مشروع «عفو خاص» لإطلاق مئات السجناء في لبنان

وزيرة العدل ماري كلود نجم
وزيرة العدل ماري كلود نجم
TT

مشروع «عفو خاص» لإطلاق مئات السجناء في لبنان

وزيرة العدل ماري كلود نجم
وزيرة العدل ماري كلود نجم

دخلت الدولة اللبنانية في سباق مع الوقت لتخفيف الاكتظاظ داخل السجون وإخراج أكبر عدد من نزلائها، خوفاً من وصول وباء «كورونا» إليها والفتك بهم، واستكملت وزيرة العدل ماري كلود نجم قرارات إخلاء السبيل الصادرة عن قضاة التحقيق والمحاكم وشملت عشرات الموقوفين في الأيام الماضية، بمشروع عفو خاص بدأت بإعداده مع فريق عملها ويشمل مئات المحكومين الذين شارفت مدّة محكوميتهم على الانتهاء، إلا إن هذا الأمر لاقى اعتراض البعض، الذين ذكّروا بأن الحلّ الأمثل لأزمة السجون لا يتحقق إلا بقانون العفو العام.
وأعلنت الوزيرة نجم أن «العمل جارٍ على تكوين ملفات المحكومين الذين قد يشملهم مشروع العفو الخاص في حال إقراره». وكشفت عن «تنسيق قائم مع مديرية السجون في قوى الأمن الداخلي، لتكوين الملفات التي ستتضمن إفادات السلوك وخلاصات الأحكام، ليصار بعدها إلى إحالتها إلى لجنة العفو الخاص، ثم النيابة العامة التمييزية، قبل أن يوقع المرسوم رئيس الجمهورية ميشال عون ويصبح نافذاً». وأكدت وزيرة العدل أنها عرضت مشروع العفو الخاص على الرئيس عون في إطار الخطوات التي تهدف إلى معالجة الاكتظاظ في السجون لا سيما بعد انتشار فيروس «كورونا». وأوضحت أن رفع «أعداد المخلى سبيلهم، في حال أبصر المشروع النور، سيكون تدريجياً؛ بدءاً من الذي تبقى من محكوميته شهر، ثم شهران، إلى 4 و5 و6 أشهر، وقد نذهب لاحقاً إلى أبعد من ذلك بعد التشاور مع رئيس الجمهورية».
ويتزامن مشروع العفو الخاص مع قرارات إخلاء سبيل عشرات الموقوفين التي يتخذها يومياً قضاة تحقيق ومحاكم في جميع قصور العدل، وأوضح مصدر قضائي لـ«الشرق الأوسط»، أن المشروع «يستند إلى معايير موضوعية، تنطلق من حتمية تخفيف الاكتظاظ في السجون، ومراعاة الجانب الإنساني والاجتماعي لمئات السجناء، وهو لا يحتاج لتقديم طلب من المحكوم عليه أو موافقته المسبقة». واعترف المصدر بأن «هذا التدبير استثنائي في ظرف استثنائي، ويراعي أوضاع السجناء المحكومين على قدم المساواة». وقال: «بعد صدور قرارات إخلاء سبيل الموقوفين بشكل متلاحق، بقي المحكومون غير مستفيدين من الإجراءات الاستثنائية، من هنا أتت مبادرة وزيرة العدل لإنصاف أكبر عدد من السجناء». وشدد المصدر القضائي على أن «أهم معايير العفو الخاص، هو أنه يشمل من صدرت بحقهم أحكام مبرمة، والذين قضوا الفترة الأطول من محكوميتهم بالسجن، ومن أصحاب السلوك الحسن، الذين لم يبق على انتهاء سجنهم سوى مهلة تتراوح بين شهر و6 أشهر، كما تشترط المادة 156 من قانون العقوبات، أنه إذا عاد المعفى عنه وارتكب جريمة خلال المهلة التي أعفي فيها، يسقط العفو عنه فوراً ويعود لإكمال مدة عقوبته، عدا عقوبة الجرم الجديد الذي ارتكبه».
وتلجأ السلطة القضائية في لبنان، إلى تسريع وتيرة التحقيق مع الموقوفين وبدأت باعتماد آلية الاستجواب الإلكتروني، بسبب صعوبة نقل الموقوف إلى المحكمة، وطلب النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات من القضاة، عدم اللجوء إلى التوقيف إلا عند الضرورة القصوى. وشدد المصدر القضائي على أن «هذه التدابير استثنائية، لأنها تشكل تجاوزاً لقانون أصول المحاكمات الجزائية، الذي يفرض مثول الموقوف أمام قاضي التحقيق والتثبت من أنه يدلي بإفادته من دون ضغط أو إكراه».
وعن الأسباب التي دفعت بوزيرة العدل إلى البحث عن عفو خاص، بدلاً من مشروع قانون العفو العام العالق في أدراج مجلس الوزراء، ذكّر المصدر القضائي بأن «العفو الخاص ليس بديلاً عن العفو العام، لكن الأخير غير متاح تحقيقه الآن».
ويبدو أن الإجراءات الاستثنائية لا تطمئن أغلب السجناء، خصوصاً الموقوفين الإسلاميين؛ إذ عدّ المحامي فواز زكريا أن الحلول الجزئية لا تحل مشكلة السجون، وأكد لـ«الشرق الأوسط» أن «العفو العام يبقى الحلّ الأمثل في الظروف الصحية التي يمر بها لبنان، وهو أهم من أي إجراء آخر». وقال المحامي زكريا، وهو وكيل عدد كبير من الموقوفين الإسلاميين: «العفو العام بات حاجة وطنية ملحّة، بغض النظر عن المعطيات الطائفية والاعتبارات المذهبية التي تتجاذب هذا القانون».


