بعض العلويين يتساءلون عن جدوى دعمهم للرئيس السوري

بينهم من تعرضوا للاعتقال لأنهم بدأوا حوارا مع زعماء من القرى السنية

بشار الاسد
بشار الاسد
TT

بعض العلويين يتساءلون عن جدوى دعمهم للرئيس السوري

بشار الاسد
بشار الاسد

تُبدي الطائفة العلوية، التي تعتبر العمود الفقري لنظام حكم الرئيس السوري بشار الأسد، إشارات مضطربة إثر الضغوط الناجمة عن الحرب الأهلية السورية.
حيث بات أعضاء طائفة الأقلية أكثر انتقادا وحساسية حيال الطريقة التي يتعامل بها النظام الحاكم مع الصراع على وسائل التواصل الاجتماعي، وخلال المظاهرات النادرة، وفقا لما وصفه النشطاء والمحللون. كما يقولون إن العلويين، الذين يشكلون قلب القوات الأمنية للأسد، صاروا يتهربون على نحو متزايد من الخدمة العسكرية الإلزامية في الحرب التي تدخل عامها الرابع، حيث يستمر مجتمعهم في تكبد خسائر بشرية ضخمة بالنسبة إلى طائفة السنة من المجتمع السوري، والذين يقودون جهود المعارضة ضد النظام.
وقد ضاعفت قوات الأمن من حرارة الاحتكاك الراهن من خلال أساليب التعامل التي تشمل الاعتقالات والترهيب. ولكن في حين أن البعض يظن أن ذلك يهدد نظام حكم الأسد بشكل فوري، وهو الذي ينتمي للطائفة ذاتها، إلا أن تصاعد وتيرة التوتر يشير إلى حالة من الاستنزاف تسري في المجتمع، الأمر الذي يعتبر من الأهمية بمكان قياس مقدرة نظامه على مواجهة التمرد الذي لا تنذر بوادره بالانتهاء في القريب العاجل.
يقول السيد لؤي حسين (54 عاما)، وهو من النشطاء العلويين المقيمين في العاصمة السورية دمشق ومن منتقدي نظام بشار الأسد: «يقترب صبر العلويين على النفاد حيال النظام الحاكم بسبب عجزه عن إثبات أي تقدم يُذكر في إنهاء حالة الحرب التي عصفت بالبلاد».
وفي يوم الأربعاء، ألقي القبض على حسين من قبل السلطات السورية أثناء محاولته عبور الحدود إلى لبنان، حسبما قال حلفاؤه من السياسيين، وقد ألقي القبض عليه من قبل إثر معارضته لنظام الرئيس الأسد.
ولم يتسن التواصل مع المسؤولين السوريين للتعليق على نبأ الاعتقال.
يعزو أندرو تابلر، وهو خبير في الشأن السوري وزميل بارز لدى «معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى»، ذلك الشعور بصفة جزئية إلى العوامل الديموغرافية؛ حيث تفوق الأغلبية السنية في سوريا الطائفة العلوية من حيث العدد، والعلويون هم فرع من الإسلام الشيعي ويشكلون نحو 12 في المائة من السكان قبل الحرب في البلاد التي يبلغ عددها 24 مليون نسمة.
يقول تابلر: «يدرك الناس أن الحرب لن تنتهي في أي وقت قريب، وأنه لا يمكنك إيجاد طريقك خارج المشكلة بمنتهى السهولة، ليس في ظل الديموغرافية السورية الحالية. هناك الكثير من السنة يعيشون هناك».
ورغم أن العلويين لم يؤيدوا الرئيس الأسد بشكل موحد، فإن الخوف من تزايد حدة المعارضة المتطرفة يحول بينهم وبين القطيعة مع النظام الحاكم بأعداد كبيرة، على حد وصف المحللين. وينظر إليهم المتشددون السنة باعتبارهم مرتدين، وفي المقابل ينظرون هم إلى النظام بوصفه حصنا يحميهم ضد العنف المتطرف الذي تعتنقه جماعات مثل تنظيم داعش.
رغم ذلك، فإن أفرادا من مجتمعهم يبعثون بروح متزايدة من الإحباط بين العوام.
وتظاهر العشرات في مدينة حمص عقب تفجيرين متواليين خلال الشهر الماضي أسفرا عن مقتل 50 طفلا في أكبر منطقة تضم الطائفة العلوية في المدينة، مطالبين بإقالة المحافظ إثر فشله في إحباط الهجمات. ورغم إحجامهم عن الدعوة إلى إسقاط الرئيس الأسد، فإنهم رفضوا رفع صور له أثناء المظاهرة.
ونُظمت مظاهرات أخيرا في الأحياء العلوية على طول الساحل السوري، طبقا للنشطاء العلويين الذي هم على اتصال بسكان تلك المناطق.
