«حماس» و إسرائيل تمهدان لاتفاق تبادل أسرى

على خلفية تهديدات متبادلة وحشود لجيش الاحتلال حول غزة

فلسطيني يعيد إلقاء عبوة مسيلة للدموع في كفر قدوم بالضفة الغربية خلال مواجهات أمس مع القوات الإسرائيلية (د.ب.أ)
فلسطيني يعيد إلقاء عبوة مسيلة للدموع في كفر قدوم بالضفة الغربية خلال مواجهات أمس مع القوات الإسرائيلية (د.ب.أ)
TT

«حماس» و إسرائيل تمهدان لاتفاق تبادل أسرى

فلسطيني يعيد إلقاء عبوة مسيلة للدموع في كفر قدوم بالضفة الغربية خلال مواجهات أمس مع القوات الإسرائيلية (د.ب.أ)
فلسطيني يعيد إلقاء عبوة مسيلة للدموع في كفر قدوم بالضفة الغربية خلال مواجهات أمس مع القوات الإسرائيلية (د.ب.أ)

في وقت يتبادل قادة حكومة اليمين في إسرائيل وقادة حكم «حماس» التهديدات بتفجير أمني حشدت فيه إسرائيل قوات المظليين حول قطاع غزة، أطلق رئيس حركة «حماس» في القطاع، يحيى السنوار، مبادرة لصفقة تبادل أسرى تتضمن اقتراحات جديدة، وأبدت المؤسسة الأمنية الإسرائيلية اهتماماً بها.
وقالت مصادر سياسية في تل أبيب، أمس، إن «الطرفين يطلقان بالونات اختبار لمعرفة ماهية رد فعل جمهورهما في حال الاتفاق على صفقة. لكن من الواضح أن هناك نغمة جديدة في الخطاب المنطلق من القطاع ومن تل أبيب يدل على تقدم ما نحو الصفقة، بل يدل على أن كليهما يريدان استغلال أزمة (كورونا) لترتيب علاقاتهما المستقبلية».
كان وزير الدفاع الإسرائيلي، نفتال بنيت، قد أعلن، أول من أمس (الخميس)، رفضه تقديم مساعدات لمكافحة «كورونا» في قطاع غزة، إذا لم يحرروا المحتجزين الإسرائيليين لدى «حماس». ورد عليه قائد «حماس» في قطاع غزة، يحيى السنوار، مساء اليوم نفسه، مبدياً استعداد حركته تقديم تنازلات جزئية في ملف جثماني الجنديين الإسرائيليين، هادر غولدين وأورون شاؤول، المحتجزتين لديها، مبيناً أن حركته مستعدة لبادرة إنسانية وإطلاق سراح الجنديين مقابل موافقة إسرائيل على الإفراج عن سجناء فلسطينيين من كبار السن والمرضى والنساء، وكذلك مقابل تقديم الاحتياجات المطلوبة لمكافحة انتشار «كورونا»، وتقديم معدات حيوية.
ولوحظ أن كليهما طرحا «البادرة الإنسانية» بلهجة تهديد. فهدد بنيت بعدم تقديم مساعدات في موضوع «كورونا»، إلا إذا قدم الفلسطينيون تنازلات في الصفقة، بينما هدد السنوار بقطع أنفاس الإسرائيليين، إذ قال خلال حوار مع فضائية «الأقصى» في غزة، إن «هناك إمكانية أن تكون مبادرة لتحريك ملف تبادل الأسرى بأن يقوم الاحتلال الإسرائيلي بعمل طابع إنساني أكثر من عملية تبادل، بحيث يطلق سراح المعتقلين الفلسطينيين المرضى والنساء وكبار السن من سجونه، وممكن أن نقدم له مقابلاً جزئياً». واستدرك قائلاً: «لكن المقابل الكبير لصفقة تبادل الأسرى هو ثمن كبير يجب أن يدفعه الاحتلال»، دون مزيد من التفاصيل. وأضاف السنوار أن «قيادة (كتائب القسام) (الجناح العسكري لحركة حماس) تراقب موضوع دخول فيروس كورونا للسجون الإسرائيلية بقلق كبير».
وأضاف: «أبلغنا الوسطاء (لم يذكرهم) أنه لا يمكن بدء مفاوضات لصفقة تبادل أسرى جديدة دون إطلاق سراح أسرى الصفقة السابقة (صفقة شاليط عام 2011) الذين تم اعتقالهم مجدداً في الضفة الغربية». وفيما يتعلق باشتراط الوزير الإسرائيلي، بنيت، استعادة الجنود المحتجزين لدى «حماس» مقابل تقديم تسهيلات لغزة، قال السنوار: «أقول لبنيت إذا وجدنا أنّ مصابي (كورونا) في قطاع غزة لا يقدرون على التنفس سنقطع النفس عن 6 ملايين صهيوني، وسنأخذ ما نريده منكم خاوة (بالقوة)». وأضاف: «في الوقت الذي نكون فيه مضطرين إلى أجهزة تنفس لمرضانا أو طعام لشعبنا، فإننا مستعدون أن نرغمك على ذلك، وستجد أننا قادرون»، دون مزيد من التفاصيل.
وفي إسرائيل، أعلن الجيش الإسرائيلي أن قوات لواء المظليين التي استقرت على الحدود مع قطاع غزة، كانت قد «أجرت تمريناً خاصاً في قاعدة تدريبات قيادة المنطقة الجنوبية، لمواجهة السيناريوهات المختلفة في منطقة قطاع غزة، بدءاً من العمليات الروتينية التي تشمل دوريات، وعمليات فحص أجسام مشبوهة، وتسلل المسيرات، واجتياز السياج الأمني، وحتّى عمليات تخريبية معقدة». في جميع هذه الحالات، يتوجب على المحاربين تفعيل كافة الجهات العسكرية المتوفرة لإحباط الاعتداءات التخريبية التي تعرضهم للخطر، هم وسكان البلدات المجاورة.
من جهته، أكد الناطق بلسان حركة «حماس»، فوزي برهوم، أمس، أن المبادرة التي طرحها السنوار بخصوص ملف الأسرى، «تحمل أبعاداً إنسانية وتعكس مدى المرونة التي تتمتع بها الحركة في إدارة الملف، وتضع إسرائيل أمام اختبار جديد لمعرفة مدى جديتها».



