تركيا تعتقل 6 صحافيين وتهدد نواباً برفع الحصانة

بسبب نشر تقارير حول القتلى في ليبيا وسوريا

TT

تركيا تعتقل 6 صحافيين وتهدد نواباً برفع الحصانة

اعتقلت السلطات التركية 6 صحافيين، كما يواجه عدد من نواب البرلمان مطالبات برفع الحصانة عنهم، وتعرّض سياسيون آخرون للاستجواب والتحقيق أو العزل من مناصبهم بسبب نشر تقارير أو تدوينات على مواقع التواصل الاجتماعي حول القتلى الأتراك في ليبيا وسوريا.
وألقت قوات الأمن التركية القبض على باريش تورك أوغلو مدير الأخبار في موقع «أودا تي» الإخباري، ومراسلة الموقع هوليا كيلينتش، بعدما نشرا أنباء عن مقتل عناصر تابعة للمخابرات التركية في ليبيا، ونقلهم إلى تركيا، ودفنهم سرّاً. كما تم اعتقال رئيس تحرير الموقع باريش بهلوان بعد أن تحدث علانية عن هذه القضية، ثم قررت محكمة تركية حَجْب الموقع.
وشملت الاعتقالات بسبب تقارير عن جنازات العسكريين القادمين في نعوش من ليبيا الكاتب في صحيفة «يني تشاغ»، مراد أجيرال، ومدير الأخبار في صحيفة «يني يشام» آي الدين قيصر، ورئيس تحريرها فرحات تشيليك.
ونشر أجيرال، وهو كاتب عمود في صحيفة «يني تشاغ»، والخبير الأمني عبد الله أجار، هويات وصور بعض الأتراك الذين قُتلوا في ليبيا. واكتُشِف فيما بعد أن القتلى على صلة بجهاز المخابرات التركية، وأنهم أُرسلوا إلى ليبيا ضمن الخبراء والعسكريين الذين أرسلتهم تركيا بموجب اتفاق للتعاون العسكري مع حكومة الوفاق الوطني برئاسة فائز السراج.
ومن جانبه، كشف النائب بالبرلمان عن حزب «الجيد» المعارض، أوميت أوزداغ، أن هؤلاء القتلى دُفِنوا دون المراسم المعتادة للجنود الذين قُتلوا في المعارك والذين تنظم لهم جنازات رسمية.
وتحرك الادعاء العام في تركيا لاتخاذ إجراءات بحق من تناولوا هذا الموضوع، عندما قالت وسائل الإعلام القريبة من حكومة الرئيس رجب طيب إردوغان، إن التقارير انتهكت قانوناً يحظر الكشف عن هوية عملاء المخابرات.
وكان إردوغان اعترف، في فبراير (شباط) الماضي، بوقوع قتلى من بين العسكريين الأتراك في ليبيا، لافتاً إلى مقتل اثنين فقط. بينما قالت المعارضة ومنتقدون للحكومة إنه يتم إخفاء العدد الحقيقي للجنود وأفراد الأمن الذين قُتلوا في ليبيا.
وطالب الادعاء العام في تركيا أيضاً برفع الحصانة البرلمانية عن إنجين أوزكوتش، النائب البارز من «حزب الشعب الجمهوري»، حزب المعارضة الرئيسي، لمواجهة اتهامات بإهانة الرئيس، كما تم عزل وفا سليمان رئيس بلدية في يالوفا (غرب البلاد) وينتمي سلمان لحزب الشعب الجمهوري أيضاً، وحل محله عضو في «حزب العدالة والتنمية» الحاكم ليحل محله.
ورأى نائب حزب الشعب الجمهوري بالبرلمان، آتيلا شارتال، أن الحكومة تحاول إشاعة الخوف، وإسكات الجميع، وكأنها تستعد لانتخابات مبكرة، قائلاً إن «حزب العدالة والتنمية» الحاكم اتبع الأسلوب ذاته في الانتخابات المبكرة التي أُجرِيَت في الأول من نوفمبر (تشرين الثاني) 2015، عن طريق بث الخوف في الرأي العام عبر هجمات إرهابية وعنف ومذابح، حتى إنهم وجدوا النجاح في هذه الطريقة حين خاف الناس وانسحبوا، والآن، يفعلون الشيء نفسه من خلال اتهام الصحافيين في حوادث في إدلب السورية أو ليبيا... إنهم يحظرون الاحتجاج على الحرب.
وأشار شارتال إلى أن صحيفة «يني تشاغ» وموقع «أودا تي في» أصبحا أحدث ضحايا حملة «حزب العدالة والتنمية» لإسكات المعارضة، قائلاً: «تم اختيار هذه الوسائل الإعلامية المعارضة على وجه التحديد... تشير هذه التحركات إلى انتخابات مبكرة. من ناحية، يبذل (حزب العدالة والتنمية) جهوداً لإجراء انتخابات تحت ضغط شديد من خلال جو الحرب في سوريا وليبيا، وإسكات وسائل الإعلام المعارضة. ومن ناحية أخرى، يحسبون أصواتهم على أساس الخوف الذي نشروه».
كانت منظمة الأمن والتعاون الأوروبي عبرت عن قلقها الشديد من اعتقال العديد من الصحافيين في تركيا. بعد اعتقال الصحافي باريش تورك أغلو مدير تحرير موقع «أودا تي في»، ومراسلة الموقع هوليا كيلنتش بسبب تقرير إخباري كشفا فيه عن هوية ضابط مخابرات قتل في ليبيا، بالإضافة إلى صحافيين آخرين في وقائع مشابهة. وأكدت المنظمة، في بيان، قلقها من حقيقة أن الصحافيين تم اعتقالهم لنشرهم تقارير حول قضية ذات اهتمام عام. وطالبت السلطات التركية بإطلاق سراحهم على الفور، مشددة على أنه يجب أن يكون الصحافيون قادرين على العمل بحرية ومتابعة عملهم في إعلام الجمهور دون رقابة أو ضغط أو تخويف.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