وفي طرطوس، نظم السكان مظاهرات ووزعوا نشرات تحض الناس على «الإفصاح» إثر تزايد أعداد ضحايا الحرب واتهامات للنظام بأنه تخلى عن جنوده الذين اعتقلوا ثم أعدموا على يد المتطرفين السنة. وقد أعلن المرصد السوري لحقوق الإنسان، ومقره في لندن، أخيرا تقديره لأعداد قوات الأمن الذين قتلوا بما لا يقل عن 110 آلاف جندي، بينما يصف الكثير القرى العلوية الريفية بأنها خالية من الرجال الذين هم في سن الخدمة العسكرية.
يقول ناصر النوكاري، وهو علوي ينسق مع النشطاء في سوريا، إن مظاهرات طرطوس احتجت أيضا على اعتقال الرجال الذين يرفضون الخدمة العسكرية الإلزامية. ويشمل ذلك الجنود الذين ألقوا القبض على أفراد الطاقم الطبي قبل أسابيع في مستشفى الباسل في طرطوس، فضلا عن حالات الاعتقال الأخيرة بحق الناس في مكاتب شركة الكهرباء في المدينة والذين ظهروا في استجابة لفرص العمل المعلن عنها هناك.
يتحدث المحللون والنشطاء ووسائل الإعلام المحلية عن الجهود المكثفة في المناطق التي يسيطر عليها النظام لإلقاء القبض على أعداد متزايدة من الرجال الذين يرفضون الخدمة العسكرية في الجيش ووحداته المعاونة، مثل قوات الدفاع الوطني، وهي قوة محلية من المتطوعين تتألف أساسا من العلويين. ويقولون إن جهود النظام الحاكم هي لتعويض الخسائر الفادحة التي يتكبدها في القوة البشرية ولتصعيد الهجمات ضد مناطق المتمردين.
وهناك ما يصل إلى 5 آلاف رجل في طرطوس وحدها أحجموا عن التقدم لأداء الخدمة العسكرية منذ شهر يناير (كانون الثاني) من هذا العام، بينما لاحظ النشطاء والمحللون اتجاها لدى العلويين في السفر إلى الخارج.
يقول يزيد صايغ، وهو زميل بارز لدى مركز «كارنيغي» لـ«الشرق الأوسط» ومقره في بيروت: «يساورني شعور من عدة مصادر وأدلة قوية من أن الناس المؤيدين للنظام باتوا يبحثون عن اللجوء للخارج، أي مغادرة سوريا والسفر إلى خارجها».
ويقول لؤي حسين، الناشط العلوي المقيم في دمشق، إن الكثيرين من أصدقائه العلويين، ومن بينهم عائلة تضم 6 أفراد، بدأوا خلال العام الماضي الانتقال إلى أوروبا وإلى الدول العربية.
ويضيف قائلا: «يشعر العلويون أنه يجب عليهم اختيار النظام، بصرف النظر عن مقدار كراهيتهم له. ولذلك مع هذا الاختيار، يريد الكثيرون المغادرة».
وبالنسبة لأولئك الباقين في البلاد، فإن تحدي النظام قد يكون أمرا خطيرا، حيث يقول أحد النشطاء المناوئين للنظام إن أكثر من 10 من أصدقائه العلويين تعرضوا للاعتقال على يد قوات الأمن خلال الشهرين الماضيين، فقط لأنهم بدأوا حوارا مع زعماء من القرى السنية. وقد ألقي القبض على أحدهم من قرية على مقربة من مدينة اللاذقية الساحلية واعتقل بصورة مؤقتة لدى سجن أمن الدولة، وتعرض للضرب الشديد على أيدي السجانين، حتى إنه لا يسير الآن إلا بمساعدة من الآخرين، على حد وصف الناشط الذي رفض الكشف عن هويته خوفا على سلامته.
وأدى ارتفاع وتيرة الانتقادات على وسائل التواصل الاجتماعي إلى زيادة في الاعتقالات كذلك، ومن بينهم الكثير من الأفراد في مدينة حمص عقب الهجمات التي وقعت خلال الشهر الماضي وأسفرت عن مقتل العشرات من الأطفال. وقد ألقت قوات أمن الدولة السورية القبض على إحدى النساء التي انتقدت نظام حكم الرئيس بشار الأسد على صفحتها الخاصة على موقع «فيسبوك» بعد وقوع الانفجار الأخير.
ويقول البروفسور جوشوا لانديس، وهو أستاذ التاريخ لدى جامعة أوكلاهوما وهو على اتصال مستمر مع العلويين في سوريا، إن تلك الانتقادات تشير إلى تحول في طريقة تفكير القوم حول كيفية إنهاء الحرب هناك. ويشمل ذلك التخلي عن فكرة القومية العربية التي تبناها نظام الأسد من أجل تقسيم سوريا، بهدف إقامة قطاع يخضع لسيطرة الطائفة العلوية.
وأضاف يقول: «إنهم يفكرون في حلول راديكالية. إنهم يعلمون أنهم عاجزون عن مهاجمة المناطق التي يسيطر عليها المتمردون، وهم لا يرغبون في فقدان المزيد من أطفالهم بعد الآن».
* خدمة «واشنطن بوست»
- خاص بـ {الشرق الأوسط}



