الحكومة اللبنانية تتفادى انفجارها من الداخل بسحب بند التعيينات

الحكومة مجتمعة أمس برئاسة الرئيس ميشال عون (دالاتي ونهرا)
الحكومة مجتمعة أمس برئاسة الرئيس ميشال عون (دالاتي ونهرا)
TT

الحكومة اللبنانية تتفادى انفجارها من الداخل بسحب بند التعيينات

الحكومة مجتمعة أمس برئاسة الرئيس ميشال عون (دالاتي ونهرا)
الحكومة مجتمعة أمس برئاسة الرئيس ميشال عون (دالاتي ونهرا)

تفادت الحكومة اللبنانية أمس الانفجار من الداخل إثر سحب رئيس الحكومة حسان دياب في مستهل الجلسة بند التعيينات المالية والنقدية عن جدول الأعمال، على ضوء ملاحظاته على بعض الأسماء المطروحة، وفي غياب وزيرين محسوبين على «تيار المردة» الذي يطالب بتسمية شخصين، أحدهما ماروني، من أصل 6 مسيحيين كان سيعينهم مجلس الوزراء أمس.
وكان مجلس الوزراء عازماً على تعيين النواب الأربعة لحاكم مصرف لبنان المنتهية ولايتهم في أبريل (نيسان) 2019 ومفوض الحكومة لدى مصرف لبنان، والأعضاء الخمسة في لجنة الرقابة على المصارف المنتهية ولايتهم. وكان بند التعيينات مدرجاً على جدول أعمال الجلسة أمس، لكنه اصطدم برفض «المستقبل» ورؤساء الحكومة السابقين و«حزب القوات اللبنانية» لمنطق المحاصصة في التعيينات، كما اصطدم بمطالبة تيار «المردة» بتسمية شخصين مقربين منه.
وقالت مصادر وزارية إن دياب سحب بند التعيينات في مستهل الجلسة بعد خلوة مع رئيس الجمهورية ميشال عون قبل انعقاد الجلسة، مشيرة إلى ملاحظات وضعها دياب على بعض الأسماء التي وردت لتعيينها.
ونُقل عن دياب رده على الحملة التي استهدفت الحكومة، مؤكداً رفضه منطق المحاصصة السياسية في التعيينات. وشدد على أنّ حكومة التكنوقراط لا يمكنها أن تقبل بتعيينات لا تعتمد معايير الكفاءة. وأعلن سحب بند التعيينات من الجلسة.
ورأت وزيرة العمل لميا يمين دويهي التي غابت عن الجلسة في تغريدة على حسابها عبر «تويتر» أنه «لا بد للحكومة وانسجاماً مع الهدف الإنقاذي الذي على أساسه تشكلت، من اعتماد آلية علمية تنافسية شفافة في كافة التعيينات الإدارية والتي من شأنها إيصال ضاحب الكفاءة بعيداً عن المحاصصة التي أثبتت أنها السبب الأساسي فيما وصل إليه حال البلد وإلا سينتهي بها الأمر كسابقاتها».
وكان ترحيل بند التعيينات المالية والنقدية متوقعا؛ لأن الاتصالات التي سبقت الجلسة وصلت الى حائط مسدود. وقال مصدر قيادي في «تيار المردة» الذي يترأسه سليمان فرنجية لـ«الشرق الأوسط»: «بالأساس لم نطلب حصة بالتعيينات، لأننا منذ ثلاثين سنة وحتى اليوم لم يسبق أن طالبنا بحصة، وكنا اقترحنا تشكيل لجنة من أصحاب الكفاءة والخبرة بالمجالين النقدي والمالي، تنظر في طلبات المرشحين وتقترح الأفضل لشغل هذه المناصب مع مراعاة التوازن الطائفي». وأضاف القيادي «كنا اشترطنا تكليف اللجنة بهذه المهمة، وأن ينسحب اقتراحنا على الآخرين دون استثناء، أي أن ما نقبله لأنفسنا، على الآخرين القبول به بأنفسهم، لكن فوجئنا أن هناك من يفضل المحاصصة ويقاتل من أجلها» في إشارة إلى رئيس الجمهورية و«التيار الوطني الحر» الذي يترأسه النائب جبران باسيل. وأضاف «هذا ما يدفعنا للتعامل معهما بالمثل مع أنهما يتصرفان كما في السابق، بأن حصة الرئيس شيء وحصة التيار الوطني شيء آخر». وأشار القيادي في «المردة» إلى «أننا طالبنا بتسمية شخصين في التعيينات بهدف فرض بلوك على التعيينات، إلا أنهما أصرا على أن نسمي نحن شخصاً واحداً من الطائفة الأرثوذكسية، وكأنه لا يحق للمردة أي منصب للطائفة المارونية، ما يعني إصرارهما (عون والتيار الوطني) على احتكار الحصة المارونية وهذا أمر مرفوض».
وقال المصدر: «هددنا بالخروج من الحكومة وليس مقاطعة الجلسة فقط»، لافتاً إلى أن «الرئيس بري و(حزب الله) تدخلا مشكورين، لكن المشكلة بقيت في ملعب عون والتيار الوطني الحر، وليس عندنا، وهذا ما أدى إلى ما حصل اليوم (أمس) ولم يكن مفاجئاً».
ولفت المصدر القيادي نفسه إلى أن «الاعتراض ليس على توزيع المقاعد المسيحية، وإنما كانت لدينا ملاحظة تتعلق بعدد من الأسماء من الطائفة السنية لأنه من غير الجائز إغفال الحجم التمثيلي لمكون أساسي في الطائفة السنية، وهو المستقبل وبالتالي إلغاؤه».
وذكرت مصادر مطلعة على حيثيات النقاشات بالتعيينات لـ«الشرق الأوسط» أن المردة «لن يكونوا طرفاً في معركة تُخاض لمصلحة عون وفريقه السياسي ضد المستقبل، ذلك أن علاقة أعضاء تيار المردة بالمستقبل وبرؤساء الحكومات السابقين جيدة، ويأخذون بعين الاعتبار بيان رؤساء الحكومات وتلويح المستقبل باستقالة نواب كتلته من المجلس النيابي». وقالت المصادر إن حليفي فرنجية، «حزب الله» وحركة أمل، كان موقفهما منذ البداية أنهما لا يريدان الإخلال بالتوازنات القائمة، ويرفضان انفجار الوضع السياسي لأن البلد لا يتحمل مشكلة سياسية، الجميع في غنى عنها في هذه الفترة.
وكشفت المصادر أن رئيس الحكومة السابق سعد الحريري كان على تواصل مع رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس المردة سليمان فرنجية وقيادة «حزب الله» ممثلة بالمعاون السياسي لأمينه العام حسين خليل، إضافة إلى تواصله مع رؤساء الحكومات السابقين. وأشارت المصادر إلى أن الثنائي الشيعي «يعارض خوض معركة مجانية يمكن أن تنعكس احتقاناً سنياً - شيعياً وهما في غنى عنه»، لافتة إلى أن علاقة رؤساء الحكومات السابقين وتيار المستقبل جيدة مع الرئيس بري، كما أن علاقة «المستقبل» مع «حزب الله» يحكمها ربط نزاع حول ملفات يختلف عليها الطرفان.