كيف سيتصرف «حزب الله» وهل يتفلّت نتنياهو من الضغط الأميركي؟

لدى نصر الله ونتنياهو حسابات معقدة تحول دون تراجعهما (أ.ف.ب - رويترز)
لدى نصر الله ونتنياهو حسابات معقدة تحول دون تراجعهما (أ.ف.ب - رويترز)
TT

كيف سيتصرف «حزب الله» وهل يتفلّت نتنياهو من الضغط الأميركي؟

لدى نصر الله ونتنياهو حسابات معقدة تحول دون تراجعهما (أ.ف.ب - رويترز)
لدى نصر الله ونتنياهو حسابات معقدة تحول دون تراجعهما (أ.ف.ب - رويترز)

يتوقف بدء سريان المفاعيل السياسية للنداء الأميركي - الفرنسي، المدعوم أوروبياً وعربياً، للحكومتين اللبنانية والإسرائيلية، على الضغط الذي تمارسه الولايات المتحدة الأميركية على رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو، لمنعه من التفلُّت من مسؤوليته بتوفير الأجواء السياسية المواتية لتطبيق مضمون هذا النداء، بعد أن كان قد التزم بمضامينه، لينقلب عليه لاحقاً بذريعة أن مجرد التلازم في وقف إطلاق النار ليشمل جبهتي جنوب لبنان وغزة يتيح لـ«حزب الله» تبرير مساندته لـ«حماس»، على نحو يرتد عليه سلباً، ويتسبّب له بإشكالات داخل حكومته المناوئة بأكثريتها للربط بين الجبهتين، فيما يلقى فصل الجبهتين معارضة من «حزب الله»، كونه يشكل له إحراجاً أمام بيئته بعدم الجدوى من انخراطه في إسناد غزة، وما ترتب عليه من أكلاف باهظة كان في غنى عنها.

«فيتوات» متبادلة بين إسرائيل والحزب

لكن صدور النداء الأميركي - الفرنسي بصيغته الراهنة قوبل بتبادل «الفيتوات» بين إسرائيل و«حزب الله»، الذي يتمسك بتطبيق التلازم بوقف إطلاق النار على جبهتي غزة والجنوب، بخلاف نتنياهو المعترض عليه، وهذا ينسجم مع ما طرحه الوسيط الأميركي، أموس هوكستين، في مفاوضاته مع رئيس المجلس النيابي، نبيه بري، بتفويض من قيادة «حزب الله» لتهدئة الوضع جنوباً ونزع فتيل التفجير ومنع توسعة الحرب.

وكان الرئيس بري يعد العدّة لاستئناف التفاوض مع هوكستين لاستكمال البحث بينهما في الورقة التي أعدها الأخير لتهدئة الوضع جنوباً، للبدء بالتفاوض غير المباشر والتوصل إلى وقف إطلاق النار على قاعدة تهيئة الأجواء لتطبيق القرار رقم (1701) كونه الناظم الدولي لتحديد الحدود بين لبنان وإسرائيل.

لكن الرئيس بري، الذي كان قد تواصل مع هوكستين فور صدور النداء، فوجئ، كما يقول مصدر نيابي بارز لـ«الشرق الأوسط»، بمبادرة نتنياهو إلى سحب تأييده له باعتراضه على التلازم بتطبيق وقف إطلاق النار على الجبهتين الغزاوية والجنوبية، ومطالبته بعدم الربط بينهما بذريعة أنه يشكل انحيازاً لوجهة نظر «حزب الله» بإسناده لـ«حماس».