العليمي يطلب تدخل تحالف دعم الشرعية عسكرياً لحماية حضرموت

العليمي مجتمعاً في الرياض مع مجلس الدفاع الوطني (سبأ)
العليمي مجتمعاً في الرياض مع مجلس الدفاع الوطني (سبأ)
TT

العليمي يطلب تدخل تحالف دعم الشرعية عسكرياً لحماية حضرموت

العليمي مجتمعاً في الرياض مع مجلس الدفاع الوطني (سبأ)
العليمي مجتمعاً في الرياض مع مجلس الدفاع الوطني (سبأ)

توالت التطورات الميدانية والسياسية في المحافظات الشرقية من اليمن، على وقع التصعيد العسكري الذي ينفذه المجلس الانتقالي الجنوبي، ما دفع رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي إلى طلب تحالف دعم الشرعية في اليمن للتدخل عسكرياً لحماية حضرموت.

وتقول مصادر سياسية لـ«الشرق الأوسط» إن المجلس الانتقالي الداعي للانفصال عن شمال اليمن يستغل الظروف الناجمة عن وساطة التهدئة السعودية - الإماراتية للتوسع عسكرياً، على الرغم من أن الوساطة مستمرة، وهدفها إنهاء الصراع سلماً من خلال انسحاب قوات المجلس الانتقالي من حضرموت والمهرة، وعودتها إلى معسكراتها خارج المحافظتين، وتسليم المعسكرات لقوات «درع الوطن» والسلطة المحلية.

وفي هذا السياق، صرّح مصدر مسؤول في الحكومة اليمنية أن رئيس مجلس القيادة الرئاسي، القائد الأعلى للقوات المسلحة، رشاد العليمي، أُطلع، إلى جانب عدد من أعضاء المجلس وأعضاء مجلس الدفاع الوطني، على مجمل الأوضاع في محافظة حضرموت، بما في ذلك العمليات العسكرية التي وصفها بـ«العدائية» التي نفذها المجلس الانتقالي خلال الساعات الأخيرة، وما رافقتها من انتهاكات جسيمة بحق المدنيين.

العليمي طلب تدخلاً عسكرياً من تحالف دعم الشرعية لحماية حضرموت (سبأ)

واعتبر المصدر أن هذا التصعيد، المستمر منذ مطلع الشهر الحالي، يمثل خرقاً صريحاً لمرجعيات المرحلة الانتقالية، وفي مقدمتها إعلان نقل السلطة واتفاق الرياض، فضلاً عن كونه تقويضاً مباشراً لجهود الوساطة التي تقودها السعودية والإمارات، بالتنسيق مع المجتمع الدولي، بهدف خفض التصعيد وانسحاب قوات المجلس الانتقالي من محافظتي حضرموت والمهرة.

