رحيل زوجة الفيلسوف الفرنسي جاك دريدا

لعبت دوراً مهماً في توجيه اهتماماته نحو ميدان التحليل النفسي

الراحلة مارغريت أوكوتورييه مع زوجها جاك دريدا في أواخر أيامه
الراحلة مارغريت أوكوتورييه مع زوجها جاك دريدا في أواخر أيامه
TT

رحيل زوجة الفيلسوف الفرنسي جاك دريدا

الراحلة مارغريت أوكوتورييه مع زوجها جاك دريدا في أواخر أيامه
الراحلة مارغريت أوكوتورييه مع زوجها جاك دريدا في أواخر أيامه

أعلن معهد الدراسات المتقدمة في التحليل النفسي باريس قبل أيام عن رحيل مارغريت أوكوتورييه دريدا، زوجة الفيلسوف جاك دريدا، عن عمر ناهز 88 عاماً، في دار التقاعد العائدة إلى مؤسسة روتشيلد.
ولدت الراحلة في براغ في 7 يوليو (تموز) 1932. لأم تشيكية - ماري ألفيري - وأب فرنسي، واهتمت منذ بدايتها بموضوع التحليل النفسي. وهي تتحدر من عائلة يتكون معظمهم من المثقفين اللامعين، وجميعهم يتركزون في منطقة نورماندي الفرنسية، يعملون في مجال الترجمة اللغات السلافية ويهتمون بالأدب، أشهرهم: غوستاف أوكوتورييه (1902 - 1985)، والدها، أستاذ مشارك في التاريخ، صحافي ورحالة، عمل مراسلاً لوكالة هافاس في موسكو وبلغراد، وكان أيضاً رئيس تحرير وكالة الصحافة الفرنسية - ومترجماً لكتاب روس عظماء. أما بالنسبة لأخيها ميشيل أوكوتورييه (1933 - 2017)، الأستاذ المساعد في اللغة الروسية، والمعلم، والمتخصص البارز في أعمال بوريس باسترناك وليون تولستوي، فيُعتبر من أبرز الشخصيات في الأدب السلافي والفرنسي والدولي.
تدرّبت الراحلة كمحللة نفسية في جمعية التحليل النفسي في باريس، وكذلك في علم الإنسان مع أندريه ليروي غورهان. واشتهرت بترجمتها للعديد من أعمال المحلل النفسي فلاديمير بروب صاحب كتاب «مورفولوجيا الحكاية»، أو الحياة التي كتبها كليم سامجوين أو ماكسيم غوركي وإيوري إيانوفسكي، وهي التي ترجمت إلى الفرنسية اللغوي الشهير رومان جاكوبسون. كما ساهمت في نشر فكرة المحللة النفسية البريطانية ميلاني كلين في فرنسا من خلال ترجمة عدد كبير من أعمالها، من بينها، مقالات عن التحليل النفسي، الحداد والاكتئاب، عقدة أوديب أو التحليل النفسي للأطفال.
التقت الراحلة بالفيلسوف الفرنسي الراحل جاك دريدا صاحب مذهب التفكيكية الشهير في عام 1953 من خلال رحلة رياضية شتوية بين العديد من طلبة المدرسة العليا الطبيعية ثم بدأت في دراسة اللغة الروسية التي اضطرت إلى التخلي عنها بسبب إصابتها بمرض السل. ومن ثم التقت به بعد مرور عام على ذلك، بعد أن أمضت بعض الوقت في إحدى المصحات. ورغم عدم إيمان جاك دريدا بالزواج، بل معادٍ له، إلا أنه طالبها باتخاذ خيار واضح في علاقته. وهكذا ترسخت بينهما رابطة قوية قائمة على الاحترام المتبادل والحرية الفردية والمشاركة الفكرية، وتزوجا في كامبريدج، بعيداً عن عائلاتهم، وبدون طقوس دينية في 9 يونيو (حزيران) 1957. بحضور شاهد واحد. وبعد أن تم تعيين جاك مدققاً خاصاً في جامعة هارفارد، تمكنت مارغريت من الحصول على تأشيرة عمل. وأنجبت الراحلة ولدين، بيير 1963 الكاتب واللغوي بيير الفيري، وجان دريدا 1967، عالم الأنثروبولوجيا والفيلسوف.
ومن المعروف، أن جاك دريدا بدأ حياته المهنية مدرساً للغتين الإنجليزية والفرنسية لأطفال الجنود بين عامي 1957 و1959. بدل الخدمة الإلزامية في مدينة كوليا التي تبعد ثلاثين كيلومتراً عن العاصمة الجزائر، برفقة زوجته مارغريت. وفي العام التالي، عُين أستاذاً للفلسفة في جامعة السوربون، حيث عمل مساعدا لسوزان باكيلارد. بعدها باشر التعليم في المدرسة العليا الطبيعية وذلك عام 1964. واستمر في هذا العمل عشرين عاماً.
وحسب كتاب سيرته، يقال إنه كانت له علاقات نسائية أخرى لكنه لم يثبتها في سيرته الذاتية، رغم أنه كان ينتقد مسألة تعدّد الزوجات. ويبقى الفيلسوف زير نساء رغم تميّزه بالإخلاص. ومن بين 32 فصلاً من سيرته الذاتية، بعنوان «صورة الفيلسوف في الستين من عمره»، يقف فجأة عن متابعة التسلسل الزمني في سيرته التي بلغت خمسمائة صفحة، ولم يتحدث فيها عن زوجته. لكنها على عكسه كتبت عنه كثيراً، وتعرفنا من خلالها على كثير من صفاته، ومنها أنه كان سائقاً متهوراً للسيارات، لا يفكر بالمال، مولع بالبحر والسباحة، شغوف بمشاهدة التلفزيون. إضافة إلى أنه أب حنون، وزوج غيور، ويؤمن بالخرافات والفوبيا، ودقيق في مواعيده، ويطالب الآخرين بأن يكونوا على غراره. وتميّز بالأناقة في هندامه حتى اتهم بالنرجسية، وكان قلقاً من لكنته الجزائرية. وظل يؤلف كتبه ومقالاته بخط اليد إلى أن اشترى كومبيوتره الأول علامة «ماك أبل» عام 1986. ساعده في التعلم عليه ولداه. وقد لعبت مارغريت دوراً مهماً في توجيه اهتمامات زوجها نحو ميدان التحليل النفسي.
وقد كرست مارغريت أوكوتورييه حياتها لهذا الميدان والترجمة، وأسست جمعية الأنثروبولوجيا مع أندريه ليروي غورهان، الذي ترجمت أعماله ودراساته إلى اللغة الفرنسية، كما ترجمت دراسات هامة في الأنثروبولوجيا والحكايات الشعبية، ومورفولوجيا الحكاية لفلاديمير بروب، وأعمال الروائي الروسي الشهير مكسيم غوركي، واللغوي الروماني جاكوبسون. وبالإضافة إلى ذلك، ساهمت في التعريف بفكر ميلاني كلاين في فرنسا، وقد ترجمت له: مقالات في علم التحليل النفسي، الصراع والانهيار العصبي، الحالة النفسية للأطفال، وعقدة أوديب وغيرها من الكتب. وعملت الراحلة أستاذة فخرية للغة الروسية وآدابها في جامعة باريس 4 - السوربون (2012)، وكانت قد ترأست قسم الدراسات السلافية فيها عام 1992.



