المجس الفضائي الأوروبي يبث أول صوره الكونية

مخاوف من احتمال توقفه عن العمل بعد ارتطامه بسطح المذنب وهبوطه قرب أحد المنحدرات المظلمة

جانب من مذنب تشوريموف ــ جراسيمنكو
جانب من مذنب تشوريموف ــ جراسيمنكو
TT

المجس الفضائي الأوروبي يبث أول صوره الكونية

جانب من مذنب تشوريموف ــ جراسيمنكو
جانب من مذنب تشوريموف ــ جراسيمنكو

نشرت وكالة الفضاء الأوروبية، أمس، أولى الصور التي التقطها المجس الفضائي «فيله» الذي هبط أول من أمس (الأربعاء) على سطح مذنب تشوريموف - جراسيمنكو، في حدث اعتبره العلماء نجاحا رائدا في ميدان استكشاف الفضاء والكون.
وأظهرت الصورة الأولى المجس الفضائي وكأنه يقع داخل حفرة على المذنب، ويظهر فيها سطح المذنب المعروف باسم «67بي/ تشوريموف - جراسيمنكو». كما تظهر فيها إحدى قوائم المجس.
وتواترت أنباء متفاوتة أمس تراوحت بين التفاؤل والتشاؤم حول مصير المجس الفضائي، إذ قالت الوكالة الأوروبية إنه يربض على جانبه ملتصقا بسطح أحد المنحدرات أو الصخور أو حتى أحد الكهوف في منطقة تبعد بنحو كيلومتر عن موقع هبوطه المقرر، متشبثا برجلين اثنتين من بين أرجله الثلاث فيما بقيت رجله الثالثة معلقة في الهواء. كما أنه يبدو غارقا في الظلمات الأمر الذي لن يسمح بشحن بطارياته عن طريق الألواح الشمسية، وهو ما يهدد بنفاد شحنتها خلال الساعات المقبلة.
إلا أن الفريق العلمي المشرف على المجس قال إنه يستقبل ما وصفه بأنه مجموعة من «البيانات العظيمة» الواردة من مختلف الأجهزة العلمية على متن المجس. وقال باولو فيري مدير المهمة الفضائية أمس، إن هناك سباقا محموما للحصول على البيانات من المجس و«إبقائه حيا»، بعد ورود تقارير عن أضرار لحقت بالألواح الشمسية عند هبوط المجس، إذ لم تتسلم الألواح طاقة من الشمس سوى لمدة 90 دقيقة فقط خلال فترة امتدت لـ12 ساعة.
وتظهر الصورة المجس الفضائي عند موقع ناء من حفرة كبيرة كان قد اقترح في البداية لكي يكون موضعا لهبوطه، إلا أن الاقتراح لم يحظَ بموافقة فريق العلماء المشرف على المهمة. وقال ستيفان يولاميك مدير مشروع المجس الفضائي بمركز «دي إل آر» الألماني للفضاء والطيران: «لعل المجس يقع عند حافة هذه الحفرة.. الأمر الذي يفسر الشكل الغريب للمكان الذي يربض به المجس حاليا على السطح».
وكان المجس قد ارتطم بسطح المذنب مرتين عند هبوطه، إذ إنه ارتفع عن السطح لارتفاع بلغ كيلومترا واحدا ليعود مرة أخرى ليهبط عليه. وقال يولاميك: «ربما كان المجس ارتفع مرة أخرى عن سطح المذنب.. ربما لم يهبط مرة واحدة بل مرتين».
ويطلق على المجس اسم «فيله» Philae نسبة إلى اسم جزيرة توجد في نهر النيل في مصر، ويلفظ الاسم بالإنجليزية «فايلي»، وكان قد هبط أمس بعد انطلاقه من سفينة «روزيتا» (حجر رشيد) الفضائية على سطح المذنب في الساعة الرابعة مساء بتوقيت غرينتش بعد 7 ساعات من الانفصال عن السفينة التي حلقت على بعد 500 مليون كيلومتر عن الأرض، غير أنه أثناء الهبوط الحر للمجس تعطل إطلاق الأرجل المصممة لإبقاء المجس ثابتا على سطح المذنب.
ورغم وزنه العالي البالغ 100 كيلوغرام على الأرض، فإن وزنه في الكون لا يزيد على وزن قطعة نقود على سطح المذنب الذي لا يتمتع بقوة الجاذبية.
وقال العلماء إن المجس متوازن ومستقر حاليا، إلا أنهم يتخوفون من إصدار الأوامر للمجس بتشغيل الخطاطيف (أو الحِرب) التي زود بها والتي لم يتمكن من تشغيلها لتثبيت نفسه بقوة على سطح المذنب. وقال يولاميك إن تشغيل كل حربة من الحرب قد يؤدي إلى انطلاق المجس من سطح المذنب سابحا في الفضاء. كما أبدى تخوفه من أن قيام المجس بحفر سطح المذنب للحصول على عينات منه قد يؤدي إلى الإخلال بتوازن المجس.
ويأمل العلماء في أن تقدم العينات التي ستجمع من المذنب تفاصيل حول كيفية نشأة الكواكب وتطور الحياة، حيث إن الصخور التي تتكون منها المذنبات تحتفظ بجزئيات عضوية قديمة وتكون أشبه بكبسولة زمنية. وترجع نشأة المذنبات إلى تشكل النظام الشمسي، أي قبل نحو 4.6 مليار سنة. ويعتقد علماء أن مذنبات ارتطمت بالأرض جلبت الماء إلى الكوكب في المراحل الأولى لنشأته.
وتجدر الإشارة إلى أن عددا من العلماء العرب عملوا ضمن الفريق العلمي للمركبة الفضائية، منهم الدكتور عصام حجي، المستشار العلمي السابق لرئيس جمهورية مصر و3 مشاركين آخرين وهم رامي المعري ود. أحمد الشافعي ود. عصام معروف. واكتشف المذنب 67بي/ تشوريموف - جراسيمنكو 1969، وكانت «روزيتا» قد وصلت إليه في أغسطس (آب) الماضي بعد رحلة استمرت 10 سنوات و5 أشهر و4 أيام قطعت خلال 6.4 مليار كيلومتر. وتكلفت الرحلة زهاء 1.4 مليار يورو (1.8 مليار دولار).



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».