وبناءً على هذه التطورات، تقدم العليمي - وفق المصدر الحكومي - بطلب رسمي إلى قوات تحالف دعم الشرعية في اليمن، لاتخاذ كافة التدابير العسكرية اللازمة لحماية المدنيين في محافظة حضرموت، ومساندة القوات المسلحة اليمنية في فرض التهدئة، وحماية جهود الوساطة السعودية - الإماراتية، مجدداً دعوته لقيادة المجلس الانتقالي إلى تغليب المصلحة العامة ووحدة الصف، والامتناع عن مزيد من التصعيد غير المبرر.

المجلس الانتقالي الجنوبي اتخذ إجراءات عسكرية أحادية في حضرموت والمهرة (إ.ب.أ)

وفي السياق ذاته، قالت المصادر الرسمية اليمنية إن العليمي رأس اجتماعاً طارئاً لمجلس الدفاع الوطني، بحضور 3 من أعضاء مجلس القيادة الرئاسي، ورئيسي مجلسي النواب والشورى، ورئيس الحكومة، وقيادات عسكرية وأمنية، إلى جانب محافظ حضرموت، لمناقشة تداعيات الإجراءات الأحادية التي اتخذها المجلس الانتقالي، وانعكاساتها الخطيرة على الأمن الوطني والإقليمي.

واطلع الاجتماع - بحسب الإعلام الرسمي - على تقارير ميدانية بشأن الانتهاكات التي طالت المدنيين في حضرموت والمهرة، وصولاً إلى الهجمات الأخيرة في وادي نحب، التي عدّها المجلس «مخالفة صريحة» لجهود التهدئة، وتمرداً على مؤسسات الدولة الشرعية.

وأكّد مجلس الدفاع الوطني دعمه الكامل للوساطة التي تقودها السعودية، مشدداً على ضرورة عودة قوات المجلس الانتقالي إلى مواقعها السابقة خارج المحافظتين، وتسليم المعسكرات لقوات «درع الوطن» والسلطات المحلية، وفق ترتيبات منظمة وتحت إشراف التحالف.

تحذير من العواقب

على وقع هذه التطورات، كانت السعودية أعادت رسم خطوط التهدئة شرق اليمن، عبر بيان واضح صادر عن وزارة الخارجية، شدّد على رفض التحركات العسكرية الأحادية، والمطالبة بعودة قوات المجلس الانتقالي إلى مواقعها السابقة.

وأكدت مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط» أن هذا الموقف تُرجم ميدانياً بتوجيه ضربة جوية تحذيرية في حضرموت، حملت رسالة مباشرة بعدم السماح بفرض وقائع جديدة بالقوة.

وأوضحت المصادر أن الضربة جاءت في إطار الردع الوقائي، محذرة من أن أي تصعيد إضافي سيقابل بإجراءات أكثر صرامة، في مؤشر على انتقال الرياض من سياسة الاحتواء السياسي إلى ضبط ميداني حاسم لحماية الاستقرار.

من جهته، أصدر المجلس الانتقالي بياناً حاول فيه تبرير تحركاته، معتبراً أنها جاءت استجابة لـ«دعوات شعبية»، ومعلناً انفتاحه على التنسيق مع السعودية، رغم وصفه الضربة الجوية بأنها «مستغربة».

ويرى مراقبون أن أي تنسيق محتمل لن يكون مقبولاً إقليمياً ما لم يبدأ بإنهاء التصعيد، وخروج القوات، وتسليم المعسكرات، والعودة إلى طاولة الحوار، دون فرض الأمر الواقع بالقوة.

منطق الوهم

يحذر سياسيون يمنيون من أن تعنت المجلس الانتقالي وإصراره على عسكرة حضرموت، رغم الجهود الصادقة التي تبذلها السعودية والإمارات، يلحق ضرراً فادحاً بالقضية الجنوبية العادلة نفسها، عبر اختزالها في المدرعات والنقاط العسكرية، بدل تحويلها إلى مشروع سياسي قابل للحياة.

ويستدعي هذا السلوك مقارنات إقليمية مؤلمة، أبرزها تجربة حميدتي وميليشيات الجنجويد في السودان، التي اعتمدت السلاح والإرهاب لتنفيذ أجندات خارجية، وكانت النتيجة خراب المدن وانهيار الدولة. كما يستحضر نموذج جنوب السودان، الذي وُلد من رحم الصراع المسلح، لينتهي إلى دولة منهارة وصراعات داخلية مفتوحة.

