النظام الحالي قائم منذ الخمسينات، ووضع ذلك فنلندا في موقف أكثر صلابة لمواجهة الوباء.
وفي حين يشكو المسؤولون في دول أخرى مثل الولايات المتحدة النقص في الأقنعة وأجهزة التهوية والعباءات وحالات الإصابة بفيروس «كورونا» عالمياً التي ارتفعت إلى أكثر من 1.2 مليون إصابة بحلول الأحد وأكثر من 64 ألف وفاة، فإن الحكايات كثيرة حول الأدوية والتلاعب في أسعارها محلياً، فيما تتنافس الدول على الإمدادات الطبية وتتسابق لإنتاج لقاح.
وأفاد مسؤولون فرنسيون بأن مشترين أميركيين مجهولين عرضوا على الشركة الصينية الموردة سعراً أكبر في اللحظة الأخيرة ليحصلوا على صفقة الأقنعة التي كانت على وشك الشحن إلى فرنسا من مدرج المطار الصيني.
وقال مسؤول ألماني في وقت سابق إن إدارة ترمب حاولت إقناع شركة محلية بتطوير لقاح محتمل ضد فيروس «كورونا» لنقل أبحاثها إلى الولايات المتحدة ليكون اللقاح متاحاً هناك قبل أي دولة أخرى.
ربما رداً على معضلة النقص، فقد أعلنت المفوضية الأوروبية، الفرع التنفيذي للاتحاد الأوروبي، في 19 مارس (آذار)، أنها بصدد إنشاء أول مخزون لها من المعدات الطبية على الإطلاق لـ«مساعدة الاتحاد الأوروبي في التغلب على جائحة فيروس كورونا». كما أصدر العديد من دول الاتحاد الأوروبي تشريعات جديدة تحظر تصدير المواد الأساسية.