الحوثيون يعدون بسداد ديون صغار المودعين خلال 17 عاماً

الحوثيون سيطروا على البنك المركزي وصادروا الدين العام الداخلي والخارجي وأرباحه (أ.ف.ب)
الحوثيون سيطروا على البنك المركزي وصادروا الدين العام الداخلي والخارجي وأرباحه (أ.ف.ب)
TT

الحوثيون يعدون بسداد ديون صغار المودعين خلال 17 عاماً

الحوثيون سيطروا على البنك المركزي وصادروا الدين العام الداخلي والخارجي وأرباحه (أ.ف.ب)
الحوثيون سيطروا على البنك المركزي وصادروا الدين العام الداخلي والخارجي وأرباحه (أ.ف.ب)

أطلقت الجماعة الحوثية التي تختطف العاصمة اليمنية صنعاء ومحافظات أخرى في شمال البلاد، وعداً بسداد جزء من الدين الداخلي لصغار المودعين على أن يتم دفع هذه المبالغ خلال مدة زمنية قد تصل إلى نحو 17 عاماً، وذلك بعد أن صادرت الأرباح التي تكونت خلال 20 عاماً، وقامت بتحويل تلك الودائع إلى حسابات جارية.

وتضمنت رسالة موجهة من فواز قاسم البناء، وكيل قطاع الرقابة والإشراف على المؤسسات المالية في فرع البنك المركزي بصنعاء الخاضع لسيطرة الجماعة، ما أسماه آلية تسديد الدين العام المحلي لصغار المودعين فقط.

وحددت الرسالة المستحقين لذلك بأنهم من استثمروا أموالهم في أذون الخزانة، ولا تتجاوز ودائع أو استثمارات أي منهم ما يعادل مبلغ عشرين مليون ريال يمني (40 ألف دولار)، بحسب أرصدتهم الظاهرة بتاريخ 30 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

عاملة في البنك المركزي اليمني في صنعاء الخاضع لسيطرة الجماعة الحوثية (أ.ف.ب)

وسيتم الصرف - بحسب الرسالة - لمن تقدم من صغار المودعين بطلب استعادة أمواله بالعملة المحلية، وبما لا يتجاوز مبلغ نحو 200 دولار شهرياً للمودع الواحد، وهو ما يعني أن السداد سوف يستغرق 16 عاماً وثمانية أشهر، مع أن الجماعة سبق أن اتخذت قراراً بتصفير أرباح أذون الخزانة قبل أن تعود وتصدر قراراً بتحويل تلك الودائع إلى حسابات جارية، ما يعني حرمان المودعين من الأرباح.