رغم إقرار اليمنيين بعدالة القضية الجنوبية فإن المجلس الانتقالي يحاول أن يستغلها للتصعيد شرقاً (أ.ب)

ويؤكد خبراء أن المجتمع الدولي لا يعترف إلا بالدول والمؤسسات، لا بالميليشيات، وأن تجربة «أرض الصومال» مثال واضح على عزلة المشاريع التي تُفرض بالقوة، مهما طال أمدها. كما أن فشل محاولات انفصال كتالونيا عن إسبانيا يبرهن أن العالم لا يشرعن الانفصال الأحادي خارج الدولة والدستور.

ويجمع محللون على أن حضرموت أكبر من أن تكون غنيمة لميليشيا مناطقية (إشارة إلى هيمنة مناطق بعينها على قرار المجلس الانتقالي)، وأعمق من أن تُدار بالعنف والسلاح، وأن أي محاولة لجرّها إلى الفوضى تمثل جريمة بحق مكاسب الجنوب وفرصه السياسية.

ويرى مراقبون أن عسكرة حضرموت خطوة غير عقلانية، تعكس إصراراً على فرض الأمر الواقع بأدوات الترهيب ذاتها، التي يدّعي المجلس الانتقالي محاربتها، في تحدٍّ صريح لرغبات المجتمع الدولي الداعية إلى ضبط النفس، والحفاظ على استقرار الجنوب واليمن عموماً.

وكان البيان السعودي شدّد على أن معالجة القضية الجنوبية العادلة لا تكون عبر القوة، بل من خلال حوار سياسي شامل، ضمن المرجعيات المتفق عليها، وفي مقدمتها اتفاق الرياض وإعلان نقل السلطة، بما يحفظ وحدة اليمن ومركزه القانوني، ويمنع انزلاق المحافظات الشرقية إلى مسار يهدد جهود السلام.


تحذيرات مصرية من عرقلة «مسار اتفاق غزة» وتجزئة الإعمار

فلسطينيون يسيرون وسط الملاجئ في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين بغزة (أ.ف.ب)
فلسطينيون يسيرون وسط الملاجئ في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين بغزة (أ.ف.ب)
TT

تحذيرات مصرية من عرقلة «مسار اتفاق غزة» وتجزئة الإعمار

فلسطينيون يسيرون وسط الملاجئ في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين بغزة (أ.ف.ب)
فلسطينيون يسيرون وسط الملاجئ في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين بغزة (أ.ف.ب)

تتواصل جهود الوسطاء للدفع بالمرحلة الثانية في اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، وسط مخاوف وتحذيرات مصرية، من عرقلة ذلك المسار المرتقب أن يدخل حيز التنفيذ بعد أقل من أسبوع في يناير (كانون الثاني) المقبل.

ذلك الموقف المصري، الرافض لتجزئة الإعمار أو تقسيم قطاع غزة أو وضع شروط إسرائيلية بشأن قوات الاستقرار في القطاع، يحمل رسائل مهمة للضغط على إسرائيل قبل لقاء الرئيس الأميركي دونالد ترمب، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في 29 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، وفق تقديرات خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، وتوقعوا أن تضغط واشنطن لبدء المرحلة الثانية في ضوء تلك الرسائل المصرية.

وأعلن وزير الخارجية الألماني، يوهان فاديفول، في تصريحات، الجمعة، أن ألمانيا لن تشارك في المستقبل المنظور في قوة دولية للاستقرار في غزة ضمن خطة السلام الخاصة بالقطاع المتوقع أن تنتشر الشهر المقبل.

هذه الخطوة تعزز مخاوف مصرية، تحدث بها رئيس الهيئة العامة للاستعلامات المصرية، ضياء رشوان، متهماً نتنياهو بأنه «يحاول إعادة صياغة المرحلة الثانية وحصرها في مطلب نزع سلاح المقاومة، وهو ما لا ينص عليه الاتفاق، وتدركه الولايات المتحدة جيداً»، مشيراً إلى مساعٍ إسرائيلية لإقحام قوة حفظ الاستقرار في أدوار لا تتعلق بتكليفها، مثل نزع السلاح، وهو أمر لن توافق عليه الدول المشاركة.