مفردات الارتباك
«الإغلاق الكامل» - «الذروة»
يستخدم العديد من البلدان المصطلحات نفسها في الإشارة إلى أشياء مختلفة. إليك بعض الأمثلة:
عندما حاولت شركة الأجهزة الطبية «مولينيك هيلث كير»، ومقرها مدينة غوتنبرغ السويدية، إرسال أقنعة وقفازات مطاطية قبل عدة أسابيع إلى مستشفيات بائسة في إيطاليا وإسبانيا من مركز التخزين المركزي الخاص بها في مدينة ليون الفرنسية، جرى منع الشحنة بسبب الحظر الذي فرضته فرنسا على التصدير.
وفي رد فعل لذلك الإجراء، قال ريتشارد توومي، الرئيس التنفيذي للشركة، في تصريح لإذاعة سوفريدغ السويدية: «إنه أمر مزعج للغاية. لم نعد نستطيع إرسال الأشياء التي اعتدنا إرسالها إلى فرنسا في السابق». ووصفت إحدى الصحف الفرنسية الصراع بين المنتج السويدي والسلطات الفرنسية بأنه «حرب الأقنعة بين السويد وفرنسا».
لكن وزيرة الخارجية السويدية آن ليندت غردت السبت عبر موقع التواصل «تويتر»، قائلة إنه «بعد ضغوط من السويد، رضيت فرنسا أخيراً عن قيود التصدير على الأقنعة التي تنتجها شركة (مولينيك). لقد كان من المهم للغاية أن تعمل السوق الداخلية حتى في أوقات الأزمات».
وفي السويد التي اتُهمت بالتحرك ببطء شديد في إجراءاتها لمكافحة فيروس «كورونا»، تضاءلت الإمدادات على مدى العقود الثلاثة الماضية بسبب تحول في التفكير بعد الحرب الباردة، وفق فريدريك بيناندر، مدير مركز الأمن المجتمعي بـ«جامعة الدفاع» السويدية. واستطرد قائلاً: «لقد حل السلام الأبدي ولم نعد بحاجة إلى كل تلك المخزونات»، مضيفاً أن الحكومة رأت فرصة في بيعها، بما في ذلك الإمدادات الطبية والصحية.
وفي ضوء انضمام السويد إلى الاتحاد الأوروبي عام 1995 والدور البارز الذي لعبته بعد ذلك، فقد صرح أندرس ميلاندر، المحلل بوكالة أبحاث الدفاع السويدية، بأنه منذ ذلك الحين، جرى إنشاء نظام الرعاية الصحية والطبية السويدي، بحيث يجري التوريد والتخزين للمستشفيات لمدة يومين أو 3 أيام فقط. وقال ميلاندر عبر الهاتف مبرراً ذلك: «كنا نتوقع في ظل السوق الحرة أن نتمكن دائماً من شراء ما نحتاج إليه». كما أدت خصخصة احتكار المستحضرات الصيدلانية للدولة عام 2009 إلى تفاقم هشاشة السويد. فحتى ذلك الحين، كان نظام الصيدلة الحكومي مسؤولاً عن إمدادات البلاد إلى حين الحاجة في أوقات الأزمات.
وأردف ميلاندر: «لم تكن بالخطة الرائعة. فالأمر كان أشبه بالقول: لا يجب أن تكون لدي طفاية حريق. يمكنني الركض وشراء طفاية حريق عندما يشتعل الحريق. فهذا يظهر أن هذه السوق الحرة لا تكون حرة إلا عندما يكون كل شيء على ما يرام».
وأفادت إذاعة الخدمة العامة السويدية «شس في تي نيتار» الأحد، بنفاد مخزون المستشفيات من مخدر «بروفول» المستخدم أثناء الجراحة وعلاج بعض حالات مرض فيروس «كورونا» على أجهزة التنفس الصناعي. لكن على الرغم من أن السويد أهملت مخزون البلاد، فإنها شجعت السكان على إنشاء متاجرهم الخاصة. ولذلك حثت التوصيات الواردة في الكتيب الذي حمل عنوان «إذا جاءت أزمة أو حرب»، التي وزعت على صناديق بريد السكان قبل عامين تقريباً، السكان على تخزين الطعام والماء والملابس الثقيلة والشموع، وشجعت على تخزين معقم اليدين وأدوية إضافية.
ووفقاً لليف أتجي ماغنوسن، الأستاذ المساعد لفن القيادة بجامعة جنوب شرقي النرويج، فقد اعتادت النرويج أن تكون أكثر مرونة وجاهزية لتكون مكتفية ذاتياً حال حدوث أزمة وطنية. لكنه ذكر أن تحليل المخاطر الذي أجرته المديرية النرويجية للحماية المدنية العام الماضي خلص إلى أن الأوبئة ونقص الأدوية كانا مصدر قلق رئيسياً.
وقال أودون هاجا، مدير وكالة الأدوية النرويجية، إن البلاد يمكن أن تستنفد إمدادات الأدوية الأساسية في غضون أسابيع لأن معظمها يأتي من الصين، التي بدأت لتوها في إعادة فتح مصانعها. وقال ماغنوسن إن «المجتمع أصبح معتمداً للغاية على الدول الأخرى وعلى سلاسل التوريد وقت الأزمة». وتسعى بلدان في شمال أوروبا التي لم تبلغ درجة جاهزية فنلندا إلى البحث عن بدائل لإعادة تنظيم الإنتاج المحلي للإمدادات الطبية. وفي النرويج، وعدت شركة المعدات الطبية «ليردال» بتسليم ألف 1000 جهاز تهوية للطوارئ بحلول نهاية مايو (أيار).
وفي الدنمارك، صنعت شركة «غراندوف» لتصنيع المضخات نموذجاً أولياً لمعدات الحماية في غضون 36 ساعة بعد دعوة الحكومة للمساعدة. وفي السويد، أُرسل الموظفون الذي تعرضوا للتسريح من شركة تصنيغ مركبات تجارية للعمل لدى شركة لتصنع أجهزة التهوية. وذكرت شركة «أبسولوت» المنتجة للفودكا أنها تبرعت بالإيثانول لإنتاج المطهرات.

* خدمة «نيويورك تايمز»


مقالات ذات صلة

«كورونا» قد يساعد الجسم في مكافحة السرطان

صحتك أطباء يحاولون إسعاف مريضة بـ«كورونا» (رويترز)

«كورونا» قد يساعد الجسم في مكافحة السرطان

كشفت دراسة جديدة، عن أن الإصابة بفيروس كورونا قد تساعد في مكافحة السرطان وتقليص حجم الأورام.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
أوروبا الطبيب البريطاني توماس كوان (رويترز)

سجن طبيب بريطاني 31 عاماً لمحاولته قتل صديق والدته بلقاح كوفيد مزيف

حكم على طبيب بريطاني بالسجن لأكثر من 31 عاماً بتهمة التخطيط لقتل صديق والدته بلقاح مزيف لكوفيد - 19.