جملة شروط

حدد الحوثيون في رسالتهم التي اطلعت عليها «الشرق الأوسط» موعد تقديم طلب الاستعاضة بدءاً من شهر فبراير (شباط) المقبل، وبشرط الالتزام بالتعليمات، وإرفاق المودع البيانات والتقارير المطلوبة، وضرورة أن يتضمن الطلب التزام البنوك الكامل بتنفيذ التعليمات الصادرة من إدارة فرع البنك المركزي.

وهددت الجماعة بإيقاف الاستعاضة في حال المخالفة، وحمّلوا أي بنك يخالف تعليماتهم كامل المسؤولية والنتائج والآثار المترتبة على عدم الالتزام.

صورة ضوئية لتوجيهات الحوثيين بشأن تعويض صغار المودعين

ووفق الشروط التي وضعتها الجماعة، سيتم فتح حساب خاص للخزينة في الإدارة العامة للبنك لتقييد المبالغ المستلمة من الحساب، ويكون حساب الخزينة منفصلاً عن حسابات الخزينة العامة الأخرى، كما سيتم فتح حسابات خزائن فرعية مماثلة لها في الفروع، على أن تتم تغذيتها من الحساب الخاص للخزينة في الإدارة العامة.

ومنعت الجماعة الحوثية قيد أي عملية دائنة بأرصدة غير نقدية إلى حسابات العملاء بعد تاريخ 30 نوفمبر، إلا بموافقة خطية مسبقة من قبل فرع البنك المركزي بصنعاء.

ويشترط البنك الخاضع للحوثيين تسليمه التقارير والبيانات اللازمة شهرياً أو عند الطلب، بما في ذلك التغيرات في أرصدة العملاء والمركز المالي، وأي بيانات أخرى يطلبها قطاع الرقابة، خلال فترة لا تتجاوز خمسة أيام عمل من بداية كل شهر أو من تاريخ الطلب، مع استمرار الفصل الكامل بين أرصدة العملاء غير النقدية والأرصدة النقدية، وعدم صرف الإيداعات النقدية للعملاء لسداد أرصدة غير نقدية.

ومع ذلك، استثنى قرار التعويض صغار المودعين المدينين للبنك أو الذين عليهم أي التزامات أخرى له.

1.2 مليون مودع

وفق مصادر اقتصادية، يبلغ إجمالي المودعين مليوناً ومئتي ألف مودع لدى البنوك في المناطق الخاضعة لسيطرة الجماعة الحوثية، في حين تقدر عائداتهم بثلاثة مليارات دولار، وهي فوائد الدين الداخلي، لكن الجماعة الحوثية تصر على مصادرة هذه الأرباح بحجة منع الربا في المعاملات التجارية والقروض.

الحوثيون حولوا مقر البنك المركزي في صنعاء إلى موقع للفعاليات الطائفية (إعلام حوثي)

وبحسب المصادر، فإن هذه الخطوة تأتي محاولةً من الجماعة الحوثية للتخفيف من آثار قرارهم بمصادرة أرباح المودعين بحجة محاربة الربا، حيث يعيش القطاع المصرفي في مناطق سيطرة الحوثيين حالة شلل تام بسبب التنفيذ القسري لقانون منع التعاملات الربوية، والذي قضى على مصداقية وثقة البنوك تجاه المودعين والمقترضين، كما ألغى العوائد المتراكمة لودائع المدخرين لدى البنوك، وعلى الفوائد المتراكمة لدى المقترضين من البنوك.

وأدى قرار الحوثيين بشطب الفوائد المتراكمة على أذون الخزانة والسندات الحكومية إلى تفاقم مشكلة ندرة السيولة في القطاع المصرفي؛ إذ تقدر قيمة أذون الخزانة والسندات الحكومية والفوائد المتراكمة عليها لأكثر من 20 سنة بأكثر من 5 تريليونات ريال يمني، وهو ما يعادل نحو 9 مليارات دولار، حيث تفرض الجماعة سعراً للدولار في مناطق سيطرتها يساوي 535 ريالاً.

كما جعل ذلك القرار البنوك في تلك المناطق غير قادرة على استرداد قروضها لدى المستثمرين، والتي تقدر بنحو تريليوني ريال يمني، والتي كانت تحصل على عوائد منها بما يقارب مليار دولار، والتي تبخرت بسبب قانون منع التعاملات الربوية.