الأعمال الشعرية الكاملة للشاعر العراقي الراحل كمال سبتي

الأعمال الشعرية الكاملة للشاعر العراقي الراحل كمال سبتي
TT

الأعمال الشعرية الكاملة للشاعر العراقي الراحل كمال سبتي

الأعمال الشعرية الكاملة للشاعر العراقي الراحل كمال سبتي

تصدر قريباً الأعمال الشعرية الكاملة للشاعر العراقي كمال سبتي (1955 - 2006)، أحد أهم شعراء ما عُرف بجيل السبعينات في العراق. متضمنة ثمانية دواوين، مستهلةً بديوان «وردة البحر ـ 1980»، ومختتمةً بـ«صبراً قالت الطبائع الأربع ـ 2006». هنا نص مقدمة هذه الأعمال التي ستصدر عن «دار جبرا للنشر والتوزيع ـ الأردن»، وبالتعاون مع «دار النخبة للتأليف والترجمة والنشر - لبنان».

وقد كتب مقدمة المجموعة الكاملة الشاعر العراقي باسم المرعبي، التي جاءت بعنوان «كمال سبتي... المرافعة عن الشعر» ويقول فيها:

«يحتاج شعر كمال سبتي، بالمجمل، إلى جَلَد عند قراءته، فهو على نقيض الكثير مما هو شائع من تقنيات شعرية تعتمد البساطة والعفوية والمباشرة، مع عدم تسفيه هذه النزعات الأسلوبية، طالما أن الشعر كقيمة وجوهر يبقى مُصاناً، غير منتهَك به. على أنّ إشاحة الشاعر عن مثل هذا الاتجاه ومخالفته، لم يجعل شعره غامضاً أو عصيّاً.