وأكد رشوان، الخميس، وفق ما أوردت قناة «القاهرة الإخبارية» الفضائية، أن «محاولات نتنياهو قد تؤدي إلى تأجيل أو إبطاء التنفيذ، لكنها لن تنجح في إيقاف المرحلة الثانية»، مشيراً إلى أن «نتنياهو يسعى بكل السبل لتجنب الانتقال إلى المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، ودفع واشنطن إلى مواجهة مع طهران، بما قد يعيد إشعال غزة ويُفشل المرحلة الثانية من الاتفاق».

والخميس، نقل موقع «واي نت» الإخباري الإسرائيلي عن مصدر عسكري قوله إن نتنياهو سيُطلع ترمب على معلومات استخباراتية عن خطر الصواريخ الباليستية الإيرانية خلال اجتماعهما المرتقب قبل نهاية العام الحالي، لافتاً إلى أن بلاده قد تضطر لمواجهة إيران إذا لم تتوصل أميركا لاتفاق يكبح جماح برنامج الصواريخ الباليستية - الإيرانية.

أمين عام «مركز الفارابى للدراسات السياسية»، الدكتور مختار غباشي، قال إن التصريحات المصرية واضحة وصريحة، وتحمل رسائل للكيان الإسرائيلي وواشنطن قبل الزيارة المرتقبة، مؤكداً أن الغضب المصري عندما يصل لهذه المرحلة من الرسائل المباشرة، تضع واشنطن في حساباتها الوصول لنقطة تقارب بين القاهرة وتل أبيب.

وأكد المحلل السياسي الفلسطيني، نزار نزال، أن التصريحات المصرية تحمل في طياتها رسائل ومخاوف حقيقية من ترسيخ إسرائيلي للوضع القائم من منظور أمني وليس سياسياً، على أمل أن تتحرك واشنطن بجدية لوضع نهاية له.

منازل مدمرة في مخيم النصيرات وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

ولا يتوقف الموقف المصري عند مجرد المخاوف، بل يحمل تحذيرات واضحة، وقال وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، الخميس، في مقابلة مع التلفزيون المصري، إن «هناك خطين أحمرين في غزة، الخط الأحمر الأول يتمثل في عدم الفصل بين الضفة الغربية وقطاع غزة، هذا مستحيل، المنطقتان تشكلان وحدة واحدة لا تتجزأ للدولة الفلسطينية القادمة، والخط الأحمر الثاني عدم تقسيم قطاع غزة».

وأضاف أن «الكلام اللغو الذي يقال عن وجود تقسيم القطاع إلى مناطق حمراء وخضراء أو أن الأماكن التي تقع تحت سيطرة إسرائيل مباشرة تأكل وتشرب وترى إعماراً، بينما الـ90 في المائة من الفلسطينيين الموجودين في الغرب تحت دعاوى أن (حماس) موجودة لا يأكلون ولا يشربون، هذا عبث ولن يتم ولن يتم التوافق عليه».

وفي ضوء ذلك، شدد مختار غباشي على أن مصر عندما تعلن خطوطاً حمراء، فهذا حد فاصل، وثمة مخالفات على أرض الواقع غير مقبولة، للقاهرة، مشيراً إلى أن القاهرة تتعمد هذه الرسائل في هذا التوقيت على أمل أن تعزز مسار الوسطاء نحو بدء المرحلة الثانية قريباً، خاصة أنه «إذا أرادت واشنطن فعلت ما تريد، خصوصاً إن كان الأمر يتعلق بضغط على الكيان لوقف مساراته المعرقلة للاتفاق».

وذكرت صحيفة «إسرائيل اليوم»، الخميس، أن لقاء نتنياهو وترمب المرتقب سيختتم ببيان عن التقدم المحرز نحو المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار بقطاع غزة.

وأكد رشوان أن جميع الشواهد تؤكد أن الإدارة الأميركية حسمت موقفها من بدء المرحلة الثانية مطلع يناير المقبل، لافتاً إلى أن استقبال ترمب لرئيس الوزراء الإسرائيلي في 29 ديسمبر الحالي يرجح أن يكون إشارة الانطلاق الفعلية للمرحلة الثانية دون لبس.

ويتوقع نزار نزال أن يحاول نتنياهو في مقابلة ترمب، تمرير سردية بقاء إسرائيل في الخط الأصفر وتقسيم غزة وبدء الإعمار في الجزء الذي يقع تحت سيطرتها، موضحاً: «لكن الرسائل المصرية التحذيرية خطوة استباقية لتفادي أي عراقيل جديدة أو تناغم أميركي إسرائيلي يعطل مسار الاتفاق».