«الشرق الأوسط» (لندن )
الاقتصاد السعودية تصدرت قائمة دول «العشرين» في أعداد الزوار الدوليين بـ 73 % (واس)

السعودية الـ12 عالمياً في إنفاق السياح الدوليين

واصلت السعودية ريادتها العالمية بقطاع السياحة؛ إذ صعدت 15 مركزاً ضمن ترتيب الدول في إنفاق السيّاح الدوليين.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
صحتك تم تسجيل إصابات طويلة بـ«كوفيد- 19» لدى أشخاص مناعتهم كانت غير قادرة على محاربة الفيروس بشكل كافٍ (رويترز)

قرار يمنع وزارة الصحة في ولاية إيداهو الأميركية من تقديم لقاح «كوفيد»

قرر قسم الصحة العامة الإقليمي في ولاية إيداهو الأميركية، بأغلبية ضئيلة، التوقف عن تقديم لقاحات فيروس «كوفيد-19» للسكان في ست مقاطعات.

«الشرق الأوسط» (أيداهو)
أوروبا أحد العاملين في المجال الطبي يحمل جرعة من لقاح «كورونا» في نيويورك (أ.ب)

انتشر في 29 دولة... ماذا نعرف عن متحوّر «كورونا» الجديد «XEC»؟

اكتشف خبراء الصحة في المملكة المتحدة سلالة جديدة من فيروس «كورونا» المستجد، تُعرف باسم «إكس إي سي»، وذلك استعداداً لفصل الشتاء، حيث تميل الحالات إلى الزيادة.

يسرا سلامة (القاهرة)

واشنطن: القوات الكورية الشمالية ستدخل الحرب ضد أوكرانيا «قريباً»

الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون يسير أمام عدد كبير من جنود بلاده (د.ب.أ)
الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون يسير أمام عدد كبير من جنود بلاده (د.ب.أ)
TT

واشنطن: القوات الكورية الشمالية ستدخل الحرب ضد أوكرانيا «قريباً»

الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون يسير أمام عدد كبير من جنود بلاده (د.ب.أ)
الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون يسير أمام عدد كبير من جنود بلاده (د.ب.أ)

أعلن وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن اليوم (السبت) أن بلاده تتوقع أن آلافاً من القوات الكورية الشمالية المحتشدة في روسيا ستشارك «قريباً» في القتال ضد القوات الأوكرانية، وفقاً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية».

ويقدّر وزير الدفاع الأميركي أن هناك نحو 10 آلاف عنصر من الجيش الكوري الشمالي موجودين في منطقة كورسك الروسية المتاخمة لأوكرانيا والمحتلة جزئياً من جانب قوات كييف، وقد تم «دمجهم في التشكيلات الروسية» هناك.

وقال أوستن للصحافة خلال توقفه في فيجي بالمحيط الهادئ «بناءً على ما تم تدريبهم عليه، والطريقة التي تم دمجهم بها في التشكيلات الروسية، أتوقع تماماً أن أراهم يشاركون في القتال قريباً» في إشارة منه إلى القوات الكورية الشمالية.

وذكر أوستن أنه «لم ير أي تقارير مهمة» عن جنود كوريين شماليين «يشاركون بنشاط في القتال» حتى الآن.

وقال مسؤولون حكوميون في كوريا الجنوبية ومنظمة بحثية هذا الأسبوع إن موسكو تقدم الوقود وصواريخ مضادة للطائرات ومساعدة اقتصادية لبيونغ يانغ في مقابل القوات التي تتهم سيول وواشنطن كوريا الشمالية بإرسالها إلى روسيا.

ورداً على سؤال حول نشر القوات الكورية الشمالية الشهر الماضي، لم ينكر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ذلك، وعمد إلى تحويل السؤال إلى انتقاد دعم الغرب لأوكرانيا.

وقالت كوريا الشمالية الشهر الماضي إن أي نشر لقوات في روسيا سيكون «عملاً يتوافق مع قواعد القانون الدولي» لكنها لم تؤكد إرسال قوات.