مقالات ذات صلة

«الصحة العالمية»: انتشار أمراض الجهاز التنفسي في الصين وأماكن أخرى متوقع

آسيا أحد أفراد الطاقم الطبي يعتني بمريض مصاب بفيروس كورونا المستجد في قسم كوفيد-19 في مستشفى في بيرغامو في 3 أبريل 2020 (أ.ف.ب)

«الصحة العالمية»: انتشار أمراض الجهاز التنفسي في الصين وأماكن أخرى متوقع

قالت منظمة الصحة العالمية إن زيادة حالات الإصابة بأمراض الجهاز التنفسي الشائعة في الصين وأماكن أخرى متوقعة

«الشرق الأوسط» (لندن )
صحتك جائحة «كورونا» لن تكون الأخيرة (رويترز)

بعد «كوفيد»... هل العالم مستعد لجائحة أخرى؟

تساءلت صحيفة «غارديان» البريطانية عن جاهزية دول العالم للتصدي لجائحة جديدة بعد التعرض لجائحة «كوفيد» منذ سنوات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك ما نعرفه عن «الميتانيوفيروس البشري» المنتشر في الصين

ما نعرفه عن «الميتانيوفيروس البشري» المنتشر في الصين

فيروس مدروس جيداً لا يثير تهديدات عالمية إلا إذا حدثت طفرات فيه

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
صحتك فيروس رئوي قد يتسبب بجائحة عالمية play-circle 01:29

فيروس رئوي قد يتسبب بجائحة عالمية

فيروس تنفسي معروف ازداد انتشاراً

د. هاني رمزي عوض (القاهرة)
الولايات المتحدة​ أحد الأرانب البرية (أرشيفية- أ.ف.ب)

الولايات المتحدة تسجل ارتفاعاً في حالات «حُمَّى الأرانب» خلال العقد الماضي

ارتفعت أعداد حالات الإصابة بـ«حُمَّى الأرانب»، في الولايات المتحدة على مدار العقد الماضي.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.