ضربة سعودية تحذيرية في حضرموت... والانتقالي «منفتح على التنسيق»

قوات في عدن خلال مسيرة مؤيدة للمجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بالانفصال عن شمال اليمن (إ.ب.أ)
قوات في عدن خلال مسيرة مؤيدة للمجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بالانفصال عن شمال اليمن (إ.ب.أ)
TT

ضربة سعودية تحذيرية في حضرموت... والانتقالي «منفتح على التنسيق»

قوات في عدن خلال مسيرة مؤيدة للمجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بالانفصال عن شمال اليمن (إ.ب.أ)
قوات في عدن خلال مسيرة مؤيدة للمجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بالانفصال عن شمال اليمن (إ.ب.أ)

فيما أعاد البيان الصادر عن وزارة الخارجية السعودية رسم المسار المطلوب للتهدئة، شرق اليمن، إذ شدد على وقف التحركات العسكرية الأحادية، مع المطالبة بعودة قوات المجلس الانتقالي الجنوبي إلى مواقعها السابقة خارج حضرموت والمهرة، أكدت الرياض موقفها ميدانياً عبر توجيه ضربة جوية تحذيرية، وفق ما أكدته مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط».

وأوضحت المصادر أن الضربة جاءت لإيصال رسالة مفادها عدم السماح بفرض وقائع جديدة بالقوة أو تجاوز الأطر المؤسسية التي تحكم الملف الأمني في المحافظات الشرقية، محذرةً من أن أي تصعيد إضافي سيقابل بإجراءات أشد صرامة.

الخارجية السعودية كانت وصفت تحركات «الانتقالي» بأنها أحادية وأضرت بمسار التهدئة، داعيةً إلى خروج عاجل ومنظم للقوات وتسليم المعسكرات تحت إشراف التحالف وبالتنسيق مع مجلس القيادة الرئاسي والسلطات المحلية.

من جهته، أصدر المجلس الانتقالي الجنوبي بياناً، الجمعة، حاول فيه تبرير تحركاته العسكرية، معتبراً أنها جاءت استجابةً لـ«دعوات شعبية جنوبية» لمواجهة التهديدات الإرهابية وقطع خطوط تهريب الحوثيين.

وأكد «الانتقالي»، في بيانه، أنه منفتح على أي تنسيق أو ترتيبات مع السعودية، معتبراً الضربة الجوية «قصفاً مستغرباً» لا يخدم مسارات التفاهم.

وقال مراقبون لـ«الشرق الأوسط» إن التنسيق والترتيبات سيكون مرحباً بهما من قبل السعودية إذا كانت تصب في إنهاء التصعيد وخروج قوات «الانتقالي الجنوبي» واستلام قوات «درع الوطن» الجنوبية والسلطة المحلية المعسكرات والأمن في محافظتي حضرموت والمهرة. والجلوس للتشاور والحوار من دون الحاجة لاستخدام القوة.

ويتوقع مراقبون أن تؤدي الضربة التحذيرية إلى توصيل رسالة واضحة بأن الرياض قد تضطر للانتقال من سياسة الاحتواء الهادئ إلى فرض خطوط حمر لمنع أي تصعيد بالقوة.

وتشير مصادر «الشرق الأوسط» إلى أن أي تسوية مستقبلية ستقوم على عودة الأوضاع إلى ما قبل التصعيد، مدخلاً أساسياً للحفاظ على وحدة الصف اليمني، ومنع انزلاق المحافظات الشرقية إلى مسار يهدد جهود السلام.

كان البيان السعودي أكد على دعم الرياض الكامل لوحدة اليمن وأمنه واستقراره، مشدداً على أن معالجة القضية الجنوبية العادلة لا تتم عبر القوة، بل من خلال حوار سياسي شامل، ضمن المرجعيات المتفق عليها، وفي مقدمتها اتفاق الرياض وإعلان نقل السلطة.

وكشف البيان عن تنسيق سعودي - إماراتي لإرسال فريق عسكري مشترك إلى عدن، لوضع آلية لإعادة انتشار القوات ومنع تكرار التصعيد، في خطوة عدها مراقبون انتقالاً من التحذير السياسي إلى الضبط التنفيذي الميداني.