شعر مثقل بالمعنى ومزدحم به، لأنه ذو مهمة توصيلية، وهو يتطلب إصغاءً وإعمال فكر. والقصيدة لدى كمال معمار ذهني - فكري ونفسي، في الآن ذاته، يستمدّ فيها الشاعر مادته من مغاور النفس والسيرة الشخصية، فضلاً عن استثمار راهن التجربة الحياتية، مشظّياً كلّ ذلك في النص، صراحةً أو رمزاً. دون أن يستثني مادة الحلم من استثماره الفني والموضوعي، وهو ما يُتبيَّن أثره في نصوصه، لا سيّما النصوص النثرية الطويلة، المتأخرة، ليتصادى ذلك مع قراءات الشاعر في الرواية أو اعتماده السينما مصدراً مفعّلاً في كتابته الشعرية. وعن هذه الأخيرة قد أشار إلى ذلك الشاعر نفسه في واحد من الحوارات التي أُجريت معه، ليرقى كلّ ذلك إلى أن يكون جزءاً عضوياً من تجربته الحياتية، الذهنية هذه المرة، مُسقَطة بالمحصلة على القصيدة، لتنعكس خلالها حركةً وتوتراً درامياً. وهو ما ينسحب بالقدر ذاته على نزوع الشاعر في سنواته الأخيرة إلى قراءات في التصوف والقرآن والتراث، ما نجمَ أثره بشكل جلي، في مجموعته الأخيرة «صبراً قالت الطبائع الأربع»، وإلى حد ما في المجموعة السابقة لها. وهو فارق يلمسه القارئ، إجمالاً، بين المنحى الذي اتخذه شعر كمال سبتي في السبعينات أو الثمانينات وما صار إليه في التسعينات وما بعدها. وعلى الرغم مما ذهب إليه الشاعر من مدى أقصى في التجريب الكتابي مسنوداً برؤية يميزها قلق إبداعي، شأن كلّ شاعر مجدّد، إلا أنه وبدافع من القلق ذاته عاد إلى القصيدة الموزونة، كما تجسد في كتابيه الأخيرين. وكان لقراءاته المذكورة آنفاً، دورها في بسط المناخ الملائم لانتعاش هذه القصيدة، ثانيةً، وقد بدت محافظة في شكلها، لكن بالاحتفاظ بقدر عال ورفيع من الشعرية المتينة، المعهودة في شعر كمال سبتي، وبدافع من روح المعنى الذي بقي مهيمناً حتى السطر الأخير، لأن الشعر لديه مأخوذ بجدية حدّ القداسة، وهو قضية في ذاتها، قضية رافع عنها الشاعر طوال حياته بدم القلب.

تصدر هذه الأعمال في غياب شاعرها، وهو ما يجعل من حدث كهذا مثلوماً، إذ عُرف عن كمال اهتمامه المفرط بنتاجه وتدقيقه ومتابعته، واحتفائه به قبل النشر وبعده، لأن الشعر كان كل حياته، هذه الحياة التي عاشها شعراً. فكم كان مبهجاً، لو أن مجموع أعماله هذا قد صدر تحت ناظريه.

ولأهمية هذه الأعمال وضروة أن لا تبقى رهينة التفرّق والغياب، أي في طبعاتها الأولى المتباعدة، غير المتاحة للتداول إلّا فيما ندر، ولأهمية أن تأخذ مكانها في مكتبة الشعر، عراقياً وعربياً، كانت هذه الخطوة في جمعها ومراجعتها وتقديمها للنشر. وقد كان لوفاء الصديق، الفنان المسرحي رياض سبتي، لشقيقه وتراثه الشعري، دوره الحاسم في حفظ مجموعات الشاعر، ومن ثمّ إتاحتها لكاتب سطور هذه المقدمة، حين تم طرح فكرة طباعتها ونشرها، إسهاماً في صون هذا الشعر وجعله قابلاً للانتشار من جديد، بما يجدر به».

من المجموعة الكاملة:

«الشاعر في التاريخ»

الرجل الجالسُ في المكتبة

مورّخٌ يكتبُ عن شاعرٍ

الرجل الهاربُ في سيرةٍ

مشرّدٌ في الليل كالليلِ

رغيفهُ باردْ

رغيفهُ واحدْ

عنوانه مصطبة

محطّةٌ مغلقةُ البابِ

الرجلُ الخائفُ في سيرةٍ

يغيّر الشكلَ تباعاً، فمرّةً

بلحية كثةٍ

ومرّةً بشاربٍ، ثمّ مرّةْ

بنصفِ قلبٍ حائرٍ في الطريقْ

يسيرُ فوقَ جمرةٍ، ثمّ جمرةْ

تلقيه فوقَ جمرةٍ، في الطريقْ.