انقلب نتنياهو فألغى هوكستين زيارته

ويؤكد المصدر النيابي أن هوكستين كان يتحضر للعودة إلى بيروت لمواصلة البحث في الورقة التي أعدها لتطبيق القرار رقم (1701)، وسبق لبري أن سجّل ملاحظاته على بعض بنودها، لكنه عدل عن المجيء، بعد أن انقلب نتنياهو على موافقته المبدئية على ما ورد في النداء الذي يحظى أيضاً بتأييد إيران، انسجاماً مع توافقها والولايات المتحدة على استيعاب التأزم لمنع توسعة الحرب في الإقليم.

وينفي المصدر نفسه كل ما أُشيع عن أن هوكستين بحث في اتصاله ببري وجوب انسحاب الحزب إلى ما وراء جنوب الليطاني، ويقول إن الاتصال بينهما بقي في العموميات، ولم يتطرقا إلى أي تفصيل يتعلق بالورقة، طالما أن للبحث بينهما صلة.

ويبقى السؤال: هل ينجح الرئيس الأميركي جو بايدن في إقناع نتنياهو بتعديل موقفه بما يسمح بتعبيد الطريق لتنفيذ ما ورد في النداء؟ أم أن محاولته، وقد تكون الأخيرة، لن تلقى التجاوب المطلوب؟ وهذا ما يفتح الباب لسؤال آخر: كيف سيتصرف «حزب الله» في حال أصر نتنياهو على المضي في اجتياحه الجوي للبلدات الجنوبية والبقاعية، وفي اغتياله لأبرز قياداته وكوادره العسكرية؟

فلدى الحزب، كما تقول أوساط مقربة منه، القدرات العسكرية والقتالية للتعويض عن تراجع حدة المواجهة في القطاع، كما يشيعه بعضهم، وتقول إنه جاهز لمواجهة كل الاحتمالات، وسيمضي في دفاعه عن النفس ضد العدوان الإسرائيلي، ولن يرضخ لضغوط نتنياهو النارية باستهدافه المدنيين من دون أن يستدرج لتوسيع الحرب، مع احتفاظه بحق الرد على تجاوز نتنياهو الخطوط الحمر باغتياله لأبرز قيادات الحزب العسكرية والميدانية.

مخزون «حزب الله» الصاروخي

لكن الأوساط نفسها لا تعلق على ما يتردد بأن القتال في غزة بدأ ينحسر، وأن القطاع تحوّل إلى جبهة مساندة، ما يجعل الحزب منفرداً في حربه مع إسرائيل، وأنه أصبح يختصر بنفسه وحدة الساحات بتراجع منسوب الانشغال الذي تتولاه أذرع محور الممانعة في المنطقة، كما تفضّل عدم التعليق على تحليلات سياسية تتحدث عن التفاوض بين طهران وواشنطن، وتتهم إيران بترك الحزب وحيداً، وتحمله القسط الأكبر في المواجهة، بذريعة أن لديها حسابات وأوراق سياسية لا تريد التصرف بها في غير أوانها، وتحتفظ بها لتحسين شروطها في المفاوضات.

وتؤكد هذه الأوساط لـ«الشرق الأوسط» أن لدى الحزب مخزوناً صاروخياً، يعود له وحده استخدام الصواريخ الدقيقة منه في الوقت المناسب، وتقول إن استخدامه لصاروخ من نوع «قادر-1» لن يكون الأول والأخير، وأريد منه تمرير رسالة يجب أن يأخذها العدو على محمل الجد، بأن الحزب قادر على تجاوز ما بعد حيفا باستهدافه مواقع إسرائيل العسكرية والمخابراتية، وهذا ما أصاب إحدى قياداته الواقعة على تخوم تل أبيب.

متى تتدخل إيران؟

لذلك، هل يبقى الحزب وحيداً في المواجهة لتراجع وحدة الساحات كما يقول خصومه في الداخل والخارج؟ أم أنه لا يزال يراهن، تبعاً لحساباته، على تدخل إيران في الوقت المناسب في حال تمادت إسرائيل في عدوانها بما ينذر باندلاع حرب شاملة؟ وهذا ما أكده وزير خارجيتها عباس عرقجي بقوله إن بلاده لن تبقى مكتوفة الأيدي في حال قيام إسرائيل بتوسيع الحرب لتشمل الإقليم، مع أن طهران تتمهل لأسباب خاصة بها في الرد على اغتيال رئيس المكتب السياسي لـ«حماس» إسماعيل هنية، في عقر دار الحرس الثوري.

في المقابل فإن تل أبيب تواصل اجتياحها الجوي لتفريغ البلدات الجنوبية والبقاعية والضاحية الجنوبية لبيروت من سكانها، كونها مدرجة على بنك أهدافها، بغية تكبير أزمة النزوح بما يشكل إحراجاً للحزب أمام بيئته الحاضنة، والتحريض عليه بذريعة عدم قدرته على توفير الاحتياجات الضرورية لمئات الألوف من النازحين، في ظل عدم استطاعة الدولة على تلبيتها كما يجب، وهذا ما يفسر إصرار إسرائيل على تحييد الطرقات الدولية والفرعية المؤدية إلى هذه القرى لتسهيل عملية النزوح منها.